شهد سوق العقارات البريطاني خلال السنوات العشر الاخيرة اقوي ازدهار له منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.. ففي الفترة بين 1997 - 2006 ارتفعت اسعار المساكن بنسبة 175% وهو ما يعد واحدا من اكبر الارتفاعات التي شهدتها اسواق المساكن في البلدان المتقدمة ولم تسبقها في ذلك سوي ايرلندا التي كانت نسبة الارتفاع فيها تناهز ال240% وجاءت بعدها اسبانيا بنسبة ارتفاع 160%، اما في استراليا فكانت نسبة الارتفاع 120% تليها فرنسا (110%) ثم السويد (105%) ثم الولاياتالمتحدة (95%) وبعدها هولندا (90%) واخيرا ايطاليا (85%) وتقول مجلة "الايكونوميست" ان اسعار المساكن البريطانية كانت ترتفع عند ذروتها في عام 2002 - 2003 بنسبة 20% سنويا. وقد اعترف جوردون براون وزير الخزانة البريطاني في الخريف الماضي بان سوق العقارات في بلاده قد تضخم الي حد الفقاعة وان كانت هذه الفقاعة قد تراجعت قليلا في الوقت الراهن وبدأ السوق يدخل عملية هبوط ولو مؤقت ففي عام 2005 هبط حجم مبيعات الممتلكات السكنية الي اقل من مليون وحدة وذلك لاول مرة منذ عام 1996 كما اصاب الجمود اسعار المساكن لعدة اشهر متتالية. وفي بعض الاحيان بدا هذا التباطؤ نذيرا بانخفاض طويل الامد مثلما كان يحدث في المرات السابقة.. فمن المعروف ان هذا الازدهار هو الرابع من نوعه منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين وان كل ازدهار كان يعقبه ركود.. ولكن ارقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقول ان اسعار المساكن في بريطانيا كانت في نهاية 2005 اعلي من مستواها المفترض بنحو 30%. وقد دخل السوق علي اية حال طور تعافي غير متوقع وزادت عمليات البيع والشراء فعدد الرهونات العقارية التي كانت قد انخفضت الي 76 الف حالة في نوفمبر 2004 عادت فأصبحت 117 الف حالة في مايو 2006 كذلك زادت اسعار المساكن وتتوقع فيوفوالا ايرلاي كبيرة الاقتصاديين في نيشان بيلدنج سوسياتي ان ترتفع اسعار المساكن بنسبة 5% في عام 2006. وهكذا يبدو ان سوق العقارات البريطاني قد استقر عند تقييمات اعلي بكثير من الواقع وباستخدام مؤشر نسبة متوسط سعر البيت الي متوسط الاجور سنجد ان البيوت مقومة باكثر من قيمتها حتي في ظل ذروة الازدهار الذي كان سائدا في ثمانينيات القرن الماضي، فالنسبة الان 6 مقارنة بنسبة 5.2 فقط في الربع الثالث من عام 1989 ونفس النتيجة يمكن ان نصل اليها باستخدام اية مؤشرات اخري في هذا المجال. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان انخفاض تكاليف الاقتراض خلال السنوات العشر الاخيرة يفسر بدرجة كبيرة سبب اتجاه اسعار المساكن الي الارتفاع فمن المعروف ان انخفاض اسعار الفائدة يرجع الي انخفاض معدلات التضخم.. وان التضخم عندما يرتفع يجعل عبء خدمة قروض الرهن العقاري مكلفة في البداية ثم تبدأ في التراجع مع انخفاض قيمة القرض، اما في حالة انخفاض التضخم فان عبء المدفوعات الاولية لقروض الرهن العقاري يكون محتملا. ويمكن القول ان انخفاض اعباء خدمة قروض الرهن العقاري قد عزز اتجاه اسعار المساكن الي الارتفاع خلال العقد الاخير، كما استفاد المشترون من مساحة التنافس العالية داخل السوق.. والامر الذي لا شك فيه ان المشترين قد استفادوا من قرار بنك انجلترا في اغسطس الماضي بخفض اسعار الفائدة الي 4.5% فقد جاء هذا الخفض بعد فترة من سياسة مالية تقشفية رفعت اسعار الفائدة من 3.5% في اكتوبر 2003 لتصبح 4.75% في اغسطس 2004. واكثر من ذلك، فان انخفاض اسعار الفائدة طويلة الاجل كان هو الاخر مصدر ارتياح اكبر من جانب مشتري المنازل.. فمن المعروف ان اسعار الفائدة علي قروض الرهن العقاري عادة ما ترتبط باسعار الفائدة قصيرة الاجل التي يقررها بنك انجلترا ولكن مع مطلع 2004 نسبة القرض ذات سعر الفائدة الثابت من 30% لتصبح 70% وهي نسبة ترتبط باسعار الفائدة طويلة الاجل وهو الامر الذي استفاد منه المشترون ايضا. ولكننا لا ينبغي ان نعول كثيرا علي الاتجاه الهابط لاسعار الفائدة حيث تتجه البنوك المركزية في العالم كله الان الي رفع اسعار الفائدة لعلاج مشكلة التضخم ولذلك فمن المتوقع ان يرفع بنك انجلترا سعر الفائدة مرة اخري الي 4.75% في وقت لاحق من العام الحالي وهذا معناه عودة اعباء خدمة قروض الرهن العقاري الي الارتفاع واذا حدث ذلك فان فقاعة اسعار المساكن البريطانية قد تنفجر في اية لحظة مخلفة وراءها الكثير من الخسائر.