حصلت مصر عام 1975 علي أول معونة أمريكية رسمية كانت قيمتها 250 مليون دولار بعد مصادقة الرئيس الامريكي الاسبق فورد علي قانون المعونات الخارجية الأمريكية ثم وقعت مصر بعدها علي أول عرض لبرنامج المعونة الأمريكية بقيمة 80 مليون دولار استمرت المعونة الأمريكية في الارتفاع بعد ذلك لتصل إلي 2.1 مليار دولار معونة عسكرية و815 مليون دولار معونة اقتصادية وقدرت المعونة لمصر خلال ال 30 عاما الماضية بنحو 27.916 مليار دولار من بينها تحويلات نقدية بلغت 4.492 مليار دولار واستيراد سلعي للقطاعين العام والخاصة ب 670.7 مليار دولار، وفائض حاصلات زراعية استيراد قمح ب 4.8 مليار دولار ومشروعات تنموية ب 11.941 مليار دولار. واستمرت المعونة الامريكية لمصر علي قيمتها البالغة 2.1 مليار دولار سنويا منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد وحتي 1998 حيث تم الاتفاق بين الجانبين المصري والامريكي علي تخفيض المعونة الاقتصادية بنسبة 5% سنويا مع ثبات قيمة المعونة العسكرية لتنخفض علي أثر ذلك المعونة الاقتصادية من 815 مليون دولار عام 1998 إلي نحو 415 مليون دولار عام ،2008 ثم انخفضت بنسبة 50% لعام 2009 لتصبح 200 مليون يخصص منها 20 مليونا لبرنامج حقوق الانسان والديمقراطية وبرامج حكومية. ويري بعض الاقتصاديين ان خفض المعونة الامريكية او الغائها لن يضر بالاقتصاد المصري لأن المساعدات العسكرية والاقتصادية تمثل بعد تخفيضها ما يعادل 1.6% من الناتج القومي الاجمالي لعام 2008 الذي بلغ وفق تقرير البنك الدولي عن التنمية لعام 2007/2008 إلي 89.4 بليون دولار خاصة وأن معظم المساعدات المالية الأمريكية تنفقد علي سلع أمريكية لا تحتاجها مصر وكذلك علي مرتبات المستشارين الأمريكيين الباهظة. ومن منطلق هذه الرؤية كانت الدعوة بضرورة أن تتحول مصر من مجرد دولة تعتمد علي المساعدات التي تقدمها الولاياتالمتحدةالامريكية لتحريك اقتصادها إلي شريك اقتصادي استراتيجي وهو الأمر الذي أكد الخبراء امكانية حدوثة بشرط النهوض بالاقتصاد الوطني بصورة فعالة حتي يصبح هناك توازن من العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين الطرفين. والجدير بالذكر أن المعونة كانت تستخدم في بناء المدارس ودعم الديمقراطية وتحسين طرق الري وبناء المستشفيات وتمويل حوالي 40 ألف سيارة لاستهلاك الوقود النظيف وصيانة موارد النيل وحماية الشعب المرجانية والجزر بالبحر الأحمر إضافة الي المساهمة في حماية وحفظ الأثار المصرية بالقاهرة والأقصر وتطوير خطوط الاتصالات وشبكات الصرف الصحي وامداد الوحدات السكنية بمياه الشرب ومنح القروض لأصحاب المشروعات الصغيرة. وفي هذا الصدد يوضح د.فرج عبد الفتاح - أستاذ الاقتصاد بكلية السياسة والاقتصاد جامعة القاهرة - ان المعونة المالية التي تأتي من الولاياتالمتحدة الأميركية لمصر يجب أن تتطور من حيث القيمة ومن حيث الهدف، فمن الضروري تفعيل هذه المعونة وجعلها شراكة في المقام الأول وقبل أن تكون معونة فحينما تتطور العلاقات ويتم تفعيلها يمكن أن يتحقق مع ذلك مكاسب للاقتصاد المصري من خلال التصدير الي أمريكا بما يفوق قيمة المعونة خاصة وأن حجم السوق الأمريكي كبير اذا تم النظر إليه بمعيار مستوي الدخل والكثافة السكانية، مشيرا أيضا إلي أهمية عدم النظر للسوق المصري علي انه سوق لدولة فقط وانما يجب النظر لهذا السوق من منطلق علاقاته الأسواق العربية الافريقية. وتشير د.هناء خير الدين - مدير مركز الدراسات الاقتصادية - إلي أن الشعب المصري غير مستفيد من المعونة المقدمة من الولاياتالمتحدةالامريكية خاصة وأن نسبة كبيرة من المساعدات المالية الامريكية تعود مرة أخري إلي الامريكان في صور مرتبات كبيرة للمستشارين ومن خلال سلع يتم جلبها من أمريكا ومصر غير محتاجة لهذه السلع، مضيفة أن كل دولار من قيمة المعونة تحصل أمريكا منه علي 40 سنتاً سواء في شكل قرارات إلزامية مثل ضروة انتقال السلع علي مراكب وسفن تابعة للولايات المتحدةالأمريكية، أو الاستعانة بيت خبرة أمريكي في حالة عمل دراسة جدوي لأحد المشاريع التي سيتم تمويلها من أموال المعونة، وكل هذه الاشتراطات تمثل عبء علي الاقتصاد القومي نظرا لإرتفاع تكاليف هذه الخدمات في الولاياتالمتحدةالأمريكية مقارنة بدول أخري، تشير هناك إلي أن هناك مشكلة أكبر تتمثل في سوء استخدام أموال المعونة حيث يتم توزيع معظمها في شكل مكافآت أو صرفها علي المظاهر كتأسيس مكاتب كبار موظفي الدولة أو شراء سيارات جديدة وفيما يتعلق بإمكانية تحويل المعونة إلي شراكة اقتصادية بين الجانبين المصري والأمريكي تنوه هناء خير الدين ان الشراكة تعني ضروة استفادة الطرفين وهو ما يعني أهمية وجود ومصلحة لأمريكا لدينا لأن فكرة الدعم المستمر أمر مستحيل مضيفة ان المشكلة تكمن في اننا نتوقع زيادة قيمة المساعدات ولكن هذا لن يحدث وبالتالي يجب ضروة التحرك وبسرعة حتي نكون علي قدر المنافسة والمسئولية والبداية من خلال تحسين للانتاج وخفض الأسعار خاصة في ظل وجود أسواق اخري بديلة من الممكن أن يعتمد عليها المستهلك الامريكي علما أن تكون البداية بالسلع التي نمتلك فيها ميزة تنافسية مثل البترول والصناعات الكيماوية والهندسية والمنسوجات. وهناء تؤكد خير الدين علي صعوبة الموقف الصري والدليل عدم التوازن في الميزان التجاري بين البلدين، ولكن الأمل مازال موجوداً خاصة وأن الادارة الامريكيةالجديدة لديها استعداد لتلافي أخطاء الماضي مؤكدا علي أن نجاح هذه التجربة يعتمد علي الجانب المصري بشكل أكبر، فيجب علينا علاج مشاكلنا قبل البحث والمطالبة بمزايا اضافية خاصة فيما يتعلق بالمشاكل الداخلية المتعلقة بمستوي وجودة المنتج المصري. ويؤكد د.سامر سليمان - أستاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية - ان جميع الدراسات الاقتصادية اثبتت ان المعونة الأمريكية لعبت دوراً واحداً في الاقتصاد المصري يتمثل في تطوير البنية الأساسية المصرية، سواء ما تم استخدامها في بناء مدارس أو تنظيم برامج صحية أو تمويل بعثات دراسية. مضيفا ان الحكومة المصرية بدأت بالفعل السير في طريقة التحول من المعونة إلي الشراكة سواءاً كان ذلك في شكل تبادل تجاري أو استثمارات، مشيرا إلي أن البداية كانت من الجانب الأمريكي من خلال تخفيض قيمة المعونة سنويا بمقدار 100 مليون دولار والاستمرار في هذا الطريق حتي تتلاشي ومؤكدا أن هذا هو الطريق الصحيح والذي قد يساعد علي التغيير. ويوضح د.سامر ان مشكلة مصر الاقتصادية ليست في المعونات وانما في سلبياتها الداخلية المتعلقة بالسوق وضعف جهاز الدولة والفساد الإداري ولكنها سلبيات تقف حائلا أمام استقبال استثمارات امريكية جديدة مشيرا إلي ان الاصلاح الداخلي هو الخطوة الأهم حاليا، كما أن بعض الاجراءات الجزئية للاصلاح والتي تم اتخاذها لن تفيد الهيكل العام. يضيف د.سامر أن بديهيات الاصلاح تقول بأنه لا يمكن إحداث تنمية اقتصادية دون تعليم جيد يؤدي إلي وجود عمالة مدربة، مضيفا ان نسبة الضرائب ليست المعيار الأساسي لقرار الاستثمار في دولة معينة لأن الأهم العمالة المدربة، ومستوي المعيشة والاصلاح الاداري.