الشرطة الأمريكية تستعد لسحب رخصة السلاح من ترامب    القنوات الناقلة لمباراة منتخب مصر وبوركينا فاسو بتصفيات كأس العالم    الصحة العالمية تعلن وفاة أول حالة مؤكدة لمتحور أنفلونزا الطيور    حزمة قرارات جديدة من قناة السويس تعرف عليها (تفاصيل)    موقع نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بوابة التعليم الأساسي رابط مباشر برقم الجلوس جميع المحافظات    رجل الأعمال باسل سماقية يحتفل بخطبة ابنته (صور)    الحوثيون يعلنون استهداف سفنا في البحرين الأحمر والعربي    رئيس برلمان سلوفينيا: الاعتراف بالدولة الفلسطينية قرار في غاية الأهمية بالنسبة لنا    وزير خارجية قبرص: نعمل على تهيئة الظروف للانتهاء من المشروعات المشتركة مع مصر    حاتم صلاح يوجه رسالة ل أحمد فهمي بعد مشاركته في فيلم «عصابة الماكس»    «موجوع لفراقك».. محمد صبحي يوجه رسالة مؤثرة للفنانة الراحلة سعاد نصر    لماذا اخفى الله قبور الأنبياء إلا قبر سيدنا محمد؟ أمين الفتوى يجيب    هشام نصر: الزمالك كان مديونا بأكثر من 35 مليون جنيه لاتحادات الطائرة واليد والسلة    «بايك» تُعلن التحدى مع «ألكان أوتو» فى مصر    طارق السيد: عمر كمال الأفضل لمركز الظهير الأيسر أمام بوركينا فاسو    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    إبراهيم عيسى: تكرار الأخطاء جريمة بحق التاريخ.. لم نتعلم من الأحداث    البابا تواضروس: سألنا مرسي عن 30 يونيو قال "عادي يوم وهيعدي"    ضبط المتهم بتشويه مطلقته بمادة كاوية فى منشأة القناطر    رئيس جامعة سوهاج يتسلم جائزة مؤسسة الأمير محمد بن فهد لأفضل إنتاج علمي    البابا تواضروس يكشف كواليس اجتماع 3 يوليو في وزارة الدفاع    نشرة التوك شو| تأثير انقطاع الكهرباء على أسعار الدواجن وموعد تشغيل محطة الضبعة    بوسي تستعرض جمالها في أحدث ظهور لها والجمهور يعلق (صور)    خطة بايدن لوقف إطلاق النار بغزة.. حماس تسمع عنها في الإعلام ونتنياهو يسعى لوفاتها قبل أن تولد    واجبات الحج الأربعة.. معلومات وأحكام شرعية مهمة يوضحها علي جمعة    الأزهر للفتوى: الاجتهاد في السعي على طلب الرزق في الحر الشديد له ثواب عظيم    10 % نسبة الزيادة المحتملة، موعد إعلان أسعار البنزين والسولار الجديدة    عبد الرحمن مجدي: الأهلي تراجع عن ضمي.. وطلبات الإسماعيلي منعت انتقالي إلى الزمالك    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    درجة الحرارة تصل لذروتها.. الأرصاد توجه نصائح للمواطنين    مصرع شاب إثر حادث تصادم موتوسيكل مع سيارة فى تمى الأمديد بالدقهلية    «الرى» تُنشئ 20 محطة مياه وسدودًا لحصاد الأمطار بجنوب السودان    أسعار الذهب اليوم الخميس 6 يونيو 2024 في الصاغة وعيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع    تنسيق الثانوية العامة محافظة الشرقية 2024-2025 بعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية (التوقعات)    مسئولون أمريكيون: بايدن أعلن مقترح غزة دون الحصول على موافقة نتنياهو    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «شماريخ» تحت شعار «تحيا المقاومة لتحيا فلسطين» (تفاصيل)    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    لأسباب شخصية وعائلية .. ممثل الكيان الصهيونى يستقيل من منصبه في "العدل الدولية"    هشام نصر يكشف مفاجأة: الزمالك لم يتم التعاقد مع محترف فريق الطائرة حتى الآن    «الأهلي» يكشف تفاصيل تجديد كبار الفريق.. وموقف علي معلول    ملخص وأهداف مباراة فرنسا ضد لوكسمبرج الودية    منعًا لتلف المحرك.. تعرفي على الوقت الصحيح لتشغيل الثلاجة بعد التنظيف    وزير الصحة يستقبل نظيره الزيمبابوي لبحث سبل التعاون وتبادل الخبرات بين البلدين    تاكيدًا لانفراد «بوابة أخبار اليوم».. تفاصيل العثور على جثة الشاب السعودي «هتان شطا»    حظك اليوم| برج الثور الخميس 6 يونيو.. «يومًا أكثر استقرارًا وانتاجية»    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة..والفترة الماضية شهدت انخفاض فى الأسعار    السفارة الأمريكية: إطلاق مبادرة جديدة للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات    «سقط من نظري».. البابا تواضروس يروي موقفًا صادمًا مع «مرسي»    البابا تواضروس: أخبرت نائب محمد مرسي عن أهمية ثقة المواطن في المسئول فصمت    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها عند الذبح    ضمن برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر.. دورة تدريبية عن مهارات القيادة    وزيرة التخطيط تشارك بمنتدى دول البريكس الاقتصادي الدولي في نسخته ال 27    إيه هو مشروع فالي تاورز وليه سعره لُقطة.. فيديو    أخبار × 24 ساعة.. هيئة الدواء: تسعير الأدوية جبرى وإجراءات ضد المخالفين    رئيس شعبة الدواء: لدينا 17 ألف صنف.. والأدوية المصرية نفس جودة الأجنبية    شاب متهور يدهس عاملا بالتجمع الأول أثناء استعراضه بالسيارة في الشارع    عقب سيجاره يشعل النيران في أشجار النخيل بمركز ابشواي بالفيوم    السعودية ومصر تعلنان موعد غرة ذي الحجة وعيد الأضحى 2024 غدًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.مجدي العفيفي يكشف آخر 200 يوم مع أنيس منصور .. صور


مذكرات..ومراجعات.. واعترافات..
ماذا حدث في آخر ٢٠٠ يوم في حياة أنيس منصور؟ إلى أي حد كان يجري مراجعات فكرية ؟ ماذا كان يكتب؟ ماذا ترك من أوراق ومذكرات؟ ولماذا اختص أنيس منصور بالذات الكاتب الصحفي بالأخبار الدكتور مجدي العفيفي؟.
الاجابة في ٥٥٠ صفحة كتبها د. مجدي العفيفي، في كتابه الجديد ( آخر ٢٠٠ يوم مع أنيس منصور) الصادر عن دار اكتب هذا الاسبوع، في سبعة فصول ، الفصل الأول تقاسيم على قيثارة أنيس منصور، والفصل الثاني: في (مشواره السري) بين القاهرة وتل أبيب: مهام سياسية مباشرة، والفصل الثالث: في مذكراته الخاصة ( حكيت وبكيت) كان يحكي كثيرا.. ويبكي أكثر ، والفصل الرابع: في بلاط صاحبة الجلالة كانت لهم أيام، والفصل الخامس: نبوءات..واعترافات.. ومكاشفات، والفصل السادس: نحن ( أولاد ) أنيس منصور، والفصل السابع : صور نادرة من الصندوق الأسود.
بينما كان الصبح يتنفس لشروق يوم جديد، كان أنيس منصور يرسل أنفاسه الأخيرة لغروب عمر امتد 87 عامًا، ليضع نقطة التنوير في آخر سطر من كتاب حياته، في التاسعة صباح يوم الجمعة 21 أكتوبر 2011 وهو التوقيت اليومي الذي كان يتوهج فيه قلمًا وألمًا وأملًا، لكنه هذه المرة فارق التوهج على إيقاع آيات من الذكر الحكيم، ففاضت روحه وكأنما أراد أن يكون آخر وأجّل وأجمل ما ينصت إليه في الدنيا، والنفس المطمئنة تتهيأ لترجع إلى ربها راضية مرضية.
كان آخر سؤال سألته لأنيس منصور في أيامه الأخيرة جدًّا:
- ماذا تقول لربك غدًا إذا لقيته ؟!.
قال بلغة الأعماق البعيدة التي كان يتهامس بها في كل حواراته معي:
- سأقول له: أنت الله، لا شريك لك، ما أعظمك! .
وظل يبكي، كما كان يبكي في مراجعات كونية كثيرة»
بهذه السطور بدأ الكاتب الصحفي الدكتور مجدي العفيفي صفحات كتابه الجديد « آخر 200 يوم مع أنيس منصور», مشفوعا بمجموعة من الصور النادرة عبر مراحل حياة أنيس منصور. وأوراق مخطوطة تركها الكاتب الراحل للمؤلف الذي يشهد بأن أنيس منصور ما كان أبا أحد منا، ولكن رسولًا من رسل الكلمة، وخاتم جيل من المفكرين والكتّاب الموسوعيين من أصحاب النظرة الكونية والرؤية الفلسفية التي تخترق الزمان والمكان والإنسان.
تسعة عقود من الزمن الحي، عاش فيها وعاشت فيه، ورأى فيها ما رأى، وشهد وشاهد، وكتب وقرأ، وملأ الدنيا، وشغل الناس وشاغلهم، بالصحافة والفلسفة والثقافة والفكر، والأسئلة والتساؤلات والتأمل، والتحديق والتحليق والتحقيق، والدهشة والمعرفة.
استقطر أنيس منصور من نفسه مئتي قنينة، شكَّلها في باقة من المؤلفات، ترصع جبين المكتبة العربية والإنسانية، ليتجاور مع كبار كتّاب العالم، وليتحاور مع القلب الإنساني بسحره وسرده، ولغته ونغمه، ومفرداته ومعزوفاته.
وتأسيسا على ذلك يظل المؤلف يتنقل بين حدائقه المكتوبة، ويتلذذ بنور حرائقه المشتعلة، ويستحضر أرواحه وأشباحه، ويستمتع بلذة النص والقص والشخص والاسم والرسم والسمت والصمت، وعنفوان الشيخوخة التي لم يكن يعترف بها يومًا رغم وهن العظم منه واشتعال الرأس شيبًا، وفوران المذكرات، والذكريات صدى السنين الحاكي.
وقد قضى الدكتور مجدي العفيفي العام الأخير من حياة انيس منصور ملاصقا له ليل نهار، وهو عام اختزل حياة الكاتب الراحل حيث شهد وسجل لحظات فائقة الحساسية..ومراجعات نقدية لمواقف.. ومشاهد.. وشواهد.. استقطار مكثف لتجارب في الثقافة والصحافة والسياسة والمجتمع والناس والذات.ومذكرات تحمل الأسرار الرائعة والمروعة..وذكريات تتجمل بالمواقف النابضة بالحياة والراكضة بالحيوية..وذاكرة تفيض ولا تغيض..وفكر لا ينحني إلا للحق وصولًا إلى الحقيقة، وإن ظلت مراوغة..وقلم ينسال كأنه يستعير سرعة الضوء ليواكب انثيال الفكرة.. وقلب أمين لا يمل ولا يميل إلا للحب والنور والجمال..ونفس صافية تحتوي انشراح صدر، ووضوح رؤيا.. واتساع رؤية..
"قيثارة أنيس منصور"
في الفصل الأول يقدم المؤلف تقاسيم على قيثارة أنيس منصور في أكثر من ثلاثين نغما فكريا تشكل المحاور الأساسية والتأسيسية لمنظور أنيس منصور للحياة والإنسان والكون،
يبدأها بقوله: في المائتي يوم الأخيرة بالذات من حياة أنيس منصور.. كان يحدثني عن كثير من الأسئلة المسكوت عنها، سواء على المستوى الذاتي في مناطق وعرة من جغرافية حياته وفكره، أم على المستوى الموضوعي في رؤيته لكثير من القضايا والهموم المحظور اقتحامها، أفاض عليَّ بأسرار ومذكرات، وفتح لي «صندوقه الأسود» من مراجعات سياسية، واعترافات شخصية، ومناوشات فكرية، وارتعاشات دينية، وخفقات علوية، وتنهدات وجدانية، ونبوءات واقعية، وتحديقات مستقبلية.كانت كثافة هذا البوح فائقة الحساسية، وكان عليَّ استيعابها رصدًا وفرزًا، وتأصيلًا، وتجذيرًا، منذ رحيله، كان حظي عذبًا، وكان خَطُّه مُعذِّبًا، كأنه طلاسم، لكن تفكيكها لم يكن مستحيلًا، فالمواد رائعة والمحتوى مروع، والتحيير مع أنيس منصور عذاب وعذوبة، وفي هذا عزائي.. فالانفراد هو الثمن. ثمة غابة من المعلومات الكثيفة تحتويها مؤلفات أنيس منصور في فروع المعرفة الإنسانية كافة، تجعله متمايزًا ومتميزًا، وأعظم سماتها هو ذلك التنوع النوعي الذي تفيض به، والأعظم هو قدرته على استثمارها كتابيًّا وثقافيًّا في سباقاتها لتمثل طاقة هائلة من المتعة والفائدة.
وتحت عنوان الشخصية كتب د. مجدي العفيفي: احتواء أنيس منصور، الشخص والشخصية، يعني احتواء مئة عام من الثقافة والسياسة والصحافة والمجتمع والناس والانعطافات والانكسارات والانتصارات والهزائم والغنائم والتحولات الداخلية والإقليمية والإنسانية والكونية.
الارتحال والدوران حول عالم أنيس منصور هو ارتحال ودوران في فلك التنوير والاستنارة، رغم أضواء مصابيح الظلام في الأجواء كثنائية حياتية طبيعية، وقد غالبها بأنوار مئتي كتاب عبر سبعة وثمانين عامًا مشحونة بالمتقابلات، ومسكونة بالتناقضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
اختزال أنيس منصور، قلمًا وأملًا وألًما، في سطور وصفحات، هو مثل ولوج الجمل في سم الخياط، عملية مستحيلة، إلا أن يكون هذا الاختزال مجرد استقطار لحديقة مفكر وكاتب موسوعي، في قنينة مكثفة العبير، وقد رحل صاحبها ليظل إبداعه ينشر شذاه بين الأجيال بكل أطيافها وطبقاتها وشرائحها وظلالها وعذاباتها وأشواقها.
أن تقرأ أنيس منصور معناه أنك تقرأ ألوفًا من الكتب، في الفكر والفلسفة والدين والعلم والأدب والفن والفلك والإنسان والزمان والمكان، وافتح كتب أنيس منصور: تمتعك، تتعبك، ترهقك، تؤنسك، تزلزلك، تفترسك، تهدِك، تهدئك، تهدك، تصعد بك وتهبط، تطير وتحط، تسبح بك وتسبّح، وتسعدك، وتحزنك، تتسع بك وتضيق، تضع العالم عند أطراف أصابعك وعينيك اللتين في طرفهما شوق للتلقي والمعرفة وامتصاص الرحيق واستئناس الحريق، فكتبه مثل الخرائط تهديك إلى غيرها، ومثل الأوراق المالية مضمونة الفائدة، ومثل البنوك فيها كل أنواع المعاملات والتحويلات.
أن تجلس إلى أنيس منصور فأنت تتقابل مع مئات الشخصيات والأشخاص في العالم، من بسطاء ومشاهير وقيادات وجماهير، وأزمنة وأمكنة، وواقع وما وراء الواقع، وأنفس وآفاق، وأرواح وأشباح، وعلماء وفنانين، وفلاحين ومثقفين، وكتاتيب وجامعات، وفنادق وصحاري، وأطراف وأطياف، وجبال وأودية، وقرى وقارات، و... دنيا.
توجد شخصيات تملأ العين والقلب، ويظل الإنسان يقترب منها حتى تستولي عليه، ويرى الدنيا من خلالها، فتصبح هذه الشخصيات عدسات لاصقة تلهب العين وتوجعها، وفي النهاية لا مفر من نزعها، لا أستطيع ترك مجالي البصري رهنًا لهذه العدسات المكبرة على الدوام.
أن تستمع إلى أنيس منصور لا بد أن تصغي إليه وتنصت، ليس على شاكلة «رُبَّ مستمع والقلب في صمم»، فهو يوقظ فيك حواسك ومشاعرك ووجدانك وفكرك، فتعيش حالة من من الجدل الإيجابي، وهالة من القوة الإنسانية والضعف أيضًا، إنه المحدث الساحر بقدرته على السرد والحكي، هو سارد يدرك نوعية المسرود له.
وتحت عنوان (البوح): يشير إلى أن «الأنا».. هي نقطة الارتكاز لتحقق الإنجاز، يكتب كما يتحدث كما يتنفس «ذاته وحياته ومؤلفاته.. ثلاثية تشكل وحدة نصية كلية، هي منظومة أنيس منصور، قاسمها المشترك هو «الأنا»، والأنا هي النواة التي تدور في مجرتها المليون الصفحة التي كتبها أنيس منصور طوال عمره وفكره: «من أراد أن ينظر إليَّ، فلينظر إليَّ بعيني إلى عيني، يحاسبني بقولي على قولي، ويستخدم موازيني في وزني، ومقاييسي في قياسي، فأنا شاهد على نفسي، فاقْفِز إلى مقعدي، وادْخُلْ في ملابسي لتقول الذي أقول».
سأل المؤلف أنيس منصور: هل عرفت من أنت بعد كل هذا العمر؟ فقال: «آه لو كانت أفكاري وعواطفي ملفوفة.. كلها على هيئة بكرة خيط.. لها أول ولها آخر.. ولها اللون الذي يعجبني.. آه.. لو كنت أستطيع أن أرتب هذه الخيوط بالشكل الذي يعجبني..آه.. لو كنت أعرف ما يدور في عقلي.. وفي قلبي.. وفي معدتي.. إنني كثيرًا أتلخبط في مشاعري فأحس بالصداع في معدتي.. وأحس بالمغص في عقلي.. وبالقرب من قلبي.. إنني لا أعرف أين يوجد الحب ولا أين توجد الكراهية.. ولا أين يوجد الجوع والعطش، إنني أعرف أن الطريق إلى العقل يمر بالمعدة وبالقلب، ولكن أنا لا أعرف أول هذا الطريق ولا نهايته.. فنحن نأكل، ولكن عملية الأكل هذه عملية عقلية.. والشعور باللذة.. مسألة عقلية.. والشعور بالارتياح للذين نجلس إليهم عند الأكل مسألة عاطفية.. مسألة قلبية.. فبأي شيء نأكل.. بالقلب؟ بالعقل؟ لا أعرف!»
ويستمر المؤلف في الدوران في فلك أنيس الفكري بعناوين مثل: الشوق و الرسالة...فيذكر أنه أنيس منصور كان يتساءل في دهشة :لماذا تركني الله – تعالى - إلى هذه السن؟ ولماذا وحدي؟ لماذا ناداهم كلهم إلا.. أنا؟. وكنت أقول: إن رسالتك لم تكتمل، ربما. وكان يزم شفتيه ويرفع حاجب الدهشة، ولا يخفضه إلا قليلًا، و«الحقيقة» هي أمل ورجاء أنيس منصور، معبودته التي كان ينحني لها في كل ما يكتب، ظل يبحث عنها على مدى مئتي كتاب، ويدعو الناس أيضًا، لكن العلم طويل والعمر قصير، كما يقول المثل اللاتيني القديم، ومن ثم كان يؤرقه في الأيام الأخيرة علامة استفهام محملة بشيء من الحسرة: من يحمل أمانة الحفاظ على هذه الثروة والدعوة في مؤلفاتي؟ ليس لي ورثة، إذن لا بد أن أوصي بما أملك لأحد من الناس، فما هذه الثروة التي سوف أتركها عندما أموت؟ أنا أقول لك: مكتبتي وبها خمسون، ستون ألفًا من الكتب، إيه يعني؟! وقد تركت من المؤلفات 200 كتاب، وإيه يعني مرة أخرى؟! فعائد هذه الكتب ضئيل جدًّا، ولم يستطع كاتب مصري أن يعيش على كتبه: لا توفيق الحكيم ولا العقاد ولا طه حسين ولا نجيب محفوظ، ولولا أن روايات نجيب محفوظ تحولت إلى مسرحيات وأفلام لوجدت أول شحاذ يدق بابك هو نجيب محفوظ، إذن هذا الذي سوف أتركه لكلبي يكفيه غداء وعشاء، وكلبي يتغذى على العظم واللحم الذي لا آكله، ويتغذى على الخبز والجبن المالح، وأنا لا آكل الملح في الطعام أو خارجه، وسمعت من يقول في أذني بصوت مرتفع: يا أخي اسكت، إيه اللي حشرك بين هؤلاء الأغنياء؟! وتلفت حولي لأعرف من هذا الخبير بكل شؤوني والفاضح لأمري. فلم أجد أحدًا سواي.. وسكت!
نغم واحد لكل كاتب
سألت أنيس منصور في شهوره الأخيرة وكنت أراجع معه فصول كتابه الأخير الذي كان يتهيأ للنور «أعجبني هؤلاء»: هل قلت كل ما تريده؟
أجاب: عندي إحساس دائم بأنني لم أقل بالضبط ما أريد، ولكنني أحاول ثم أكرر المحاولة وتتكرر المعاني؛ ولذلك أستخدم في التوضيح كأنما ولعل، أي كأن المعنى كذا وكذا، وأشعر بأنني لم أقل بما فيه الكفاية، فأعود وأنا أعود إلى الكثير من المعاني، فبعض فصول كتبي قد تحولت بعد ذلك إلى كتب، أي أنني أوجزت المعنى في صفحات قليلة ثم عدت إليها بمعلومات ورؤى أكثر وأعمق، بل لاحظت أيضا أنني لا أجد حرجًا في تكرار عناوين كتبي، وقد يبدو ذلك غريبًا عند القارئ، ولكن لا أجد ذلك إلا دليلًا واضًحا على أن المعاني لا تزال في مكانها من عقلي تحتاج إلى أن أعود إليها، فعندي إحساس بأنني سوف أعود مرة أخرى، وأنني لم أصل إلى النهاية أي طريق، وأنني دائمًا في مفترق الطرق، وكل خطوة هي عندي مفترق الطريق، وأنني أخذت الاتجاه إلى الأمام، ولكن لا بد أن أعود وأختار المعنى الآخر، أنظر إلى الأمام، أو أنظر إلى الخلف، أقاوم الملل، أقاوم التدفق، أي التيار المندفع من داخلي، لا أعرف كيف أوقفه أو أتوقف».
وعن القلم والقراءة والكتابة يذكر المؤلف أن القلم كان في يد أنيس منصور مثل عصا موسى.. يهش به على غنمه من الكلمات، يسوقها إلى المعاني، أو يسوق إليها المعاني، أحيانًا، تمشي وراءه وينفخ في عصاه كأنها أرغون، ويغني ولا يلتفتُ إلى الأغنام وراء وحوله وأمامه، هو يقول: أحيانًا أرى عصاي تلتهم الكلمات وتلتهم الأفكار، ولا أعرف ما جدوى أن تكون لي عصا، وأحيانا أرى عصاي مثل عصا المايسترو أقود بها ما لدي من أفكار، وأهش بها على ما لدى من كلمات، وأقوم بالتنسيق بينها جميعًا ويسعدني ذلك، وأحيانًا أرى عصاي مثل عصا توفيق الحكيم..«لقد دفنت نفسي في قبور أنيقة اشتريتها من مكتبات العالم»، هكذا يصف مكتبته ومقتنياته من روائع المعرفة الإنسانية، وأن تشاهد أنيس منصور وهو يكتب متكئًا على «عموده الفكري» أكثر من ارتكازه على «عموده الفقري» فأنت تشاهد عملية كيمائية معقدة جدًّا، لها طقوسها وتقاليدها، ولها دلالاتها ووظائفها.
مؤلفاته في سحن «غوانتانامو»
كان آخر خبر وضعته بين يدي أنيس منصور في أيامه الأخيرة، وأثار تعجبه قبل إعجابه، أن روائع من مؤلفاته احتلت حيزًا واسعًا من قائمة الكتب التي طلبها سجناء «معتقل خليج غوانتانامو» الذي يحتجز نحو 450 سجينًا من 18 دولة، ليقرؤوها في مكتبة المعتقل القابع في جزيرة كوبا بمعسكر دلتا أو المعسكر الخامس، وهي: «أرواح وأشباح»، و«ألوان من الحب»، و«اتنين اتنين»، و«التاريخ أنياب وأظفار»، و«الخبز والقبلات»، و«الذين هبطوا من السماء»، و«قالوا»، و«قلوب صغيرة»، و«كل معاني الحب»، و«من أول نظرة»، و«يا من كنت حبيبي» وهذه المؤلفات تتجاور معها المؤلفات الكاملة لنجيب محفوظ، وعميد الأدب العربي طه حسين، وجبران خليل جبران, وتوفيق الحكيم من قبيل
ما الذي جرى لأنيس منصور في السنوات الماضية؟ كثير جدًّا جرى له وجرى به، وجرى حوله.. ولكن أين اتجه؟ اتجه إلى كل اتجاه..لماذا وكيف؟
كان مثل العنكبوت له عشرون عينًا، فمشى أنيس وراء عيونه، يمينًا وشمالًا واتجه إلى أعلى حاسر الرأس، ونظرت إلى أسفل عالي الرأس، وأحس كأنه يبني بيوتًا منيعة فوق الأرض أو تحت الأرض، حمته من مخاوفه، فالإنسان صانع مخاوفه، وكل إنسان هو شيطان نفسه، ولكن في نفس الوقت حرمته الماء والهواء والضوء.
«كأنني خرجت من قمقم ودخلت في قمقم أكبر، وخرجت لأدخل في قمقم أطول وأعرض، وكل شيء حولي من الزجاج الشفاف، لكي أرى أوضح وأنا آمن، ولكني عندما اقتربت من جدران القمقم تحول الزجاج إلى شيء معتم لأنني أتنفس بالقرب منه، وبالقرب من كل جدار، فأنا الذي صنعت الزجاج، وأنا الذي حولته إلى حجر معتم، فأنا الذي أظلمت أمام عيني كل طريق للمعرفة، بل أكثر من ذلك أنني نظرت إلى كل شيء حولي، ولكن لم أعرف الحجم الحقيقي للأشياء والناس، والوزن الحقيقي لكل قيمة، لماذا؟ لأنني كنت أستخدم نظارات مختلفة والألوان والزوايا «فبعضها» يجعل الدنيا واضحة، واضحة مثل الميكروسكوب يجعل الصغير جدًّا كبيرًا جدًّا، ولكن ما الحجم الحقيقي للدنيا؟ ما قيمتها؟ وما ضرورتي؟ وما أهمية أن يكون لي رأي؟ وأن يكون هناك أي رأي؟ ثم ما أهمية أن يبحث الإنسان عن المعنى وراء كل شيء، وإذا عرف فما قيمة المعرفة؟ وأيهما أفضل؟ هذا الحائر البائر الدائر أم هذا التاجر الداعر الذي يتحول في يديه كل شيء إلى سلعة لها ثمن ولها قيمة، وهل يستطيع الباحث عن المعنى أن يكون تاجرًا؟ وهل يستطيع الباحث عن الثمن أن يكون مفكرًا أو فيلسوفًا.
والكشف كان الومضة الأولى، ليحدث التحول، سعيًا إلى التغيير الذي جعل أنيس منصور يعتقد أنه مثل سفن الفضاء التي تعرضت بطاريتها لأشعة الشمس فامتلأت، وهو قد امتلأ بكل ما هو مريح، ومضيء، وأنه اغتسل من أشياء كثيرة، وأن رواسبه قد أزيلت، وأن هواءه الملوث قد نقي تمامًا، وأن دمه قد نقل خارجه، وأن دمًا جديدًا يجري في عروقه كأنه وُلِدَ، أو تولَّدَ من شيء آخر، أو من كائن آخر، وأنه عاد طفلًا في كعبة المعرفة الإنسانية، وجنينًا في بطن الدين، وأنه في حاجة إلى «حبل سُرِّي» يتغذى منه.
وعن الحياة ...يقول إن هندسة العلاقات الإنسانية.. تشكل أهم المرتكزات الفكرية في كتابات أنيس منصور، وهي إنسانيات تشكل كنزًا ضخمًا ينهل منه الآن الفكر الإنساني، ومن هنا تتكشف رؤية أنيس منصور الإنسانية، بمجموعة من الثوابت، وأخرى من المتغيرات، تنضوي تحت القيم الثلاث الكبرى التي يجمع قادة الفكر الإنساني على أنها هي التي تضبط حياة الإنسان الفكرية والعملية على حد سواء، وهي قيم الحق والخير والجمال، في هذه المنظومة الفكرية، يتبدى بجلاء أن القيم لا تتجزأ، لأن فكر صاحبها ليس فكرًا على فكر، إنما هو فكر نابع من واقع الحياة، فكر على مشكلات حية، وهذا هو شأن الفكر العظيم.
يشهد المولف أن أنيس منصور كان محبًّا للمرأة، بل عاشقًا، وإن احتواها بالنقد اللطيف، ولم يكن عدوًّا كم أُشيعَ عنه، وأشاع هو، وساعد على ذلك، شأنه شأن توفيق الحكيم.
وضع أنيس منصور كتابًا مستقلا عن المرأة مُستلهمًا من أنوثتها، والأنوثة سلوك وقوام إنساني لا يتجزأ، وما العبارات التي تألق بها كتابه «قالوا..» إلا نوعًا من الترتر الشائك، حاولَ أن يزين بها جسم المرأة، أو أنها خيوط من الحرير حاول أن يشبكها بدبايس لامعة على جلد المرأة، وحاول أيضًا أن يجعلها ملتصقة: فستانًا محزقًا، وحاول أن يقلد المرأة في حرصها على أن يكون فستانها هو «بشرتها» الثانية.
وكان نداء القلم بالنسبة لأنيس منصور له استجابة خاصة، بينهما كيمياء: «إن شيئا ما يجيء دائمًا من مكان ما لسبب ما.. وكل شيء يستحق أن يسجله.. فقد انشغل به بشكل ما.. فكانت هذه الأفكار مثل كرة الإسكواش تضربها لتعود.. مثل حمام الزاجل.. مثل المهاجرين واللاجئين والهاربين والنادمين والضالين.. لا بد أن يعودوا ويتوبوا.. ولا بد أن يقولوا لأحد.. أي أحد في أي مكان: إنا هنا.. ولذلك يجب أن أكون جاهزًا لتسجيل ذلك».. لكنه عدل عن ذلك تمامًا..لماذا؟
" كهف العبقرية "
ذات يوم ذكر المولف أنيس منصور بأنه يشير كثيرًا إلى إحدى الأساطير الألمانية - والأساطير رموز حية قادرة على العطاء الفكري بما يسكنها من تأويلات مصاحبة للفكر الإنساني مع الحياة منذ بدء الخليقة - تقول هذه الأسطورة: «إن هناك كهفًا اسمه العبقرية، ومن حق كل إنسان أن يفكر في الذهاب إليه وفي دخوله، بشرط أن يدفع الثمن، وكل واحد يدفع ثمنًا مختلفًا.. لماذا؟ لا يحق لإنسان أن يسأل، لأن أحدًا لا يعرف من الذي وضع قائمة أسعار العبقرية، ولكن عندما يدخل الإنسان، يجد أنه دون أن يشعر قد دفع الثمن: جسمه أو صحته أو نومه أو سعادته أو نصف عمره أو أكثر من النصف، هذا هو الشرط، فالعبقرية لها ثمن يدفعه العبقري، ويدفعه الناس من حوله أيضًا». ولما سأله: وأنت؟. قال: «كانت الصحة هي الثمن، كأنني حجر متحرك، يتشكل ويتلون لأنه يتحرك، ولأنه يتحرك فلا ينبت عليه العشب، عشب الأمان، وزهور المودة، وثمرات الحب، والناس أنواع: أناس يمكن تحريكهم، وأناس يستحيل تحريكهم، وأناس ولدوا متحركين، كأنني ولدت على ظهر سفينة، كأنني سحابة صغيرة جاءت من بعيد لتسقط أمطارًا في أماكن مختلفة لا تعرفها، كأنني بطاقة شخصية سطرها: فلان، موطنه: مجهول،
لم يكن أنيس منصور من الذين يصلون الليل بالنهار في الصلاة والدعاء، ولا كان مثل والده ينظم الشعر في مدح الرسول، ولا كان مؤهلًا لذلك، ولا كان يشارك في حلقات الذكر، ولا يصف الآيات القرآنية علاجًا لأوجاع الناس، كما كان يفعل والده، ولا نذر نفسه لله، وإنما كان مثل مئات ملايين الناس يفكر ويتأمل ثم يعلن عجزه عن الفهم، ويعلن يأسه من أن يحقق شيئًا من النجاح في فهم قضايا الكون: الله، والحياة بعد الموت، والعبث والنشور، والوحى والرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن الكريم.
ما الذي تراه في الدنيا حولك ؟ هكذا سألل التلميذ: فقال الأستاذ «إنها القسوة في كل عين، في كل كلمة، لمسة في كل وعد، وفي كل وعيد.. لقد أصبحت الدنيا غابة من الأسمنت المسلح، وأصبحت أنياب الناس مسدسات، وكلماتها مفرقعات، وأفكارها عصابات، والحب حرب، والحرب حب، والدنيا آخرة».
"الموت ... القبر"
كانت مفردة الموت، بكل تجلياتها وتداعياتها هي القاسم المشترك في أحاديث أنيس منصور ، لا سيما بعد عودته من رحلة العلاج بباريس، وأشار أنه ينتظر لحظة التنوير الأخيرة، وهي الحقيقة المؤكدة بيعدًا عن كل الاحتملات، أسمعه هامسًا: «الحديث النبوي الشريف يقول: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا». أي عرفوا قبل الموت ما لم يكن يعرفونه.. رأوا الدنيا.. رأوا الناس.. رأوا الحقيقة.. عرفوا أن كل شيء له نهاية.. وأن النهاية: جسد انتهى وروح خرجت.. ولا يبقى إلا وجه الله. وجاءت للموتى على فراشهم عبارات عجيبة.. ورأى الناس على وجوههم راحة الذي صفى حسابه، ووضع النقطة الأخيرة في سطور حياته، وأغلق دفاتره واتجه إلى حيث لا يعرف، ولم يكن يعرف، أو كان يعرف ولكنه حاول دائمًا أن ينسى، والآن جاء دوره لكي يتذكر ولآخر مرة.
الموت هو الحالة التي يصبح فيها كل شيء مستحيلًا، النظر مستحيل، والسمع مستحيل، والتنفس مستحيل، ثم لا يكون زمن، ولا يكون يوم ولا غد ولا أمس، وكلما ازدادت المستحيلات في حياة إنسان ازداد اقترابه من الموت.
سألته: ما الذي خرجت به من هذه الدنيا؟!
كأنه انتبه فقال: «صحيح ما الذي يمكن أن يخرج به الإنسان من هذه الدنيا.. والجواب: لا شيء، لأنك إذا قلت إنك (خرجت) من هذه الدنيا بشيء فأنت لا تعرف ماذا تقول، لأنه لا أحد يخرج منها بشيء، فالذي يموت لا يترك شيئًا لأحد، لأنه بعد وفاة الإنسان لا أحد فكل الناس بعده لا شيء أيضًا، وإنما الذي يحدث هو الإنسان كما دخل الدنيا سوف (يخرج منها كان وزنه ستة أرطال وسوف يخرج منها ووزنه ستون رطلًا، دخلها سليمًا وخرج منها مريضًا..
أو تقول لنفسك: كل هذا التعب والعذاب في الدنيا والنتيجة ماذا؟ لا شيء، فأنت قاتلت وحاربت وصارعت وناقشت ومرضت وسهرت وأكلت وشربت وكسبت وخسرت وكفرت وآمنت ودق قلبك طالعًا نازلً،ا ثم ضاق صدرك والتوت أمعاؤك واحترقت معدتك وزاغت عينك وانشطر رأسك وحارت قدماك في كل أرض، وامتدت يدك الي كل الكتب والعقاقير.. والنتيجة ماذا؟ لا شيء، فما الذي يمكن أن يخرج به الإنسان من دنياه؟!
وقد تقول أن الإنسان لا يصح أن يأخذ من هذه الحياة شيئًا لأن الحياة لا شيء، إن الحياة كوبري تعبر عليه إلى الناحية الأخرى والطريق طويل.. ولذلك يجب أن يكون الإنسان خفيفًا حتى يكون عبوره سهلًا.. وكل الذي قدمناه وعملناه في هذه الناحية سوف نحاسب عليه في الناحية الأخرى إن خيرًا فخير. وإن شرًّا فشر.. وهذه الناحية عابرة والناحية الأخرى أبدية.. وكل شيء هنا من أجل هناك.. وليس الجسم إلا ثوبًا يتسلمه جديدًا.. ويتركه باليًا قديما.. والموت هو أن يسقط هذا الثوب عنا. فالدنيا إذن مستشفى دخلنا فيه مرضى.. وأما العلاج ففي الناحية الأخرى».
ومن كلماته الأخيرة: «إذا قررت وضع لافتة على قبري فلن أكتب إلا هذه العبارة: عاش كذا سنة ولم ينم إلا ليلة واحدة.»
"مشواري السري"
وينتقل المؤلف د. مجدي العفيفي الى الفصل الثانى (في مشواره السري بين القاهرة وتل أبيب : مهام سياسية مغلقة) فيكتب تأسيسا لهذا الفصل:
كان أنيس منصور يؤثر دائمًا أن يكتب «في» السياسة، يمس السياسة دون أن ينغمس فيها ، فقد كان من الصعب عقليًّا ووجدانيًّا أن يرتضي إطارًا فكريًّا جامدًا، أي مذهبًا في السياسة أو في الاجتماع أو في الدين، وربما كانت الفلسفة الوجودية أقرب دائمًا إلى مزاجه النفسي لأنها «ليست «مذهبا» ولا «إطارًا» وإنما كانت تمردًا على الإطارات وعلى الأشكال «وفي دراسته الفلسفية كات يتقلب على مذاهب الفكر السياسي، أي أصول مبادئ التفكير السياسي في الحرية والترابط الاجتماعي وحتمية التاريخ وتطوره أو تطويره بالقوة والثورة.
وتقرأ عناوين مثل السلطان الحائر وحمار الشيخ عبد السلام.. وهزيمة 7691 هي التي جعلتني كاتبا سياسيا.. والفلسفة أحلام الملوك .. ومراجعات في حق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
في عام 9891 أصدر أنيس منصور كتابه «عبد الناصر المُفترَى عليه.. والمفتري علينا» مُجمَّعًا، بعد أن نشره منجمًا في مقالات، وكان أثره عميقًا في الرأي العام، كان ذلك بمناسبة مرور 52 عامًا على قرار الرئيس جمال عبد الناصر بفصله من عمله عام 1963 بسبب المقال الذي نشره في «أخبار اليوم» بعنوان «حمار الشيخ عبد السلام» المشار إليه في بداية هذا الفصل.
اعتبر أنيس منصور أن هذه «مناسبة خاصة» وهي مناسبة ذكرى مؤلمة، والألم - في منظوره في هذه الحالة - مثل الموت: خاص وشخصي «موتي أنا على رأي ومسمع من الآخرين، إنهم يشاركون من بعيد، ولكن الفقيد هو الذي يذهب وحده، وكذلك الألم في قلبي وفي عقلي، وهو شخصي وهو نسبي أيضًا».
انتهز أنيس منصور الفرصة لكي يعلن عن خطوط عامة لمقدمة دراسة عن عصر عبد الناصر الإنسان، الحاكم الفرد، وعن الأثر الاجتماعي والنفسي والأدبي والفلسفي لكل ذلك، ووجد في هذه الدراسة الكثير من المعاني التي درسها، ولكن لم يكن قد استوعبها تمامًا، لم يكن يعرف بالضبط ما المقصود بالهوان والذل والضياع والعبث، أي اللامعنى لأي أحد ولأي شيء.
وتفجرت في داخله وحوله أكثر معاني الفلسفة الوجودية «فجأة انفتحت الدنيا وانقشعت على «حوش» قرافة سياسية واجتماعية ونفسية، كيف؟ لا أعرف، هل هي رؤية؟ هل هي رؤيا؟ كيف درست الفلسفة الوجودية وقمت بتدريسها في الجامعة وصدر لي أول كتاب عنها سنة 1950؟ وكيف احتويتها واحتوتني؟ ثم لم أكن أدري معاني القلق والموت والحرية ومعاني العدم والانعدام، كل ذلك عرفته، والفضل للرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت أن هذه مشاعر الآخرين الذين يمضغون ألسنتهم وشفاههم ولا يجدون ما يقولون، ولو قالوا فأين ينشرون؟ ولو نشروا فمن يقرأ ومن يسمع ومن ينشر إليهم؟ بأن هذا هو الظلم والظلام، ووجدت من الضروري لأي إنسان عنده مشاعر مدخرة، مختزنة، محتبسة، أن يقول، وقالوا وسوف يقولون لسببين:
السبب الأول: أن دراويش الرئيس جمال عبد الناصر قد صوروه لا ينطق عن الهوى - قالها د. محمود فوزي - وهو المعصوم من الخطأ، وليس في قاموسه إلا الحكمة إذا فكر وقرر ودبر، أما انكساراته وعثراته فخطوات على الطريق الصحيح، إلى غير ذلك من التراتيل الكهنوتية التي يرددها مشايخ الطرق الناصرية.
والسبب الثاني: إن هناك قضايا كثيرة لم نصل فيها إلى حل، إلى رأي، كل قضايا الحرب والاستعداد لها والدخول فيها والخروج منها، كل قضايا الاشتراكية التعاونية والاشتراكية العلمية، فعبد الناصر كان يريد أن يكون ماركسيًّا، لم يستطع، وعبد الناصر مشكوك في إيمانه بالله واليوم الآخر، واحتقاره الظاهر بكل ما هو عربي ولكل رئيس على دولة عربية، وقضايا اليمن والوحدة، ثم الانفصال والهزيمة العسكرية».
ومضت الأيام والسنون وحدثت تحولات، ولا يزال كتاب «عبد الناصر المفترى عليه.. والمفتري علينا» يصدر في طبعات متوالية.
وفي إحدى جلساتنا، في شهر سبتمبر عام 2010 وفي سياق سياسي خَطَر اسم الرئيس جمال عبد الناصر في أجواء الحديث عن الزعماء الثلاثة الذين حكموا مصر، وعاش وعايش فترات حكمهم، كاتبًا وصحفيًّا وسياسيًّا، وبعد لقاء مع الشباب في مدرج 78 بكلية الآداب جامعة القاهرة في يونيو 2010، فذكرته بدراسته التي كان يعتزم كتابتها كما وعد في مقدمة كتابه عن عبد الناصر، فإذا به - في سياق مراجعات كثيرة له - يملي عليَّ عبارات محكمة غير متشابة، لا تحمل تأويلًا ولا تحتمل :«أحسست أني «زودتها شوية» و«إيه يعني فصلي من العمل سنة»، هذه ليست نهاية العالم، وما ذنب الرجل وقد تجنيت عليه وغاليت في بعض الأمور، فكل إنسان له سلبياته وإيجابياته، وكل حاكم له منجزاته وإخفاقاته، وعبد الناصر له وعليه، لدي شعور أني ظلمت الرجل إلى حد ما».وأكملت أنا مذكرا بسطور رصع بها نهاية مقدمة الكتاب من قبيل « إن الحكام يذهبون وآثارهم تبقى على وجه مصر، وتبقى مصر، وكل زعيم سيأخذ حقه وحجمه، وسوف تكون الأجيال القادمة أكثر تسامحًا، وأكثر انشغالًا بمستقبلها، ولن تعيش ماضيها خصمًا من حاضرها».ثم يروي د. مجدي العفيفي حكاية أنيس منصور مع« عبد الناصر».
وتحت عنوان ما لم ينشر عن السادات أكثر مما نشر عنه.. يقلب المؤلف في مذكرات أنيس منصور السياسية فيجد أوراقا كثيرة ومثيرة، وجديدة وجريئة، وجادة وحادة، عن الرئيس محمد أنور السادات تأتي متجاوزة لما ورد في كتابه «من أوراق السادات»،
مئات الصفحات كتبها أنيس منصور عن الرئيس السادات، في شكل مقالات وأحاديث وكتب ودراسات، ولديه بنفس القدر وأكثر أوراق وتسجيلات ووثائق ومستندات على قدر كبير من الأهمية التاريخية والسياسية، تسد فجوات في تحولات ونقلات، وتملأ فراغات لا تزال تثير علامات استفهام شتى، بل علامات استنكار لن تنطفئ إلا بعد نشر هذه الأوراق.
هناك كتاب «مع السادات» وهو جلسات أخرى مع الرئيس السادات، سجلها في حوالي ثلاثين شريطًا، وتم تفريغها ومراجعتها، وتوثيقها، وفيها يكشف الكثير من الأسرار عن حقبة ما قبل حرب أكتوبر 1973، وما بعدها، والمفاوضات الشاقة التي أعقبت النصر المصري العظيم، وهي تكمل ما ورد في كتابه «من أوراق السادات» الذي سبقت الإشارة إليه قبل سطور.
أما الكتاب الأخطر فهو «مشواري السري»، وقد انتهى منه أنيس منصور ويعد واحدًا من أهم وأخطر مذكراته السياسية التي ظل عليها عاكفًا عدة سنوات، ويصفها بأنها مذكرات «من نوع خاص»، وعلى «قدر كبير من الخطورة»، وموضوعاتها لا يمكن أن تنشر على الملأ إلا بموافقة رئيس الجمهورية، فلها علاقات معقدة بالأمن المصري العام، كما تمس جوانب كثيرة من أوضاع الأمن الإسرائيلي، وفيها نصوص ووثائق سياسية وعسكرية، ومخاطبات في الجاسوسية، ووقائع لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها إلا مغامرًا ومعايشًا لها، بل ومشاركًا فيها فحق للمحللين أن يشيروا إلى أنه «يوم يكتب التاريخ ستعرفون ما الدور المهم الذي لعبه أنيس منصور لتحقيق السلام بين مصر وإسرائيل» الشاهد على ذلك د. محمود محفوظ الذي رأس وفد مجلس الشورى قبل سنوات في لقائه بالرئيس الإسرائيلي.
وفي هذا الكتاب الخطير يزيح أنيس منصور النقاب لأول مرة عن كثير من المهام الصعبة والسرية التي كان يقوم بها مباشرة بين الرئيس الراحل أنور السادات وحكام إسرائيل، باعتباره «موفد السادات» في نظر القيادة الإسرائيلية السياسية، ولم يكن يعلن عنها، حتى تؤتي ثمارها، وكما قال لي بالحرف الواحد «لقد استغرقني هذا العمل الحساس تمامًا في السنوات الأخيرة، ولا سيما أنها مهام لم يكن يدري بها أحد، لا رئيس الوزراء، ولا وزير الخارجية، ولا وزير الداخلية، ولا أجهزة المخابرات، المصرية منها والعربية والأجنبية».
وقد سمح لي أنيس منصور للدكتور مجدي العفيفي بقراءة بعض هذه الأوراق المباحة بعض الشيء، بعض المعرفة، بعض البوح، ومنها (بيجين) يشكو من الشيخ الشعراوي، و القوى الخفية التي نحاربها، و أسامة الباز .. الذي يعرف كثيرا جدا.. ومع السادات لأول وآخر مرة، أول هدية من نوعها وهي الهدية التي لها قيمة وتلقاها الرئيس السادات سعيدًا بها، فإنها هدية لها قيمة تاريخية، فهي أول هدية من رئيس إسرائيل لرئيس مصر.. أو لأي رئيس عربي في التاريخ! أما الهدية فهي عبارة عن ورقة طويلة عريضة مكتوب عليها قصة يوسف عليه السلام في مصر.. ثم أشجع رئيس وزراء عرفته مصر وهو د. مصطفى خليل. مهندس السياسة الخارجية، فهو مهندس بحكم مهنته. استطاع أن يجعل حياته وفكره وإدارته هندسية.. و تحديق في المشهد الراهن يحمل بعض الرؤي السياسية التي تفيض بها أوراق أنيس منصور، وهو يحدق بين الحين والحين في المشهد المصري منذ بداية الزلزال الذي حدث في 25 يناير، وهو صاحب تعبير «الزلزال» في حديثي معه بجريدة الأخبار في مارس 2011 وتصاعد متزايد لقوى السلفيين وصراعهم مع الإحوان المسلمين، و شباب الثورة الذين وصفهم بقوله لكنهم ما زالوا خائفين مع أنهم حدث فريد في تاريخنا - وربما في التاريخ. وكانت مفاجأة لنا ومفاجأة لكل أجهزة التنصت علينا، وأخطأ الرئيس الأميركي في الحساب وتردد في تصريحاته من الضيق والتهديد ومن الإنذار إلى الاعتذار - لا يهم، إن ثورة جديدة لا نظير لها في التاريخ قد حققها شباب من مصر» .. ثم أوراق أخرى عن الذين نهبوا تاريخ مصر...!
"مذكراته العاطفية جدا"
وأما الفصل الثالث فهو خاص بمذكرات أنيس منصور ( يحكي كثيرا .. ويبكي أكثر..) يقول المؤلف د. العفيفي:أوصاني أنيس منصور أن أنشر مذكراته الخاصة «حكيت وبكيت» أو «عزيزي فريد» بعد وفاته وهي بعنوان (حكيت وبكيت)؟ أما هذا (العزيز) د. محمد فريد حجاج. شقيق زوجة أنيس منصور، وهو الصديق الصدوق له، وكاتم أسراره، والعارف ببواطنه، ورفيقه في مشوار حياته، فهو اللواء أركان حرب كان بطلًا من أبطال حرب أكتوبر 1973 وصاحب الدراسات الجادة كخبير الاستراتيجي وأكاديمي راصد لمجريات الأمور محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا..
هذه المذكرات تشكل مع المذكرات التي كتبها في مؤلفاته: «إلا قليلًا» و«طلع البدر علينا» و«البقية في حياتي» و«أمي ابنها، أو الشرنقة» والأخير حرق أصله، إلا أنني كنت أحتفظ بنسخة منه، وترك لي حرية الاختيار في نشر ما أراه مناسبًا، فدمجت منها فصولًا في كتابه «صندوقي الأسود» بمعرفته وموافقته، وكان مبرر أنيس منصور لحرق أوراقه الخاصة أنه تحدث بصراحة أكثر من اللازم، وكشف فيها الكثير، على الطريقة الغربية في البوح بالأمور الشخصية، وإن كان يرى أننا في مجتمعاتنا الشرقية لا نتقبل مثل هذه النوعية من الكتابة الاعترافية.
وتحمل المذكرات«حكيت وبكيت» شرائح من وجدان أنيس وتصور عواطفه في مرحلة حيوية من حياته، يمتزج فيها الحب بالألم، والفكر بالفلسفة، وأدب الرحلات بالقلم الخيالي، وحكمة الأيام والتحولات، ورؤية الآخر والموقف منه. وهذه المذكرات الخاصة جدًّا، فيها البوح على الورق بلا قيود، وجوهرها زن أنيس منصور أثناء رحلته الشهيرة حول العالم في 200 يوم ، حدث أن ألتقى بفتاة إيطالية مسيحية ، ونشأت بينهما علاقة حميمة جدا ، احبته وأحبها، لكن الموت اختطفها في عنفوان العلاقة: «عزيزي فريد..آه لو كان عندي وقت، فأنا ما أزال في أول حياتي الصحفية، وأحاول ولن أمل، ولكن ما الذي أفعله بقلمي، بعقلي، بوجودي كله؟ إنني أعذر شعراء التربادور الأسبان، وكانوا يقفون تحت شباك المحبوبة ليلًا ونهارًا، إذ لا ليل عندهم ولا نهار، ويتعذبون وقد تطل عليهم المحبوبة، وقد لا تطل، إنهم يحبونها رغم معارضة الأهل وكل الناس، المهم هو الحب من طرف واحد، فما بالك إذا كان من طرفين، حيث الحب يصل الليل بالنهار والشوق والحنين والأنين، لقد كنت في حبي مثل أولئك الشعراء، وسوف أترجم ما كتبته بالإيطالية في تلك التجربة إلى العربية، أحيانًا كنت أحس أن الأرض صارت كوكبًا آخر يدور بنا حول الشمس وحدنا، لم أكن أريد أن أخرج من هذه التجربة، فأنا ولدت لأعيش».تكمن المحبوبة في وجدان أنيس، ويتذكر، فيذكر لعزيزه فريد، لحظة الوقوف على قبرها، والذهاب إلى أهلها لتقديم العزاء.. وهو لا يعرفهم، وهم له منكرون.وقد كتب أنيس منصور هذه المذكرات كعادل موضوعي لحالة الألم العنيف الذي كان يقاومه بشق النفس
"في بلاط صاحبة الجلالة"
أما النوع الثالث من المذكرات والأوراق التي تركها أنيس منصور لتلميذه د. مجد يالعفيفي فهي مذكراته في شارع الصحافة، محور الفصل الرابع ( في بلاط صاحبة الجلالة كانت لهم أيام)
عاش أنيس منصور عمره المديد بين عمالقة الفكر ورموز الأدب ومشاهير الفن وأجيال شتى من المبدعين على اختلاف مشاربهم، وعلى وجه العموم، وسطر ألوف الصفحات عنهم وفيهم ولهم وعليهم، مُحاورًا ومجالسًا وصديقًا ورفيقًا وناقدًا وأديبًا، فشكل شبكة من العلاقات الحميمة ذات العمر الطويل، تجاوزت الإطار الرسمي لما هو أبعد وأعمق وأطول وأعرض، علاقات ذات طابع فيه من الخصوصية ما يدمغها بالمصداقية في التصور والتصديق، لاسيما أنه كان يختار مواقف حياتية ومشاهد من قلب هذه العلاقات والصداقات العملية والعلمية، ليمتزج فيها الذاتي بالموضوعي، ويتداخل فيها الخاص بالعام، ويتشابك الثقافي بالسياسي بالفلسفي بالفني بالأدبي بالصحفي بالإبداعي بالحياة؛ فيبرق عقد الكتابة ينتظمها روح مهيمن ونفس واحد يفرد أجنحته على الكلمات والسطور والمعاني الأُوَل والثواني.
وعلى الرغم من كثرة ما بثه أنيس منصور في هذا المسار، ونشره في ثنايا الكثير من مؤلفاته، وعمقه في العديد من خلايا كتاباته، وأبلغ به قراءه في مختلف مراحله العمرية، وعلى تباين رؤاه، فقد مكث غير بعيد في عامه الأخير أو يزيد، مستقطرًا رحيق علاقاته بثلة من الشخصيات ذات القيمة والقامة والهامة في منظومة القوة الناعمة.
والذي يضفي عليها المزيد من الجماليات أنها مصوغة من المنظور الصحفي الذي يفتح عدسة المجال على المثير والغامض من الزوايا، يحرك فيلتقط، ويحقق فيحدق، وينتقي فيلتقي مع هذا وذاك بلغة الأعماق البعيدة، ويخترق حجب الغيب الماضي والحاضر، ويقرأ خطوط الشخص والشخصية قراءة كاشفة، كأنه هو.يتضمن هذا الفصل عناوين مثل: إلا هذا الخطاب من مصطفى أمين.. الذين هم
رؤساء التحرير..هو و.. «سان» أو.. إحسان عبد القدوس.. أخبار اليوم" حبيبتي دائما.. الساحر كامل الشناوي .. الذي هو العميد طه حسين.. إلا العقاد .. إلا العملاق.. 8 مشاهد مع توفيق الحكيم.. أحمد لطفي السيد أو أستاذ الجيل.. الزعامة في صوت أم كلثوم.. موسيقار الأجيال أو .. محمد عبد الوهاب.. عبد الحليم حافظ أو.. عندليب الحزن.. صحفي... وأربعة ملوك: شاه إيران، الملك فاروق، الملك أحمد فؤاد، الملكة فريدة، ثم ذكريات مه كتاب وفنانين عالميين: ألبرتو مورافيا و«المراهقات، دورينمات وأدب اللامعقول.. وماكس فريش.. مشعل النيران وسومرست موم..والسر المخابراتي.. ثم مارلين مونرو التي قالت لأنيس بعد آن انتظرها ساعات في بيتها :إزيك يا إنت.. ! ! وتقبيل إليزابيث ليس في النص... ! وريتاهوارث عليها 25 قرشا.. وقبلة! و صوفيا لورين التي هي إيطالية كلها.. !
"أولاد .. أنيس منصور"
ويفرد د. مجدي العفي في كتابه ( آخر 002 يوم مع أنيس منصورا) الفصل الخامس(هكذا تكلم أنيس منصور) للأحاديث الخمسة الأخيرة التي نشرها في الأخبار وأخبار اليوم عام 2011 وفيها نبوءات واعترافات ومكاشفات
وبعض هذه الأحاديث ا مرتبط بمشهد تاريخي واجتماعي معين، وبعضها مقترن بلحظة كونية فائقة الحساسية، وبعضها مستقطر من تجربة ذاتية مكثفة، وبعضها محمَّل بمراجعات لمواقف، وما أكثر مواقف أنيس منصور، وبعضها متزامن مع حراك المجتمع بما له وما عليه، وبعضها يخترق الزمان برؤيا تقترب من النبوءة القائمة على بينات حدس، وصفاء رؤية، وانشراح صدر، وحيوية فكر.«أنشر هذه الأحاديث كما هي، بمهادها التاريخي، برغم تغيير المشاهد وتحولاتها، واختفاء كثير ممن فيها وما فيها، صعودًا وهبوطًا، وسقوطًا، وظهور لاعبين جدد على مسرح الأحداث، بغض النظر عن ضعفهم وقوتهم، واهتزازهم وابتزازهم، وهزلهم وجدهم، وتطلعاتهم وطموحاتهم... هي كما هي! .. أنشرها.. للتاريخ والرجل والمجتمع!
وهي تحمل مانشيتات من قبيل : أوراق من الصندوق الأسود.. أيها الموت لحظة من فضلك .. هذه وصيتي .. الرؤساء والسلطة.. في العلم.. والإيمان.. والسياسة تجديد الخطاب العلمي.. في حضرة الروح.. تهميش العلم.. إيمان أشرس الملاحدة.. بين الأرض واسماء.. النور الأبدي هو الله.. الألم أسرع طريق إلى الله.. الإنسان والدين.. جين الألوهية .. ثماستنساخ أنيس منصور.
وجاء الفصل السادس تحت عنوان : نحن ( أولاد ) أنيس منصور..! والأولاد هم كتب أنيس منصور ، وقد بلغوا 200 كتاب. يقول المؤلف: هناك كتب مثل الخرائط تهديك إلى غيرها.. وهناك كتب تحتاج إلى خرائط لأن الذي يقلبها يضيع فيها..وهناك كتب مثل الأوراق المالية مضمونة الفائدة..وكتب مثل البنوك فيها كل أنواع العملات والمعاملات والتحويلات، ولكن الإنسان لا يستطيع أن يتعامل معها.. ولذلك يظل الكتاب سيد الأوعية الثقافية. مهما كانت غواية الصورة.
"رب صورة بألف كلمة"
ثم يختتم الفصل السابع بعرض شرائح العمر المصورة.. وهي تشكيلة نوعية ومتنوعة من حياة أنيس منصور ، هي وثائق ل 100 عام تقريبا، عصر بأكمله، شهد الكثير من التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية والصحفية والفنية، مصريا وإقليميا وعالميا.. يذكر المؤلف:ذات يوم دخلت غرفة أنيس منصور، فنادى على حارسه الخاص الأستاذ «محمد شبل» ليأتي بمجموعة الحقائب التي أحضرها من «فيللا الهرم» وطلب مني أن أفتحها وأختار منها ما أشاء من صور ورسائل وخطابات بأكثر من لغة، ومن أكثر من مصدر.
ثروة هائلة وثمينة.. نظرت إليها وحدقت.. ليس فقط بعيون صحفية، بل أيضا بعيون أخرى وراءها أفكار كانت تترى في تلك اللحظات.. أقلها كيف أستثمر هذه الكنوز لتوثيق حياة وفكر وعالم أنيس منصور.. بلغة مغايرة ليس على طريقة «وشهد شاهد من أهلها».وقد تزامن ذلك مع سلسلة المقالات التي كان أنيس منصور يختص بها جريدة«أخبار اليوم» بعدما أغريته وأغويته بالعودة إلي الصفحة الأخيرة التي كان ينفرد بها، ويتفرد فيها بروائعه الصحفية، ثم عاد إليها بعد فراق 36 عاما، حين راح يؤسس ويصدر مجلة«أكتوبر» عام 1976 ثم استقر في جريدة «الأهرام» بعموده الصحفي الشهير«مواقف» الذي بدأه في جريدة «الأخبار» منذ بداياتها عام 1952. وحدث أن كنت أشفع مقاله الأسبوعي ب«أخبار اليوم» ببعض من هذه الصور تحت عنوان «صور من صندوقي الأسود» فكنت أختار الصور المتناغمة مع مادة المقال، وأطلب منه أن يمارس عملية التذكر، وهو الذي كان يمتلك ذاكرة متوقدة حتى لأدق التفاصيل، حتى وإن كانت تكمن فيها الشياطين.
وقد ظللت أياما وليال أصنف هذه الصور، فهذه باقة من صور لزعماء ورؤساء ورجال دول، وتلك لمجموعة من مشاهير المفكرين والكتاب، مصريين وأجانب، وهذه تشكيلة لنجوم وعشاق صاحبة الجلالة.. الصحافة، وأخرى لمشاهير الفن والغناء والموسيقى والتمثيل.
أما هذه المجموعة فهي لصور أنيس مع زوجته السيدة «رجاء» منذ لحظة زواجهما وهو يضع «الدبلة» في اصبعها وهي تتألق الثوب الأبيض، حتى آخر لحظة وهي ترتدي الثوب الأسود على رحيله..وهذه صور نادرة من رحلته الشهيرة «حول العالم في 200» التي أنهاها عام 1959.. وهذه صور مع أصدقائه وزملائه وتلاميذه ومحبيه.. في أكثر من زمان.. وأكثر من مكان.. و... و... و... سيرة مصورة للمعزوفة التي صغتها بالكلمة في الصفحات السابقة، عمرها 87 عاما.. ولا تزال البقية.. في مؤلفاته وتلاميذه..!.
يذكر أنه سبق للدكتور مجدي العفيفي أن وضع على رفوف المكتبة من ١٦ كتابا في المجتمع والادب والنقد والثقافة منها: المرأة والسياسة، وعبَّاد يتحرر من الشمس ، ولغة الأعماق البعيدة.. في قصص يوسف إدريس القصيرة ، ولذة القص في روايات يوسف إدريس، وغيرها.
مؤلفات
الدكتور مجدي العفيفي
1 - لغة الأعماق البعيدة.. فن القصة القصيرة عند يوسف إدريس.
2 - لذة القص في روايات يوسف إدريس.
3 - عبَّاد يتحرر من الشمس .
4- النجم الذهبي.
5 - في الفكر والثقافة والحياة.
6- المرأة والسياسة.
7 - نغم إنساني عالمي.
8 - منظومة النور والخير والجمال.
9 - منظومة الثقافة العُمانية.
10 - الشورى العمانية.
تحت الطبع:
11 - وقال عفريت من الإنس «دراسة».
12 - تجليات الأسماء الحسنى «دراسة».
13 - نفسي الأمارة بالشعر «ديوان شعر».
14 - من التثوير إلىالتنوير «ملفات ساخنة».
15 - شظايا القوة الناعمة «حوارات في السياسة والثقافة والمجتمع».
16 - اعترافاتهم بخط يدهم «عشرة مشاهير من المبدعين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.