"الوزراء" يوافق على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية    بدء فعاليات معرض العلاقات المصرية الروسية بدار الإفتاء المصرية    وكيل الأزهر و«رئيس المعاهد» يبحثان استعدادات امتحانات النقل    برعاية المصرية للاتصالات، اختتام فعاليات البطولة الدولية للبرمجة    قرارات مجلس الوزراء خلال الاجتماع الأسبوعي.. تعديل قانون المحاكم الاقتصادية.. إنشاء منطقة حرة خاصة باسم شركة قناة السويس    الحكومة توافق على إطلاق 12 عيادة متنقلة للمرضى ذوي الاحتياجات    محافظ القليوبية: توريد 12 ألف طن قمح إلى الشون والصوامع    جامعة سوهاج تفعل «الكروت الذكية» لتداول الوقود لتعزيز التحول الرقمي    «مصر أكتوبر»: زيارة ملك البحرين لمصر تأتي وسط تصاعد التوتر بالمنطقة    أوكرانيا بلا صواريخ بسبب أمريكا.. زيلينسكي يشكو    اتحاد المعلمين لدى «أونروا» في لبنان ينفذ اعتصاما دعما لغزة    جوارديولا ضحية أنشيلوتى المفضلة فى الأدوار الإقصائية بدورى أبطال أوروبا    كيف يفكر الزمالك في تعويض غياب زيزو أمام دريمز الغاني.. مصدر يوضح    الموعد والتشكيل المتوقع، مواجهة نارية بين روما وميلان بالدوري الأوروبي الليلة    موقف ثنائي ريال مدريد من المشاركة في الكلاسيكو ضد برشلونة    المغربي سفيان رحيمي ينفرد، قائمة هدافي دوري أبطال آسيا 2023-2024    وزيرة التخطيط: تطوير منظومة التعليم الفني والتدريب المهني في مقدمة أولويات الحكومة    بعد 12 واقعة.. سقوط أخطر تشكيل عصابى تخصص فى سرقة العقارات بالقطامية    خلال 24 ساعة|ضبط 1387 مخالفة عدم تركيب الملصق الإلكترونى ورفع 38 سيارة متروكة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 19-4-2024، أبراج السرطان والأسد والعذراء    تعرف على تفاصيل حفل كايروكي بالتجمع الخامس    معارض وورش فنية وتعليمية بمتاحف الآثار للاحتفال بيوم التراث العالمي    ورم يمنع رجل من الأكل والاستحمام، ما القصة    جامعة مدينة السادات تنظم قافلة طبية ومشروعا بيئيا تنمويا في «حصة مليج»    وثائق دبلوماسية مسربة.. البيت الأبيض يعارض الأمم المتحدة في الاعتراف بدولة فلسطينية    ألمانيا تعول على الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا    الأب ضبط ابنته مع خطيبها.. ليلة مأساوية في شقة الوراق    إصابة 3 أشخاص في حريق مخبز بقنا    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبي جرائم الاتجار في النقد الأجنبي    الوزراء يستعرض القوائم المالية للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي    25 أبريل.. انطلاق دورة إعداد المدربين TOT في جامعة بنها    النواب في العاصمة الإدارية.. هل يتم إجراء التعديل الوزاري الأحد المقبل؟    مرعي البريمو يتصدر نسب المشاهدة فى مصر.. تفاصيل    الفنان محمد رجب يخطف الأضواء في أحدث ظهور    بعد نجاح تجربتها مع عمرو دياب.. هل تتجه منة عدلي القيعي للغناء؟    تعرف على مفاجآت حفل "مسار إجباري" الليلة    ما حكم الصوم نيابة عمَّن مات وعليه صيام؟.. تعرف على رد الإفتاء    الوزراء يوافق على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية    وزارة النقل توقع مذكرة تفاهم مع «الغانم» الكويتية لتطوير ميناء برنيس    هل يواجه التأمين الصحي الشامل قصورًا تشريعيا؟ برلمانية توضح    صحة المنيا توقع الكشف الطبي على 1632 حالة بالمجان    محامي حسين الشحات يطالب باستدعاء رئيس اتحاد الكرة ولاعبين بالأهلي في اتهامه بالتعدي على محمد الشيبي    تأجيل محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب ممدوح عباس    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    نادي الأسير الفلسطيني: ارتفاع حصيلة الاعتقالات بعد 7 أكتوبر إلى نحو 8310    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    "كل همه يبروز ابنه".. أحمد سليمان يثير الجدل برسالة نارية    هولندا تعرض على الاتحاد الأوروبي شراء "باتريوت" لمنحها إلى أوكرانيا    تشاجرت معه.. ميدو يحذر النادي الأهلي من رئيس مازيمبي    التموين تزف بشرى سارة عن أسعار السندويتشات في المحلات بسبب الرغيف السياحي    «الرقابة الصحية»: وضع ضوابط ومعايير وطنية لتدعيم أخلاقيات البحوث الطبية    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    «تعليم البحر الأحمر» تجري تعديل على موعد امتحانات الصف الثاني الثانوي بسبب احتفالات عيد السعف    بابا فاسيليو يتحدث عن تجاربه السابقة مع الأندية المصرية    ما حكم نسيان إخراج زكاة الفطر؟.. دار الإفتاء توضح    وزارة الطيران المدني توضح حقيقة انتظار إحدى الطائرات لمدة 6 ساعات    الجامعة البريطانية في مصر تعقد المؤتمر السابع للإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيها الموت .. لحظة من فضلك
اتركني أسبّح بطريقتي: يا الله ما أعظمك.. ما أروعك !
نشر في أخبار اليوم يوم 06 - 05 - 2011


أما قبل ،،،
قال لي :»يا مجدي ما ترجعنيش للحالة دي تاني أنا ما صدقت إني خرجت منها«.. فما هي؟ ولماذا؟ وكيف؟.
وقال لي: » أنا خايف« مع أنه هو الكاتب الجسور الذي يقتحم المحظور ويثير الأسئلة المسكوت عنها ولو باليقين المراوغ؟.
وقال لي: »طلع البدر عليّ مرة واحدة فقط« فهل الشحنة الروحية لا تزال متوهجة بتجلياتها؟.
وقال لي: انه التقي بهيكل في قلب النيل، تعجبت أكل ما قاله العملاقان »ازيك يا انيس؟ ازيك يا هيكل؟ .. كيف«؟.
وقال لي: هيكل هو الذي اخترع شخصية عبد الناصر كبطل في مسرحيته؟.
وقال لي: د.أسامة الباز عنده أهم وأخطر الملفات عهد مبارك ومن ثم لابد أن يدلي بشهادته للتاريخ.
وقال لي: إن د.زاهي حواس »سيركبه عفريت« لو عرف هذه الواقعة.. فما هي؟.
وقال لي:»الشرق الأوسط الآن هو ما أراده الخوميني قبل 02 عاما.. عجبي من »زرقاء اليمامة« في حدس أنيس منصور«!.
وقال لي:إن مقتل أسامة بن لادن، هو زلزال جديد وخطير.
وقال لي: إن اسرائيل تعبث في المنطقة بالأصابع الأمريكية وتعيث فيها كيف تشاء!.
وقال لي : لا أحد يدري» مصر رايحة علي فين«...!
قال.. وقال .. وقال..وكنت أنا الصامت ، مثل »أبو الهول« إلا قليلا... !.
في الطريق إلي بيت الكاتب الكبير أنيس منصور، راودتني كلمة ظلت تهاتفني:» ما دمت حيا فالكلمة الأخيرة لم تقلها بعد.. فكل شيء »ليس بعد«..أي لم يكمل بعد..الموتي هم الذين اكتملوا قالوا ما عندهم آخر ما عندهم ولذلك يمكن الحكم علي الموتي، لأنهم قد فرغوا من الكلام، أما الحياة فهي» الليس بعد« أي الاضطراب والقلق والطموح والخوف والحرية والثورة والغضب والانتهازية والجشع، فالكل يجري من أجل صورة أخري، من إجل إكمال الذي لم يكمل، وأنا ، وكل كاتب، يشبه الذي يقف أمام القاضي ويقسم :أن أقول الحق ، ولا شئ إلا الحق، وكل الحق! أما أنه يقول الحق فصحيح، ولا شئ إلا الحق فصحيح أيضا، أما »كل الحق« فليس صحيحا، فلا أحد يعرف »كل« ولا أحد قال »كل« شئ، وإنما بعض الشئ، بعض الوقت، أي الحقيقة.. إلا قليلا!.
من أجل ذلك قدر لي ءن آتحرك بين ست غرف في صندوق الأ»تاذ، يفضي بعضها إلي بعض، في وحدة فكرية واحدة، يمتزج فيها الذاتي بالموضوعي، فالحواجز وهمية والحدود خيط دخان بين السياسة والتاريخ والثقافة والصحافة والعلم والتوحيد ووالشتات ولملمة الذات، والتصوف والمعقول واللامعقول.
ميزان الكلمة في يد أنيس منصور أدق من ميزان الذهب، إدراكا منه أنه، كما يقول:» لو عرف الذين يكتبون أين تقع كلماتهم من نفوس الناس، لارتجفت أقلام في أيديهم وترددوا كثيرا قبل أن يقولوا شيئا، ولكن هذا لا يحدث إلا قليلا، عندما تواجهنا الحقيقة فجأة، فنعرف أن كلماتنا كانت أحجارا سقطت علي ماء ساكن فهزته ثم سكن كل شيء، أو كانت بذورا استقرت في أرض واسعة مسطحة كأنها أكف متعطشة تنتظر، أو كانت سموما جاء بعدها النهاية«.
وعندما يتحدث أنيس منصور، فما يقوله هو»تاريخ« وأحيانا هو »تأريخ« فهو يقوم بتشييء المعاني أي بتحويلها الي اشياء ملموسة لا تراها العين وانما تلمسها اليد.
حين قدم أنيس منصور رؤيته أو أطروحته حول رؤساء مصر عبر ستين عاما، سواء الذين اقترب منهم، أو الذين ابتعد عنهم، وكان إذا ابتعد لحظة فعلي طريقة »البعيد عن السلطان.. سلطان« لاحظت أنه حين يبدي رأيه ورؤيته، فإنه يبتعد عن »المطلق« وإن أطلق فكره من »نظرية الرصاصة الإعلامية« يفعل ذلك في »السياق« التاريخي والاجتماعي والسياسي الذي تكونت فيه هذه الأروحة أو تلك، ساعة أن يحدق في معالم شخصية ما، أو يحقق في ملامح شخص رئيس دولة أحدث تحولات في حياة بلده.
يوم أن كتب كتابه »عبد الناصر المفتري عليه والمفتري علينا« تعادلت كفتا الميزان، وهذه إشكالية، فلابد أن تميل واحدة لصالح الأخري، وحين كتب »من أوراق السادات« وغيره من الكتب التي تناولت شخصية السادات، جاءت رؤيته علي مبدأ» ومن ثقلت موازينه« فهو في حالة تاريخية راضية، وحين نثر رؤيته وسط الأجواء الراهنة، لدور الرئيس السابق حسني مبارك، جاءت علي مبدأ » ومن خفت موازينه«
أنيس منصور هنا يصف نظاما:»بأكمله فلأول مرة في تاريخ البشرية يدخل رئيس جمهورية وزوجته وولداه ورئيس الوزراء والوزراء السجن! ففي التاريخ يمكن أن يقتل رئيس أو يشنق وزير، لكن أن يكون كل الحكام لصوصا، وأن يقطع رقابهم سيف العدالة، فالعدل أقوي من الحكومة، والعدل علي رقاب العباد، والدولة التي تفعل ذلك دولة عظيمة الاحترام« فالمسألة عنده ليست أبيض أوأسود، بل هناك منطقة رمادية، وألوان متدرجة.وفي سياق حديثه، الأسبوع الماضي، وهو يفتح صندوقه الأسود، قدم توصيفا لزوجات رؤساء مصر السابقين، في سياق مناوشاته الدائمة للمرأة، قال إن السيدة تحية عبد الناصر كانت نموذجا فريدا، لم يكن يسمح لها عبد الناصر حتي بالخروج، والسيدة جيهان مثقفة ثقافة واسعة، حصلت علي الدكتوراة، ودرست في جامعة القاهرة وبعض الجامعات الأمريكية، وخدمت المرأة المصرية، والسيدة سوزان أكملت الطريق بشكل أو بآخر، ويحسب لها »كوتة« المرأة وقانون الأحوال الشخصية ومكتبة الأسرة، جاء ذلك في السياق العام، ولكن في حالة معينة تكون الإشارة الي سلبيتها، فقد أشار إلي حالة التوريث التي أقضت مضجع المجتمع المصري »أنها كانت تريد ابنها جمال »رئيسا« مثل زوجها، زوجة رئيس وأم رئيس، مثل السيدة الأمريكية »بربارا« زوجة الرئيس» بوش الأب«، وحالتها في ذلك أشبه بحالة عنكبوت »الأرملة السوداء« في عالم العناكب.
هذا المبدأ يهيمن علي كتابات أنيس منصور،لاسيما إذا تناول شخصيات عامة، وبالأخص المفكرين والفلاسفة، فهو أستاذ الفلسفة التي درسها في الجامعة شطرا من حياته، ووضع الكثير من الدراسات الفلسفية والنفسية علي رفوف المكتبة العربية، هنا.. استدعي معه عنوان كتابه »التاريخ أنياب وأظافر« من يكتب التاريخ، ومن يدونه، خاصة أن »وسائط« اليوم غير الأمس، والغد سيكون أكثر تميزا وتمايزا عن الآن، مع ثقافة الصورة.
❊ سألت أنيس منصور : لقد فرد الأستاذ محمد حسنين هيكل أجنحته السياسية والتاريخية والوثائقية علي فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، ونشرت أنت أجنحتك المتباينة علي فترة حكم الرئيس أنور السادات، ولما سألته عن فترة الرئيس حسني مبارك، بادر قبل أن أكمل وأخرج هذه الرسالة بخط يده ضمن مئات من أوراق وصفحات ومذكرات لم تنشر، منها هذه الورقة السياسية، وبطلها هو» د.أسامة الباز« الذي يصفه بأنه »الرجل الذي يعرف كثيرا جدا«.
❊❊ جاء في الورقة:»ذهبت إلي د. أسامة الباز مستشار الرئيس في مستشفاه. وكنت ثقيل القلب. مهموما مغموما - أنا الذي اتولي تعذيب نفسي. وعندي فائض لتعذيب الآخرين. واقتربت من صديقي وبلدياتي وقريبي أسامة الباز وقلت له: إزيك.. كويس.. متي ستخرج من المستشفي.. قريبا.
ثم سأله أنيس منصور »ماذا في نيتك أن تفعل، أليس في إمكانك أن تبدأ ما اتفقنا عليه. أن تكتب مذكراتك. أنت الرجل الذي يعرف الكثير جدا.. والذي رأي وسمع وقال وقيل له وسافر وحمل رسائل وعاد برسائل وكان ما كان. وأنت مشهور في العالم كله. والأقلام تتناولك باحترام إلا في إسرائيل..قال له:جاء الوقت،لا بد أن تكتب مذكراتك. وكان عندي اقتراح أن نكتب معا كتابا ضخما، فنحن في مواقع متشابهة، أنت قريب من مبارك وأنا قريب من السادات، وقد رأينا وسمعنا وقلنا وقيل لنا وذهبنا برسائل مهمة وعدنا برسائل أكثر خطورة. ولابد من تسجيل كل ذلك. وأنت في كل مرة تقول: إن شاء الله، ويبدو أن الله لم يشأ، وأنت كسلان، وكانت معه زوجته الأولي السفيرة بوزارة الخارجية. وكانت معي في رأيي. وقالت سوف أساعده وأضغط عليه. ولكنه في كل الحالات يجيد كل وسائل الهرب. وهرب. لماذا؟ كيف؟ ومتي؟ كل هذه الأسئلة لا إجابة لها عنده..
وجاء أيضا: »قلت اسمع يا أسامة نحن نعمل مع أناس أعصابهم من حديد. أنا عندي حكايات وأنت أيضا. إنهم كالجراحين علي استعداد لإجراء أية عملية جراحية فتسيل الدماء وتتعالي صرخات الأهل والأصدقاء ويخرج الطبيب كأنه كان في حفلة لأم كلثوم. ولا حاجة يا أخي.. بمنتهي الصراحة.. أنت ضروري وأنا أيضا، ما دمنا في صحة جيدة ولياقة فكرية. فإذا ما تعبنا.. مرضنا.. زهقنا.. أتوا بغيرنا.. وأنا مستعد أن أحكي لك الآن عشرين حكاية. أنت تعرف حكاية الوزير فلان.. والسفير علان والفريق واللواء والطبيب والمهندس والفقيه الدستوري.. يا أسامة ليس أمامنا إلا هذه المذكرات التي نحن انفردنا بها. وأنا بدأت أكتب وكتبت مذكرات السادات. وكتبت مذكراتي عن المفاوضات مع إسرائيل والمهام السرية التي كنت أقوم بها ولا يدري بها أحد لا وزير الخارجية ولا الداخلية ولا المخابرات ولا حتي رئيس الوزراء.
❊ كيف تلقي د. أسامة الباز هذه النصائح؟
❊❊ كان وجهه هادئا، وهو هادئ وزوجته أيضا، وهب النسيم يحمل كل روائح العقاقير للقضاء علي كل مرض، ففي المستشفي كل أنواع الأمراض اختفت إلا مرضا آخر هو اللامبالاة والقرف الذي لا يزال يلازم د. أسامة الباز وملايين الآخرين!
❊ قلت لأنيس منصور إن د.أسامة الباز عندما زار مسقط في منتصف التسعينيات، ألقي محاضرة في النادي الثقافي عن الصراع العربي الصهيوني استغرقت أربع ساعات سرد القصة من الألف الي الياء، وقد أوقف مسقط علي ساق واحدة وحضرها الألوف وجلسوا في الشوارع المحيطة بالنادي، وعندي تسجيل لها يعد في حكم »الوثيقة«.
❊❊ قال: هذا صحيح، إن د.أسامة الباز لديه من المذكرات والملفات والوثائق ما يفوق الحصر، ويعرف أكثر من أي أحد آخر
إزيك يا هيكل؟ إزيك يا أنيس ؟
❊ وماذا عن الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل؟
❊❊ هو كاتب من الطراز الأول ، ومؤرخ من الطراز الثاني، ومحاور من الطراز الثالث، والمتجني دائما علي السادات.
إن هيكل هو الذي صنع شخصية عبدالناصر، فهو عاشق له، وهذا العشق جعله واحدا من أبطال مسرحيته، فشخصية عبد الناصر هي مسرحية من تأليف هيكل واختراعه وإبداعه.
وأحاديثه في الجزيرة لا دليل عليها ولا شهود »هو اللي بيقول«!
لديه مادة تاريخية يوجهها ويفسرها بطريقته، وهذه وجهة نظر تاريخية، وذكاؤه يتبدي في اختياره أخطر وسيلة الآن وهي التليفزيون، ثم إن هيكل كاتب نشط جدا في النشر مؤلفاته ومقالاته، وهو يقول ولا أحد يرد عليه ، ويقول ان كان لدي أحد غير هذا فليظهره.
❊ وكيف تري وجهة نظر الأستاذ هيكل؟
❊❊ لست راضيا علي أحكامه، إنها أحكام صارخة، ومطلقة، شهيته مفتوحة دائما، لديه حرية وشجاعة، والناس لا حرية لديهم ولا شجاعة.
❊ وأنتم العملاقان الباقيان من عمالقة السياسة والثقافة والفكر الشامل.. ألم تلتقيا؟
❊ نعم مؤخرا التقينا مصادفة علي مأدبة غداء لصديقنا رجل الأعمال »صلاح دياب« مؤسس جريدة »المصري اليوم« في النيل.
❊ لابد أن حوارا كبيرا دار بينكما.. أليس كذلك؟
❊❊ إزيك يا هيكل ..إزيك يا أنيس ..
❊ بس؟(!!!!).
لا نزال في هذه الغرفة، نتوقف أمام» رؤيا.. أنيس منصور« التي تفوق »رؤيا .. زرقاء اليمامة« حول مجريات الأمور في منطقة الشرق الأوسط أو الشر... الأوسط؟ وقد فرضت الأحداث نفسها قبل الخروج من هذه الغرفة المثيرة للمشاكل، علي طريقة»ابعد عن السياسة وغن لها« وأن أصبحت متداخلة حتي بين المرء وزوجه.
تصادف اللقاء مع أنيس منصور مع لحظة فرح عالمية صنعها زفاف الأمير البريطاني »وليام« ابن ولي العهد البريطاني الي خطيبته »كيت ميدلتون« علي مرأي من ملياري مشاهد، منهم 0091 من الملوك والأمراء والنجوم العالميين، أهي لحظة مسروقة في عالم يرهق نفسه بالدمار والدماء، ويحرق جمالياته بالحروب والكروب، ويخنق انجازاته بالصراع والصراخ ؟.
يعلق أنيس منصور علي هذه اللحظة، مثلما علق من قبل علي مشهد مماثل بطله زواج الأميرة آن بنت ملكة بريطانيا وزوجها الكابتن فيبس، » إن العلم كله في حاجة إلي لحظة سعادة، إلي رؤية وجه سعيد، إلي مشاهدة حادث سعيد، إن الهم والغم والكرب العظيم قد سحق العقول وطحن القلوب، وأباد الأمل في كل مكان، إن الناس يصبحون ويمسون علي الدمار والخراب والظلم واليأس.
❊ لحظة خاطفة من الألق.. وسط أجواء مشحونة بالتوتر والقلق، كم نحتاج إليها في منطقة »الشرق الأوسط« أو «الشر... الأوسط« أليس كذلك، ويحتل النبأ الذي هز العالم بمقتل الشيخ أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الذي أرعب أمريكا رعبا ليس كمثله رعب ولا يزال؟
❊❊ أسامة بن لادن ليس مجرد شخص، إنه رمز لمذهب إرهابي خطير، يمثل فلسفة وطريقة تأويل، يقاوم الإمبريالية والبابوية المسيحية، ويؤمن أنها حرب صليبية »بوش قال كده« كيف قالها رجل دولة كبري مثل أمريكا! وابن لادن مسلم متشدد منتشر، منضبط، غني، لديه أموال، ولذلك فإن مقتله وبهذه الطريقة سيحدث زلزالا جديدا وخطيرا.
وأنا أري أن الأمريكان كاذبون، لأنهم يشجعون الشيعة، يريدون بقتل بن لادن أن يشعلوا الفتنة، وهم يشعلونها، يقتلون بن لادن ويتفاوضون مع إيران في نفس الوقت، هذه سياسة عليا.
❊ في ورقة من أوراق الرئيس السادات قرأت نبوءة: »إن الشرق الأوسط بعد الخميني سوف يكون غيره قبل الخميني«؟.
❊❊ نعم.. وصدقت النبوءة، وممكن أن نقول إن الشرق الأوسط بعد ثورة الشباب في مصر يختلف عما كان عليه قبل الثورة. فما يحدث في مصر يتردد أصداؤه في العالم العربي وأفريقيا أيضا. وقد حدث ذلك بعد ثورة يوليو سنة 2591. وهذه ثورة 11 فبراير سنة 1102 تمت في هدوء وفي سهولة وسيولة منقطعة النظير في أي تاريخ معاصر.
كل الثورات لها ولادة عسيرة وتسبقها وتليها الدماء! وأمريكا لن تسمح بأن تسقط كل النظم لتكون ضدها. هذه الكتلة الكبيرة من الدول الإسلامية. ولذلك وبعد أن يحدث انشقاق كأن يعيش القذافي، فإذا عاش صار عدوا لكل الدول العربية التي لم تساعده. منبوذا عميلا لأمريكا. وفي سوريا لابد من صفقة بين أمريكا وإيران، هذه الصفقة سوف تؤدي إلي بقاء الرئيس الأسد وبقاء المذهب الشيعي في سوريا وفي غزة والعراق، وسوف يحدث ما لا يخطر علي البال من أشكال وألوان وأحجام، وكلها خرجت من الفوضي، وهذه الفوضي هي الأم الحنون لكل ما سوف يبقي من اليمن الذي يحارب »القاعدة« وسوريا التي تنشر الشيعية وأشكالا غريبة منها، ولا أدعي العلم ولكن لا استبعد شكلا عجيبا غريبا عنا.. وسوف نري!.
❊ هي إذن الفوضي الخلاقة التي أطلقتها »حمّالة الحطب الأمريكية.. كونداليزا رايس« منذ عشر سنوات؟.
❊❊ ولم نكن نعرف أنها نبوءة أو أنها من صنعهم. فقد قالوا: الفوضي الخلاقة. أي الفوضي الإبداعية، أما الفوضي فهي ما تري اليوم في الشرق الأوسط.. في تونس ومصر وليبيا وسوريا وفلسطين. أما الإبداع الذي فسوف يخرج من هذه الفوضي، فلم يحدث بعد، بل إن الفوضي قد استغرقتنا حتي أغرقتنا. ولم نعد نعرف رأسا من ذنب»إحنا داخلين علي مشاكل كثيرة في مصر والشرق الأوسط«.
❊ وإسرائيل..؟.
❊ أنا اتابع الشأن الإسرائيلي، إسرائيل منزعجة جدا من المصالحة بين الفسلطينيين، وانزعاجها نابع من أن الطرفين أحدهما سني والآخر شيعي، ومنزعجة من فتح مصر للمعابر، لكنها تبدو رأسية وعازمة علي المضي في سياستها بالسيطرة علي الأمريكان، فكرا وسلوكا، وتوريط الإدارة الأمريكية التي تحركها اسرائيل وتساهم في كل شئ، كل التصرفات الأمريكية من صنع إسرائيل.
❊ لكن لا رد فعل منها؟
❊ رد الفعل قادم ، انتظروه قريبا، فهي تلعب في الأحداث من خلال الأصابع الأمريكية
❊ يعيش الكاتب الكبيرأنيس منصور»حالة فلسفية« جوهرها »هالة دينية« يصفها بأنها مسيطرة علي فكره وتفكيره في الآونة الأخيرة، ويقول إنها ستسفر عن كتاب موسوعي جديد، يتناغم مع مقتضي الحالة، وتتواصل في هذه المرحلة العمرية في عقده التاسع، مع الومضات الفلسفية التي انبثقت في بداية طريقه المتشعب المسارات، وتجلت في كتاباته الفلسفية، لاسيما الفلسفة الوجودية التي شرحها في مؤلفاته مثل الوجودية، فلاسفة وجوديون، فلاسفة العدم، وغيرها، مما استشري في كل كتاباته ورؤاه..
من أجل ذلك.. انتقلنا إلي غرفة تذكرني بوصف الفيلسوف »سقراط« لمعني الفلسفة بأنها مثل »البحث عن قطة سوداء في غرفة ظلماء« و»مصباح أنيس منصور« يشبه »مصباح سقراط« الذي كان يحمله في عز الظهر، فعالم »الماوراء« يشغل مساحة واسعة من خريطة أنيس منصور الفكرية والمعرفية والعرفية، ماوراء الأشياء، ماوراء الواقع، ماوراء الظواهر، ماوراء النفس، ماوراء المخلوقات، ماوراء الكائنات، ماوراء المتحركات، ماوراء الساكنات، ثمة شئ ما، خفي لا يبين، يبحث عنه فكريا ووجدانيا وعلميا وتكنولوجيا، والتكنولوجيا سلوك..؟
❊❊ حياتي كلها قراءة، وبحث عن الحقائق في العلوم، خاصة علم الفلك، والسفر فيه هو هوايتي الوحيدة الآن، وفي هذه المرحلة العمرية والفكرية، الفلك يوصلك إلي الله والدين، أحيانا أحدق في صورة للأجرام السماوية تستغرق مني الساعة.. ولا أملك إلا أن أقول : ما أعظمك يا الله! ما هذه القدرة الرهيبة والقوة الهائلة.. عندما نري الكون في منظار فلكي، إن الله غني.. غني جدا.. وبلا حدود.. من نكون نحن في هذا الكون العظيم؟ سبحان الله...! والله ما أعظمك وأجملك! أقولها كل يوم. أرفع رأسي وأنظر فوقي، أقولها وأنا أنظر إلي السماء في ليلة صافية. وإذا انتقلت إلي أن أراها من وراء الكاميرات والعدسات الفلكية وقد اقتربت مني النجوم ومئات ألوف النجوم، وإذا استخدمنا عدسات المراصد الفلكية، فإن الذي رأينا مئات الألوف وإنما مئات الملايين، والمسافة بيننا وبينها عشرات الملايين من الكيلومترات، والله، لو حدث لك ذلك فلن تمل النظر والتأمل والتفكير: والله ما أعظمك وأجملك! إنني أذهب وأعود سالما، فأنا تلميذ أبدا في علوم الفلك.
ذات يوم قلت للدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل، هل تقدر تقول: يارب ما أعظمك مائة مرة؟ قال: نعم، فأرسلت إليه في اليوم التالي كتابا عن »أجمل صور فلكية في خمسين عاما« وأرفقت مع الكتاب فيلما علميا فرنسيا، وضعوا الكاميرا في رحم امرأة، وصوروا لقاء الحيوان المنوي بالبويضة، فتري الحيوان المنوي يجري ويلهث ويصدر صوتا مثل صهيل الحصان، حتي يلتحم بالبويضة، وإذا بالدكتور طنطاوي يتصل بي ويقول هاتفيا: »جننتني ياأنيس«!.
وذات جلسة سألت د.مصطفي محمود:أنت متصوف؟ قال : نعم التصوف شئ راق، وقال لي : لماذا لا تتصوف؟ قلت: لا أريد»موش عاوز«!
❊ ثم سكت أنيس منصور وشرد مني.
❊❊ وإذا به يقول لي:»يامجدي ما ترجعنيش بقي للحالة دي، ما صدقت خرجت منها، كل حاجة فيّ كان سببها أمي وموت أمي، هو الذي أوصلني الي الحالة الصوفية، وما بعدها من حالات.
❊ استاذك في التصوف د.مصطفي حلمي طلب منك ان تكتب رسالة في التصوف لأنه لمس فيك نزعة صوفية شفافة وضاءة« بعد أن اعترض طريقك كتاب عبد الرحمن بدوي»تاريخ الالحاد في الاسلام وقلت إنه »طمس عيني وتشعبت تحت قدمي السبل« حتي أنقذك الإمام الغزالي الذي ثبت الأرض تحت قدميك بكتابه »المنقذ من الضلال« وهزك هزا؟ وكتبت »طلع البدر علينا« وكأنه طلع طلعة واحدة؟
❊❊ عشت في هذه الأجواء، واستغرقتني حتي كادت أن تغرقني، أريد أن أكتب تجربتي الصوفية، لكنني أخاف أن اتخطف أو أخطف من الجو الصوفي بما فيه من قوة جذب، أخاف أن أكتب فيستغرقني التفكير، فلا أجد نفسي، إنما أجد نفسي جالسا »جنب جامع السيدة زينب، لابس جلابية وبالطو وفي يدي عصا وسبحة«.
❊ كما قال الشيخ الشعراوي ان معظم المجذوبين والذين تراهم في السيدة زينب والسيد البدوي والحسين، أصابتهم »لطشة« و»جذبة« ذهبت بعقولهم حيث رأوا ما لاينبغي أن يري!.
❊❊ ممكن جدا والله أعلم.
❊ في السماء توجد »البقع السوداء« ولها قوة جذب شديدة جدا يمكنها أن تخطف مليون نجمة، تشفط أو تلتهم النجوم التي تضعف، أما لماذا هي سوداء، فلأن قوة الجاذبية تخطف أضواء كل النجوم فتبدو سوداء، وقد أحسست أنني أقف علي حافة هذه البقع السوداء.
❊ جاء في الأثر الصوفي»من وصل اتصل، ومن اتصل انفصل«؟.
❊❊ طبعا، هذا صحيح، أنت تقرأ »الحلاج وابن عربي والنفري« وكل الرموز الصوفية، وتسمع منهم من يقول: »سبحاني جل شاني« و»أنا أنت وأنت أنا« هذا صحيح، أليس الله تعالي موجودا في كل شئ في الكون؟.
❊ و..يتذكر أنيس منصور..
❊❊ بعد موت أمي أحسست أنني وحدي في هذه الدنيا، الكل مات، لم يعد أحد، لم أستطع أن يكون لي أحد، بعضي يبكي علي بعضي، إنني أندي ميتا في داخلي، وأحمله ويحملني ،ولا أعرف أينا الكفن وأينا المشيعون، وأينا الفاقد وأينا الفقيد، وضاق الناس بحالتي وأخفيتها عن العيون، وضاق الناس بما أكتب عن أمي، وقالت الأمهات ياليت أبناءنا كانوا مثلك أو واحدا علي عشرة منك، حتي علي الموت لا أخلو من الحسد، أصبحت أراها أسمعها أحلم بها، وأحلامي صادقة، فما أراه في نومي يتحقق بشكل ما، هذه حقيقة، وهي التي دفعتني وألقت بي في عالم الروح والإيمان بها، وأن هناك قوي أخري، وقوة القوي، عاقلة حكيمة ، ونحن أمامها لسنا إلا نملا يعيش علي نملة اسمها الأرض في مجهول شايع واسع، لا نعرف له طولا ولا عرضا، ويوم أرسل أحد الأمريكان برقية إلي العالم الكبير اينشتين يسأله فيها:هل تؤمن بالله؟ أجاب: ليس أمام أي أحد إلا ذلك، وإلا فلينظر الي السماء وليسمع موسيقاها الرياضية، وليقل بعد ذلك من هو هذا الموسيقار المهندس العظيم الذي وراء كل شئ وكل نفس وكل عقل؟!
ويتذكر: اتجهت إلي دراسة سكان الكواكب الأخري، لابد أن يكون هناك أناس أكثر عقلا أو أقل تطورا، تماما كما في هذه الأرض: بدائيون ورواد فضاء، وسحرة وعلماء صواريخ، واتجهت بعد ذلك إلي دراسة ظواهر الروح والإنشغال بها،والإيمان بها، باجتهادات العلماء الملحدين،بإثبات أن الروح موجودة وأنها تظهر بأشكال مختلفة للناس.
يمكث الأستاذ أنيس منصور سواء في صومعته المطلة علي شاطئ النهر الخالد بالجيزة، أم في أجواء أجداده الفراعنة في رحاب الأهرامات، وهو يعكف علي صياغة جواهره الفكرية: قراءة وكتابة، ولديه مسودات كتب وإبداعات تحتويها أكثر من حقيبة، أخبرني أنه أحرق مخطوطا لواحد من مؤلفاته الأخيرة الذي ظل عليه عاكفا فترة طويلة وهو كتاب »أمي.. ابنها« ..
❊ لماذا يا أستاذ وهي التي فتحت لك الآفاق؟
❊❊ لأنني بعد أن فرغ من كتابته، اكتشف أن اعترافاتي الذاتية والعائلية التي سكبتها علي مئات الصفحات كانت خاصة جدا وعارية أيضا، إننا في مجتمعات شرقية لا تنظر الي السيرة الذاتية كما ينظر إليها في المجتمعات الغربية،وقد كتبت فصولا وشرائح كثيرة عن حياتي الخاصة في مجموعة من مؤلفاتي مثل »إلا قليلا« و»البقية في حياتي« وغيرهما، إلا أن الكتاب الأخير حين انتهيت منه وجدت أنه لا يصح، ولا يصلح أن ينشر، لذلك أحرقته، ولست نادما علي ذلك.
❊ كثير من الناس يعترفون بعيوبهم ويكتبون مذكراتهم أو اعترافاتهم أو مالا يعرفه الناس؟! لماذا يتعري الناس أمام الناس؟!
❊❊ هناك إجابات كثيرة: رأي يقول إنما يكتب الأدباء مذكراتهم لأنهم يريدون أن يكشفوا عن حياتهم، أو إخفاء بعض المعلومات، أول من كتب هذه المذكرات في الغرب القديس أوغسطين. وصارت هذه الاعترافات نموذجا لما يجب أن تكون عليه المذكرات، واعترافات (جان جاك روسو) قال فيها ما يقال وما لا يقال وما لا يقال أكثر، ولذلك، أوصي جان جاك بأن تنشر مذكراته بعد وفاته.
وكانت اعترافات العقاد اسمها (أنا) وقال فيها ما يحب (أنا) وما يكره (أنا) ود. لويس عوض اعترف بأنه لا ينجب لا هو ولا أخوه، وأن أخته ماتت عذراء في السبعين من عمرها في أحد المستشفيات.
❊ وأنت؟
❊❊ كتبت مذكراتي أربع مرات.. وبلغت فيها زمنا طويلا، وأعود إليها وبعد أن أمضي فيها طويلا اتوقف. والذي حيرني أن هناك فترة من عمري كلما حاولت التعبير عنها لا أحبذ الاستمرار في ذلك. وقلت لابد أن أذهب إلي محلل نفساني. أحكي له ويستدرجني ويحلل أعماقي.. ووجدت أنني استطيع ذلك. وجلست وتأملت طويلا. ووجدت السبب أنه حدث في ذلك الوقت أن صفعني المدرس.. وكسر تمثالا لي كنت أراه في الطفولة. وقد حاولت في كل المناسبات ألا اتعرض له وأن اتستر عليه. فأنا كرهت الخوف وكرهت الإشارة إليه. ولما كشفت ما أخفيه عشرات السنين انكشفت حياتي الصغيرة أمامي ووجدت ردودا علي ما ارتكبه المدرس، وقد بدأت المحاولة الخامسة فليساعدني الله علي نفسي أو علي جانب من نفسي!
قاومت الصحافة.. !
❊ لكني لاحظت أن مذكراتك في شارع الصحافة لا وجود لها، ولا حتي إشارات قوية لها، اللهم إلا في في كتابك »شارع التنهدات«؟.
❊❊ كنت قد قررت أن أكتب تجربتي الصحفية الطويلة وأن أصف معاناتي حتي لا أكون صحفيا وأن اتفرغ للفكر والفلسفة لولا أن مات أبي فجأة فكان موته دفعا إلي الحياة العملية فاندفعت ولكن قاومت طويلا أن أكون صحفيا ولا أعرف معني أن يكون الإنسان صحفيا وما الفرق بين الكاتب أو الأديب أو الفيلسوف والعمل في الصحافة ولكني كلما ترددت علي الصحيفة التي عملت بها ازداد حزني علي نفسي وكل أساتذتي أبدوا أسفهم الشديد علي ضياعي فقد كانوا يفضلون أن أعود إلي الجامعة مدرسا للفلسفة التي قمت بتدريسها سبعة عشر عاما، ولم انقطع عن العمل الصحفي طوال حياتي وكان أملي أن يجئ هذا الكتاب طويلا في عدة أجزاء وكنت قد اهتديت إلي خطة عمل.
يترقب الأستاذ أنيس منصور هذه الأيام، ما ستسفر عنه وثائق موقع »ويكليكس« الاليكتروني من الأسرار التي دارت في حوارات مجموعة من الرؤساء الأمريكيين مع الكائنات الفضائية التي تهبط من السماء، وقد أعلن رؤساء مثل »روزفلت وكارتر وكلينتون « عن هذه اللقاءات والحوارات، لكنهم التزموا الصمت التام، هل عن عمد و إصرار؟
❊❊ اتصور أن ذلك بأمر الدولة، هناك سياسات عليا وأعلي، وهذا هو الأقرب للتفسير في نظري.
❊ لكن موقع »ويكليكس« أعلن أنه سيكشف النقاب عما دار في هذه اللقاءات، في إطار الإعلان المتواصل والمستمر عن الوثائق السرية الأمريكية، وفي هذا السياق أخبرني الكاتب الكبير أن لديه من المشاهدات العينية والحوارات والجلسات التي يختزنها في ذاكرته عن عالم » الماوراء« أضعاف أضعاف مانشره في مؤلفاته »أرواح وأشباح« و»الذين هبطوا من السماء« و»الذين عادوا إلي السماء« و»القوة الخفية« وغيرها
❊ تلقيت خبر نعيك أحلامك وآمالك ومئات الملايين: أنه لا يوجد في الكون كائنات أخري غيرنا! فقد درس العلماء 005 قمر كالأرض ووجدوا أن الحياة فيها مستحيلة فدرجة الحرارة تصل إلي 0031 مئوية. أعلنوا هذا بدم بارد؟.
❊❊ بل إن علماء ناسا فرحوا لأن نظرياتهم قد تحققت تماما، وأن أحلامنا وأوهامنا تبددت، ولكن عالم الفيزياء الكبير سير استيفن هوكنغ قال إن هناك كائنات أخري، وإن هذه الكائنات قد زارت الأرض وليست في وقت واحد، ثم طلب إلينا ألا نتصل بها وألا نكلمها ففي ذلك خطر علينا وعلي حياتنا وعلي كوكب الأرض. ولم يقل لنا كيف نتفادي هذا الحدث لو وقع. ولكنه يؤكد أنه سوف يقع. ولم يقل لنا كيف نتفادي هذا الحدث لو وقع. ولكنه يؤكد انه سوف يقع، لأن هناك كائنات أخري تريد أن تعرف من نحن سكان الأرض ويقول: احذروا ففي الالتقاء بهم خطر علينا!
ويبقي اللقاء الشهير للرئيس أيزنهاور لغزا، فقد قيل إنه التقي بهم في إحدي القواعد الجوية، وأظنها مطار روزفلت، ووعد الرئيس كارتر بأن يفصح عن هذا اللقاء إذا نجح في الانتخابات، ودخل البيت الأبيض ولم يقل شيئا. ووعد الرئيس كلينتون وأقام في البيت الأبيض فترتين ولم يقل شيئا، ووعدت »ويكيليكس« بأن تنشر أخبار الأطباق الطائرة والسفن الغربية التي جاءت إلي الأرض من حيث لا ندري ورجعت إلي حيث لا ندري. ولم تنشر شيئا حتي الآن! وأعلنت أنها ستنشر قريبا فلديها الوثائق.
❊ قلت :انصرف العالم عن الأطباق الطائرة التي ربطها الجهلاء بالخراف؟ وقال البعض عنك أنك أقمت وليمة فخمة في عالم التخريف، انتقيتها من »سوبر ماركت ضخم فخم تديره كبري دول العالم:روسيا وأمريكا، وذلك في كتابك »أرواح وأشباح«؟
❊ لكن وزارة الدفاع البريطانية كشفت عن الذي لديها من وثائق عن الأطباق الطائرة، وقد طلع علينا عالم الفيزياء الفلكية أستيفن هوكنج بتحذير شديد: إذا صادفتم الأطباق الطائرة فلا تتكلموا معهم ولاتلمسوهم فذلك خطر علي البشرية، فنحن لانعرف مالديهم من أسلحة الدمار الشامل، فكل ما أصاب البشرية من كوارث قد جاءت من فوق، من الكواكب الأخري، فهؤلاء الوافدون علينا من كواكب لانعرف مدي مايحملون معهم ومالا نعرف من أشكال المرض والموت!
وجاءت وزارة الدفاع البريطانية فأفرجت عما لديها من صور التقطها كثير من الناس في انجلترا، وأهم هذه الصور هي التي التقطتها طيارون عسكريون وكان وصفهم أكثر دقة من النادس العاديين، من بين هذه الصور مارسمه طيار لطبق طائر له عجلات وعشرات المصابيح الباهرة الضوء، وعلي رأس هذا الطبق صورة عنخ رمز الحياة عند الفراعنة، كيف؟ ثم إن هذه الاطباق قد نزلت في بريطانيا وليس في مصر. العنخ تدل علي أنهم يعرفون التاريخ الفرعوني، فما علاقتهم بمصر الفرعونية، وكيف أنهم يعيدون ماعند الفراعنة، كيف أنهم اخترعوا هذا الإعجاز العلمي ثم يؤمنون بما كان يؤمن به الفراعنة. هل هناك فراعنة في السماء؟! اسأل د.زاهي حواس، وليته يجيب إن استطاع، فأنا لا أزال انتظر منه الإجابة.
❊ ماذا يجدي هذا الاتصال في منظورك كمواطن عالمي؟.
❊❊ أريد أن أعرف ماذا حدث، هذه المخلوقات الفضائية تتصل بنا لماذا؟ وكيف؟ إن معني ذلك أن لديهم حضارة أرفع منا، ووسائل متقدمة جدا، ما معني أن تأتي سفينة فضائية تبعد عنا ستين سنة ضوئية، عندما يخترعون أجهزة توصلهم لحد هنا ذهابا وإيابا، يصبح الأمر مرعبا وفظيعا، خاصة حين نعرف أن السنة الضوئية الواحدة 681 ألف ميل * 06 ثانية * 06 دقيقة * 42 ساعة * 563 يوما »احسبها أنت ثم اضربها في ملايين الملايين الملايين«! حاولنا الاتصال بهم أرسلنا لهم سفينة فضاء سجلنا عليها نشأة الكون و قلنا لهم ان الكائن البشري عبارة عن ذكر وأنثي، ولدينا موسيقي بتهوفن، ولوحات دافنشي، ولدينا علماء وعباقرة ومفكرون وأدباء وفنانون ومثقفون، لكن لم يرد علينا أحد.
❊ شغلت »ثنائية الموت والحياة« كثيرا من دوائر تفكيرك، وأنت تخاطب الموت قائلا»أيها الموت لحظة من فضلك« و»لعل الموت ينسانا« ؟ اوديب انتحر بعد أن اكتشف »الحقيقة« قتل ابيه وتزوج أمه، والفيلسوف الألماني شوبنهور ألقي بنفسه من الهاوية وكان يضع صور وحش أوديب علي خاتمه، وكذلك الكاتب الأمريكي هيمنجواي، فلماذا أردت أت تستعجل الموت في عنفوانك بالذات؟.
الانتحار أو التخلص من الحياة، قد يأتي في ساعة يأس، وقد يتم في ساعة تصوف، أو في الحالتين معا، بمعني أنك في حالة التصوف لا أمل ولا يأس، أنت تبت، لا أنت حي ولا أنت ميت، خلاص... وهي الحالة التي يسميها الهنود»النيرفانا« أي الشعور بالعدم، أوالاكتمال بالعدم، وهي عند الصوفية »حالة المحاق« أو » الغراب الأسود« أو هي بمعني »الثقوب السوداء« في الكون التي أشرت اليها قبل قليل.
أقدمت علي ذلك أكثر من مرة، الأولي.. كانت حالة يأس مبكرة حدثت وأنا شاب صغير حين حققت الترتيب الأول علي مستوي الجمهورية في الثانوية العامة ولم يلتفت لي أحد، ولا حتي أبي أو أمي أو إخوتي أو أقربائي أو أصدقائي،لا مبالاة شعرت بها، لا معني للحياة، ولحظة أن كدت ألقي بنفسي في النيل فاجأتني ممرضة أمي: »أخبار ماما إيه؟« فتراجعت!
والمرة الثانية كانت في مرحلة الثلاثينيات من عمري، حسبتها بالطول والعرض، لا أنا عرف حاجة، ولا أكتب عن ماذا، ولا فاهم أي حاجة حولي، وأين الله، لاأحد يعرف، وما حكمة هذه الحياة التافهة، وما معني وجودنا الأكثر تفاهة؟ نحن لا نعرف الله، لأن الله أكبر من أن يعرفه الإنسان، وكنت في مدينة هافانا بكوبا عام 3691 فكرت في الخلاص من متاعبي بالموت، وقررت أن ألقي بنفسي من »فندق كوبا الحرة« وسألت عما سوف يقوله الناس، فتوقفت فما دمت قد سألت فأنا إذن ما أزال أهتم بالناس وما يقولونه، إذن ليست هذه النية صادقة وليس المعني واضحا في رأسي.
وعندما كنت أدرس الفلسفة في الجامعة كنت أغبط تلاميذي وأحسدهم إنهم يصدقون ما أقول ، أي يصدقون ما لا أعرف أنا كيف أصدقه، ولم استرح اليهم فهم أحسن حالا، إنني مثل شجرة تلسعها الشمس، وفي ظل هذه الشجرة ينام ويلعب أطفال صغار، وكتبت وصيتي.. فقد قررت أن انتحر مرة أخري، واستأذنت زوجتي في شئ واحد: أن تسمح لي بأن أموت تحت كتبي وأن تكرمني بإحراقها معي، فهذه الكتب لم تنفعني، وعندما أحترق أنا وكتبي أكون أنا الحريق والمحترق، تكون كتبي هي الوقود، ويكون شحمي هو الزيت، وأصبح كما قال الشاعر كامل الشناوي:
حطمتني مثلما حطمتني
فأنا منها وهي مني: شظايا!
كانت عملية شروع في الانتحار ومرحلة من مراحل اليأس والبحث عن الحقيقة، لكن زوجتي منعتني، أطال الله عمرها.
❊ شكرا لها.. فقد أنقذتك وكتبك لأجيال عدة ولجماهير قرائك، ولا تزال متوهجا بالعطاء.. مع أنك تهاجم المرأة كثيرا ؟
❊❊ المرأة توصلك إلي حالة راقية من التصوف، قل لي ماذا تريد من المرأة؟ الحب ، التوحد، الدفء، الالتحام، الالتصاق، تذوب أو تذيب، الإشباع بالمعني الإنساني العظيم؟ أليس هذا هو التصوف.
❊ أية امرأة؟!
❊❊ كل امرأة تحس معها بمعني من المعاني، ولقد لعبت زوجتي دورا كبيرا جدا في حياتي.
❊ إذن أنت تحب الحياة.. والمرأة هي الحياة، وهي تمارس معك مؤثرات خطيرة في سيرورتك وصيرورتك وكينونتك ما بين أمك وزوجتك، لهذا لا تعترف بالشيخوخة التي قلت عنها في الاسبوع الماضي أنها ضربت لك موعدا لم تعرف به ولا بها.
❊❊ ولن اعترف بها.. مع أني دخلت الحياة »حارة حارة، وزنجة زنجة« علي حد تعبير القذافي الشهير، لذلك أقول للشباب ادخلوا الحياة من أوسع أبوابها المنيرة والمستنيرة، فالإحساس بالشيخوخة يولد الشيخوخة، والإحساس بالشباب يفجر ينابيع الشباب، من الأفضل ألا تعترف بالشيخوخة، وبأنك شيخ فقد استطاع كثير من الشيوخ أن يحققوا المعجزات في الأدب والفن والعلم والاكتشافات والمغامرات.
بدم الطغاة.. لا بماء الورد
❊ علي باب البيت وقبيل منتصف الليل سألته: أنت ذاهب بعد ساعات الي باريس للعلاج، لكننا نحن في مصر .. إلي أين؟
❊❊ حتي أقوي الناس نظرا وأعمقهم بصيرة لا يستطيع أن يقول لنا ماذا سيحدث بعد اليوم أو بعد العام أو الخمسة أعوام. فالحسابات لم تنته بعد، الأمر مؤجل حتي نفيق نحن من أهوال هذه الكارثة. فقد جربنا حكم الطاغية سنوات طويلة وضقنا به. ولم نذهب إلي أبعد من ذلك. حتي ظهر شباب ثوار كانوا أشجع وأقوي وأبعد نظرا، ولكن مشكلة هذا الشباب أنهم أقلية، وأن الأغلبية هي التي عايشت النظام القديم.،وإذا كانت السحب السوداء هي التي تعصف بها الأنواء.. فالإبداع هو البرق والرعد والمطر بعد ذلك.. وإذا كانت الفوضي هي السحاب الأسود فقوس قزح بألوانه الزاهية هو الإبداع، فكما أن له ألوانا، فكذلك الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. فإذا كان من أهم واجبات الثورة إسقاط الطغاة، فذلك لأن شجرة الحرية لا ترتوي بماء الورد وإنما بدم الطغاة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.