بدلا من اجتماعه في مدينة فرانكفورت الالمانية كالعادة عقد البنك المركزي الاوروبي اجتماعه يوم 8 يونية الحالي في العاصمة الاسبانية مدريد وقرر رفع اسعار الفائدة علي اليورو بمقدار ربع نقطة لتصبح 2.75% سنويا. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان هذه الزيادة كانت متوقعة علي نطاق واسع وان كان الخلاف قد تركز حول مقدار الزيادة المرتقبة حيث كانت الاحصاءات تشير الي ان معدل النمو الاقتصادي ومعدل التضخم في دول منطقة اليورو يتزايدان بأكثر مما كان متوقعا وهو ما دفع بعض الاقتصاديين الي المطالبة برفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة دفعة واحدة. ومن الاسباب التي دفعت البنك المركزي الاوروبي الي عدم الاستجابة لهذه المطالبة قوة اليورو "إلي جانب الانخفاض في اسعار الاسهم في البورصات" فمنذ ايام زاد سعر اليورو بنسبة 11% امام الدولار ليصبح 1.30 دولار وهي أعلي زيادة منذ 13 شهرا وهو بذلك يقترب من سعره عام 2004 عندما وصف جين كلود تريشيه محافظ البنك المركزي الاوروبي ارتفاع سعر اليورو بانه ارتفاع وحشي وعموما فان توقع مزيد من الارتفاع في اسعار الفائدة علي الدولار يجعل رجال البنك المركزي الاوروبي غير مكترثين كثيرا بقوة اليورو امام العملة الامريكية علي عكس ما كان الحال في عام 2004. وتقول الارقام ان صادرات دول اليورو الي آسيا زادت بقوة وان السوق الامريكي لا يستوعب سوي 7% من الصادرات الاوروبية او نحو 15% من جملة التجارة الخارجية لدول هذه المنطقة، كما ان هناك اسبابا اخري لعدم قلق الجانب الاوروبي علي سعر صرف اليورو مقابل الدولار واهمها ان الاداء اليورو معدل نمو في اجمالي الناتج المحلي خلال الربع الاول من العام الحالي بلغ 2.4% وقد يبدو هذا معدلا متواضعا بالمقارنة الي المعدل الامريكي في نفس الربع الذي بلغ 5.3% ولكن الشيء المهم هو التغير في مكونات هذا النمو واسبابه ويأتي في مقدمتها زيادة انفاق المستهلكين بمعدل 2.8% سنويا خلال الربع المذكور.. وقد كان ممكنا ان تحقق دول اليورو معدل نمو اكبر من ذلك لولا تراجع قطاع التشييد وسيادة الظروف الجوية السيئة وهي امور سوف تتحسن في الربع الثاني وتظهر في نتائجه. وهناك اقتصاديون في (JP) مورجان يعتقدون ان معدل النمو الاوروبي في الربع الثاني سيصل الي 3% سنويا وانه سيكون 2.8% في المتوسط خلال النصف الثاني من العام خصوصا اذا وضعنا في الاعتبار تزايد ثقة المستثمرين والمستهلكين معا وهو ما يعني زيادة انفاقهم ويعني احتمال تفوق معدل النمو علي هذه التوقعات. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان متانة التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو ستعتمد بدرجة كبيرة علي عودة الشركات الي تشغيل مزيد من العمالة وهناك ما يدعو بالفعل الي التفاؤل في هذا الشأن حيث تراجع معدل البطالة باكثر مما كان متوقعا في كل من فرنساوالمانيا في الاشهر الاخيرة.. ففي المانيا هبط معدل البطالة الي 11% بعد ان كان 11.9% في العام الاخير وفي فرنسا هبط نفس المعدل من 10.1% ليصبح 9.3% فقط خلال نفس الفترة.. صحيح ان هذه المعدلات لاتزال مخجلة في ارتفاعها ولكن تحركها الي اسفل بفضل زيادة انفاق المستهلكين يعد بان يكون مستمرا في ذات الاتجاه.. وعلي جانب اخر تقول ارقام (JP) مورجان ان معدل التشغيل في دول اليورو يزيد بنسبة 2% هذا العام وهي ضعف نسبة العام الماضي والنسبة الأعلي منذ عام 2001. والشيء المؤكد ان فرص العمل الجديدة تدعم ثقة المستهلكين التي صارت في اعلي مستوي لها خلال السنوات الخمس الاخيرة كما انها تؤدي الي زيادة اسعار المساكن وتنشيط قطاع التشييد في بعض البلدان وهو ما يعني مزيدا من الزيادة في انفاق المستهلكين والواقع ان اسعار التجزئة في دول اليورو قد زادت باسرع مما كان متوقعا وبلغت نسبة الزيادة 2.8% في العام الاخير حتي شهر ابريل وحتي انفاق المستهلك الالماني يزيد بفضل مناسبة كأس العالم الراهنة لكرة القدم. ومن المهم الاشارة الي ان النمو القوي يمكن البنك المركزي الاوروبي من العمل علي تحقيق هدفه بشأن التضخم فهو كان يريد ابقاء معدل التضخم اقل من 2% ولكن الواقع انه زاد بنسبة 2.5% في العام الاخير حتي مايو الماضي وتشير توقعات المفوضية الاوروبية الي ان التضخم يتجه الي الزيادة اكثر من ذلك. ورغم ان صندوق النقد الدولي كان قد حذر البنك المركزي الاوروبي من سرعة رفع اسعار الفائدة فان البنك لم يتوقف كثيرا امام هذا التحذير لان سعر الفائدة المناسب - في حساباته - لظروف منطقة اليورو الاقتصادية في الوقت الراهن وهو 3.5 - 4% وهذا معناه ان الزيادة التي حدثت لاسعار الفائدة هذا الشهر لن تكون الاخيرة وان السياسة النقدية للبنك المركزي الاوروبي ستظل رغم ذلك سياسة توسعية.. وهذا منعكس بوضوح في نمو الائتمان المقدم الي القطاع الخاص وبمعدلات لم تحدث منذ 14 سنة حسب تقديرات شركة الابحاث لومبارد ستريت ريسيرش. وباختصار، فان الشهور القادمة ستشهد مزيدا من الزيادة في اسعار الفائدة الاوروبية علي اليورو وانها قد تصل في العام القادم الي 3.75% وان يعرقل ذلك تراجع قيمة الدولار امام اليورو لان الاقتصاد الذي يتمتع بالثقة يمكنه ان يقف بثبات علي قدميه وهذا هو حال الاقتصاد الاوروبي الان.