لقد تخطت المكسيك ذلك الزمان الذي كان اقتصادها فيه مكبلا بالقيود في التعريفة الجمركية والتجارة الدولية وأصبحت الآن مقصدا للشركات العالمية خاصة تلك التي تريد أن تقترب من أسواق الامريكتين وفي مقدمتها بالطبع سوق الولاياتالمتحدة وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن اتفاقية "النافتا" التي عقدت عام 1994 وخفضت الحواجز الجمركية بين المكسيك وكندا والولاياتالمتحدة كانت هي البداية، أما الآن فالمكسيك ترتبط باتفاقات للتجارة الحرة مع 44 دولة حول العالم وهو رقم لم يتكرر بالنسبة لأية دولة أخري في العالم حتي الآن، وفي شمال ووسط المكسيك صارت الشركات الالمانية تعمل علي انتاج المكونات الكهربية من اجل تصديرها إلي أوروبا وتعمل الشركات الكندية هناك أيضا لانتاج مكونات الطائرات وأجهزة التليفون والديب فريزر وغيرها، ونتيجة لذلك صارت المكسيك تصدر سلعا صناعية كل عام تساوي ما تصدره كل بلدان أمريكا اللاتينية مجتمعة إلي العالم الخارجي، كما صارت التجارة الدولية المكسيكية تمثل شريحة من اجمالي الناتج المحلي أكبر من أية دولة أخري في حجم المكسيك وسط الاسواق الناشئة. ولاشك أن هذه حقائق جيدة ولكننا يتعين أن نعرف أن المكسيك كانت قد تلقت لطمة قوية بسبب الازمة المالية العالمية عام 2007 2008 ولأن اقتصاد المكسيك كان شديد الانفتاح علي الولاياتالمتحدة فقد كانت المسكيك من ركود عميق، ففي عام 2009 علي سبيل المثال انكمش الاقتصاد المكسيكي بنسبة 6% سنويا، وقد حدث ذلك في أعقاب 10 سنوات صعبة كانت قد مرت بها المكسيك خاصة بعد انضمام الصين إلي منظمة التجارة العالمية عام 2001 حيث حلت الصادرات الصينية محل الصادرات المكسيكية في كثير من الأسواق داخل وخارج الأمريكتين. وانكمشت الصناعات التصديرية المكسيكية ولم يتجاوز نمو الاقتصاد المكسيكي 6.1% سنويا منذ عام 2001 حتي عام 2010 أي أقل من نصف معدل النمو في البرازيل خلال ذات الفترة.. وكان النمو البرازيلي قد انتعش نسبيا بفعل صادراتها من المواد الخام إلي الصين. ولكن الأوضاع الآن بدأت تتغير في المكسيك فالمصانع والقطاع المالي وحقول البترول والغاز تتهيأ كلها لعقد جديد يتميز بالانتعاش.. فالمكسيك التي كانت من أقل دول أمريكا اللاتينية نموا اقتصاديا حققت في عام 2012 معدل نمو يناهز ال 4% سنويا مقابل 2% فقط للبرازيل.. ويأمل الرئيس المكسيكي الجديد إنريك بينا زيادة هذا المعدل إلي 6% سنويا قبل أن تنتهي مدة رئاسته البالغة 6 سنوات. ومع نهاية العقد الراهن ستكون المكسيك ضمن أكبر 10 اقتصادات علي مستوي العالم بل وهناك من يري أنها ستكون صاحبة الاقتصاد الأكبر علي مستوي أمريكا اللاتينية. والسؤال المهم حقيقة هو: كيف ستحقق المكسيك هذا التحول الدرامي؟ إن رواج ماكينة الصادرات الصينية الرخيصة كانت ولاتزال تحرم المكسيك من مليارات الدولارات.. أما الآن فإن ارتفاع أجور عمال آسيا عموما بجانب تكاليف النقل جعل الشركات تتجه غربا مرة أخري.. ويقول جيم أونايل خبير جولدمان ساكس الذي سبق له أن صك تعبير "البريكز" عام 2001 إن تأثير الجاذبية الصينية بدأ يتغير لصالح المكسيك.. فأجر العامل الصيني لم يعد رخيصا كما كان من قبل.. ففيما مضي كان متوسط أجر العامل الصيني في الساعة 32.0 دولار مقابل 51.1 دولار لنظيره المكسيكي.. أما الآن فالسعر في الساعة قفز إلي 63.1 دولار للعامل الصيني مقابل 10.2 دولار لنظيره المكسيكي.. أي أن أجر العامل المكسيكي الذي كان يمثل 72.4 ضعف أجر العامل الصيني صار الآن يمثل نحو 3.1 ضعف أجر العامل الصيني فقط.. أكثر من ذلك فإن الحد الأدني للأجور الآن في المدن الصينية الصناعية مثل شنغهاي وكينجداو صار أعلي من نظيره في مكسيكو سيتي ومونتري. أضف إلي ذلك أن تكاليف النقل زادت هي الأخري بسبب زيادة أسعار البترول فمن بداية القرن الجديد حتي الآن زاد سعر برميل البترول 300% تقريبا وزادت بالتالي أسعار الشحن من آسيا إلي أمريكا فضلا عما تستغرقه رحلة السفن من آسيا إلي الأمريكتين من وقت يصل إلي نحو 3 أشهر بينما النقل من المكسيك إلي أمريكا لا يحتاج سوي يومين.. وقد ذكرت شركة الاستشارات أليكس بارتنرز في عام 2011 أن أثر الزيادة في الأجور وتكاليف النقل وتقلبات العملة جعلت المكسيك أرخص مكان تصنع فيه السلع المتجهة إلي الولاياتالمتحدة متفوقة بذلك علي الصين والهند وحتي فيتنام.. وقد حرصت شركة مثل سيمنز الألمانية علي الاستفادة من هذا الوضع الجديد فصار لها في المكسيك 13 مصنعا توظف 6 آلاف مكسيكي فضلا عن أن الجامعات المكسيكية تخرج الآن مهندسين أكثر ممن تخرجهم الجامعات الألمانية وهذا يعني توفر العمالة الماهرة في المكسيك.. كما أن شركة نيسان تبني هناك الآن مصنعا جديدا يتكلف ملياري دولار وسينتج هو والمصانع القديمة التابعة لنيسان في المكسيك سيارة كل 30 ثانية أي أكثر من مليون سيارة سنويا.. والأمر الأهم أن 80% من مكونات هذه السيارات تصنع هي الأخري داخل المكسيك ولا تتعرض أسعارها لتقلبات أسعار العملات ولذلك تتوسع شركات السيارات الأخري مثل مازدا وهوندا وأودي في المكسيك حتي أنه صارت المكسيك تنتج نحو 3 ملايين سيارة سنويا وصارت أيضا رابع أكبر دولة مصدرة للسيارات في العالم.. وعندما تكتمل كل مصانع السيارات الجديدة ستصبح طاقة الإنتاج المكسيكية 4 ملايين سيارة سنوياً.