[د. أحمد عكاشة في حوار مع الأهرام المسائي:brالثورات تفرز أسوأ رئيس وأسوأ برلمان] ولد في أسرة سياسية عسكرية حيث كان والده مديرا عاما لسلاح حرس الحدود وحاكما للصحراء الغربية.. وشقيقه أحد الضباط الأحرار والذي شغل منصب وزير الثقافة بعد ذلك.. حصل علي جائزة الدولة التقديرية في الابداع الطبي وجائزة مبارك للعلوم.. عالم مصري متفرد في مجاله.. رئيس سابق للجمعية العالمية للطب النفسي.. ورئيس حالي للجمعية المصرية للطب النفسي. الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس وأحد رموز المجتمع المصري من المثقفين أصحاب الرؤية الثاقبة والجريئة يري أن الثورات تفرز أسوأ رئيس وأسوأ برلمان.. ويؤكد أن المقهور يسلك سلوك القاهر ويتوحد معه.. ويشدد علي ضرورة أن يختار المصريون من يوفر لهم الأمن والاستقرار.. ويقول إن العلاج النفسي في العالم تطور ولسنا في حاجة الآن إلي بقاء المريض داخل المستشفي.. ومصر كما يراها د. عكاشة هي القائد للمنطقة العربية مهما يحدث لها.. والحكام العرب يتخوفون أكثر من شعوبهم مما يحدث في مصر.. ويشفق علي من يتولي حكم مصر في الفترة القادمة. الدكتور أحمد عكاشة قامة مصرية كبيرة له العديد من المؤلفات والرؤي والآراء الخاصة والجريئة في الطب النفسي والسياسة وكل ما يدور في مصر الآن لذا كان لنا معه هذا اللقاء: ** كان يتردد أن نسبة كبيرة من المصريين أصيبت بالاكتئاب قبل ثورة25 يناير فهل حدث متغير في الحالة النفسية للشعب المصري؟ * عادة يكون سبب الاكتئاب العجز واليأس والاحباط وكان معظم المصريين في هذا الوقت قبل ثورة25 يناير في هذه الحالة بحيث أصبحت الاستجابة لهذه العمليات هي اللامبالاة, وكل أصبح مع نفسه ولم يتجاوز أحد نفسه إلي الهدف الأسمي وهو مصر, حتي كسر الشباب حاجز الخوف وقاموا بالثورة السلمية المتميزة المتفردة وكانت الأخلاقيات و الأمل في هذا الوقت مصدرا للبهجة والأمل للشعب المصري بعد18 يوما ركب الثورة عدة تيارات من فئات مختلفة وبدأ التفتت في الثورة وبعد أن كان المصري يشعر بالأمل والفرحة والبهجة بدأت تصيبه الحيرة والارتباك خاصة أن أجهزة الإعلام وبالأخص المرئي كانت تعطي إشارات متناقضة وأخطر ما يواجه الإنسان اشارات متناقضة للمخ حيث يصاب بالإرهاق ومن ثم قابل للإيحاء ومن ثم يصبح أن يرضي بأي شيء وحالة الاكتئاب التي كانت موجودة سابقا تحولت إلي حالة من القلق والخوف والإحساس بالحيرة النفسية. ** يري البعض أن هناك سيناريو للفوضي يدور في مصر الآن, هل هذا يعكس حالة من التخبط النفسي للمواطن المصري؟ * غالبية المواطنين يطيعون قياداتهم لأن معظم الشعب المصري يميل إلي الطيبة والقابلية للإيحاء وعدم النضوج العاطفي مما يجعله غير قادر علي الصبر ويريد اشباع رغباته فورا وعادة ما تسلك القيادات سلوك رئيس القطيع أو ما يسمي( الهستيريا الجماعية) الكل يمشي وراءه دون وعي والفوضي ناتجة عن عدم فهم الكثير من التيارات المعني الأساسي للديمقراطية وهو قبول صندوق الانتخاب وقبول الرأي الآخر حتي لو كنت مختلفا معه. ** زيادة معدلات الجريمة بعد25 يناير, وما هو التفسير العلمي لهذه الظاهرة؟ * عادة ما يوجد في كل بلاد العالم حوالي6% من الشخصيات( السيكوباتية) مما يعني المستهينة بالأخلاقيات وتقاليد المجتمع وعادة ما يكون هؤلاء في السجن ولكن مع الهجوم علي السجون المصرية والانفلات الأمني وعدم وجود الشرطة بالطريقة المثلي لا تتوقع غير انتشار الفوضي وزيادة الجريمة وزيادة الإدمان والبطالة والتكدس حول الرغبات الذاتية دون النظر إلي العمل الجاد. ** مبارك ومقاومته لدخول سجن طرة, هل هي كبرياء أم حالة مرضية؟ * صرح الكثيرون قبل ذلك أن مبارك لا يعاني من الاكئتاب ولكن لا اعتقد أن أي إنسان عنده حتي القليل من المشاعر عندما يفقد السلطة والمال والعزة ويجد ولديه الاثنين في السجن أعتقد أن أي إنسان عنده ذرة من المشاعر سيصاب بخيبة أمل واكتئاب.. لكن من الطبيعي جدا أن يحدث هذا لأنه في السنوات الأخيرة كان مغيبا تماما عما يحدث في الشارع المصري وكان المحيطون به لا يعطونه أي معلومات صحيحة عما يحدث وكانوا لا يذكرون أي شيء يعكر صفو مزاجه بالتالي عندما حدثت الثورة أصيب بنوع من الذهول ولا ننسي أنه الرئيس الوحيد الذي بقي بعد الثورة وقبل المحاكمة علي عكس رؤساء آخرين قامت ضدهم ثورات ولكن عند نزوله إلي سجن طره أصيب بواقع مرير لأنه كان يعلم هذا السيناريو وأكيد ندم علي أنه لم يسمع كلام المحيطين به بضرورة مغادرة البلاد. ** ما هو تصورك لسيناريو المستقبل من الناحية النفسية والاجتماعية والسياسية للشعب المصري؟ * المصري بطبيعته لا يستطيع الصبر, والقيادات مثل الشعب وكان يجب علي الثوار أن يعرفوا أن الثورة ستؤتي ثمارها بعد سنوات ولكنهم تصورا خلال سنة ونصف السنة سوف تحدث المعجزات, وعندما واجهوا الواقع الأن, الكثير بدأ يعلم أن الاعتصامات والطلبات ورفضهم صندوق الانتخابات والتطاول علي كل مسئول الدولة من المجلس العسكري إلي الحكومة إلي البرلمان أن هذا عمل هدام وليس بناء, فمصر لا تعاني من الانفلات الأمني ولكن تعاني من الانفلات الأخلاقي والإعلامي ولكن بالرغم من ذلك أنا متفائل لأننا وضعنا البذرة في الأرض وكسرنا حاجز الخوف, وكسر حاجز الخوف مع احترام القانون وحب الوطن سوف يساعد علي البناء وفي تاريخ الثورات يحدث هذا ويجب علي الكل احترام الديمقراطية وعلي الطرف الخاسر أن يجلس في مقاعد المعارضة ويعمل بعد ذلك علي أن يكون هو الحاكم وهذه هي الديمقراطية والحضارة في كل العالم. ** تتخوف بعض دول الجوار من المصريين بعد ثورة25 يناير فهل هذا التخوف رؤية حكام أم شعوب؟ * تخوف الدول المجاورة تخوف حكام لأن مصر مهما تكن في أزمة اقتصادية أو فقر أو بطالة فهي القائد والضوء المنير لكل البلاد العربية وخير مثال علي ذلك عندما كان عبد الناصر يحكم مصر كان كل الحكام العرب ضده وكانوا جاثمين علي صدور شعوبهم لكن ليس هناك بلد عربي بعد وفاة عبد الناصر لم تطلق اسمه علي ميادين وشوارع بها وأعتقد أن أقل دولة أطلقت اسم عبد الناصر علي شوارع وميادين بها هي مصر ومن المعروف أن مصر إذا نهضت فسوف تنهض كل البلاد العربية ولا ننسي أن الجينات العربية متكونة من الثقافة المصرية بالتالي الشعوب كلها تنظر لمصر أنها القائد والمعلم. ** ما رؤيتك للحالة النفسية لمرشحي الرئاسة أحمد شفيق ومحمد مرسي؟ * أتعاطف مع حالتهما النفسية وأعتب عليهما الهجوم الجارح من كليهما علي شخصية الآخر وليس علي برنامجه الانتخابي وأعذرهما لأن كلا منهما ينتمي لتيار مخالف للآخر, تيار يبغي الدولة الدينية وتيار يبغي الدولة المدنية تيار يريد أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي لكل سلوكنا, وتيار آخر سيوفر الاستقرار والأمن ومن السهولة تغييره, وتيار يريد إلزام المصريين برأي واحد غير قابل للمناقشة لأنه من عند الله. أعذر المرشحين لأنهما في حالة نفسية صعبة وكل منهما يصيبه من الإهانات والتطاول من الآخر مالا يصح ولكن دعنا نقول: إنها تجربة أولي والمصريون لا يعرفون من هو الرئيس القادم من أيام مينا وخوفو وهذه هي المرة الأولي التي لا يعرف فيها المواطن المصري من هو رئيسه وهذا هو الجمال والقوة والجديد والتغيير. ** ما تفسيرك لتنامي معدلات الجريمة مع ازدياد موجة التدين في المجتمع المصري سواء بالنسبة للمسلمين أو المسيحيين؟ *لجريمة لها علاقة بثلاثة أشياء الفقر والبطالة وغياب الأمن والاستقرار وكلما كانت سلطة القانون في حالة رخوة تزداد الجريمة. ** ما تصوركم لتطوير المنظومة الصحية للعلاج النفسي في مصر؟ * يبدو ان صانعي القرار السياسي لا ينتبهون إلي شيء معين وهو أن99.5% من المرضي النفسيين يعالجون بالعيادات الخارجية وفي منازلهم والذي بحاجة إلي المستشفيات هو0,5% ونحن لا نتكلم إلا عن أسرة مستشفيات الأمراض العقلية وفي معظم بلاد العالم هناك نقص في الأسرة ولكن الاهتمام الأول هو العلاج المجتمعي. مستشفي الأمراض النفسية من عشر سنوات كان به أربعة آلاف مريض والآن ليس به سوي ألف مريض لان العلاج الجديد يشجع وينشط وجود المريض في المجتمع وللأسف من دخلوا مستشفي الأمراض النفسية من عشرين أو ثلاثين عاما وكانوا يشكلون40% من نزلاء مستشفيات العباسية والخانكة دخلوا هذه المستشفيات لأنه لم يكن هناك علاج للمرضي النفسيين وبدأ العلاج الدوائي والكيميائي للمرض النفسي في العالم عام1952 وما قبل ذلك كان يفضل بقاؤهم في المستشفيات حتي الوفاة أي عزلهم عن المجتمع ولكن النظرية الجديدة في العلاج هي استيعابهم في المجتمع مع العمل والزواج والحياة العادية كمريض القلب والسكر لأن المريض النفسي يمكن أن يعيش في المجتمع لذلك نحن لسنا في حاجة إلي أماكن كثيرة ولكننا محتاجون إلي علاج خارج المستشفيات والاهتمام يكون بالعلاج وليس بالأماكن. ** هل فقد المجتمع المصري ثقافة التوافق؟ *عدم التوافق يدل علي عدم النضوج السياسي لأن المصري يؤله الحاكم منذ آلاف السنين واعتاد الا يكون له رأي ولا يعتد برأيه وأنه خائف عنده نوع من السلبية لا يقاوم القمع والاستبداد إلا بالنكتة والسخرية ويمكن أن تلاحظ الآن كم النكت الموجودة التي تعبر عن الوضع الحالي لمصر بالتالي التوافق هو وعي سياسي ومرونة من أجل المصلحة العليا للوطن. وخير دليل علي ذلك أن أوباما عندما جاء للحكم وهو من الحزب الديمقراطي أبقي علي وزير الدفاع الجمهوري طالما ان هذا في صالح أمريكا ويخدم مصالحها العليا ولكن هنا في مصر الثوار عندهم رأي استبدادي أيضا وكذلك الليبرالي وكل تيار يريد أن يملي رأيه دون توافق وعادة ما تأتي الثورات بأسوأ برلمان وأسوأ رئيس. ** هل يتحول المجني عليه إلي جان أو جلاد في لحظة ما؟ * قال ابن خلدون من600 عام, عادة ما يسلك المقهور سلوك القاهر ونحن في الطب النفسي نسميها التوحد مع المعتدي وعلي سبيل المثال إسرائيل توحدت مع أمريكا فأمريكا قضت علي الهنود الحمر وإسرائيل توحدت مع النازي وعاملت الفلسطينيين مثل ما كان يعاملهم النازي ومن ثم يقال حوالي27% ممن يتعرضون لأي نوع من أنواع الاعتداء يتوحدون مع المعتدين ويطلق عليها( متلازمة ستوكهولم) فإذا كان كما يقال أن60% أو70% من أعضاء البرلمان المصري الحالي تم اعتقالهم وليس كلهم بالطبع تعرضوا للتعذيب ولكن من عذبوا توحدوا مع من عذبهم وأقول إن سلوك التيار الإسلامي في الفترة الأخيرة هو ممارسة الديكتاتورية لدرجة انه توحد مع الحزب الوطني في سياسة التكويش من البرلمان حتي الرئاسة وفي التيار بعض العقلاء ممن رفض ترشيح الجماعة أحدا منها لرئاسة الدولة ولكن أصر ال27% الذين يعانون من متلازمة ستوكهولم علي الترشح ونفذ رأيهم وكان لذلك أثره علي نسبة التصويت لصالح التيار الإسلامي في الانتخابات الرئاسية حيث تناقصت نسبة المصوتين لهم44% عن الانتخابات البرلمانية. ** من وجهة نظرك الشعب المصري الآن أقرب نفسيا إلي مرسي أم شفيق؟ *من الصعوبة التنبؤ بالمصري لأنه قابل للإيحاء لا يثابر لمدد طويلة ومن الصعوبة أن تتنبأ بأي شيء لكن معظم الشعب يقول أننا محتاجون للبناء والاستقرار والأمن والحزم في الالتزام بالقانون. ** بماذا تفسر مناداة البعض بسلوكيات وأخلاقيات معينة وهم في نفس الوقت يمارسون أفعالا تتنافي تماما مع ما ينادون به؟ * هناك بعض الشخصيات في كل مجموعة أو مجال تتخذ هذا السلوك المتنافي مع ما تنادي به وهذه الأخلاقيات في تيار أو فئة معينة يجب أن تختفي لأنها تسئ اليه فالمسلم يخطئ والإسلام لا يخطئ, فلابد ألا نتخذ الإسلام مطية للوصول إلي غايات سياسية ومن أخطر ما يمكن وجود دولة دينية في مصر. ** روشتة للمواطن المصري تساعده علي الاختيار بين المرشحين؟ *أقول له يجب ان تختار من يستطيع ان يحقق لك الاستقرار والأمن واحترام المواطنة ومن يكون قابلا للنقد وغير تابع في رؤيته إلا لمصر وليس حزبا أو جماعة, عليك اختيار من تعتقد بضميرك انه الأصح بغض النظر إطلاقا عمن يناصره. ** رسالة إلي رئيس مصر القادم؟ * الله يكون في عونه.. ولكن أرجو أن يعمل علي توافق كل التيارات.