يبدو أن عصر سيطرة البلدان المتقدمة أو ما يسمي بالعالم الأول علي الاقتصاد العالمي قد اَذن بالأفول.. فمنذ الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر صارت الدول الغنية هي المسيطرة علي اقتصاد العالم، أما الاَن فإن الاقتصادات الناشئة أو النامية صارت تمثل وحدها أكثر من نصف اقتصاد العالم أو هذا علي الأقل ما تقوله مجلة "الإيكونوميست" البريطانية مستندة إلي قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي في عام 2005. وتقول "الإيكونوميست" إنها حسبت الأرقام التي أوصلتها إلي هذه النتيجة واضعة في الاعتبار أمرين أولهما ما أعلنته الصين أخيرا بعد مراجعة احصاءات عام 2005 عن زيادة في إجمالي ناتجها المحلي بنسبة 17% عما كانت قد ذكرته من قبل.. وثانيهما أنها ضمت إلي الاقتصادات الناشئة كل الدول حديثة التصنيع في اَسيا وهي كوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج وسنغافورة رغم أن هذه الدول تعد في مصاف الدول المتقدمة حاليا إلا أنها كانت حتي عهد قريب تحسب من العالم النامي. كذلك تم تحويل إجمالي الناتج المحلي لكل البلدان إلي الدولار باستخدام القوة الشرائية المكافئة لكل عملة وليس باستخدام سعر الصرف لأن تقلبات سعر الصرف تحدث الكثير من التشوهات وهذه الطريقة علي أية حال يستخدمها صندوق النقد الدولي أيضا في مقارناته.. والفارق كبير بين الحالتين فاستخدام سعر الصرف يجعل إجمالي الناتج المحلي للبلدان النامية لا يمثل سوي 26% من إجمالي الناتج المحلي العالمي أما استخدام القوة الشرائية المكافئة فإنه يجعل إجمالي الناتج المحلي للبلدان النامية أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي العالمي. وتقول "الإيكونوميست" إن معيار القوة الشرائية المكافئة هو معيار أكثر واقعية في تقدير العلاقة بين أغنياء العالم وفقرائه من حيث حجم الإنتاج.. ولكنه علي أية حال ليس المعيار المناسب علي الدوام حيث يجب حساب التدفقات المالية والتجارية بين مختلف دول العالم علي أساس أسعار الصرف لا القوة الشرائية المكافئة. ومع ذلك فإنه حتي طبقا لأسعار الصرف زاد إجمالي الناتج المحلي للبلدان النامية في العام الماضي بمقدار 1.6 تريليون دولار في حين كانت الزيادة في الدول المتقدمة 1.4 تريليون دولار فقط. وبالطبع فإن العالم النامي يظل متوسط دخل الفرد فيه أقل من متوسط دخل الفرد سنويا في العالم المتقدم وذلك لأن العالم النامي وإن استحوذ علي أكثر من نصف إجمالي الناتج العالمي يسكنه خمسة أسداس سكان العالم.. ولكن الاقتصادات الناشئة تظل هي الأكثر حيوية في العقود الثلاثة الأخيرة فنصيبها من الصادرات العالمية كان 20% عام 1970 وارتفع إلي 42% عام 2005.. وكانت هي السبب في أكثر من نصف الزيادة في الصادرات العالمية خلال السنوات الخمس الأخيرة وحدها. وفي الوقت الراهن تستحوذ الاقتصادات الناشئة علي ثلثي الاحتياطيات العالمية بالعملة الصعبة وتستهلك 47% من الاستهلاك العالمي للبترول ومع ذلك فإن قيمة بورصاتها لا تتجاوز 14% من قيمة بورصات العالم. وتقول "الإيكونوميست" إن البلدان النامية أصبحت ذات أهمية متزايدة بالنسبة لشركات البلدان الغنية.. كما أن حجم تجارة الأغنياء مع الفقراء يزيد علي حجم تجارة الأغنياء فيما بينهم.. فأكثر من نصف الصادرات الأمريكية وصادرات منطقة اليورو واليابان يذهب إلي الأسواق الناشئة.. ويصدر الاتحاد الأوروبي إلي البلدان النامية ضعف ما يصدره إلي الولاياتالمتحدة واليابان معا. وتقول الأرقام التي أصدرها معهد التمويل الدولي منذ أيام إن حجم تدفقات رأس المال الخاص علي الأسواق الناشئة بلغ 358 مليار دولار في عام 2005.. ورغم هذا فإن الجزء الأكبر من الطفرة التي تعيشها بلدان العالم النامي حاليا ممولة من موارد داخلية وليس عن طريق الاستدانة ولذلك فإن نسبة الديون إلي الصادرات قد هبطت من 174% عام 1998 لتصبح 82% فقط في العام الماضي. وهناك علي أية حال 3 أسباب لازدهار العالم النامي حاليا أولها ارتفاع أسعار المواد الخام والسبب الثاني هو انخفاض أسعار الفائدة وهو ما أدي إلي خفض تكلفة خدمة الديون خاصة في دول أمريكا اللاتينية الأثقل مديونية.. أما السبب الثالث فهو زيادة نشاط صادرات الأسواق الناشئة بسبب زيادة الطلب الأمريكي. ولاشك أن هذه البيئة المواتية للازدهار لا يمكن أن تستمر إلي الأبد.. فأسعار الفائدة بدأت في الارتفاع والمستهلك الأمريكي لن يستمر إلي الأبد ينفق أكثر مما يكسب.. كما أن ارتفاع أسعار البترول يمكن أن يضر بالنمو في الأسواق الناشئة التي يتعين عليها أن تستعد لمواءمة نفسها مع كل هذه الظروف والمتغيرات.