منذ 18 شهرا فقط كانت هناك شائعات وفيرة تشير إلي ان موجة من الاندماجات الضخمة في طريقها للحدوث بين كبريات شركات التعدين والمناجم نتيجة الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الخام.. وتقول مجلة الايكونوميست ان هذه الشائعات بلغت أوجها عندما تقدمت شركة BHP بيلتون يعرض لشراء ريوتنتو فى نوفمبر 2007 وكلتاهما من كبرى شركات المناجم متنوعة الانتاج فى العالم، وفى غضون تلك الفترة ظهر أن هناك صفقات أخرى مرجحة الحدوث حيث تقدمت شركةVale البرازيلية لشراء شركة اكستراتا التي يوجد مقرها الرئيس في سويسرا وتقدمت اكستراتا لشراء شركة انجلو أمريكان المتمركزة في بريطانيا. ورغم الصمت الذي ساد مصانع الصلب العالمية في هذه الفترة نجد ان الشائعات عادت تتردد من جديد، وقيل ان بيليتون ستجدد عرضها الفاشل لشراء ريو علي الرغم من وجود ظروف قد تجعل هذا الامر صعبا لكنها علي اية حال لن تجعله مستحيلا.. وهناك شائعات أخري عن احتمال حدوث اندماج بين اكستراتا وانجلو.. وفي أكبر صفقة من نوعها هذا العام عرضت شركة جروبو مكسيكو منذ أيام 2.9 مليار دولار لشراء شركة اساركو الأمريكية الخاضعة لقانون الحماية من الافلاس وهو مبلغ يفوق ما عرضته الشركات المنافسة خاصة فيدانتا كبري شركات المناجم الهندية. وقد يكون صحيحا ان الضجيج حول مثل هذه الاندماجات أصبح معتادا لكن كل شيء فيما عدا ذلك قد تغير الي الاسوأ في صناعة المناجم عما كان عليه الحال في تلك الأيام الخوالي عندما كانت اسعار المواد الخام مرتفعة والشركات تمتلك اكواما من النقود السائلة واسهمها في صعود لا يتوقف، اما الآن فقد هبطت اسعار المواد الخام الي الحضيض مع ركود الاقتصاد العالمي وانكماش النمو الصيني ولاشك ان انقلاب خطوط شركات المناجم كان مؤلما، فسعر طن النحاس الذي بلغ ذروته في يولية 2008 ليصبح 9 آلاف دولار عاد ليتراجع الي اقل من 3 آلاف دولار، وحدثت مصائب مماثلة لاسعار العديد من المعادن الأخري حيث فشلت محاولات كبار منتجي خام الحديد "ريو، بيليتون، فال" لتثبيت أسعاره، واستطاعت شركات الصلب اليابانية خفض سعر طن الخام 33% عما كان عليه في العام الماضي اما شركات الصلب الصينية فقد تنصلت من التفاهمات البالغ عمرها 40 سنة حول تثبيت سعر خام الحديد وطلبت تخفيضات اكبر في سعر طن الخام بل ان بعض شركات الصلب الصينية بدأت تنقب عن خام الحديد بنفسها مستفيدة من فرصة التدني الشديد في أسعاره. وربما كان افضل مثال لتحول ميزان القوي في صناعة المناجم هو التقلبات التي تحدث في شركات مثل ريو وتشاينالكو وهي شركة ألومنيوم تملكها حكومة الصين فقد قامت تشاينالكو بشراء 9% من ريو لتمنع بيليتون من التهامها وتهدئ من روع شركات الصلب التي رأت ان هذا الاندماج بين ريو وبيليتون سيحتكر تقريبا انتاج خام الحديد في العالم ولما سحبت بيليتون عرض شراء ريو لعدم قدرتها علي تمويله في ظل أزمة الائتمان العالمية عقدت تشاينالكو اتفاقا جديدا مع ريو تسيطر بمقتضاه علي حصة في اكثر مناجم ريو ربحية وترفع حصتها في الشركة الأم من 9% لتصبح 18% أي الي الضعف، ولكن غضب حملة اسهم ريو ادي الي خفض الحصة التي حصلت عليها تشاينالكو ولايزال هذا الغضب يهدد بفشل الصفقة في مجملها خاصة بعد ان عادت اسعار المواد الخام الي الانتعاش قليلا وصعد سعر طن النحاس -علي سبيل المثال الي 5 آلاف دولار تقريبا في الوقت الراهن وعادت اسعار اسهم شركات المناجم الي الصعود مرة اخري بعد هبوطها الحاد العام الماضي حتي ان سعر سهم ريو قد تضاعف في يناير الماضي عما كان عليه وزاد حاليا الي ثلاثة اضعاف ما كان عليه في أواخر العام الماضي. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان اتجاه اسعار المواد الخام الي التحسن اتجاه مطرد.. صحيح ان النمو الصيني والهندي قد تباطأ لكن الطلب علي النحاس والصلب استأنف صعوده بفضل التوسع في عمليات التمدين في مختلف انحاء العالم.. اضف الي ذلك ان فوز مشروعات البنية الاساسية بنصيب الأسد من حزم التحفيز النقدي والمالي التي تقدمها الحكومات لمعالجة الركود الاقتصادي سيدفع هو أيضا نحو زيادة الطلب علي المعادن.. ولذلك يقول كبار قادة شركات المناجم ان ارتفاع الطلب من الصين والبلدان النامية الأخري سيجعل اسعار المعادن تواصل صعودها ويحميها من العودة الي حالة الجمود التي كانت عليها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عندما توازن العرض مع الطلب لفترة طويلة ادت الي ثبات طويل في اسعار المواد الخام عند مستوي منخفض. وبجانب ما تقدم فإن الشركات لن تستأنف زيادة المعروض من المواد الخام قريبا حيث تري شركة الاستشارات مكنزي ان استثماراتها الجديدة هذا العام لن تتجاوز ال62 مليار دولار أي نصف ما كانت عليه في عام 2008 وانها سوف تهبط مرة اخري في العام القادم 2010 وهو ما يعني ان الزيادة في عرض المواد الخام ستظل أقل بدرجة ملموسة من الزيادة في الطلب وهو ما سيؤدي الي اطراد صعود اسعار المواد الخام عالميا، وتعتقد كبريات شركات المناجم ان عودة اسعار المواد الخام الي ارتفاعها السابق أمر محتم ولكن لا أحد يمكنه التكهن بدقة بموعد حدوث هذا الارتفاع.