في لعبة السكك الحديدية الأفعوانية الموجودة بمدينة الملاهي إذا سارت بك العربة إلي أعلي لمسافة طويلة نسبيا يكون ذلك مغريا للراكب لكي يسترخي ولو للحظة، وهذا هو بالضبط ما فعله قادة كبري شركات المواد الخام الأساسية في العالم قبل أن يعودوا إلي المعاناة من جديد مع الانخفاض الشديد لأسعار هذه المواد، وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن كبري شركات العالم في صناعات الصلب والأسمنت والمناجم تدخل دورة الركود الراهنة وهي محملة بأعباء ديون ثقيلة اقدمت علي اقتراضها وهي مأخوذة بالتوقعات التي كانت تؤكد استمرار الطلب القوي علي منتجاتها بسبب عمليات التصنيع المتواصلة في الصين وغيرها من الأسواق الناشئة، وعلي سبيل المثال فإن ديون شركة ريوتينتو للمناجم تبلغ 39 مليار دولار أي أكبر من قيمتها السوقية التي لا تتجاوز 32 مليار دولار، وديون شركة أركيلور ميتول 33 مليار دولار بينما قيمتها السوقية 35 مليار دولار وديون شركة لافرجيه 23 مليار دولار بينما السوقية 12 مليار دولار وديون شركة سيمكس 16 مليار دولار بينما قيمتها السوقية 8 مليارات دولار أما ديون شركة أكستراتا فهي 15 مليار دولار بينما قيمتها السوقية 9 مليارات وأخيراً فإن ديون شركة تاتا ستيل 11 مليار دولار بينما قيمتها السوقية 3 مليارات دولار وبذلك يكون مجموعة ديون الشركات الست 136 مليار دولار بينما قيمتها السوقية 98 مليار دولار أي أن إجمالي الديون يناهز 139% من القيمة السوقية للشركات الست بمعني أن الديون تزيد 38 مليار دولار علي إجمالي القيمة السوقية لهذه الشركات مجتمعة. وجزء كبير من هذه الديون ناجم عن خطط الاستحواذ الطموحة التي نفذتها الشركات في عام 2006 وعام ،2007 وتقول الأرقام إن الشركات الست سالفة الذكر انفقت 80% من صافي ديونها الكلية خلال العامين المذكورين علي صفقات الاستحواذ وقد تكون شركة أركيلور ميتول أكبر منتج للصلب في العالم تعود إلي صفقة اندماج الشركتين والتي تم تمويلها نقدا وبالاسهم، أما ديون شركة تانا ستيل الهندية سادس أكبر منتج للصلب فترجع إلي صفقة استحواذها علي شركة كوروس الإنجليزية الهولندية. وفي صناعة الأسمنت قامت شركة لافارجيه الفرنسية وهي أكبر شركة أسمنت في العالم بشراء شركة أوراسكوم مصر للأسمنت أما شركة سيمكس المكسيكية ثالث أكبر شركة في العالم لصناعة الأسمنت فقد قامت بشراء منافستها الاسترالية الكبري رينكير، وفي صناعة المناجم كانت شهية شركة أكسترانا مفتوحا للاستحواذ كما أن ديون يوتينتو ناجمة عن استحواذها علي شركة ألكان، ومنذ أيام تراجعت BHP. CDSS الخاصة بهذه الشركات الست والتي كان حجمها قد تورم علي نحو مزعج، وبالنسبة لمن لا يتعاملون في مثل هذا النوع من الشهادات تبقي كل المؤشرات الأخري مثيرة للحذر، فمثلما حدث في دورات الركود السابقة تراجعت توقعات الأرباح بشدة مع تراجع الطلب وانخفاض الأسعار. وتقول الأرقام إن توقعات أرباح العمليات بالنسبة للشركات الستة خلال العام المقبل 2009 سوف تنخفض بنحو 30 - 50% عما هو معلن من قبل وهو ما يعني أن تلك الشركات لن تتدفق عليها سيولة في العام المقبل تمكنها من خدمة ما عليها من ديون. كما أن أسعار أسهم تلك الشركات انخفضت حتي أصبحت ديونها كما سبق أن أوضحنا بالأرقام أكبر من قيمتها السوقية مجتمعة، وهذا معناه أن مستويات الدين التي كانت تبدو معقولة في فترة الازدهار تحولت الآن إلي كابوس يهدد بقاء هذه الشركات من الأساس. والأمر المؤسف أنه لا توجد هناك وسائل سريعة لتثبيت أوضاع تلك الشركات، ففي ظل أزمة الائتمان والأجهزة المصرفية والبورصات يصبح الحصول علي المال مهمة مستحيلة، وفي ظل انخفاض أسعار الأصول يصبح بيعها جريمة في حق حملة الاسهم وهناك مثلا أنباء تؤكد أن ريوتينتو تراجعت أخيرا عن خطة لجمع 10 مليارات دولار عن طريق بيع بعض ما تملكه من أصول. وهذا كله معناه أن الاختيار الوحيد المتاح الآن أمام هذه الشركات هو العمل علي الخروج من براثن هذا الركود الضاري بأقل قدر من الخسائر، وعموما فإن الأوضاع ليس ميئوسا منها فشركة سيمكس علي سبيل المثال تحاول إعادة هيكلة ما عليها من ديون، وتقول وكالة الملاءة ستاندارد آند بورز إن نصف ديون سيمكس البالغة 16 مليار دولار أي "8 مليارات" ستكون مستحقة خلال الثمانية عشر شهرا المقبلة وتحاول قيادة الشركة الآن الحصول علي ضمانة مصرفية من عدة بنوك لسداد هذه الديون في مواعيدها. أما باقي الشركات الست فإن وضعها أكثر أمانا ولا تواجه آية أخطار سريعة، فشركة تاتا ستيل تستطيع أن تغطي نفسها لعامين مقبلين، كما أنها تستطيع فك اندماجها مع شركة كوروس إذا اعوزتها ديون تلك الشركة، أكثر من ذلك فإن الشركات الست لاتزال قادرة علي صنع الإيرادات السائلة صحيح أنها ستكون أقل كثيرا من ذي قبل ولكنها ستكفي لتعويمها عاما أو أكثر قليلا، ويبقي الباب الملكي للنجاة من أخطار الركود هو خفيض التكاليف وخفض الإنتاج والانفاق الرأسمالي وهي أسلحة لجأت وستلجأ إليها الشركات الست لا محالة من أجل تخطي هذه الأيام الصعبة.