نشطت صفقات الاندماج العالمية في العام الماضي إلي درجة فاقت ما كان يحدث في عصر شركات الدوت كومز عام 1999.. ولاشك أن هذا قد أسعد المحامين والمصرفيين الذين يشرفون علي إتمام هذه الصفقات.. وفي العام الحالي 2007 بلغ حجم صفقات الاندماج التي أعلن عنها حتي لحظة كتابة هذه السطور نحو تريليوني دولار وهذا معناه أن اندماجات العام الراهن ستفوق الرقم القياسي الذي سبق أن تحقق في عام 2006 بنسبة تصل إلي 60% أو أكثر وهو أمر يفوق أشد التوقعات تفاؤلا في وول ستريت. وتقول مجلة الإيكونوميست إن الأسبوع الثاني من مايو شهد العديد من التطورات في صفقات الاندماج المطروحة وفي مقدمتها صفقة البنك الهولندي ABN إمرو، ومحاولة شركة الألومنيوم الأمريكية العملاقة ألكوا شراء منافستها الكندية ألكان.. إلي جانب عرض روبرت مردوخ شراء داو جونز مقابل 5 مليارات دولار ومحاولة طومسون شراء منافستها رويترز مقابل 8.8 مليار جنيه استرليني "17.5 مليار دولار" كما ترددت شائعات عن عزم شركة المناجم BHP شراء منافستها ريو تينتو الأكبر حجما لتكوين أكبر شركة تعدين في العالم. ولاشك أن ارتفاع البورصات يسهم في تشجيع تصاعد هذه الموجة من الاندماجات فمؤشر داو جونز حقق ارتفاعات جديدة.. وبورصة الصين حققت أرقام تداول قياسية علي الرغم من محاولات المسئولين لتهدئتها.. وبغض النظر عن اهتزازها العابر في نهاية فبراير الماضي فإن بورصة الصين أبدت بعد ذلك قوة في نشاطها.. ومعروف أن ارتفاع البورصة يشجع صفقات الاندماج خصوصا تلك التي يتم الدفع فيها كليا أو جزئيا بالأسهم.. ويكفي أن نذكر هنا أن أسهم ألكوا ارتفعت 8% في اليوم الذي طرحت فيه عرضها لشراء ألكان. وقد تفيد هنا شهادة رجل مثل وارين بوفيت صاحب الرأي المستقل حيث أبدي استعداده لدفع 60 مليار دولار في أي صفقة يريدها وهو رقم لم يسبق لوارين بوفيت نفسه أن دفعه في أية صفقة. وتجدر الإشارة إلي أن هناك فوارق كبيرة بين موجة الاندماجات الراهنة وموجات عقد التسعينيات.. ففي التسعينيات كان الدفع يتم بالأسهم في المقام الأول، أما الاَن فإن انخفاض أسعار الفائدة يشجع الشركات علي تمويل صفقاتها بالقروض.. ومع ذلك تظل وسيلة الدفع الأساسية هي النقود السائلة التي كانت تمول 40% فقط من صفقات عامي 1998 و1999 وأصبحت في عامي 2006 و2007 تقترب من 80% كوسيلة لتمويل الصفقات، وهذا يعكس دخول شركات التخارج بقوة في سوق الاندماج حيث تستأثر وحدها الاَن بنحو 20% من الصفقات.. فرصيد بعض شركات التخارج يناهز ال 20 مليار دولار وهي تنفق علي صفقاتها بسخاء وتتحرك في هذه الصفقات بجرأة.. ومنذ عام 2005 زاد متوسط قيمة صفقات التخارج 300% ليصبح نحو 1.3 مليار دولار.. وأكثر من ذلك دخلت شركات التخارج قطاعات لم تكن تجرؤ علي دخولها من قبل مثل قطاع المرافق والقطاع المصرفي. وهناك فارق اَخر يميز موجة الاندماجات الراهنة وهو أنها ذات قاعدة أعرض جغرافيا وأوسع من حيث عدد الصناعات التي تنشط فيها.. فلم تعد هناك صناعة بعيدة عن نشاط عمليات الاندماج فهي موجودة في صناعة الاتصالات، وشركات الانترنت، والخدمات المالية، والمعادن، والمناجم، وتوليد الطاقة، والممتلكات، وحتي السلع الاستهلاكية. وفي حين كانت موجة الاندماجات في التسعينيات متركزة في السوق الأمريكي فإنها الاَن انتشرت لتشمل أوروبا واَسيا أيضا.. بل إن حجم ما أنفق علي صفقات الاندماج في ابريل الماضي في أوروبا كان ضعف ما جري إنفاقه في أمريكا علي هذا النوع من الصفقات خلال الشهر ذاته. أكثر من ذلك فإن العولمة هي التي تقود خطي موجة الاندماجات الراهنة ولذلك نجد أن الاندماجات العابرة للحدود قد ارتفعت نسبتها لتصل إلي 46% من حجم صفقات الاندماج خلال الشهور الأربعة الأولي من العام الحالي وهذا معناه أن الشركات تستخدم ما هو متاح لها من ائتمان رخيص لكي تقوم بعولمة أنشطتها والقفز إلي أسواق جديدة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن موجة الاندماجات الراهنة تشبه ما كان يحدث في الثمانينيات لا التسعينيات من حيث نسبة الصفقات الإجبارية، ففي عام 2000 لم تتجاوز نسبة الصفقات الإجبارية 4% في حين أنها بلغت هذا العام 20% مما تم الإعلان عنه من صفقات وهذا يعكس تنامي نفوذ حملة الأسهم بخاصة صناديق التحوط التي تتميز بسرعة نفاد صبرها. وتجدر الإشارة إلي أن هناك كثيرا من صفقات الاندماج التي لا تحقق ما هو منوط بها من أهداف وتنتهي إلي الفشل وأشهر مثال علي ذلك اندماج ديملر كرايزلر الذي استمر 9 سنوات تعيسة ثم انتهي بفشل ذريع، كذلك هناك من يخشي أن يتم استخدام صفقات الاندماج كوسيلة لتغطية تراجع الأرباح خصوصا أن أرباح شركات مؤشر S&P500 لن تتجاوز ال 7% هذا العام بعد أن كان معدلها مكونا من رقمين لعدة سنوات سابقة.