عندما اندلعت ثورة الشباب في ميدان التحرير, وعقب انهيار النظام, وتنحي الرئيس السابق, وحل مجلسي الشعب والشوري, وتفكيك مباحث أمن الدولة يبدو أن كل ذلك كان البلسم للمرضي النفسيين الذين يعانون من الاكتئاب, والاحباط, والفصام, والاضطرابات الوجدانية, ودليل ذلك ان المرضي المترددين علي العيادات الخارجية المتخصصة, بمستشفي العباسية للأمراض النفسية تقلصت أعدادهم إلي النصف!. الدكتورة منال العطار مدير مستشفي العباسية للأمراض النفسية أكدت ذلك اثناء مشاركتها بالمؤتمر الطبي الذي عقد تحت عنوان( نحو أعصاب سليمة). هذا الأسبوع واستطردت تقول إن هناك أسباب كثيرة ندرسها الآن في المستشفي لمعرفة سبب هذا التقلص اللافت للنظر. هل هي حالة من الأمل والتفاؤل ساعدت النفس المتعبة والغاضبة علي الهدوء أم أن الأحداث حجبت المرضي ومنعتهم من الخروج لأن ميدان التحرير هو قلب العاصمة ولم يكن من السهل عبوره. وتضيف الدكتورة منال أن متوسط عدد الحالات التي كانت تتردد يوميا علي العيادات الخارجية حوالي ثلاثمائة مريض بالفصام والإضطراب الوجداني والإحباط, وذلك قبل أحداث ثورة25 يناير, وبعد الاحداث تقلصت الأعداد إلي النصف, وأغلبهم من الحالات الصعبة والعنيفة, وتقول إن الأمر المؤكد أن الاضطراب الوجداني هو أحد العوامل المؤثرة في المرض وتساهم في حدوثه عوامل اجتماعية وعاطفية تؤثر علي المرض سواء في شدته ودرجة تأثيره, ومدة الأزمة التي يتعرض لها المريض أو المريضة وأغلب الحالات من المرضي( الغلابة) الذين لا يملكون العلاج علي نفقتهم الخاصة لاسيما أن نسبة الإصابة بالأمراض النفسية في السيدات أعلي عادة من الرجال. مستشفي الأمراض النفسية بالعباسية تضم1740 مريضا ومريضه, وكان عدد الأسرة4000 سرير نصفها للسيدات, ولكن تعليمات الجودة والتميز قلصت أعداد المرضي من4000 إلي1740, وهو إتجاه عالمي في الأمراض النفسية.. كما تطورت الخدمة ليتم العلاج بالمنزل لبعض الحالات. ومستشفي الأمراض النفسية بالعباسية من أوائل الذين رفعوا راية العصيان في وجه حكومة الدكتور أحمد نظيف ووزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي, عندما إستشعر العاملون في المستشفي أن هناك نية مبيتة لتسريح المرضي, وبيع الأرض لمستثمرين عرب وأجانب, حيث إن الموقع يحتل ناصيتي إمتداد شارع رمسيس وطريق صلاح سالم, وقد خرج العاملون من أطباء وصيادلة وممرضات وفنيين وموظفين وتظاهروا في طريق صلاح سالم معترضين علي مؤامرات حكومة نظيف, واحتجوا وهددوا بالاعتصام حتي يتم وقف بيع الأرض وتصدر مظاهرات الاحتجاج والرفض كبار أطباء الطب النفسي وكان يتقدمهم الدكتور أحمد عكاشة أحد رواد الطب النفسي ورئيس الجمعية العالمية للطب النفسي السابق, وكانت هذه الوقفة من أجل المرضي البسطاء الذين يعانون من مرض النفس والفقر. ولايملكون امكانيات العلاج علي نفقتهم الخاصة في المستشفيات الاستثمارية ملتهبة الاسعار, وعدلت الحكومة من البيع تحت الضغط ونفت نيتها في البيع علي أمل أن تنقض مرة أخري في ظروف. ومن ناحية, وفي نفس السياق إستعرض الدكتور أسامة شوقي أستاذ أمراض النساء والتوليد بطب القاهرة, في محاضرته التذكارية, في مؤتمر نحو أعصاب سليمه برئاسة د. أسامة الغنام أستاذ جراحة المخ والاعصاب بطب الأزهر والدكتور مجدي دهب أستاذ الأمراض العصبية بطب الأزهر, استعرض في سرد تاريخي موثق بالصور والفيديو وكاميرات التصوير علي الداتاشو حركة الشباب المصري في ثورته علي الظلم والفساد, في ميدان التحرير, وكلها مشاهد تعكس الجدية والإصرار والعزيمة والحماس والشجاعة علي تحطيم القيود مهما كانت الاسباب والتهديدات, والتخويف والرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيله للدموع وارتفع هدير أصوات شباب الثورة في قاعة المؤتمر بمصر الجديدة, وقال د. أسامة شوقي بعد أن أوقف العرض... خسارة كبيرة لأي مصري لم يعش هذه اللحظات التاريخية الفارقة في ميدان التحرير إنها لحظة غيرت تاريخ مصر والمنطقة العربية. والمؤكد أيضا أنها لعبت دورا فارقا في تراجع الاضطرابات الوجدانية لدي المواطنين.