المشروع النهضوي العصري، الجديد والحديث، الوطني والقومي، القطري والعربي، في حالة استعصاء، الأدق في حالة الانسداد. حركة التحرر والتنوير والتقدم العربية، بخصوصيات كل مجتمع، ظروفه الذاتية والموضوعية، المحلية، الإقليمية، والدولية، وقانون التطور المتفاوت بين مجتمع وآخر، حققت الاستقلال السياسي عن الأجنبي، الهيمنة العثمانية الإمبراطورية الإقطاعية، الاستعمار القديم والجديد، وعبرت إلي الاستقلال الأول عن الخارجي. لم تتمكن حتي يومنا، حتي الآن، من إنجاز الاستقلال الثاني، الاستقلال الداخلي عن الاستبداد التاريخي والمعاصر، موروثه الماضوي الشعبوي القدري، الجبري، طوفان النقل وفتاوي أفكار العصور الوسطي…لمحاصرة العقل…إنها سياسات تسلط التحالفات الطبقية القديمة، والراهنة الضيقة بين “السلطة والمال”…بين البورجوازية البيروقراطية والأخري الطفيلية والكومبرادور، “زواج المتعة والنفوذ”، نهب المال العام، الفساد، تفسخ الأخلاق السياسية، لا مساءلة ومحاسبة، لا شفافية. وعلي الضفة الأخري؛ أنظمة التحالفات القبلية، العائلية، الإقطاعية السياسية والمالية، الغائبة عن روح العصر وجديد التاريخ الإنساني، والمستندة إلي امتدادات عالم العصور القديمة الوسطي، أمراضاً مزمنة، جهلاً وأميةً، وسلطاناً… الثورة المضادة في العقود الأربعة الأخيرة، وخاصة بعد زلزال حرب يونيو 1967، وتداعياته علي مشروع تجربة ثورة يوليو 1952 النهضوي الوطني والقومي، شنّت قوي الثورة المضادة حروبها داخل مصر، (التناقضات داخل تجربة الثورة ومؤسساتها السياسية والعسكرية، الاقتصادية والاجتماعية، الفكرية الثقافية والدينية، وفي مسارها الرجراج الطبقي الاجتماعي، وتداعياته تراجعاً وتقدماً).وما حولها التناقضات والصراعات في المجتمع والدولة والشارع، وفي المحيط الإقليمي، العربي والدولي، لمحاصرة وتطويق المشروع النهضوي والارتداد عنه، إلي الخلف، إلي اليمين المحافظ، واشتدت حروب الردّة مع رحيل عبد الناصر زعيم المشروع وتطويراته، وانقلاب مايو 1971 الساداتي، السياسي والطبقي، اليميني المضاد، المعلومة تداعياته. القطاعات الاجتماعية والسياسية الناهضة، قطاعات واسعة من الطبقة الوسطي، العمالية والطلابية، والنخب المثقفة التقدمية انتفضت غير مرّة في السبعينيات والثمانينيات وما بعدها، تجاوزت الأطر والأحزاب التنظيمية السياسية والنقابية، التقليدية والقديمة، الرسمية وغير الرسمية، الشرعية وغير الشرعية، وضعتها خلفها، متخلفة عنها، ولكن الميزان بينها وبين قوي الثورة المضادة المنظمة، المتحكمة بآلة الدولة، لم يكن في صالح القطاعات والكتل الاجتماعية الجديدة الناهضة، التي تشكل الكتلة التاريخية الجديدة حاملة المشروع النهضوي وتطويره في مواجهة الثورة المضادة. وعليه؛ ضاعت عمليات تصحيح وتصويب مسار الأحداث، حماية وتطوير المشروع النهضوي الوطني. بوصلة التمييز “أحزاب ونخب سياسية” تقدمية، يسارية، ليبرالية ديمقراطية كثيرة من بين صفوف الطبقة الوسطي أضاعت بوصلة التمييز بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي في حركة المجتمع والثورة الوطنية الديمقراطية (تحرير العقل، الديمقراطية التعددية، العدالة الاجتماعية)، انقسمت علي نفسها، عطّلت دورها، وتخلّفت عن مسار الأحداث. ولم تتمكن حرب أكتوبر 1973 المجيدة، بقواها الحية والظافرة، والشعب الملتف حولها “حلّ الاستعصاء”، بين قوي تطوير وتجديد المشروع الاجتماعي والسياسي النهضوي إلي أمام، وبين قوي الثورة المضادة الضاربة المنظمة وجبهتها وتحالفاتها اليمينية، الطبقية والاجتماعية والسياسية الملتفة حولها، من البيرقراطية البورجوازية السلطوية الحاكمة، كبار الملاك، الإسلام السياسي اليميني، البورجوازية التجارية ورجال الأعمال في داخل البلاد، والتحالفات الإقليمية والدولية وخصوصاً الأمريكية. تفككت الحوامل والروافع الداخلية حاملة مشروع التغيير والدمقرطة والحداثة الوطني. وتفككت الجبهة الأمامية حاملة المشروع النهضوي المصري والقومي، الجديد والحديث، تفككت أخوة السلاح علي خطوط التماس “لإزالة آثار هزيمة يونيو 1967″، محاصرة وتطويق التوسعية الإسرائيلية الصهيونية في الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، حروب “إسرائيل” اليومية الاستيطانية علي القدس والضفة وقطاع غزة، الشاملة علي الضفة (السور الواقي في اليوم التالي لإعلان مبادرة السلام العربية في قمة بيروت مارس/ آذار 2002)، قطاع غزة (الرصاص المصبوب كانون أول/ ديسمبر 2008 كانون الثاني/ يناير 2009).الحروب الستة علي لبنان، بدءاً من احتلال جنوب لبنان 1978، الغزو الشامل 1982 لتطويق وإبادة فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، تدمير منظمة التحرير الفلسطينية ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والدولة بعاصمتها القدس والعودة إلي الديار عملاً بالقرار الأممي 194، احتلال العاصمة بيروت…وصولاً إلي حرب العدوان الشامل علي لبنان 2006. ليست آخر الحروب وعليه؛ لم تكن حرب أكتوبر 1973 آخر الحروب كما أعلن السادات، وكما قال من قال، وعند العدو الإسرائيلي، وحماته وراء الأطلسي الخبر اليقين. تسارع تراجع وتدهور المشروع النهضوي الوطني والقومي، تفاقم “الانكفاء الذاتي” للدولة القُطْرية، وما دون الدولة القطرية، استشرت الأزمات الداخلية المزمنة، والراهنة، تحت سقف مشاريع النيوليبرالية الرأسمالية المتوحشة، اقتصاد السوق الحر ونهب المال العام، الانجرار خلف شروط البنك الدولي وصندوق البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، تراكم الديون وخدمة الديون علي المجتمع والاقتصاد التابع والضعيف، لا حد أدني وحد أقصي للأجور، لا تناسب بين الأجور والأسعار، إغراق البلاد بالضرائب غير المباشرة، التدهور المتواصل في حياة وأوضاع الطبقة الوسطي والطبقات العاملة والفقيرة في المدينة والريف، الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، الفكرية والثقافية، السياسية، الإثنية، الطائفية والمذهبية، لا مساواة في المواطنة، بين الرجل والمرأة، الأمية، الفقر، البطالة، التناقضات الطبقية الكبري، بين شريحة من أثرياء “زواج المتعة بين السلطة والمال” لا تتجاوز 1 % من المجتمع في كل قطر عربي، وتدهور حالة الطبقة الوسطي والطبقات الشعبية إلي قاع الفقر، عمالاً وفلاحين ومهمشين، ومدن الصفيح والعشوائيات. تضاءلت العلاقات البينية بين الأنظمة الحاكمة العربية، بين المجتمعات العربية، وارتفع منسوب صراع المحاور الإقليمية، الانقسامات العربية العربية، الانقسامات السياسية الفلسطينية الفلسطينية (اتفاقات أوسلو 1993، سياسة الخطوة خطوة، المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بدون مرجعية وقرارات الشرعية الدولية، سقف زمني، وقف توسع استعمار الاستيطان)، انقسامات وانقلابات سياسية وعسكرية (2006 2010) تفكيك الوحدة الجغرافية بين الضفة وقطاع غزة، تفكيك وحدة النظام السياسي الفلسطيني، التراجعات عن اتفاقات إنهاء الانقسامات والعودة إلي الوحدة الوطنية…(اتفاقات 2005، 2006، 2009…وحتي يومنا) وتصدير الانقسامات المحورية العربية والشرق أوسطية داخل الصف الفلسطيني، تعميقاً وتمويلاً، في خدمة الأجندات الإقليمية، والمصالح الذاتية الفوقية للشرائح الطبقية الفئوية السلطوية في الحالة الفلسطينية، والحاكمة في غير عاصمة عربية ومحاور إقليمية. غاب التضامن العربي، والأزمة الفلسطينية أزمة عربية. غابت الحريات والديمقراطية التعددية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، لا تداول سلمي علي السلطة، طغت أنظمة الاستبداد والفساد، وتغولت علي البلاد والعباد. المشهد العربي يشير إلي أن عديد الأقطار العربية مرشح ومهدد عملياً بالتفكك إلي “ما دون الدولة القطرية” السودان، العراق، اليمن أمثلة صارخة…و”الحبل الجرار”، والحقوق العربية والفلسطينية إلي “ما دون تصفية آثار عدوان 1967″، ما دون قرارات الشرعية الدولية في مجري صراع المرحلة مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، بجانب “تداعيات النكبة الوطنية/ القومية الكبري 1948″. وعليه؛ دخلت الأزمات العربية، أنظمة ومجتمعات في حالة بيات شتوي منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين، العالم حولنا يتغير ويتطور، زلازل، انتفاضات وثورات في العالم الثالث، في أمريكا اللاتينية، آسيا، إفريقيا، وأزمات في النظام المالي الرأسمالي العالمي منذ مطلع القرن الواحد والعشرين…العواصف تهزُّ المجتمعات العربية.