إنها المصادفة التي جمعتني بصاحبة الوجه الملائكي الصافي؛ الذي يشع ضياءً أخاذًا؛ يبهر القلب؛ بابتسامة تغلفها السكينة؛ ولأن برفقتها صديق؛ كانت فرصة طيبة ليبدأ التعارف؛ فهي نجلته عهد؛ صاحبة ال 15 ربيعاً؛ في الصف التاسع بالدبلومة الأمريكية؛ وحين جاء دوري ليكتمل التعارف؛ بادرتها بالسؤال التالي؛ ما هي أهم المواقع التي تهتمين بمتابعتها؛ فقد فرض فضولي الصحفي طرح هذا السؤال. وقبل أن تجيب؛ أكدت لها أنني متابع جيد لجيلها؛ وأعلم أنهم قلما يرغبون بمتابعة الأخبار عن طريق المطبوعات؛ لذلك فهم يفضلون المواقع الإلكترونية؛ وكانت إجابتها مفاجئة لى؛ حينما قالت أنها لا تهتم بمتابعة الأخبار على الاطلاق؛ حتى على المواقع! وعندما تأكد لي أن حدسي جانبه الصواب؛ فقلت لها؛ ألا تهتمين بمتابعة ما يدور حولك؛ قالت إذا احتجت لمعرفة شيىء؛ أبدأ بالبحث؛ وأهم خطواته اللجوء لوالدي لتقديم المساعدة! وحينما سألتها كيف تخططين لمستقبلك؛ أكدت أنها لم تتخذ قرارها حتى الآن؛ وإن كانت تميل للدراسات المالية، لم يكن الوقت يسمح باستمرار الحديث لمدة أطول؛ برغم شغفي بالغوص في داخل شخصيتها؛ لأعرف كيف يفكر هذا الجيل؟ وما هي اهتماماته؟ كيف يرى واقعه؟ متى يؤثر فيه؟ وكيف يتأثر به؟ واكتشفت أننا أمام جيل تنمو أنامله وتتفتح عيونه على واقع غريب! حينما يشاهد رياضة جوفاء بلا طعم ولا لون؛ مباريات كرة القدم؛ اللعبة الشعبية الأولى تقام بدون جمهور؛ إلا بعض المباريات القليلة التي تحتاج رعاية أمنية بالغة؛ وما عدا ذلك تجد لاعبين مفتقدين أهم عناصر لعبتهم (الجمهور)؛ حتى باقي الألعاب كالسلة والطائرة .. إلخ بلا جمهور؛ فبدأ الشباب يفقدون الإحساس بالرياضة؛ كما بدا الحل الوحيد لمتابعتها عبر شاشة التليفزيون؛ وشيئا فشيئا فتر الحماس وقلت الرغبة فى المتابعة؛ ومن ثم ذهب الاهتمام بممارستها! جيل شاهد ثورتين؛ الأولى ضد نظام عاش ثلاثين عامًا؛ وخرج عليه الناس، بعد أن وصل حد الفقر لنسب غير مسبوقة؛ وسكن الأحياء القبور بعد أن ضاقت بهم الأرض؛ وهم يشاهدون الأثرياء يتوحشون؛ وخربت الذمم وتعفنت؛ وسدت رائحتها الأنوف؛ وجثم الفساد على صدور الناس؛ وحول حياتهم إلى جحيم؛ فترسخ في عقله أن الماضي مزعج وبغيض؛ لا فائدة ترجى منه؛ لذلك قليل جدًا من يعرف منهم من هو محمد نجيب الذي سميت أكبر قاعدة عسكرية مصرية باسمه تخليدًا لذكراه؛ ثم ما لبث أن شاهد ثورة أخرى على نظام رأى نفسه أكبر من مصر؛ برغم أن نشأته تعود لعام 28 من القرن الماضي؛ إلا أنه قرر أن يجعل مصر صاحبة ال 7 آلاف عام جزءًا منه، وليس العكس؛ وهو ما رفضه المصريون؛ وقرروا خلعه؛ فتتضارب القيم وتختل الموازين؛ من نحن؛ وإلى أين نسير؟ وبعد أن تسلم المسيرة نظام وطني قرر أن يخوض معركة التحدي لعبور نفق أسود؛ فرضت ظروف كثيرة داخلية و خارجية علينا العيش فيه سنين طويلة؛ مما دعاه لإتخاذ قرارات صعبة ومصيرية؛ قبل أن نخرج من دائرة الحياة؛ بعد أن كنا صناع نهضتها؛ تأتي أيادي الحاقدين محاولة تعطيل المسيرة؛ فيشاهد هذا الجيل الاعتداءات الغاشمة على أبنائنا؛ ومع تحقيق النجاح فى مواجهتها؛ يأبى الخونة؛ أعداء الدولة قبول النجاحات التي تتحقق يومًا بعد يوم؛ فيبذلون كل جهدهم للنيل منها؛ مصدرين صورًا غير حقيقية ملوثة، منكرين بسبلهم الدنيئة ما يتحقق؛ وفي هذا المضمار ينفقون بسخاء منقطع النظير؛ آملين أن يجنوا ثمار ما يعملون! إن لعهد وجيلها حقًا علينا يجب القيام به فورًا؛ دون تهاون أو تخاذل؛ ليعلموا تاريخهم الصحيح؛ بنماذجه التي أثرت بعطائها الدؤوب في مجريات الحياة؛ وهذا مضمار وزارة التربية والتعليم؛ التي يقع على عاتقها عبء ثقيل ومهام جثيمة نحو توعية أولادنا بالكثير والكثير من مجريات الأمور؛ وبات عليها أن تجمع شمل هذا الجيل؛ وأن تعتني به؛ وأن تزرع بداخله؛ حب الانتماء والولاء لمصر؛ وأن تقدمها مرهون بوعيهم وبكدهم؛ ونهضتها مرتبطة بجهدهم. ولأنه حمل كبير؛ تحتاج فيه وزارة التربية والتعليم لمعاونة صادقة وملموسة من وزارة الشباب؛ التي تجتهد في لم شمل الرياضيين؛ وتغفل عن جمع هذا الحشد الضخم من أولادنا؛ ليقضوا وقت فراغهم بعيدًا عن الرياضة التي تئن من سوء معاملتها. كذلك تحتاج لجهود وزارة الثقافة التي تركت السينما لحفنة من المنتجين يقدمون المبتذل على حساب الراقي؛ فنصدر لهذا الجيل أسوأ النماذج؛ لتكون القدوة؛ وعندما يأتي دور التقييم للتقويم نتعلل بأسباب واهية لا علاقة لها بالواقع الذي نعيشه! قبل أن يفقد هذا الجيل هويته؛ لابد من توفير كل الأطر لضمه وحفزه وتوعيته؛ لبناء قاعدة قوية تقود مصر بعد عقدين من الزمان؛ فهل نفعل؟ ومتى نبدأ؟ [email protected]