المتابع للسوق قد يجد أن هناك توقعات قد تصل إلي حد التناقض تجاه معدل التضخم في الفترة القادمة، وهو ما ينعكس علي اتجاهات أسعار الفائدة المستقبلية، فقبل أيام توقع عدد من تجار المواد الغذائية حدوث موجة قادمة في أسعار السلع وهو ما يعني ارتفاعاً في معدل التضخم، حيث إن الغذاء يعد مكونا أساسيا من المكونات المحددة للتضخم ويدخل ضمن معيار أسعار المستهلكين. وقبلها توقع عدد من كبار المسئولين وعلي رأسهم د. يوسف بطرس غالي وزير المالية استمرار معدل التضخم في الارتفاع بعض الوقت دون أن يحدد موعدا نهائيا لانتهاء هذه الموجة التضخمية التي فوجئ بها السوق منذ شهر أغسطس الماضي. بل إن أحد هؤلاء المسئولين أكد استمرار موجة التضخم في الارتفاع حتي شهر مايو القادم، ليعود بعدها للتراجع بداية العام المالي 2006/،2007 مبررا ذلك بأن ارتفاع التضخم الحالي يرجع بالدرجة الأولي إلي عاملين أساسيين هما:- * قيام الحكومة برفع أسعار الطاقة "بنزين وسولار" بنسبة 30% وهو ما انعكس سلبا علي أسعار المنتجات والسلع داخل السوق. * ظهور حالات أنفلونزا الطيور التي أدت إلي حدوث ارتفاع ملحوظ في أسعار اللحوم، خاصة الدواجن. وفي منتصف شهر ديسمبر الماضي أضاف البنك المركزي عاملا آخر لارتفاع التضخم تمثل في تسارع النمو الاقتصادي، خاصة في قطاعي البناء والتشييد اللذين شهدا طفرة ملحوظة أدت إلي حدوث ارتفاعات متواصلة في أسعار الأراضي والوحدات السكنية ومواد البناء. ودفع هذا الموقف لجنة السياسة النقدية إلي اتخاذ موقف في اجتماعها قبل الماضي يوم 14 ديسمبر 2006 برفع سعر الفائدة علي عائدي الإيداع والاقراض "الكوريدور" بواقع ربع نقطة ليصبح عائد الإيداع 8.75% وعائد الاقراض 10.75%، ويعد سعر الكوريدور أحد المؤشرات المهمة لاتجاهات أسعار الفائدة في السوق. وكانت لجنة السياسة النقدية قد اتخذت موقفا مماثلا في اجتماعها المنعقد في نوفمبر الماضي، ولكن كان الرفع بواقع نصف نقطة وهو ما فاجئ الكثير من المتابعين لملف سعر الفائدة. واستندت اللجنة في قرار نوفمبر إلي ارتفاع معدل التضخم البالغ في ذلك الوقت 2.12% ومحاولة محاصرة الآثار المسببة له، خاصة المتعلقة بأنفلونزا الطيور. عوامل عارضة وفي الأسبوع الماضي توقع عدد من المحللين استمرار لجنة السياسة النقدية في سياستها الرامية إلي رفع سعر الفائدة علي الكوريدور، خاصة وان البيان الصادر عن اجتماع اللجنة السابق في ديسمبر الماضي توقع أن تظل المعدلات السنوية للتضخم مرتفعة، وهو ما حدث بالفعل حيث ارتفع معدل التضخم إلي 12.4% نهاية ديسمبر الماضي مقابل 12.2% نهاية نوفمبر الماضي. كما بني هؤلاء توقعاتهم علي عدة أمور أخري علي رأسها: * وجود توقعات برفع الدولة يدها عن بعض السلع المدعمة، بل ويتوقع البعض أن تكون الكهرباء من السلع التي سيطولها هذا التغيير. * عودة ظاهرة أنفلونزا الطيور للظهور مجددا عقب وفاة اثنين من المصابين بالمرض وامتناع العديد من الأسر عن تناول لحوم الدواجن وهو ما قد يرشح أسعار اللحوم للارتفاع في الفترة المقبلة، خاصة وأن اللحوم تعد وجبة أساسية للمواطنين. * حدوث ارتفاع في أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية، وهو ما قد يؤدي إلي ارتفاع الأسعار داخل مصر، خاصة بالنسبة للدقيق والقمح والذرة. كل هذه الأمور وغيرها دفعت إلي وجود توقعات برفع سعر الفائدة علي الكوريدور في اجتماع الخميس الماضي، إلا أن هذا لم يحدث رغم أن لجنة السياسة النقدية أكدت استمرار اتجاهات مخاطر التضخم المشار إليها في البيان السابق للجنة والمتعلق بشكل أساسي بضغوط في الطلب ناشئة عن تسارع النمو الاقتصادي، بالإضافة إلي عوامل العرض المتمثلة أساسا في الآثار السلبية لمرض أنفلونزا الطيور وتعديلات الأسعار الإدارية التي من أهمها رفع أسعار الوقود في يوليو الماضي والتي كانت لها درجات متباينة من التأثير علي التضخم. أسئلة عدة ومع ابقاء لجنة السياسة النقدية علي سعر الكوريدور لحين الاجتماع القادم المقرر يوم 22 مارس القادم فان محللين يتوقعون ان تكون هذه الفترة كافية للبنوك لالتقاط انفاسها في مسألة تحديد اسعار الفائدة خاصة ان البنك المركزي رفع السعر بواقع 75 نقطة في اجتماعي نوفمبر وديسمبر الماضيين. وكان القطاع المصرفي قد تعرض لضغوط شديدة خلال الشهور الماضية حيث تم توجيه اتهامات علي رأسها عدم تجاوبه مع مؤشرات السياسة النقدية وتجاهله لها وامتناعه عن رفع سعر الفائدة علي أموال المدخرين لديه رغم ان البنك المركزي ووزارة المالية يرفعان اسعار الفائدة علي اداوات الدين لديهما سواء كانت أذون خزانة أو سندات أو شهادات ايداع. كما اتهم البعض البنوك بالمبالغة في الفارق بين ما تسدده للمودعين وما تحصل عليه من المقترضين لتحقيق أرباح عالية علي حساب عملائها واستجابت بعض الوحدات المصرفية لهذه الضغوط حيث قامت برفع أسعار الفائدة لديها اكثر من مرة وقاد هذا الاتجاه بنوك القطاع العام التجارية "الأهلي ومصر والقاهرة" وتبعها بنوك خاصة كبري. ولكن يبقي السؤال هو: كيف يعالج البنك المركزي مشكلة تآكل أموال المودعين حتي في حالة بقاء معدل التضخم عند معدله الحالي البالغ 12.4%؟ إذ إن الأسعار التي يحصل عليها المودعون تقل بنحو 4% عن معدل التضخم كما أن ضعف فرص الاستثمار داخل المجتمع يحد كثيرا من قيام المودعين بتوجيه أموالهم لأدوات استثمارية اخري خاصة مع التراجع الذي يصيب أسعار الأوراق المالية بالبورصة وارتفاع اسعار الأراضي والعقارات وهو ما يجعلها غير جاذبة للاستثمار خاصة من وجهة نظر أصحاب المدخرات الصغيرة.