امتحانات الصف الثالث الإعدادي 2024.. تعرف على جدول «محافظة القاهرة»    «طاقة النواب» تشيد بارتفاع إيرادات هيئة البترول إلى تريليون و598 مليار جنيه    البنتاجون يتوقع دخول المساعدات لغزة عبر الرصيف البحري خلال أيام    راصد الزلازل الهولندي يثير الجدل بتصريحاته عن الأهرامات    الشحات: نحترم الترجي.. وجاهزون لخوض مباراة الذهاب    المشدد 3 سنوات للطالبين تاجري المخدرات بالشرقية    «نجوم اف ام» تُكرم أحمد السقا في حلقة خاصة    قصر ثقافة مطروح.. لقاءات عن العمل وإنجازات الدولة وورش حرفية عن النول والمسمار    الاتحاد يتأهل إلى نهائي المربع الذهبي لكرة السلة    الناتو: القوات الروسية أثبتت قدرتها على التقدم بمرونة كبيرة    روسيا تقدم 30 طنًا من المساعدات إلى غزة عبر مطار العريش الدولي    حقيقة إيقاف شهادة 23.5 من بنك مصر بعد قرار التعويم الأخير    خمسة معارض في فعاليات مهرجان ايزيس الدولي لمسرح المرأة (تفاصيل)    قومية المنيا تقدم «دون كيشوت» ضمن عروض الموسم المسرحي ب أسيوط    بالفيديو.. أمين الفتوى للمقبلين على الزواج: محدش هيقدر يغير حد بعد الزواج    بعد وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية- كيف يسبب السكري الموت؟    بالفيديو.. كواليس كوميدية للفنانة ياسمين عبد العزيز في حملتها الإعلانية الجديدة    إنطلاق المشروع القومي لتطوير مدربي المنتخبات المصرية لكرة القدم NCE    بالفيديو.. نصيحة هامة من الشيخ خالد الجندي إلى الأباء والأمهات    بالفيديو.. خالد الجندي: أركان الإسلام ليست خمس    جامعة بني سويف من أفضل 400 جامعة عالميا.. والرابعة محليا    شي جين بينغ بمناسبة قمة البحرين: العلاقات الصينية العربية تمر بأفضل فترة في التاريخ    تغيير الشكل الرهباني للراهبة المسؤولة عن دير "الملاك" بملبورن    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    مترو التوفيقية القاهرة.. 5 محطات جديدة تعمل في نقل الركاب    سكاي: فونيسكا الخيار الأول لخلافة بيولي في ميلان    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    "الصحة" تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد .. صور    كيف تؤثر موجات الطقس الحارة على الصحة النفسية والبدنية للفرد؟    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    تفاصيل اجتماع وزيرا الرياضة و التخطيط لتقييم العروض المتُقدمة لإدارة مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية    هالة الشلقاني.. قصة حب عادل إمام الأولي والأخيرة    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    التصلب المتعدد تحت المجهر.. بروتوكولات جديدة للكشف المبكر والعلاج    قطع مياه الشرب عن 6 قرى في سمسطا ببني سويف.. تفاصيل    نجم الأهلي مهدد بالاستبعاد من منتخب مصر (تعرف على السبب)    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    الخارجية الكورية الجنوبية تعرب عن تمنياتها بالشفاء العاجل لرئيس الوزراء السلوفاكي    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    رئيس جامعة المنيا يبحث مع الجانب الإيطالي تطوير معامل ترميم الآثار بالجامعة لخدمة الباحثين    التحقيق مع عاطل لحيازته مخدر الآيس في منشأة القناطر    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    محكمة العدل الدولية تستمع لطلب جنوب إفريقيا بوقف هجوم إسرائيل على رفح    كولر يحاضر لاعبى الأهلي قبل خوض المران الأول فى تونس    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل عتمان.. كاتم أسراره عندما أخذنى الأستاذ ليلاً لنبكى معًا على قبر أمه
نشر في أكتوبر يوم 30 - 10 - 2011

لم يكن من المقبول أو المستساغ أن تصدر مجلة أكتوبر، الابنة البكر للأستاذ أنيس منصور، دون لقاء نبيل عتمان كاتم أسرار الفقيد الراحل، والذى كان ومازال دائرة معارف متنقلة تحوى بين جنباتها الكثير والكثير من الوثائق والأسرار.
فى هذا الحوار الخطير كشف «عتمان» عن «دهاليز» الحياة الخاصة للأستاذ أنيس، وحكاية ذهابه إلى قبر أمه ليلاً والبكاء عليه حتى مطلع الفجر.. وتفاصيل زجاجة البرفان التى عاشت مع الديب الراحل حتى وفاته..
تفاصيل كثيرة فى نص الحوار التالى:
*أستاذ نبيل.. متى كانت البداية؟
**بدايتى مع الأستاذ أنيس منصور كانت عندما كنت طالباً صغيراً فى الإعدادية وبالتحديد عندما كان يكتب عن تحضير الأرواح فقمت بعمل تجربة صغيرة بناء على ما كنا نقرؤه، حيث كنا نقوم بتجهيز «سَبَت وقطعة عريضة من الخشب»، ونكتب عليها بالقلم الرصاص اسم المتوفى، ونقرأ عليها بعض الأوراد والآيات والنصوص المقدسة، فيخيل إليك من أول لحظة أنك تسمع روح من كتبت اسمه على الخشبة.. وبسبب هذه التجارب تعلقت بكتابات الأستاذ أنيس منصور.. وعندما تقدم بى العمر قليلاً كنت أواظب على شراء كتب هذا العبقرى الذى ساهم بشكل فاعل فى تشكيل وجدان أجيال الخمسينات والستينات وظلت على هذا العشق والهيام حتى وافته المنية يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر من عام 2011.
*ومتى كانت البداية الحقيقية؟
**كانت فى أخبار اليوم، وبالتحديد عام 1966.. حيث طلبنى الأستاذ أنيس منصور بالاسم لأكون ملازماً له فى كل تحركاته، وعلى مدى 45 عاماً كنت مرافقاً له كظله.. عرفت عنه الكثير، وحفظت الكثير من الأسرار والتى ستعيش معى، وستموت معى.
*هل يسمح الأستاذ نبيل بإفشاء بعض هذه الأسرار لمجلة أكتوبر والتى تعد الابنة البكر للفقيد الراحل؟
**فى بداية عملى معه بأخبار اليوم طلب منى أن أذهب معه فى زيارة خاصة.. اعتقدت أننا سنذهب لزيارة مسئول كبير، ولكن المفاجأة أنه اصطحبنى معه لزيارة قبر أمه، توقفنا أمام المدفن، وفتحنا الباب، وجلس أمام القبر يقرأ القرآن من المصحف، ينتهى من سورة حتى يبدأ فى سورة أخرى وظل على هذه الحالة حتى مطلع الفجر، وفى لحظة سقط المصحف من يده، ويصف الأستاذ نبيل المشهد كاملاً وكأنه حدث بالأمس بأن الدموع كانت تنزل من عين الأستاذ أنيس كأى إنسان، ولكن سرعان ما تحولت الدموع إلى حزن وبكاء، ثم تفجر الوضع وأخذ يبكى كالطفل الصغير من حنجرته.. يبكى فى هيستيريا، أخذ يشهق ويشهق ويشهق.. كان المشهد صعباً.. فلأول مرة أرى أنيس منصور يبكى.. لقد كان كالجبل الأشم، وفى لحظة أصبح كالحمل الوديع، أو الطفل الرضيع.. كان الفقيد الراحل باراً بأمه، يعد لها الطعام، ويهيئ لها مكان النوم، كان يخاف على أمه أكثر من خوفه على نفسه، فقد عاش فى أحضان المرض، وتجرع مرارة الوجع، لم ينعم كغيره من الأطفال بجمال الطفولة أو الجرى فى الحقول ووراء الطيور والعصافير.
ويكشف الأستاذ نبيل عتمان سراً - ربما يذاع لأول مرة - أن مدرس التربية الفنية طلب من التلميذ أنيس أن يرسم زجاجة «بارفان».. وبعد مرور 10 دقائق من الحصة.. لم يرسم الطفل شيئاً.. وأخذ يبكى كأنه فقد شيئاً، اقترب منه المدرس.. وسأله عن سر بكائه: فقال له: ابكى لأننى لا أعرف شكل زجاجة «البرفان».. أنا أعرف فقط شكل زجاجات العلاج والأدوية، فهى عندنا لا حصر لها، أعرف زجاجة الشراب المضاد للحساسية، والمهدئ للأعصاب، والطارد للكحة.. أعرف كل ألوان العذاب أما البرفان فلا علاقة لى به، عندها طلب منه الأستاذ رسم أى زجاجة حتى لو كانت زجاجة علاج.
ويعترف نبيل عتمان على لسان الراحل الكبير بأن هذا الموقف ظل عالقاً فى ذاكرة الأستاذ أنيس منصور حتى أيامه الأخيرة لدرجة أنه كان يضع فى غرفة نومه، ومكتبه وسريره الخاص أكثر من 50 زجاجة برفان، والأعجب من ذلك أنه ظل يحتفظ بالفارغ منها، وكأنه يقول: عجبت لك يا زمن.
11 أخاً/U/
*هل تعرف شيئاً عن الأسرة التى نشأ فيها الكاتب الراحل؟
**للكاتب الراحل 11 أخاً ولكنهم غير أشقاء، بمعنى أنهم من أبيه فقط، أما إخوته الأشقاء فأخ واحد.. وأخت واحدة.
*وماذا عن الحياة الخاصة للأستاذ أنيس منصور؟
**الأستاذ أنيس كان يستيقظ مع آذان الفجر - أى فى الساعة الرابعة تقريباً - وبعد إجراء بعض التمرينات البسيطة كالمشى فى أرجاء المنزل.. يعد الشاى ويجهز الفطور لنفسه، ثم يطالع الصحف، ويبدأ فى القراءة حتى الساعة العاشرة صباحاً، بعدها يتوجه إلى مكتبه، سواء كان فى الأخبار أو مجلة أكتوبر، ثم الأهرام فيما بعد.
ويؤكد الأستاذ نبيل عتمان أن من طقوس الأستاذ أنيس الخاصة أنه كان يكتب فى البيت.. كانت السيدة حرمه رجاء حجاج على قدر المسئولية، وفّرت له المناخ المناسب ليقرأ ويكتب ويفكر، هى سيدة بألف رجل، وربما أكثر، وإذا كان الأستاذ أنيس منصور يدين بالفضل لأحد بعد الله فلأمه التى عاشت فى وجدانه حتى وفاته، ولزوجته السيدة رجاء، والذى كان يهيم بها عشقاً وحباً، فكانت ملكة متوجة على عرش قلبه.
*وماذا عن أدق الأسرار الخاصة بالأستاذ أنيس عند الكتابة؟
**الأستاذ أنيس كان يحب الحرية.. فكما قلت لك إنه كان يكتب فى البيت لعدة أسباب منها: زوجته الكريمة الأستاذة رجاء حجاج التى منحته الحرية فى أجمل صورها، وتأكيداً للحرية المطلقة فقد كان الأستاذ يرتدى «البيجاما» عند الكتابة.. بل الأجمل من ذلك أنه كان يرتدى حذاء واسعاً حتى يحس أنه كالعصفور الطليق.
ولأن الأستاذ كان يكره القيود - كما يقول الأستاذ نبيل عتمان - فقد كان يتخلص من «الكارفات أو رابطة العنق» عند نهاية أول لقاء رسمى.. لدرجة أنه كان يقابل الرئيس السادات بجلالة قدره «بالهاى كول» بعيداً عن الزى الرسمى.
طقوس الأستاذ/U/
ومن طقوس الأستاذ أنيس أيضاً أنه كان لا يثق فى أحد - باستثناء زوجته - أن يرتب له أوراقه أو كتبه، أو سرير نومه.. وكان حريصاً على ترتيب مكتبته بيده، وكان يعرف مكان أى كتب، وفى أى رف أو ركن، ويتذكر أنه فى يوم من الأيام قام أحد العمال بنقل كتاب كان موضوعاً على «الفوتيه» من مكانه، وطلب من العامل إحضاره فوراً، على أساس أنه أهم كتاب فى المكتبة، وحذّر العامل من الاقتراب من الكتب، وعندما تكررت نفس الواقعة من نفس العامل قام بطرده وقال له «وعلى نفسها جنت براقش».
وأضاف عتمان أنه من الأسرار التى لا يعرفها الكثير أن الأديب الكبير كان يخاف على عين القارئ، ويطلب منى بروفة المقال قبل الطبع، ليتأكد بنفسه أن البنط كبير، وأنه مناسب لعين القارئ، والتى تعد بالنسبة له - أى العين - أغلى شىء فى الوجود.
أما أصعب اللحظات التى كان يمر بها أنيس منصور، فكانت عندما يتوقف المرور ويضطر إلى استنشاق عوادم السيارات فى شوارع القاهرة.. وذلك لأن الأستاذ - رحمه الله - كان يعشق الطبيعة والجمال لكونه نشأ فى قرية صغيرة من قرى المنصورة، وتأثر بالريف المصرى جداً وأعجب بحياة الغجر، الذين كانوا يزورون قريته، وعندما جاء إلى القاهرة بعد تخرجه فى الثانوية مباشرة، سكن فى إمبابة، وكان يسير على قدميه إلى إمبابة لكلية الآداب فى جامعة فؤاد الأول، وعندما سكن فى منزل أمام مسجد السلطان أبو العلا، كان يمشى من هذا المنزل إلى أخبار اليوم، بعدها انتقل هو ووالدته فى شقة بجوار ضريح سعد.
*ولماذا قرر الأستاذ أنيس عدم الإنجاب؟
**لأنه أراد - من وجهة نظره - التخفيف من وطأة الحياة الزوجية، ومع ذلك فقد كان نِعم الأب ونِعم الحفيد، حيث قام برعاية بنات زوجته السيدة الفاضلة رجاء حجاج، أو رجاء منصور - كما تحب أن تقول.
*هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن رجاء حجاج تلك الشخصية التى نجحت فى احتواء شخصية الأستاذ أنيس منصور؟
**رجاء حجاج كانت الحب الأول فى حياته - بعد أمه طبعاً - ويعترف بأن الفقيد الراحل قال: لولا أمى لكانت «رجاء» هى أول وأعظم حب فى حياته، وكانت - ومازالت بعد موته - تبادله هذه السيدة الأصيلة بلغة «الشراقوة» نفس الحب إنهما كيان واحد وروح واحدة وسبحان من نسخ الأرواح.
ويكشف عتمان بأن مدام رجاء كانت الآمر الناهى فى منزل أنيس منصور.. كانت الحاكم بأمره، لا يمكن أن يمر إنسان - مهما كان قدره - من أمام مكتب الأستاذ أنيس منصور فى المنزل، ولا يمكن أيضاً أن يطرق عليه أحد الباب غيرها.
رافقته السيدة رجاء حجاج فى صحته، وفى مرضه، سهرت معه كثيراً كثيراً.. كانت كياناً يعيش فيه، كما أنه كان ومازال طيفاً رقيقاً يسرى فى جسدها.. كانت تختار له ملابسه.. كانت تغار عليه لأنها تحبه، ولكنها كانت واثقة فى شخصه إلى أبعد مدى.. فهو شخصية عامة يشتاق إلى رؤيته الجميع.
*هل صحيح أن أنيس منصور كان ابن نكتة؟
**كان أنيس منصور يتميز بروح الدعابة، كان يعالج الأمراض بالكلمات، كانت روحه صافية.. لا تعرف الغش أو الحقد، رجل سعت إليه المناصب.. كان الفقيد الراحل يؤلف النكتة، ويصنعها، وأول من حدد معالمها، وحدد معناها، فعندما سألته إحدى الصحفيات عن النكتة قال:«هى طلق نارى يصوب ضد مجهول».. شخص يريد السخرية من وضع قائم، أو الانتقام من شخص مؤذ.
وفى نفس السياق يضيف عتمان بأن العلاقة بين أنيس وعبد الوهاب كانت علاقة خاصة جداً ولذلك نشأت مواقف ضاحكة بين الطرفين ومن هذا المواقف أن كلاً من أنيس منصور وعبدالوهاب يخاف البرد.. وكان يخشى كل منهما أن يصاب بنزلة برد.. فقال أنيس لعبد الوهاب: قل 3 مرات «من منكم محمد محمود» على أساس أن تكرار حرف الميم يكشف بسهولة الفرد المصاب، وبعد التأكد من عدم الإصابة يطلب عبد الوهاب من أنيس تكرار نفس الكلمات.. وبعد الاطمئنان على الحالة الصحية لكل منهما يركبان السيارة ويبدآن فى التجوال والتنزه وكأن شيئاً لم يكن.
ويتذكر الأستاذ نبيل عتمان موقف آخر متعلقاً بالأستاذ عبد الوهاب أيضاً وكان هذا باتفاق الأستاذ أنيس مع عبد الحليم حافظ، وذلك لأن الفقيد الراحل كان يعلم أن عبد الوهاب يخاف من أى شىء.. حتى القطط.. عندها طلب الأستاذ أنيس من عبدالحليم تسجيل شريط كاسيت بصوت أحمد سعيد يظهر فيه أن طائرة كوماندوز إسرائيلية اخترقت المجال الجوى المصرى، ونجح جنود المظلات بالتسلل والهبوط فى منطقة المهندسين.. وبعد أن سلم عبدالحليم الشريط لأنيس، وضعه الفقيد الراحل فى سيارته الخاصة، وانتظر حتى جاء عبدالوهاب، وركبا معاً السيارة، واتجها إلى منطقة المهندسين حيث يسكن عبدالوهاب.. وفى الطريق فتح الأستاذ أنيس التسجيل، وعندما استمع عبدالوهاب الخبر، قال لأنيس: توقف، ونزل من السيارة وأخذ يبكى.. وكأنه فى مأزق حقيقى، وأن قوات الكوناندوز الإسرائيلى ستغتاله فعلاً، وتبين فى النهاية أن هذا مقلب، ثم بالاتفاق بين الأستاذ أنيس وعبد الحليم حافظ.
ويتذكر نبيل عتمان موقفا آخر بأنه فى إحدى الليالى الممطرة اتصل محمد عبدالوهاب بأنيس منصور وكان الأديب الكبير فى «عز النوم»، والمطر ينزل كالسيل، قال له عبدالوهاب: استعد لأننا سنذهب إلى مكان خطير لقضاء أمر مهم، يقول نبيل عتمان: اعتقد الأستاذ أنيس أن فى الأمر شيئاً.. وبالفعل جاء عبد الوهاب بعد 10 دقائق بالتمام والكمال ركب السيارة معا.. وفى نهاية الطريق ركن الأستاذ أنيس السيارة.. ونزل عبدالوهاب، وطرق باب إحدى الشقق ورجع ببلاص كبير فيه عسل أسود.. فقال له الأستاذ أنيس: يا راجل «تنزّلنا فى نص الليل علشان بلاص عسل؟ فقال له: ماتزعلش يا أنيس.. إنها نزوة فنان.. وسر هذه الدعابة كما يقول عتمان أن العلاقة بين الأستاذ أنيس والأستاذ عبد الوهاب كانت علاقة خاصة جداً.. وكانت تستمر المكالمات بينهم بالساعات كما أن الفنان عبد الحليم حافظ كان يسعى فى بداية حياته إلى التقرب للأستاذ أنيس لنشر الأخبار الفنية الخاصة به، بل كان يأتى إليه فى مكتبه يسمعه أغانيه الجديدة حتى يكتب عنها.. ومن المعلوم أن الأستاذ أنيس - رحمه الله - كان يعشق الغناء ويهوى التلحين، ويفهم كثيراً فى المقامات الموسيقية.
وذات مرة كتب الأستاذ أنيس مقالاً يشيد فيه بأحد المطربين ويبشره بمستقبل واعد، وفى الصباح جاء هذا الفنان ليشكر الأستاذ على المقالة، وبعد ساعة جاء فنان آخر وقال أنا المقصود من مقال الأستاذ أنيس، وبعد نصف ساعة أخرى جاء فنان ثالث وقال أنا المقصود من مقال الأستاذ، وتشاجر الثلاثة معا، وكانت فضيحة غير متخيلة عندها خرج الأستاذ أنيس من الباب الخلفى ليروى حكاية أخرى عن أهل الفن.
*وما هو مدى العلاقة التى ربطت الأستاذ أنيس بالرئيس السادات؟
**هى علاقة من نوع خاص.. علاقة الجسد الواحد، والدماغ الواحد، والتفكير الواحد.. علاقة توحدت فأنتجت السادات وأنيس منصور الذى كان يفهم الرئيس السادات بالإشارة.. كان الرئيس السادات يعطيه كل أسراره.
*وماذا عن الجلسات الخاصة التى جمعت الرئيس السادات بالأستاذ أنيس منصور؟
**كانت ثقة الرئيس السادات بالأستاذ أنيس بلا حدود، فبعد حرب أكتوبر قرر الرئيس السادات أن يكون أنيس منصور هو الصحفى الأوحد وكاتم أسرار الرئاسة.. وكان يطلب منه تسجيل كل الجلسات الخاصة، وكان يعطيها لى لتفريغها، فأقوم بغلق المكتب بالمفتاح، ولا أفتحه إلا بعد الانتهاء منها، وكنت حريصاً على أن أدون كل ما يحدث حتى ما يقال على سبيل المزاح، وكنت أضع ما كان خارج السياق أو النص بين أقواس، ولم أترك أى تسجيل أو مستند فى المكتب خشية المسئولية.
*وأين كنت تحتفظ بهذه التسجيلات الخطيرة؟
**بعد الانتهاء من تفريغها أركب السيارة وأقوم بتسليمها للأستاذ أنيس منصور فى منزله حتى ولو كان ذلك فى منتصف الليل.
*ألم يشك فيك الأستاذ أنيس منصور؟
**الأستاذ أنيس كان يعرفنى جيداً، ويدرك أن نبيل عتمان توأم روح أنيس منصور، ولكن الذى شك فىّ هو الرئيس السادات.
*وكيف عرفت هذه المعلومة؟
**عرفتها من التسجيلات التى كنت أقوم بتفريغها، فذات مرة سأل السادات أنيس وقال له من يقوم بتفريغ تلك التسجيلات الخطيرة؟ فقال له مدير مكتبى نبيل عتمان، فقال له: لماذا لا تشك فيه؟ قال: لأن نبيل عثمان هو توأم أنيس منصور.. فقال له السادات: وثقتى فى أنيس منصور بلا حدود.. كل هذا الكلام سمعته فى التسجيلات أثناء التفريغ.
*أستاذ نبيل.. وماذا عن طبيعة هذه التسجيلات؟
**كلها أسرار خطيرة.. كتبتها بخط يدى، متعلقة بأسرار الدولة والأمن القومى المصرى.. سلمتها للأستاذ أنيس منصور - رحمه الله - ولكنها مكتوبة فى ذاكرتى وعقلى، وكأنها كتاب مفتوح.. ستعيش معى وستموت معى.. بها علامات استفهام على أسماء كثيرة وحقائق مثيرة عن شخصيات كبيرة، بعضها حى يرزق، والبعض الآخر فى رحاب الله.
*وماذا عن رحلة الرئيس السادات والأستاذ أنيس للقدس؟
**فى تلك الأثناء كان الأستاذ أنيس فى الأراضى المقدسة لتأدية فريضة الحج، اتصل به الرئيس السادات، وأرسل له طائرة خاصة وعاد إلى مصر ومن مطار القاهرة قال لى: يا نبيل جهز أوراقى الخاصة ومعها بعض المتعلقات لأننى سأسافر مع الرئيس السادات للقدس.
عندها كنا نتوجس خيفة.. فاليهود لا أمان لهم.. إلا أن الرئيس السادات ومعه الأستاذ أنيس منصور، كلاهما كان يحمل كفنه على يده.. ذهبت كوكبة من خيرة رجال مصر إلى تل أبيب من أجل السلام.
*ولكن الشارع المصرى كانت له تحفظات؟
**التحفظات كانت من النخبة أو الصفوة التى تؤمن بمبدأ «خالف تعرف» لحاجة فى نفس يعقوب، ولكن الرجل العادى كان يتمنى السلام لأنه لا توجد أسرة مصرية إلا ويوجد بها شهيد.. ففى مثل هذه الأشياء القاعدة هى الأساس، والقاعدة هى الشعب أما الصفوة فإنها لا تكون مؤثرة خاصة أنها إذا كانت فى واد، وبقية الشعب فى واد آخر.
*ولماذا اختار الرئيس السادات الراحل أنيس منصور ليكون الصحفى الأوحد على متن طائرة الرئاسة؟
**أنا سألت هذا السؤال للأستاذ أنيس منصور فقال لى: يا بنى.. الرئيس السادات كان يسبق حكماء عصره ب 50 سنة، وكنت أشاركه الرأى فاطمئن قلبه لى، يعنى أن السادات اطمئن لأنيس وهذا لأننا نفكر بطريقة واحدة ومن أجل هدف واحد، هو مصلحة مصر أولا وأخيرا بعيدا عن الأهداف والمصالح المرتبطة بزعماء جبهة الرفض.
*وهل تعتقد أن معاهدة السلام أدت دورها كما ينبغى؟
**معاهدة السلام نجحت فى عودة أرض سيناء إلى مصر ولكنها لم تنجح فى إزالة الثوابت العالقة فى نفوس الشعبين المصرى والإسرائيلى وذلك لأن الشعب المصرى فقد الكثر من أبنائه، والشعب الإسرائيلى يعتقد أن مناحم بيجين تنازل عن أرض الأجداد.
*هل قابلت رؤساء إسرائيل؟
**قابلت عايزرا ويزمان ومناحم بيجن وأرئيل شارون وجولدا مائير.. قابلت كل صقور إسرائيل فى حضرة الأستاذ أنيس منصور والرئيس السادات.
وأتذكر كما يقول عتمان أنه فى إحدى المرات ركب الأستاذ أنيس منصور مع موشيه ديان لمقابلة الرئيس السادات فى استراحته بالقناطر عندها لاحظ الأستاذ ثورة سائق السيارة، وقد ظهر الغضب على وجهه.. فقال الأستاذ أنيس للسائق أراك مهموما وثائرا فقال له يا سعادة الريس أتمنى لو كان معى «مسدس» وأطلقت الرصاص على هذا «الرجل» يعنى موشيه ديان فقال له لم؟.. قال لأن ابنى أخى وأختى استشهدا فى 67 بأوامر خاصة من هذا المجرم.. فهدأ الأستاذ من روعه وقال له ضاحكا إن شهداءنا فى الجنة وقتلاهم فى النار.
*هل توقع الرئيس السادات ومعه الأستاذ أنيس منصور نجاح معاهدة السلام؟
**كلاهما توقع نجاح المعاهدة من أول يوم.. والدليل أنه فى اليوم الأول لنزول الرئيس السادات مطار بن جوريون فى تل أبيب طلب من الأستاذ أنيس التريض والتنزه فى شوارع وحدائق إسرائيل وعمل استطلاع رأى المواطن الإسرائيلى فى زيارة القدس ومعاهدة السلام.
فى اليوم التالى طلب الرئيس السادات أن يتجول فى مدن ومناطق أخرى وليكن فى القدس وحيفا وبئر سبع.. وغيرها من المدن لاستطلاع رأى الشارع أيضا.
وفى اليوم الثالث كتب الأستاذ أنيس منصور تقريرا مفاده أن الشعب الإسرائيلى يريد السلام.. من هنا قال الرئيس للأستاذ أنيس: الزيارة والمعاهدة والاتفاقية وكل شىء نجح يا أنيس وذلك لأن الشعب هو أساس نجاح أى عملية سياسية أو اقتصادية أو تنموية.
*ما هى حكاية الأستاذ أنيس مع أكتوبر؟
**الرئيس السادات كان يخطط أن تكون مجلة أكتوبر هى المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية والقوات المسلحة الباسلة، وملتقى الأدباء والمفكرين وواحة الديمقراطية والرأى والرأى الآخر وأراد أن يكون أنيس منصور هو الصحفى الموسوعى الذى يطير بجناحين فى عالم الصحافة وقد كان الأستاذ أنيس جديرا بتحمل المهمة والمسئولية.. وأتذكر كما يقول الأستاذ نبيل عتمان أنه بعد الاتفاق على إصدار مجلة 6 أكتوبر وقد كان هذا اسمها فى 76 خيرنى الأستاذ أنيس بالبقاء فى أخبار اليوم أو الانتقال معه فى أكتوبر.. كانت نقطة محورية فى حياتى، هل أترك الأخبار بما لها من «شان وشنشان» أم أذهب إلى أكتوبر الوليدة فى تجربة جديدة لا تعرف مقياس النجاح والفشل بعد.
على الفور - كما يقول عتمان - قلت للأستاذ أنيس: يا ريس أنا معاك وظللنا 6 أشهر قبل صدور المجلة فى حالة تجارب وبروفات. واقتراحات وتبويبات جديدة حتى خرجت مجلة أكتوبر إلى النور وفى أول عدد لها انفرد الأستاذ أنيس منصور بحوار خاص للرئيس السادات وغلاف كبير يحمل صورة الرئيس الراحل فى تجربة كتب الله لها الاستمرار بفضل إخلاص وجهود أبنائها.
*وماذا عن علاقة أنيس منصور بالإخوان المسلمين؟
**باعتراف الأستاذ أنيس أنه كان عضوا فى جماعة الإخوان وأن الذى قدمه للجماعة هو الشيخ حسن البنا، والحقيقة أنه وجد كما قال الأستاذ أنيس فى الإخوان ألفه وكانوا يتعاملون معه بالقرآن الذى يحفظه ولديهم مكتبة كبيرة جعلوه أمينا عليها فى مركز إمبابة وكان يطلب منه كما يطلب من غيره كحافظ للقرآن أن يؤم المصلين فى عدد من المساجد ويخطب فيهم يوم الجمعة.. وكان فى بداية حياته يطيع الأوامر فيذهب إلى المسجد رغم أنه من الممكن أن يسير مسافة ساعتين أو أكثر للوصول إلى المكان المقصود، وعندما يصل يعرف خطيب المسجد بأنه عضو فى الجماعة، ويطلب منه بناء على أوامر الشيخ أن يخطب الجمعة عندها يتنحى إمام المسجد جانبا ويمهد الطريق للشباب الصغير على أساس أن طاعة الأوامر أمر واجب.
وكان الأستاذ أنيس يقول: كان هذا بالنسبة لى أمر مخجل وهو أن يتنحى شيخ كبير لشاب صغير لا أدرى كيف فعلت ذلك.. ولكنى أقدم العذر لهؤلاء الشباب الصغار الذين اعتادوا على طاعة الأوامر.
*ومتى انفصل عن الجماعة؟
**يقول الأستاذ نبيل كان الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين فى الثلاثينات والأربعينيات شيئا عاديا، والانسلاخ منها شيئا عاديا أيضا وإذا كان الأستاذ أنيس كان عضوا فى جماعة الإخوان فى بداية حياته فإنه لاشك خرج منها لأنها ضد مبادئه وأفكاره وكان هذا منذ وقت مبكر.
*نعرف أن الأستاذ أنيس منصور له رأى خاص فى الحكم الناصرى.. هل كشف لك عن بعض مواقفه مع الرئيس عبد الناصر؟
**أنيس منصور كان يرى أن حكم عبد الناصر حكما فرديا.. وكان لا يقبل الرأى والرأى الآخر، ومن المعلوم أن عبد الناصر فصل الأستاذ من رئاسة تحرير الجيل، وفصله من الجامعة.. كل هذا بسبب مقاله «حمار الشيخ العز بن عبد السلام» والتى حلل فيها حال مصر بعد نكسة 67، حيث ذكر أن قاضى القضاة واسمه العز بن عبد السلام ركب حماره ووقف على حدود مصر نيابة عن العلماء وحماره نيابة عن الشعب المصرى.
فلما سمع الرئيس السادات هذه القصة قال له: أنت تستحق الشنق وليس الفصل! فرد عليه يا سيادة الرئيس أنت حيرتنى، فالرجل الذى شنق الناس اكتفى بفصلى، والرجل الذى لا يفصل يطالب بشنقى! وعندما عاد للعمل لم يستطع نقده مرة أخرى، كما لم يستطع مهاجمته، لم يكن أحد يستطيع أن يفعل ذلك، وحينما أراد طبع كتابة قرر أن يكون موضوعيا فى ذكر أخطائه وهذا كان يكفيه.
*أستاذ نبيل سؤال أخير من هم أصدقاء الأستاذ أنيس المقربين؟
**فى فترة الستينيات والخمسينيات كان العمالقة يلتقون فى صالون العقاد إحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم ويوسف السباعى ومحمود أمين العالم ونعمان عاشور ونجيب محفوظ وفى الأيام الأخيرة كان الأستاذ الكبير يستريح مع الفنان العظيم مصطفى حسين والمستشار عدلى حسين محافظ القليوبية السابق واللواء رفعت مطاوع ود. زاهى حواس.. وغيرهم الكثير والكثير.
وأهم من هذا كله فإن الفقيد الراحل كان ومايزال يعيش فى وجدان الملايين من المصريين والعرب كما أن اسم الأستاذ أنيس منصور سيظل محفورا فى قلوب عشاقه ومحبيه أبد الدهر.. رحم الله الفقيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.