تحض الثقافة الانجلوساكسونية الناس علي تملك المنازل باعتبار ذلك أحد العوامل المساعدة علي تكديس الثروة كما أنه مفيد للاقتصاد القومي لأنه يعلم الناس الادخار ومفيد للمجتمع بشكل عام لأن ملاك المنازل يزيدون من استثماراتهم في المنطقة التي يقطنونها وينخرطون في الأنشطة الاجتماعية ويدفعون أبناءهم إلي التفوق الدراسي علي أبناء المستأجرين. وباختصار تقول مجلة "الايكونوميست" إن تملك المساكن مفيد للجميع وليس للملاك وحدهم وكلما زاد عدد الملاك كان ذلك أفضل. وهذا يفسر لنا تشجيع الحكومة للناس علي تملك المساكن وكيف أنه في بلاد مثل أمريكا وايرلندا واسبانيا يتم خصم أقساط الرهن العقاري من الوعاء الضريبي. ولم يكن غريبا والحال كذلك أن ينجم عن انهيار قطاع العقارات الأمريكي فرقعة عالمية خصوصا وأن هذا الانهيار قد حدث أساسا في الوكالتين الحكوميتين اللتين تتيحان للفقراء الأمريكيين فرصة تملك المساكن وهما فاني ماي وفريدي ماك. ونتج عن ذلك ولأول مرة خلال ربع قرن انخفاض استمر 4 سنوات في معدل تملك الأمريكيين للمساكن. وفي عام 2008 وحده تعرضت 2،3 مليون أسرة أمريكية إما لفقدان مساكنهم أو لحبس هذه المساكن استيفاء لأقساط الرهن وهذا ضعف المعدل المعتاد لسنوات ما قبل الأزمة. وقد انخفضت بذلك نسبة عدد ملاك المساكن من 69% عام 2004 لتصبح 67،5% عام 2008 كذلك انخفض عدد ملاك المساكن في بريطانيا خلال عام 2008 وذلك لأول مرة منذ خمسينيات القرن العشرين. ونستطيع القول الآن بوضوح إن محاولات توسيع سياسة تملك المساكن قد أسهمت في صنع الأزمة المالية الأمريكية من دون أن تنجح في تحقيق أهدافها الخاصة. وهذا يجعلنا نتساءل عن مدي جدوي سياسة تمليك المساكن.. وهل هي مفيدة لجميع الأطراف كما يعتقد الانجلوساكسون؟ يجيب كثير من الاقتصاديين والمعلقين علي هذا السؤال بالنفي ويرون أن هناك مبالغة أمريكية في حض الناس علي تملك المساكن ومن هؤلاء بول كروجمان الحاصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008 وادوارد جلايسير أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد. ولكن صناع السياسة في أمريكا لايزالون يتمسكون بفكرة تشجيع الناس علي تملك المساكن. فقد اقترح الرئيس باراك أوباما في فبراير الماضي خطة تتكلف275 مليار دولار لدعم قطاع الإسكان وحتي خارج البلدان الانجلو ساكسونية نجد أن الرئيس الفرنسي ساركوزي قد خفض إلي الصفر سعر الفائدة علي قروض الاسكان التي يحصل عليها فقراء فرنسا. أن الحجة الرئيسية للمدافعين عن تملك الناس للمساكن أنها كما يقول توماس شابيرو الأستاذ بجامعة براندايز تعتبر أهم طريقة الآن لتحقيق التراكم الرأسمال لدي أرباب العائلات ولكن الأزمة الاقتصادية الراهنة دمرت تماما هذه الحجة فأسعار المساكن في بريطانيا هبطت 21% عن الذروة التي كانت قدوصلت إليها في أكتوبر 2007 وفي أمريكا كانت سرعة الانخفاض أقل ولكن نسبة الانخفاض كانت أعلي حيث بلغت 30% من الذروة التي كانت قد وصلت إليها في منتصف عام 2006 وهذا أدي إلي انخفاض القيمة الاجمالية للمساكن الأمريكية من 22 تريليون دولار عام 2007 لتصبح 19 تريليونا فقط عام 2008. ورغم أن بعض علامات الحياة قد عادت أخيرا إلي أسواق الاسكان علي ضفتي الاطلنطي إلا أن أسعار المساكن ستواصل الانخفاض لفترة أخرة من الوقت. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن انخفاض أسعار المساكن قد أضار بصفة أساسية شريحتين من الملاك الشريحة الأولي هي تلك التي اشترت مساكنها بعد أن وصل ارتفاع الأسعار إلي الذروة فهي الآن تعاني من تآكل رأسمالها بسبب الأزمة، وقد أصبحت قيمة ما عليها من ديون الرهن العقاري أكبر من قيمة العقار نفسه وعدد هؤلاء في الولاياتالمتحدة الآن نحو عشرة ملايين مالك. أما نسبتهم في بريطانية فهي 3% من جملة ملاك المساكن وهؤلاء معرضون لأن يخسروا كل شيء بما في ذلك مدخراتهم ومساكنهم نفسها لأن المنازل التي يملكونها تحولت بفعل الأزمة إلي مصيدة بعد إن كانت حصالة نقود وقد لا تقوم لهذه الشريحة قائمة إلا بعد مرور سبع سنوات من الآن وعلي جانب آخر ثبت فشل سياسة دعم الفقراء من أجل تملك المساكن خاصة في الولاياتالمتحدة وهنا يقول كروجمان بوضوح أن تملك المساكن ليس فضيلة في كل الاحوال ولا هو مفيد لكل شخص وقد برهنت الأزمة الأخيرة علي أن المزايا الاقتصادية لسياسة التوسع في تملك المساكن ليست شيئا مسلما به في كل الاحوال. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للمزايا الاقتصادية فماذا عن المزايا الاجتماعية؟ صحيح أن التملك يشجع الاستقرار وايجاد مجتمعات أكثر احتراما للقانون. ويجعل الناس أكثر اقبالا علي التصويت في الانتخابات والالتحاق بالأندية الرياضية والاجتماعية. ويجعل أبناء الملاك أكثر تفوقا في مدارسهم من أبناء المستأجرين. ولكن هناك من يري أن الافراط في تشجيع تملك المساكن قد هز حتي هذه المزايا الاجتماعية خاصة في الولاياتالمتحدة حيث عمدت شريحة كبيرة من السكان إلي تملك أكثر من مسكن وتأجير المسكن الاضافي أي أن تملك المساكن تحول استثمار أكثر منه رغبة في تحقيق الاستقرار وهناك أكثر من ذلك من يري أن تلك المزايا الاجتماعية يمكن أن تتحقق من دون حاجة إلي تملك المساكن خصوصا وأن أغلب الناس في بلد مثل ألمانيا لايزالون يفضلون تأجير المسكن علي تملكه. والخلاصة أن تملك المساكن لا يعد فضيلة في حد ذاته. وأن الافراط في تشجيع التملك لا يمكن اعتباره سياسة ناجحة علي طول الخط.