التعليم العالي: تقدم 28 جامعة في تصنيف التايمز العالمي للجامعات الناشئة 2024    طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان العلوم    المجلس الأعلى للحوار الإجتماعي يستكمل جلساته برئاسة وزير العمل    «الصحفيين» تدعو قيادات الصحف للاجتماع التحضيري للمؤتمر العام الثلاثاء المقبل    مفتى الجمهورية: الالتزام بالقوانين المنظمة للحج ضمن شرط الاستطاعة ويجب عدم مخالفتها    برلماني عن قانون إدارة المنشآت الصحية: من فشل في الإدارة لن يكون كفء في الرقابة    توريد 200 ألف طن من محصول القمح لصوامع البحيرة    وصول 96 ألف طن قمح على متن سفينتين لصالح هيئة السلع التموينية والقطاع الخاص    مؤتمر أخبار اليوم العقاري | أحمد العتال: أسعار العقارات لن تنخفض خلال الفترة القادمة    الرئيس السيسي يهنئ نظيره التشادي بفوزه في الانتخابات الرئاسية    محمد حمزة يهزم لاعب التشيك ويضمن ميدالية لمصر في بطولة الجائزة الكبرى لسلاح الشيش    وسام أبوعلي: سنقاتل للفوز بدوري أبطال أفريقيا    مصدر من نادي إينتراخت فرانكفورت يكشف ل في الجول مصير عملية مرموش الجراحية    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    إصابة طالبة بإعدادية الأزهر بالزائدة الدودية في الشرقية    أمن الجيزة يضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء داخل مدرسة بفيصل    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    السجن 3 سنوات ل حارس عقار و2 آخرين بتهمة «السرقة بالإكراه» في منطقة التجمع الخامس    «دراما الشحاذين» يستهل فعاليات المهرجان الختامي لنوادي المسرح ال31    خفة ظله «سر» شهرته.. ذكرى وفاة الفنان حسن مصطفى    تعرف على النجم الأقل جماهيرية في شباك تذاكر أفلام السينما السبت    «القومي للبحوث» يوجه للأمهات بعض النصائح للتعامل مع الجدري المائي    نصائح مهمة من «الصحة» بسبب الطقس الحار.. تجنبوا الخروج واغلقوا النوافذ    الوقوف فى طابور وحفر المراحيض وصنع الخيام..اقتصاد الحرب يظهر فى غزة    ولي العهد السعودى يبحث مع مستشار الأمن القومى الأمريكى الأوضاع فى غزة    أوكرانيا: القوات الجوية تسقط 37 طائرة روسية دون طيار    المصرين الأحرار عن غزة: الأطراف المتصارعة جميعها خاسرة ولن يخرج منها فائز في هذه الحرب    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    إصابة 4 مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    رئيس النواب: القطاع الخاص لن يؤثر على تقديم الخدمة للمواطن أو سعرها    رئيس جهاز السويس الجديدة تستقبل ممثلي القرى السياحية غرب سوميد    وزير المالية: حريصون على توفير تمويلات ميسرة من شركاء التنمية للقطاع الخاص    وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق الدورة الثانية لملتقى تمكين المرأة بالفن    عماد الدين حسين: تعطيل دخول المساعدات الإنسانية لغزة فضح الرواية الإسرائيلية    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    وزيرة التضامن تلتقي بنظيرها البحريني لبحث موضوعات ريادة الأعمال الاجتماعية    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ترامب ينتقد بايدن مجددًا: «لا يستطيع أن يجمع جملتين معًا»    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    وزير الصحة: التأمين الصحي الشامل "مشروع الدولة المصرية"    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    رئيس النواب يفتتح أعمال الجلسة العامة    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    أسعار الدولار اليوم الأحد 19 مايو 2024    كيف تستمتع بنوم عميق في الطقس الحار؟    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البابا شنودة.. «ديكتاتور» الكرازة المرقسية !

أستاذى العزيز الدكتور «وهيب عطا الله»، إنكم أكبر من الدكتوراه، وإن هذه الدرجة ما هى إلا شهادة لناحية من نواحى قدرتكم العقلية.. هذه القدرة أو هذه الموهبة التى هى أسبق بكثير من هذه الدراسة, هى واحدة من مواهب أخرى كثيرة حباكم بها الله.. أليس من الأحق أن أهنئ جامعة مانشستر لأن وهيب عطالله «أنبا غريغوريوس فىما بعد» كان طالبا من طلاب علمها فى يوم ما.





هكذا كان يخاطب الراهب «أنطونيوس السرياني» - قداسة البابا شنودة الثالث فيما بعد - أستاذه وهيب - أو الأنبا غريغوريوس. الأمر الذى يظهر بوضوح عمق العلاقة - التى كانت - بين القطبين الكبيرين إذ مرت هذه العلاقة بارتفاعات وانخفاضات فى منحنيات الحياة. منحنيات هذه المذكرات أوضحت أن الشرخ فى العلاقة بين الرجل وتلميذه، بدأ العلاقة كشفت عنها مؤخرا مذكرات الأنبا غريغوريوس التى صدرت فى ثلاثة أجزاء (1659 صفحة من الحجم الكبير). وقام بإعدادها الإكليريكس الأمين «منير عطية». الذى كرس حياته للحفاظ على كتابات وتراث الأنبا غريغوريوس، إذ تولى إصداره فى 40 جزءاً حتى الآن.

المذكرات أوضحت أن الشرخ فى العلاقة بين الرجل وتلميذه بدأ عندما قرر البابا كيرلس السادس رسامة الراهب باخوم أسقفاً باسم الأنبا غريغوريوس فى 10 مايو عام 1967 على معهد الدراسات القبطية الأمر الذى اعتبره الأنبا شنودة اعتداء على اختصاصاته!

هنا يروى الأنبا غريغوريوس تفاصيل تلك الليلة فيقول قد جاءنى عدد من الإكليريكيين.. فيبدو أنه انزعج جدا لرسامتي، واعتبر هذه الرسامة اعتداء على اختصاصاته.. وأبلغونى بأن الجو مكفهرً جدا وأن اتصالات تليفونية لا تنقطع بالأنبا شنودة. وأن الأنبا شنودة يريدك أن تترك البطريركية. ثم عادوا يقولون إنه يريد مقابلتك للتفاهم. وكانوا يتكلمون معى بإلحاح شديد جدا، بصورة تجاوزت الحدود، وكان أكثرهم إلحاحا وصخبا الدكتور إميل ماهر.

لقد كان يتكلم بعصبية شديدة وصوت مرتفع، وسخط عظيم على البطريركية. وبغضب مؤلم مع ثورة عارمة، وأخذ يتكلم كلاما كثيرا عن هذه الرسامة وعدم قانونيتها. وعن قصد البابا فى أن يفرق بين الأنبا شنودة وبيني، وعن تفتيت الوحدة بيننا، وكان عصبيا إلى أقصى حد، ويتكلم كثيرا ثم يعيد ما قال فى غضب شديد، وحماسة وصوت عال وثورة وتشكيك فى عمل الروح القدس.. وقد أزعجنى جدا حديثه، وكدت أتمزق وأنفجر، ووضعت يدى على رأسي، وسمح الدكتور إميل لنفسه أن يقول : إن الأنبا شنودة يزمع أن يأتى بنفسه ويحرم الرسامة، وكرر هذا التعبير مرارا. ولم يكن الإخوة الآخرون صامتين، مما اضطرنى تحت ثقل الكلمات الموجعة والتعليقات المزعجة، أن أقول بأسلوب مؤدب «من فضلكم اتركوني، كفى كلاما».

فصمتوا إلى حين، وعادوا يلحون على أن أقوم وأذهب معهم للالتقاء بالأنبا شنودة، وعاد هو إلى صوته العالى وصخبه، وأنا فى أثناء هذا كله مطرق، ويديّ على رأسى التى تكاد أن تنفجر، وفى نفس الوقت أصلى فى صمت، وأستغيث بالرب أن يتفضل فيغيثنى فى هذه الأزمة، ويعيننى على التصرف اللائق، وأخيرا قلت لهم بصوت واضح النبرات وبغير تردد «أنا سوف لا أنزل معكم، سوف لا أترك البطريركية». فصدموا جدا، وكأن لطمة قوية وقعت على وجوههم.

فتركونى واتجهوا إلى الأنبا شنودة، وبعد قليل عادوا إلىًّ مرة أخرى يكررون ما قالوه، أولا من أن رغبة الأنبا شنودة هى أن نلتقى فى الأنبا رويس، وأنهم مستعدون أن يعودوا بى بعد هذا اللقاء مرة أخرى إلى البطريركية. وقال هذا الأخ من بين ما قال هذه المرة، إن الأنبا شنودة كتب برقية مستعجلة بعد الساعة الثانية عشرة مساء قال فيها لقداسة البابا كيرلس السادس :

«رسامة أسقفين على إيبارشية واحدة تتعارض مع قوانين الكنيسة. ربنا موجود» ولما سمعت هذا الكلام قلت : أحقا هذا ؟ قال : نعم. قلت : حسنا. لتكن إرادة الله.

وتركتهم ودخلت حجرتي، وعادوا يطرقون على بابى مرة أخري، فخرجت إليهم، وإذا بهم يطلبون إلى إذا كنت لا أوافق على أن أنزل معهم، فلا أقل من أن أكلم الأنبا شنودة تليفونيا، وطلبوا الأنبا شنودة من سكرتارية البطريركية بالدور الثاني، ولم يتنبهوا إلى أن هناك آخرين موجودين، شعرت بهم جميعا حولى بعد أن فرغت من المكالمة التليفونية.

كان حديث الأنبا شنودة واضحا فى أنه فهم هذه الرسامة على أنها اعتداء على اختصاصاته، وقال الأنبا شنودة : إن قوانين الكنيسة تمنع رسامة أسقفين على إيبارشية واحدة، قلت : طبعا مفهوم قال : أنت تعرف أنه من الوجهة الشخصية أنا لا أمانع أن أترك لك كل شيء، وأنا فعلا كنت تاركا لك كل شيء، ولكننى أتكلم من وجهة الوضع القانوني. وأخذ الأنبا شنودة يكرر نفس المعنى فى أساليب كثيرة متنوعة.

قلت : يا أنبا شنودة اطمئن كل الطمأنينة لا يمكننى أبدا أن اعتدى على اختصاصاتك، وأنا أجبرت على هذه الرسامة، ولم يكن هذا الموضوع يخطر ببالي. إن البابا قبض عليّ بعد أن جذبنى من بين الكهنة بشدة، وتمنعت كثيرا ولكنى لم أفلح. حاولت الهرب من الكنيسة ولم أنجح. والآن لقد رسمنى ونطق النطق الكنسى الرسولي، وأشترك معه المطارنة.

ولكن صدقنى لا يمكن أن أعتدى على اختصاصاتك، ولا أقبل ذلك بتاتا. قال الأنبا شنودة، لكن البابا رسمك على معهد الدراسات القبطية. قلت هذا حصل فعلا، ولكنى ما قبلت هذا ولا أقبله، ولقد تكلمت مع البابا فى هذا الأمر طويلاً وعرفته أن هذا الوضع غير ممكن، وأن معهد الدراسات القبطية هو من اختصاصات الأنبا شنودة، وقد وافق البابا على تغيير النطق على الدراسات العليا والثقافة القبطية، ومن جهتى سأقابل البابا مرة أخرى وأكلمه مرة أخرى فى هذا، وسأطلب حضورك للرسامة.

وعاد الأنبا شنودة يقول : لابد أن يكون الوضع واضحا منذ الابتداء، ولابد أن يكون واضحا أيضا فى التقليد. ألم يكتب التقليد ؟ قلت : طبعا لا. قال : لابد من الانتباه إلى هذا.

وقال الأنبا شنودة فيما قال : ضرورى أن ينص فى التقليد على اختصاصاتك.

قلت هذا سيحدث إن شاء الله، ولكنى أريد أن أؤكد لك أننى حتى لو رُسمت بهذا النطق فالمهم هو التنفيذ. لن أنفذ إلا ما أسند إلى من أعمال فى حدود ضميري. ولن يقبل ضميرى أن أعتدى على اختصاصاتك، أو أية اختصاصات أخرى لغيري.

هذه الرسامة إذن كانت إرهاصات للمنحنى الذى سوف تأخذه العلاقة بين القطبين، وخاصة بعد تنصيب الأنبا شنودة بطريركا عام 1971.


الأنبا غريغوريوس كتب أيضا فى يومياته بتاريخ 6 نوفمبر 1973 ما يلى مقابلة الأستاذ ملاك ميخائيل مقابلة طويلة استغرقت إلى ما بعد الساعة 12 مساء فى موضوع العلاقات بينى وبين البابا شنودة مما نقله إلى الأستاذ ملاك أن البابا يروى له أننى لا أعطيه اعتباره واحترامه كبطريرك. وهذا أمر عجيب فإننى أقبل يده ثم.. إننى دائما أخاطبه «قداستكم».. ولا أعلم ماذا يريد منى ثم يقول له أننى أقرأ فى الصحف أنه يصلى فى الكنائس ولا يستأذنني. قلت واعجبا أنه يصنع ما كان ينتقده على البابا كيرلس. ومع ذلك فإنه عندما صار بطريركا كنت دائما أقول لمن يدعوني: استأذنوا البابا أولا.. لكننى على الرغم من ذلك أتعجب أن يثير الأنبا شنودة هذه الأمور التى كان يثيرها وينتقدها فى عهد البابا كيرلس وكان يعانى منها ويشكو منها.


الأنبا غريغوريوس قرر ترك وكالة الكلية الإكليريكية وعدم التدريس بها. وفى يوم السبت 15 ديسمبر 1973 كتب فى يومياته «نحو الساعة الواحدة بعد الظهر حضر لزيارتى الأنبا يؤانس أسقف الغربية والأنبا أغاثون أسقف عام والأنبا «تيمثؤس» حضروا كما قالوا منتدبين عن البابا شنودة.. ليقنعونى بالتدريس بالإكليريكية، وكانت إجابتى واضحة وسريعة: إننى لا أريد أن أذكر الإكليريكية.. علاقتى بالإكليريكية انتهت.. لست أرى أن هناك إكليريكية.. لقد قضى الأنبا شنودة عليها». سيأتى وقت يكون الأنبا شنودة هو المدرس الوحيد بالإكليريكية. إن كلام الأنبا شنودة عنى ونحوى وإليّ.. كلام حلو» لكنه كلام.. لقد شبعنا الكلام. شبيه بالكلام الذى يقوله يوم الجمعة.
إنه رجل يجيد الكلام وقد أرسل للبابا شنودة خطابا صريحا بتاريخ 28 ديسمبر 1973 مما جاء فيه:

إن قداستكم تعلمون جيدا أنه ليست بيننا تركة لنختصم عليها. وتعلمون أن أساس الخلاف بيننا هو سياستكم نحو الإكليريكية التى صارت غامضة أمام عيني، وأخذ غموضها يزداد يوما بعد آخر، حتى أمست ظلاما دامسا أثار شكوكى وقلقي، وقد أفضت بهذا إلى شقيقكم القس بطرس على انفراد، وطلبت إليه أن يتحدث إليكم فى هذا الخصوص، وكان ذلك من بضعة شهور قبل تقديم استقالتى من وكالة الكلية فى 6 يناير 1973. ولم يعد إلى ليفيدنى بنتيجة حديثه معكم منذ سنة ونصف تقريبا. إلى أن جاءنى أخيرا فى الأسبوع الماضى ليعرض تدخله. فلما ذكرته بالمهمة التى كنت قد كلفته بها منذ سنة ونصف أبدى خجلا ثم قال : لقد تحدثت إلى قداسة البابا فعلا، ولكنه أجابنى قائلا : «اترك لى هذا الموضوع». «ولما قال لى هذا لم أعد أكلمه فيه».

وبهذا المعنى تقريبا أجابنى الذين كانوا يتطوعون للتدخل بيننا. ولما كان البعض يسألكم عما ستعملونه لإصلاح الأوضاع فى الإكليريكية كانت إجابتكم : أنا أعرف ما سأصنع. إن فى ذهنى ما سوف أصنعه..

قلت إذن : هناك سياسة مكتومة أو متكتمة.. وازداد يقينى من هذه السياسة المرسومة والمتكتمة بعد رفضكم لكل اقتراح شفاهى أو مكتوب عرضته عليكم فى مناسبات متعددة.. وإجابتكم المقتضبة التى كانت تحمل رفضا حازما ثم صدا متواليا.. كلما كلمتكم فى شأن من شئون الإكليريكية.. وكانت الإجابات واضحة فى كل مرة فى عينيكم، وعلى قسمات وجهكم.. أنى أعرف طريقى جيدا.. لست أريد اقتراحات.. إنها خيالات.. الإكليريكية تخصنى وحدى ولا تخص أحدا آخر.. أنا المدير المسئول.. وأنا البطريرك وأنا أسقف الإكليريكية.. ليس لأحد غيرى شأن فيها.. هون على نفسك.. فأنا أعرف ما أنا صانعه. وما سوف أصنعه..

ومرت الأيام ولم تعد سياستكم نحو الإكليريكية غامضة فى نظرى كما عبرت فى بادئ الأمر حتى لا أخطئ التعبير.. ولم يعد الأمر شكوكا، ولا حتى يقينا تشوبه ظنون أو شبهات.. بل أمسى الموقف واضحا، ليس لى وحدي، فاطمأن ضميري.. وأيقنت أننى لم أقع فى خطيئة الظن الإثم وصبرت وأنا على الجمر أتلظي, وقلبى يحترق احتراقا فى كل لحظة حتى صرت ألهج بقول النبى فى المزمور: عظامى مثل وقيد قد يبست ملفوح كالشعب ويابس قلبي.. من صوت تنهدى لصق عظمي.. بلحمي.. سهدت وصرت كعصفور منفرد على السطح.. ويضيف أنبا غريغوريوس.

اسمع أنكم ترددون أنكم تحبونني،.. وتشفقون عليّ، وعلى صحتي.. وتصنعون معى كل خير.. ومن آيات هذا الخير.. أنكم أعددتم لى مسكنا بالطابق الأرضى إشفاقا على من صعود السلم.. وأنكم قد أنفقتم الكثير على هذا المسكن..

لقد سمعت هذا القول مرارا.. سمعته كثيرا فى عدد من المناسبات.. ولقد ذكرتموه قداستكم لعدد من الناس.. حتى خجلت من نفسي.. وخجلت من مرضى وضعفى الذى أوصلنى إلى هذا الوضع الذى يرثى له..

ولقد كنت أتمنى لكم أن جميلكم هذا يظل فى الخفية مستورا.

ولقد ذكرنى ترديد فضلكم على الناس بما صنعتموه لى من جميل فى أمر ذلك السكن الأرضى - والذى تفضل أحد الخيرين فى صمت، فذكرتموه لكثيرين أكثر عددا عن فضلكم على بنزولكم من الدير للمرة الأولى بعد خمسة شهور، لتتحدثوا إلى البابا الراحل كيرلس السادس فى أمر حاجة الإكليريكية إليّ، وإرجاء رسامتى أسقفا على ديروط.

لقد تكلم معى كثيرون من الكبار والصغار فى هذا الأمر، وهم - نقلا عنكم - يقارنون بين موقفى منكم وموقفكم مني..

ويتابع : لقد أصبحت على رأس الخونة، لأننى على حد تعبيركم الذى نقله إليّ أحد شيوخ المطارنة «قد تواطأت مع البابا» الراحل.. وعلى حد قولكم فى بعض نشراتكم المطبوعة بالمطبعة والتى وزعها على مستوى الجمهورية أصدقاؤكم أو من كانوا يسمون أنفسهم بأصدقاء الكلية الإكليريكية «أننى كنت مخلب القط» فى مؤامرة البابا الراحل ضدكم.. وأننى خنتكم خيانة يهوذا لسيده المسيح، وقتلتكم كما قتل قابيل الشرير هابيل الصديق.

ولذلك عدتم يا أبى من الدير بعد ثمانية شهور من اعتكافكم عودة رجل عرف طريقه جيدا.. وعرف من هم المخلصون ومن هم الخونة.. وبدأ يتضح نفوذكم كأسقف للإكليريكية بالمعنى الحقيقى الكامل..

لقد كنتم زمانا تصرحون بأن «الإكليريكية ليست هى رسالتي» أما بعد عودتكم هذه المرة بعد ثمانية شهور الاعتكاف، فقد صارت تصريحاتكم قولا وعملا «أنا أسقف الإكليريكية»..

وبدأت هذه الإكليريكية تظهر فى نظركم سوداء وقبيحة.. ولذلك يجب تدميرها وإلغاؤها.. وإنشاء إكليريكية أخرى بديلا عنها.. وعلى طريقتكم «الهادئة الوديعة» بدأ إهمالكم لهذه الإكليريكية أكثر وضوحا إلى أن تموت تدريجيا.. بعد أن «ماتت أولا فى قلب قداستكم».

أما أولئك الأساتذة والمدرسون الذين «لم يثبتوا معك فى تجاربك» أو على حد تعبيركم المستقى من كلام الرسول بولس «.. الجميع تركوني.. لا يحسب عليهم» «2. تى 16:4».. فقد حلت عليهم النقمة وحق بهم الانتقام.

«مقت ذلك الجيل. وقلت هم شعب ضال قلبهم، وهم لم يعرفوا سبلى : فأقسمت فى غضبى لا يدخلون راحتي» «مزمور 94: 10، 11» إلا اثنان منهم فقط هما يوشع بن نون، وكالب بن يفنة..

فمنهم من أخرجتم بأمر بابوى بحجة أو بأخري.. ومنهم من حرمتوهم بإصرار وتعمد من مستحقاتهم حتى يضطروا إلى أن يخرجوا من كثرة ما يعانون من ضغط.. ومنهم من أهملتموهم حتى يخرجوا من تلقاء ذواتهم.. تحت إغراء القميص الملون.. ليرسموا كهنة، ومنهم من أصابهم اليأس والقنوط فإما تركوا.. وإما سيتركون..

أنت يا أبى لا تريد من أساتذة الإكليريكية ومدرسيها أن يكونوا رجال الله أو رجال علم.. إنما تريدهم أن يكونوا «رجالتك» رجالاتك أنت، يحيطون بك، ويذودون عنك ويحمونك ولذلك لا تترك مناسبة حتى توبخهم وتعنفهم على موقف من الانتخابات البطريركية الأخيرة، وتغيظهم بموقف «أولاد أبونا متي».. ولم تستطع أن تنسى لهم هذه الخطيئة على الرغم من «فوائد النسيان حتى فى الحفل العائلى الأول الذى جمعكم بهم بعد تنصيبكم بطريركا!

نشر الأنبا غريغوريوس مقالا فى أكتوبر 1974 بعنوان «خطاب مفتوح إلى المجلس المللى العام»أسف فيه على رسامة أعضاء المجلس من المدنيين شمامسة.. لأن هذه الرسامة تنطوى على فهم ناقص لدور العلمانيين أو المدنيين الصريح فى كنيستنا وتجاهل لأهميتهم فى تكوين الكنيسة والشعب، وغضب البابا شنودة جدا، واعتبر أنه المقصود بكلمة «فهم ناقص» لأنه هو الذى قام بالرسامة، وصدرت قرارات تمنع الأنبا غريغوريوس من الصلاة والوعظ فى الكنائس إلا بإذن البابا. وقد أخبر كثيرون الأنبا غريغوريوس أن البابا يريد الاعتذار عن المقال. فى حين أن أسقف البحث رأى أن الاعتذار يثبت الإهانة ولا ينفيها. وتوالت القرارات حيث منع من الصلاة أيضا فى الكنيسة الأثرية بالأنبارويس ومن دير أبومقار بوادى النطرون. ولم تقدم له الدعوة لاجتماع قدامى خدام التربية الكنسية.

وقد فشلت كل مساعى الصلح التى قادها عدد من الأساقفة والأراخنة. وتكشف المذكرات أن أخبار الخلاف وصلت لسفراء عدد من الدول مثل سفراء كندا وإيطاليا وروما الذين سألوا الوفدى الكبير أمين فخرى عبدالنور عن سبب الخلاف. الذى تحول لقضية رأى عام وازداد الضغط وأغلقت جميع الأبواب والشبابيك فى وجه الأنبا غريغوريوس وتلقى الكثير من الضغوط والتهديد والوعيد والإذلال حتى أصيب بأزمات قلبية، ولم يتم الصلح بين الأسقف والبابا إلا فى فبراير 1977.

ولم تكن مصالحة قاطعة. إذ تجددت الخلافات، وخاصة بعد أن اختار الرئيس السادات الانبا غريغوريوwس ضمن اللجنة الخماسية لإدارة الكنيسة. عندما قرر عزل البابا شنودة فى عام 1981 ولهذا قصة أخرى



فى العدد القادم:
أسرار أول مجمع مقدس برئاسة البابا شنودة ولماذا قيل له «هتخربها»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.