مجزرة النصب التذكاري فجر السبت 27 يوليو 2013 ضدّ المتظاهرين المسالمين هي جريمة ضدّ الإنسانية. المجزرة أسقطت تمامًا مع ما سبقها من مجازر وأعمال قتل في الشوارع والميادين أيّ شرعية أخلاقية للسلطة الانقلابية، فالانقلاب لا شرعية قانونية أو سياسية له. كل من يُبرّر لسلطة الانقلاب إراقة الدماء البريئة فهو شريكها، وعليه أن يقلق على آدميته وإنسانيته. ومن يصمت عن إنصاف الدماء المراقة ظلمًا وعدوانًا فهو ساكت عن الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وهو يكتم شهادة حق، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه. لا بدّ أن نقول "لا" وبأعلى صوت لاستباحة دماء المصريين بهذا الشكل الهستيري الذي لم يحدث من قبل باستثناء يوم 28 يناير 2011. لا بدّ أن تُدرك السلطة الغاشمة أن الخلاف ومهما وصلت درجته مع الخصم السياسي لا يُبيح لها هذا القمع والقتل الأعمى. هذه أيام سوداء تعيشها مصر، لم تعش مثلها منذ سقوط مبارك، فلم يسبق سفك الدم بمثل هذه الغزارة وبهذا البرود من الأعصاب وبهذا التعمّد المخطّط المنظّم وبهذه العدائيّة والعنصريّة والتحريض واستدعاء أجواء الهولوكوست والتطهير العنصري. حتى كتابة هذه السطور بلغ عدد الشهداء نحو 126 مصريًّا في تلك المجزرة، والرقم مرشح للزيادة بالطبع ،علاوة على ألوف الجرحى، ومنذ الانقلاب، أي خلال 24 يومًا فقط من عمره استشهد نحو 340 مصريًا كانوا يتظاهرون بسلميّة ولهم مطالب خرجوا يُنادون بها وهم يتصوّرن أنهم محميّون من السلطة الحاكمة ومطمئنون إلى أن مناخ الحرية وحق التظاهر السلمي يُوفران لهم الأمن والأمان. لم يسقط هذا العدد من الشهداء في ظل حكم المجلس العسكري خلال نفس الفترة القصيرة، ولا طوال حكمه، وخلال العام الوحيد لمرسي في السلطة لم يسقط مثل هذا العدد أيضًا ولا أقل منه، فكم ستكون أعداد الضحايا عندما يمرّ شهران أو ثلاثة أو أكثر في ظل استخدام الحكم الحالي للقوة المميتة، وكم سيكون الخراب والدمار الذي سيعم مصر، وهل نجح الانقلاب في تحقيق هدفه بمنع الاقتتال الأهلي وحفظ الدولة من الانهيار وحل الأزمة السياسية وإزالة الانقسام والاستقطاب؟. الحقيقة أنه حصل العكس تمامًا فقد تفاقمت كل تلك الأزمات أكثر من قبل، واستقرّت مصر في نفق عميق مظلم لأن الانقلابيين لا يريدون حلولًا سياسية عادلة ومنصفة إنما يُؤمنون بالقوّة المفرطة في فرض شروطهم وأجندتهم وخريطتهم وإجبار الرافضين لها المطالبين بعودة الشرعية على التسليم بما يفرضونه عليهم أو أن يتمّ سحقهم. أين شيخ الأزهر من نهر الدماء المتدفق بلا توقف؟ بماذا ستجدي بياناته الباهتة، ومن سينصت له ممن منحهم غطاء دينيًا؟ وهل ما يجري هو أخف الضررين الذي انحاز له يوم الانقلاب؟! ألم يستمع لمستشاره الجليل الشيخ حسن الشافعي وهو يقول إن ما يحدث ظلم فادح لم يحصل حتى من المستعمرين، إذن، الحكم الوطني أقسى وأشدّ على مواطنيه من المحتل الأجنبي. ومن أسف شديد أن نضطرّ للقول إن إسرائيل لم ترتكب مجازر ضد مدنيين مصريين خلال حروبها مع مصر سقط في واحدة فقط منها كل هذا العدد من الضحايا رغم أنها عدو ورغم أنها طرف في الحروب. السلطة الحاكمة ليست أمينة على شعبها، لا تحمي حياة مواطنيها، لا تحفظ دماءهم، كما أنها ليست عادلة مع كل أبناء الشعب، تنحاز لفريق على حساب آخر، تدلل فريقًا وتعصف بالفريق الآخر. دعاة الليبرالية والمدنية ومنظمات حقوق الإنسان والحركات الثورية والشبابية وكل تلك الفرق التي كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما يُصاب أحد أفراد "البلاك بلوك" مثلًا بحجر، أين هم اليوم؟ لماذا تخرس ألسنتهم أمام المجزرة؟ هل هذا الدم المراق حلال ويجوز سفكه من وجهة نظرهم؟! 30 يونيه وما بعده يسقط الكثير من الأقنعة ويفضح الكثير من الشخصيات المخادعة الانتهازيّة المتاجرة بالشعارات المتلهفة على السلطة فقط. يزعم وزير الداخلية في مؤتمر صحفي هزلي أن الأهالي عند شارع النصر اشتبكوا مع المتظاهرين، ثم يكتشف بعد فضّ الاشتباكات بوجود بعض الضحايا، ليتك لم تتكلم لأنك فضحت تخاذلك، من هم هؤلاء الأهالي الذين يقتلون أكثر من 126 ويُصيبون أكثر من 4500! هل هناك أهالٍ يشتبكون بالبنادق مع متظاهرين مسالمين ويُصوّبون بدقة على الرؤوس والصدور؟! هل كنت تفضّ اشتباكات مسلحة أم خناقة بين جيران؟ وكيف لم تنتبه إلى أنه يتمّ إطلاق الرصاص الحي بكثافة إلى درجة سقوط الألوف بين قتلى ومصابين؟! استقالتك لا تكفي، بل محاسبتك، ومعك من شاركك في هذا العمل الآثم، ومن أعطاك الضوء الأخضر، ومن يُغطّي على مثل هذه الجريمة وما سبقها. الدكتور محمد سليم العوا يُؤكّد أن لديه معلومات مؤكّدة أن عناصر من الشرطة بلباس مدني هي من أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين، ومن داخل مباني جامعة الأزهر، وهذا كلام خطير يجب أن يشمله التحقيق. عادت مصر دولة بوليسيّة دمويّة أسوأ من دولة مبارك، لذلك يقول المستشار طارق البشري إن ما حصل أمس لم يحصل في تاريخ مصر الحديث. من يُبرّر سفك الدماء البريئة، ليس مستبعدًا أن يكون هو الضحية غدًا، لا بدّ من انتفاضة أخلاقيّة ضد القتلة المجرمين. من يقتل متظاهرًا سلميًّا فهو قاتل ولا يجب أن يتذرّع بأنه يقوم بدوره في حماية الوطن من الأعداء، الأعداء هم القتلة سفّاكو الدماء. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.