كم من الشهداء والضحايا قدمتهم مصر خلال عامين ونصف العام ثمنا للحرية التي ابتعدت عنها سنوات طويلة عاشها المصري في ذل وامتهان لكرامته وآدميته حتى إن الغالبية العظمي من هذا الشعب بات مع النظام الاستبدادي ما قبل ثورة 25 يناير يعيش علي حد الكفاف وأوشك علي المجاعة. إن كل الدماء الذكية الطاهرة التي أريقت في معركة الحرية مع إرهاصات الثورة الأولي وفي تداعيات الثورة الثانية ما بعد 30 - 6 مصريون من أبنائنا وأشقائنا أو أصدقائنا وكذلك أرواح المجندين التي أزهقت بلا ذنب جنته سوي انها مجندة دفاعا عن أرواحنا نحن المصريون وللأسف من قتلهم ومازال يقتلهم مصريون أيضا. هل يمكن لأحد عاقل يتصور شعبا ينفصل عنه فصيل سياسي لا يعرف غير الدم أسلوبا للحوار فيشيع في الأرض فسادا وإما أن تكون له الغلبة والسيادة أو الموت والإرهاب للجميع؟ وكما دفعت مصر من أبنائها دما ذكيا في أتون الصراع السياسي بمختلف مراحله تكبدت أيضا من دماء المصريين هؤلاء الذين كانوا يؤيدون التيار الديني وأيا كان حجم الضحايا في عملية فض اعتصامي رابعة والنهضة وأيا كان الضحايا الذين سقطوا من جراء الصراع مع رجالات الأمن والقوات المسلحة فيما يشبه حرب الشوارع أقول أيا كان هؤلاء الضحايا فهم مصريون في نهاية الأمر غرر بهم عن قناعة أو حتى عن زيف وكان من الممكن أن يكونوا فاعلين إيجابيين في مجتمعهم لا محرضين علي العنف سفاكين للدماء حتى إنهم سقطوا هم أنفسهم لقمة سائغة بين أنياب الارهاب الشرسة فدفعوا حياتهم ثمنا لمعتقدات امتلأت بها بلا وعي أو فهم. إن كل الضحايا والشهداء من هذا الطرف أو ذاك هم أبناء مصر فإلي متى يستمر نزيف الدم هذا بلا عقل يتدبر ويدرك أن الخاسر في النهاية هي نفسها الحزينة دائما علي أبنائها من الشهداء والضائعين. ربما كانت الفرصة مازالت سانحة لوقف هذا النزيف الدموي ليس بالسلاح والصراع الأمني فقط ولكن بالفكر فأساس الخلاف السياسي فكري في بادئ الأمر وسرعان ما تطور وأقحمت فيه الفكرة الدينية وشيئا فشيئا تحول الصراع من سياسي إلي صراع ديني وكسريان النار في الهشيم اندلعت حرائق الفتنة الطائفية في ربوع مصر ولن تجدي معها العمليات الأمنية وحدها فلابد من معالجة هذه الأفكار المغلوطة فكريا حتى لا نحتاج لعمليات الحفاظ علي الأمن العام ومواجهة التطرف وهذه القضية مسئولية المثقفين والمفكرين ورجال الأزهر ولتكن حملة قومية نطهر بها أنفسنا من كل رواسب الخلافات العرقية والفكرية ونستند في أفكارنا الدينية إلي وسطية الأزهر التي قادت التنوير الفكري والثقافي لمصر في المنطقة العربية والعالم بأسره فمصر علي مدار التاريخ لها مكانتها الريادية دينيا وحضاريا وعلينا نحن أبناء هذا الوطن أن نعيد الريادة الحضارية لبلادنا لا أن ندمرها بأيدينا. وأول ما نبدأ به مشروعنا الحضاري القومي لتطهير أنفسنا فكريا ودينيا هو الاهتمام بالنشء فالأطفال هم بذور المستقبل وعلينا أن نغرس في عقولهم فكرا سليما يخرجون به للحياة ويقودون مصر في المستقبل للتقدم لا للانكسار والتردي الذي نعيش فيه حاليا ولتكن البداية من المراحل التعليمية المختلفة وحتى الجامعة وهذه ليست مسئولية المؤسسة التعليمية فقط ولكن تشترك معها كل مؤسسات الدولة الاعلامية والشبابية والثقافية. الخ. يا سادة لابد أن نفيق لأنفسنا ونعمل علي التوافق فيما بيننا لا الانقسام حتى يتوقف نزيف دم أبنائنا كل يوم ونعمل لصالح بلدنا لا لصالح تيار أو جماعة فنحن كلنا مصريون ودماء أبنائنا المهدرة في النهاية مصرية.