لعبت الزيادة غير الطبيعية في اسعار المساكن دور قاطرة النمو في كثير من اقتصادات العالم خلال السنوات الاخيرة.. وتقول تقديرات مجلة "الايكونوميست" ان القيمة الاجمالية للمساكن في البلدان المتقدمة زادت بنسبة 75% منذ عام 2000 لتصبح 75 تريليون دولار وهي زيادة تعادل اكثر من 100% من القيمة الاجمالية للدخل القومي في هذه البلدان وقد تمتعت البلدان التي تصاعدت فيها اسعار المساكن بنمو قوي في انفاق المستهلكين من ملاك المنازل الذين وجدوا انفسهم اكثر ثراء.. ولكن السؤال المهم الان هو عن حجم الوقود الباقي في موتور هذه القاطرة! تقول مؤشرات "الايكونوميست" عن اسعار المساكن العالمية في الربع الاول من العام الحالي ان معظم الاسواق لاتزال حية.. وفي العام الماضي زادت اسعار المساكن بمعدل مكون من رقمين في 9 بلدان من البلدان العشرين المسجلة في مؤشرات "الايكونوميست" لاسعار المساكن العالمية ومنها 6 بلدان اوروبية هي اسبانيا وفرنسا وبلجيكا والسويد والدانمارك وايرلندا.. وجاءت اسعار المساكن الدانماركية في المقدمة حيث زادت 21% عما كانت عليه قبل عام.. وقد تسارع تضخم اسعار المساكن في نصف البلدان العشرين خلال العام الماضي وخاصة في الدانمارك والسويد وايرلندا.. وعلي العكس من ذلك، كان التراجع واضحا في اسعار المساكن في هونج كونج بل كان حادا حيث انخفضت الاسعار بنسبة 3.2% في حين كانت قد زادت بنسبة 30% في عام 2004 وفي بريطانيا وجنوب افريقيا والصين تراجع التضخم في اسعار المساكن بمقدار النصف في العام الاخير. لقد مضي الوقت الذي قادت فيه بريطانيا واستراليا الانتعاش في اسواق المساكن عندما زادت اسعارها 20% في عام 2003 اما في العام الاخير فلم تتجاوز الزيادة ال3.6% في استراليا مقابل 4.6% في بريطانيا وفي سيدني بالذات هبطت نسبة الزيادة الي 3% فقط. وبالمقابل، كانت زيادة اسعار المساكن الامريكية مدهشة حيث وصلت 12.5% خلال العام الاخير حتي الربع الاول من الحالي وذلك حسب ارقام "فيدرال هاوسنج انتربرايز اوفرسايت" وهي هيئة فيدرالية مسئولة عن تنظيم سوق المساكن الامريكي وتتوخي ان تنشر اصدق الارقام.. ومع ذلك فان هناك تقديرات تري ان سوق المساكن الامريكي يبرد بسرعة خصوصا ان زيادة اسعار المساكن الامريكية في الربع الاول من العام الحالي كانت اقل ما يمكن.. وتقول ارقام الرابطة القومية لسماسرة العقارات ان متوسط سعر بيع المساكن القائمة لم يزد الا بنسبة 4.2% في العام الاخير حتي ابريل 2006 مقابل 16.6% في العام حتي اكتوبر 2005، فمنذ الصيف الماضي تتهاوي اسعار المساكن الامريكية وتتراجع المبيعات اضافة الي ان ركود سوق المساكن الجديد دفع الشركات الي خفض اسعارها. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان معظم الخبراء رغم ذلك يتوقعون هبوطا آمنا لاسعار المساكن في معظم البلدان.. وفي عدد مايو من نشرة "ايكونوميك اوت لوك" قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ان اسواق المساكن المقومة باعلي من قيمتها تمثل مع تصاعد اسعار الفائدة خطرا حقيقيا علي اقتصادات البلدان المتقدمة، فارتفاع اسعار المساكن بالمقارنة مع مستويات الدخول تظل ظاهرة آمنة في ظل اسعار الفائدة المنخفضة لان امكانية شراء منزل ارخص ستظل قائمة اما الان فقد بدأت اسعار الفائدة ترتفع ومنها اسعار الفائدة علي القروض العقارية. ويقول تحليل اعدته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انه اذا استمرت زيادة اسعار المساكن في العام الحالي بمعدلات عام 2005 وارتفعت اسعار الفائدة 2% اخري خلال نفس العام فسوف تتزايد بنسبة 50% احتمالات حدوث انخفاض في الاسعار الحقيقية للمساكن في عدة دول هي امريكا وفرنسا وايرلندا واسبانيا والسويد ونيوزيلندا والدانمارك، ويقول نفس التحليل ان اسعار المساكن الحقيقية قد تراجعت بالفعل في كل من استراليا وبريطانيا. وامام هذه المخاطر التي تلوح في الافق يري كثير من الاقتصاديين ان بنك الاحتياط الامريكي قد يضطر الي خفض اسعار الفائدة اذا ما حدث ضعف شديد في سوق المساكن وهذا احد الاسباب التي تجعل الناس تعتقد ان اسعار المساكن لن تنخفض في امريكا وربما كان ذلك صحيحا بدرجة كبيرة لان اسعار المساكن لم تنخفض بالفعل في السوق الامريكي في مجمله منذ سنوات الكساد الكبير 1929 وان كانت بعض اجزاء هذا السوق قد شهدت انخفاضات في اسعار المساكن في العقدين الاخيرين علي وجه الخصوص. ويمكن القول باختصار ان الهبوط الآمن لاسعار المساكن في انجلترا واستراليا قد ادي الي انخفاض معدل النمو فيهما واذا حدث نفس الهبوط الآمن في امريكا فسيكون ذلك بمثابة كارثة اقتصادية تقلب الموازين وتدفع بنك الاحتياط -كما قلنا- للعودة الي سياسة جرينسبان في خفض اسعار الفائدة من جديد.