ازدادت أسعار حديد التسليح سخونة رغم حالة الركود التى يشهدها سوق العقارات، حيث قامت المصانع خلال الأيام الماضية بزيادة أسعار حديد التسليح بين 250 إلى 300 جنيه ليسجل 3750 جنيها. يؤكد المنتجون أنهم لن يحصلوا على أى أرباح إضافية وأن التجار ليس لهم ذنب فى هذه الزيادة وأن السوق المحلى أصبح يتفاعل مع الأسواق العالمية. المحللون بعضهم أرجع هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام عالميا، والبعض الآخر أرجعها إلى لعبة الانتخابات البرلمانية القادمة لتعويض خسائر المرشحين فى هذه الانتخابات، وهذا ما حدث فى انتخابات البرلمان لعام 2005 فسوق الحديد تحول إلى (لوغارتيم) غامض، فرغم أن الحديد له نفس المواصفات فإن أسعار بيعه متفاوتة بين 3750 و3900 جنيه وهذا يوضح ضرب التجار بقرار رشيد الذى حدد وضع حد أقصى لسعر البيع لتجار الجملة والتجزئة والمستهلك لنعود مرة أخرى إلى مربع (الصفر) وإلى التحقيق التالى: أكد جمال السيد (تاجر) أن ما يحدث فى أسعار حديد التسليح يرجع للتطورات والتغيرات التى تحدث فى الأسواق العالمية، حيث زادت الأسعار للمواد الخام الخاصة بهذه الصناعة وهى البليت وبلغت الزيادة فى السعر 55% ودافعت كبرى الدول التى تستخدم هذه المواد مثل اليابان وروسيا والصين عن الأسعار الجديدة، كما أن بعض الدول بدأت تزيد مشترواتها من الحديد مما أدى إلى حدوث خلل فى نسبة المعروض عالميا. وأضاف أن أزمة الأسعار الحالية التى وصل فيها سعر طن الحديد إلى 3800 يجب أن يتكاتف الجميع لحلها والعبورمنها، حيث إن التوقعات تشير إلى استمرار الزيادة خلال الأسابيع القادمة. ومن جانبه أكد محمود العسقلانى رئيس حركة «مواطنون ضد الغلاء» أن الزيادات التى حدثت فى أسعار حديد التسليح ترجع إلى انعدام الرقابة على الموزعين وكبار التجار - لافتا إلى أن الحركة تبنت الدعوة لتوسيع دائرة الاستيراد، والمثير فى هذه اللعبة أن الاتهامات تمضى بنظام (رايح جاى)، فالتجار بدورهم يقذفون الكرة فى ملعب الصناع بتهمة تعمدهم تقليل الإنتاج وتعطيش السوق واستغلال أية أزمة لرفع الأسعار ولو كانت مفتعلة والحجة الجاهزة عند الصناع دائما هى ارتفاع أسعار البليت عالميا ورغم أن أسعار البليت تنخفض أحيانا لكن ما يرتفع فى مصر لا ينخفض أبدا. وطالب العسقلانى بضرورة تغليظ العقوبات فى التعديلات التشريعية المرتقبة لقانون منع الاحتكار لينص على مصادرة الأرباح الاحتكارية التى تحققت بمخالفة القانون والقرارات الوزارية، بالإضافة إلى الغرامة المالية والتى يجب أن تكون نسبة من المبيعات وليس مجرد مبلغ محدد تقل قيمته الحقيقية بمرور الزمن والأيام ويستطيع المحتكر تعويض هذه الغرامات آلاف الأضعاف فى المستقبل. وأوضح العسقلانى قائلاً: ربما يكون العامل الأكبر وراء ارتفاع أسعار الحديد موسم الانتخابات البرلمانية القادمة وانعاش لعبة الحسابات السياسية، بالإضافة إلى رفع مخلفات المبانى من الأحياء مما أدى إلى تحريك حركة البناء وزيادة الإقبال على سلعة الحديد وغيره من سلع مواد البناء. ويقول المهندس حسين جمعة - رئيس جميعة الحفاظ على الثروة العقارية فى الآونة الأخيرة ظهر صراع من نوع خاص بين مصنّعى خامات صناعة البناء والتشييد فى مصر هذا الصراع الذى مازالت تدور رحاه بين وزير التجارة والصناعة من جهة وبين المصنّعين من ناحية أخرى، أما رأس المثلث فى هذا الصراع فهم التجار الذين لا يلتزم بعضهم بقرارات الحكومة سواء من ناحية الأسعار أو من ناحية إصدار الفواتير الرسمية التى تضمن حق الدولة سواء الضرائب العامة أو ضريبة المبيعات والتى فرضت على المصانع وبدأ تطبيقها منذ شهرين، الأمر الذى يهدر على الدولة الملايين بل المليارات من الجنيهات. ويضيف جمعة أن 70% من خامات الحديد مستوردة والأسعار العالمية فى زيادة، ولكن هذه الزيادة فى الأسعار فى مصر هل تضاهى الأسعار العالمية أو بعيدة عن ذلك! ويجيب: قائلا أعتقد أنها بعيدة بدليل أن أسعار الحديد فى بعض الدول المجاورة أقل من سعره فى مصر. وطالب جمعة بمحاسبة أصحاب المصانع بأسعار الكهرباء والغاز العالمى. وأوضح أن أسعار العقارات أصبحت مرتفعة جدا منذ اتجاه بعض المستثمرين العرب إلى الاستثمار فى بورصة العقارات. وقال الدكتور يحيى شاش - أستاذ هندسة المواد والإنتاج بهندسة القاهرة تعالى نحسبها بالورقة والقلم فإن المدخلات لإنتاج طن حديد بليت عبارة عن خامات، حيث يحتاج طن البليت إلى 1.42 طن مكورات حديد خام سعر طن المكورات 100 دولار، وبالتالى تصل تكلفة الخامات إلى 142 دولارا، أما تكلفة الشحن والنقل فتصل إلى 45 دولارا وتكلفة الطاقة من الغاز الطبيعى لعملية الاختزال 8 دولارات وتكلفة الكهرباء 15 دولارا والعمالة دولاران وتكلفة إحلال وصيانة 8 دولارات وفوائد للبنوك 12 دولارا، وإضافات ومواد سبائك 18 دولارا وأخرى 20 دولارا، وبالتالى تصل تكلفة البليت 270 بما يعادل 1490 جنيها للطن ولتمويل البليت حديد تسليح يحتاج الطن إلى تكلفة تصل إلى 300 جنيه، وبالتالى تصل تكلفة طن حديد التسليح 1785 جنيها للطن، وإذا أضفنا تكلفة استثمارية 100 جنيه للطن تصبح التكلفة الإجمالية 1890 جنيها للطن. ويتابع شاش: وهذه الصناعة ذات عائد دوار تتراوح نسبة الربح على الطن عالميا من 10 إلى 12%، وبذلك يصبح سعر البيع العادل 2100 جنيه للطن للمصانع التى تعتمد على خامات الحديد ومنها مجموعة عز الدخيلة. أما المصانع التى تعتمد على الخردة وصهرها فى أفران كهربائية، فالتكلفة تختلف تماما، حيث يحتاج طن البليت 1.9 طن خردة بسعر الطن 310 دولارات يضاف إليها تكلفة نقل 337 دولارا للطن وأكسجين ومواد سبائك بتكلفة 10 دولارات للطن وأقطاب مستهلكة 12 دولارا للطن وحراريات 2 دولار للطن وكهرباء 20 دولارا للطن وعمالة 2 دولار للطن وإهلاك 2 دولار للطن وفوائد 5 دولارات للطن، وبذلك تصبح التكلفة الإجمالية 395.9 دولار لطن البليت بما يعادل 2177 جنيها للطن، يضاف 300 جنيه للدرفلة وأرباح نسبة 10% فتبلغ التكلفة النهائية 2834 جنيها للطن، وهو السعر العادل للبيع. ويقول شاش إن السعر العادل لبيع الحديد يجب ألا يزيد على 2200 جنيه للطن فى حين يكون السعر العادل للمصانع الأخرى التى تعتمد على الخردة 2834 جنيها للطن. وأوضح اللواء محمد أبو شادى - رئيس قطاع التجارة الداخلية أن شركات إنتاج حديد التسليح ملتزمة بتحديد الحد الأقصى المسموح به للبيع للمستهلك النهائى لدى وكلائها وعملائها من تجار الجملة للمتعاملين معها، وذلك طبقا لقرار وزير التجارة رقم 143 لسنة 2007 بشأن تنظيم إنتاج وتداول حديد التسليح. وقال أبو شادى إن العمليات الرقابية مستمرة على المصانع والشركات يوميا ومن يخالف القواعد المعمول بها تتم إحالته للنيابة حتى يكون عبرة لغيره، موضحا أن مصلحة المستهلك فوق كل شىء. وطالب الدكتور عزت معروف - خبير صناعة الصلب بضرورة تطبيق المادة 10 من قانون حماية المنافسة، وذلك باستخدام رئيس الوزراء حقه فى تحديد سعر المنتج فى حالة ثبوت الاحتكار بعد حساب التكلفة الفعلية الحقيقية، بالإضافة إلى هامش ربح معقول وعدم الاعتماد على المقارنة بالأسعار العالمية التى تزيد تكلفتها كثيرا عليها بمصر من ناحية أسعار الطاقة وأجور العمالة التى تتكلف خمسة أضعاف عن تلك المدعمة بمصر. وأخيرا عمل دراسات فنية اقتصادية تقوم بها مراكز الأبحاث والخبراء لمعرفة تكلفة المدخلات مثل خام الحديد والخردة وهذان هما العاملان فى تكلفة طن الحديد. وعلى سبيل المثال الخردة تتوافر فى مصر بكميات هائلة تصل إلى ملايين الأطنان، ويمكن عرضها على شركة استثمارية لتجمعيها وتصنيعها ثم تجهيزها والخردة مبعثرة فى أماكن كثيرة وربما تتمركز فى مناطق صناعية تقدر بآلاف الأطنان، وكذلك خردة السكك الحديدية والمعدات الثقيلة والمصانع، أما خام الحديد المستورد من البرازيل فتكلفة نقله مرتفعة ويمكن عمل دراسات اقتصادية لاستبداله بأنواع جديدة موجودة فى موريتانيا وهى إحدى دول الجامعة العربية وبها مناجم غنية جدا.