عارض صدام حسين بشده ثم تظاهر ضد الاحتلال الأمريكي لأسابيع, يمقت الخيانة, ويتعفف أمام السلطة.. وهو روائي وشاعر وصحفي عراقي ويدير مؤسسة ثقافية في هولندا وفي بعض البلدان العربية ومنها مصر; صقلته الأسفار وصهرته وحشة الاغتراب, عاش في غربته في جلباب وطنه, لم يخلعه لحظة. يقول إن القاهرة هي المكان الوحيد الذي لا يشعر فيه بالغربة ويؤكد أن العرب يمرون بأقسي حالة ضعف وأن الأمل معقود في جبين الشباب الواعي, ويري أن غياب المثقفين المتعففين خطر علي الأوطان وأن دورهم يوازي رصاص البندقية ويري أن المثقف والأديب غير المتعفف سبب أصيل في أزمتنا, يحث الشباب علي الصمود في وجه الجهل والفقر والمرض, ويوقن أن المؤامرة الداخلية أنكي من الخارجية...الروائي والشاعر محمود جاسم النجار...التقته الأهرام المسائي أثناء زيارته القاهرة..وكان هذا الحوار.... في ديوانك معطف الصمت وروايتك لظي الذاكرة, يسود الشوق والشجن كل جنباتهما, أشوق للوطن وشجن وندم علي الاغتراب, أم بوح أليم لما وصل إليه حال أهلنا في العراق؟ ديوان معطف الصمت يسرد توارد أيام واغتراب بعيدا عن بلد مثل العراق بكل التاريخ وما يحمله لدي من ذكري وحياة وسعادة وسط أهل وأصدقاء وأحبة ومستقبل كنا نروم أن نعيش بظلاله ونحيا وتكون لنا اصدقاء وعائلة وأولاد كبقية البشر يترعرعون بداخل وطنهم وكنف عائلتهم الكبيرة..لهذا كان في الديوان كثير من الشجن لما مررت به من ظروف وحالة صحية مؤلمة بسبب اعتلال القلب. أما في رواية لظي الذاكرة فإنها تحكي عن حالة متكاملة عن الوطن.. وعن كل الأوضاع التي مرت علي بلدي العراق, منذ القرن الماضي وصولا لمرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق وما بعدها..والروية عبارة عن ثلاثية تتحدث عن3 شخوص وحالات ومشكلات فترات مختلفة. توالت رسائلك في ديوان أيا ظل روحي والذي صدر في عام2014, عن بغداد والأم, ماذا ولمن توجه هذه الرسائل؟ نعم, رسائلي وفي كل رواياتي وداوويني, تتحدث عن بغداد, فهي بوصلتي وقبلتي الأولي والأخيرة..هذه الأرض وهي الحبيبة والامتداد الشخصي لحياتي بأكملها...وأيضا علاقتي بوالدتي أطال الله عمرها, فهي علاقة حبيب بحبيبته وعلاقة وطن جميل لطالما احببته وحلمت بالحياة بربوعه وظلاله.. وديوان أيا ظل روحي, إنما هو رسالة محبة وخير ووفاء لأهلي وأحبتي في العراق..وكذلك رسالة محبة لكل أبناء أوطاننا العربية. يثيرني قربك الشديد رغم بعد المكان من أحوال المجتمع العراقي, فلماذا يبدو التفرق كبيرا في الحالة الثقافية العراقية شأن كثير من بلداننا العربية؟ الحقيقة أن هناك تاريخا طويلا من فقدان وفاصلا كبيرا بين السلطة والمواطن, وبين السلطة والمثقف, ودائما ما يكون هناك منتفعون من أصحاب الأقلام المشتراة من قبل السلطة,.. وهناك أناس لا يعرفون ماذا يفعلون, إن تكلموا تلقفوا مئات التهم الجاهزة, وهذا ما أربك الوضع أكثر وأربك المثقف العراقي, سواء أكان في داخل الوطن أو في خارجه..أما عن تجربتي الشخصية وعن مواقفي, بالفعل لقد كنت معارضا لصدام حسين وكل نظامه الدكتاتوري وجبروته, لكني لم أقبل إهانة بلدي ولم ارتض بأي حل يأتي عن طريق الأجنبي,والذي تخض فيما بعد بصورة الاحتلال الأمريكي البغيض للعراق.. فقد تظاهرات ومع فئة قليلة جدا تكاد لا تعد علي عدد الأصابع أمام سفارة الاحتلال الولاياتالامريكية في هولندا ولأسابيع عدة. علي ذكر المجتمعات والشعوب, لديك مشهدان في غاية الصعوبة, المشهد العراقي المستمر في النزيف حتي الآن والمشهد العربي بعد ما يسمي بالربيع العربي؟ كيف تقرأ المشهدين؟ المشهد العراقي كما هو معلوم للجميع هو مشهد نازف..شاب له الرضيع في مهده..منذ سنين والعراق يتمزق ويتنقل من حرب ضروس إلي أخري.. فمنذ حرب إيران إلي الحرب الأخيرة التي سقط فيها نظام صدام.. وبعد ما أتت به الآلة الحربية الأمريكية من بشاعة مخططاتها وما تبعها من تنظيم القاعدة وصولا إلي غبار داعش وحقارته.. لهذا أعتقد أن العراق يمر بأقسي مرحلة في حياة البشرية جمعاء, ولقد أسميتها ومنذ فترة ليست بالقصيرة بالفترة المظلمة والقاتمة.. أما المشهد العربي فقد تمزقت أوطاننا العربية, بضياع العراق وسوريا ومع استمرار حياكة المؤامرات ضد مصر الحبيبة رغم المقاومة التي يبديها الشعب المصري المناضل.. الحقيقة المشهدان مأسويان لكننا كشعوب لها تاريخ وحضارة عميقة فلا بد أن ينجلي هذا الظلام القاتم ولابد أن يسود حق الشعوب وتسترد حياتها.. كيف تقرأ دور المثقفين والشعراء في المشهدين؟ اعتقد أن دور المثقف والشاعر العربي يوازي رصاصة البندقية, وإذا ما بالغنا أكثر, فهم مهتمون بتوعية الشباب وينبغي أن نهتم أكثر وأكثر بالحفاظ علي مكتسبات بلداننا وتاريخنا وكشف المتلاعبين بمصائر شبابنا والذين هم عماد هذه الأوطان.. ذكرت في حديث لك عن أنك كنت تمارس الكتابة والثقافة سرا.؟ هل الكتابة والثقافة رجس من عمل الشيطان؟ هي حالة تعفف ليس إلا, ومحاولة المحفاظة علي النفس والرسالة التي احملها قبالة طغيان ابشع ديكتاتورية, حيث كانت تتعامل بقسوة غير متناهية وعنجهية ليس لها نظير, أبان حقبة الثمانينيات والتسعينيات, وقد بدأ ظهور المثقفين المنتفعين والمتملقين ووعاظ السلاطين والواقفين علي أعتاب الحاكم, وقد باعو قلمهم وشرفهم ومهنتهم مقابل حفنة من المال والتعايش مع وجاهة السلطة وقباحة أوجه سلوكياتها, وفي الوقت ذاته يوجد الكثير من المثقفيين والفنانيين النزهين والمتعففين, اؤلئك الذين آثروا علي ترك ملذات الحياة والتمرغ في وحل السلطة وظلما. حرقت مخطوطتين لك, لماذا أقدمت علي ذلك, هل خوفا من انتشار مضمونهما أم كانت بهما رؤية سياسية خشيت منها علي نفسك؟ إجابة هذا السؤال تكملة للسؤال الذي سبقه, فقد كنت أخاف أن أنشر أي شيء لكي لا تقرأ أفكاري وأتهم, الحقيقة كنت أحسبها خوفا علي أهلي وليس علي نفسي, فقد وصل الحال وقتها إلي اتهام الأدباء وأصحاب الرأي بتحليل رموز نصوصهم, فرأيت أن الحماسة في غير وقتها حماقة.. ففعلت ما فعلت والآن تجري الاتهامات بل القتل علي مجرد الهوية... هل هذا يفسر لما ظل ذكر بعض المثقفين والشعراء في مراحل تاريخية سابقة في وجدان المواطن العربي؟ اعتقد أن الكتاب أو الكاتب يتعاظم شأنه بين الناس كلما اجتهد وقرأه أو قرأ له عدد أكبر من الناس فمثلا شهرة بدر شاكر السياب بعد50 عاما أكثر من شهرته في حياته, وهناك أسماء كثيرة موجودة في الوطن العربي,.. ولكننا ومع كل الأسف شعوب تحب الموتي ولا نكرم المبدع في حياته,..وأري أن المسئولية لا تزال مشتركة بين الأديب المتعفف والقارئ المهموم بقضايا وطنه وشعبه وثقافته. ولدت في مرحلة الستينيات وعايشت تجربة حرب العراقوإيران وقضيت فترة طويلة من حياتك في الغربة, كيف تقارن بين شعراء ومثقفي هذه الفترة وما تلاها وصولا لما نحن فيه؟ أظن أن لكل مرحلة تاريخها وظروفها, وأظن أن الستينينات والسبعينيات متشابهة في معظم البلدان العربية, حيث كانت الانتكاسات والانتصارات وكان الشعور العربي يتجه نحو القومية والصفاء الذهني, مع بداية الشعر الحديث وتوجه المثقفون للرواية حيث ظهرت أعمال قيمة... وعندما أتت حرب العراقوإيران بكل مآسيها والخراب الذي جلبته معها.. هاجر الكثير منهم رافضين ذلك الوضع وقساوة ذلك النظام, في الوقت الذي ظهر اصطفاف المنتفعين المتلونين مع النظام والسلطة, بينما أنزوي آخرون في بيوتهم تعففا, بعيدا عن تشوه الحياة بمجملها وقسوة وممارسات السلطة التعسفية..لهذا كانت فترة الثمانينات والتسعينيات, هي بالفعل سنوات الخراب الثقافي والإنساني.. وقد بانت ذروتها بوضوح في عام1992 ا واعتقد أن الأدب والثقافة تمر بمرحلة صراع حضاري ونضوج فكري يحاول التخلص من شرنقة الأفكار السوداوية وحالات التشرذم اللامعقول.. لهذا نبقي نطالب ولن أكف عن دعوة الشباب العربي, سواء أكان في العراق أو في مصر أو باقي الوطن العربي إلي التشجيع وبكل حماسة نحو القراءة وطلب العلم والخوض في حلاوة الأدب والشعر وكل ما هو جديد.