هي فرحتك برؤية زميل قديم، هو جمودك أمام التليفزيون حينما يعثر الريموت بالصدفة على فيلم أبيض وأسود تحفظه غيبا، هي نفس مصمصة الشفاه حينما تمر أمام ملهى السندباد الذي ارتدته كثيرا في طفولتك .. هي نفس الأحاسيس حينما سجل هنري هدفا لأرسنال في يناير 2012. لم أشاهد مباراة أرسنال وليدز على الهواء لأنني وقتها كنت أحمل مولودتي "فيروز" التي حضرت إلى الدنيا قبل حوالي 10 أيام فقط، وهي تجربة شعرت معها أنني أصبحت أكثر نضجا، مترفعا عن اهتمامي الطاغي بفريقي المفضل. ولكنني ما إن شاهدت ملخص المباراة على الإنترنت حتى شعرت أن هدف هنري كان بمثابة آلة زمن حملتني في رحلة طولها عشر سنوات إلى الماضي، فسقط عني قناعا النضج والترفع عن الكرة، وعدت إلى نفس مشاعري حينما كنت مراهقا في ال19 من عمري موسم 2001-2002. في هذه السنة فاز أرسنال بثنائية كأس إنجلترا والدوري الإنجليزي، والثانية بفضل 32 هدفا سجلهم هنري الذي كان يلعب في الفريق منذ ثلاث سنوات بلا نجاحات، فكان العام الذي بدأت فيه الحكاية الحقيقية للغزال الفرنسي مع المدفعجية. كنت وقتها من القليلين الذين يهتمون بأرسنال في وقت كان فيه مانشستر يونايتد وريال مدريد يخلبان لب متابعي الكرة الأوروبية في مصر، ولكن شغفي منذ التسعينات بالكرة الفرنسية كان سببا في الميل تجاه أرسين فينجر ولاعبيه أمثال باتريك فييرا وإيمانويل بيتي وهنري. الفرحة لم تكن فقط لي ولمن يشجعون أرسنال، فصفحات Facebook تزينت بلقطات لتييري هنري من المباراة، أو روابط للهدف، أو تصريحاته بعده الفوز، إضافة إلى تغيير كثير من صور البروفايل التي فضل أصحابها وضع صور للملك بدلا من صورهم الشخصية. فرحة محبي أرسنال لا تحتاج إلى تفسير كبير. فهؤلاء لا يحتفلون بالفوز ولكن برؤية أحد أفضل لاعبيهم في التاريخ بقميص الفريق من جديد بعد الرحيل بسنوات، بل ويسجل هدف الفوز أيضا، حتى أن مشاهدي شبكة (إي. إس. بي. إن) اختاروه رجل المبارة وهو لا يزال على مقاعد البدلاء!
كان هذا الهدف منذ سنوات يزعجك إذا كنت مشجعا لمانشستر يونايتد أو ليفربول أو حتى تشيلسي، ولكنه الآن يذكرك بمبارزات خاضها هنري وفريقه مع رود فان نيستلروي وروي كين، أو مايكل أوين وروبي فاولر، أو آلان شيرر وجاري سبيد، أو حتى جيل ليدز يونايتد الذهبي المكون من ريو فرديناند وهاري كيويل ومارك فيدوكا وآلان سميث ولي بوير! أما مشاعر غير المشجعين لأرسنال فكات تشبه فرحتك برؤية زميل قديم، هي نفس جمودك أمام التليفزيون حينما يعثر الريموت بالصدفة على فيلم أبيض وأسود، هي نفس مصمصة الشفاه حينما تمر أمام ملهى السندباد الذي ارتدته في طفولتك، حتى إن لم يكن ذلك الزميل مقربا منك، أو أنك تحفظ الفيلم غيبا، أو إذا لم تكن تستمتع كثيرا في السندباد. إنها دهشة استحضار ذكريات كنت فيها أكثر شغفا باللعبة وحماسا لها، إنه هدف شاهدته عشرات المرات حينما كان هنري يغافل المدافعين بانطلاقة من الجانب الأيسر ويضع الكرة بباطن قدمه في الزاوية البعيدة تماما كما فعل ليلة التاسع من يناير. كان هذا الهدف منذ سنوات يزعجك إذا كنت مشجعا لمانشستر يونايتد أو ليفربول أو حتى تشيلسي، ولكنه الآن يذكرك بمبارزات خاضها هنري وفريقه مع رود فان نيستلروي وروي كين، أو مايكل أوين وروبي فاولر، أو آلان شيرر وجاري سبيد، أو حتى جيل ليدز يونايتد الذهبي المكون من ريو فرديناند وهاري كيويل ومارك فيدوكا وآلان سميث ولي بوير! حتى شباب المشجعين للمدفعجية الذين لم يشاهدوا هنري في الملعب من قبل، ملأوا مدرجات استاد الإمارات لاستعادة تلك اللحظات التي سبق لهم مشاهدتها في التليفزيون أو على Youtube أو سمعوا بها من أصدقائهم الأكبر سنا، حينما كان أرسنال يفوز باستمرار، وينافس باستمرار، وذلك بقيادة هنري ورفاقه. هذه الفرحة لمحبي أرسنال وأعدائه، مجاذيب هنري ومن لا يهتم به، هي في الأساس احتفال بحب الكرة وانشغالهم بها، وهي قيم قد تغيب في ظل هموم الحياة والتقدم في السن واختلاف الاهتمامات، وتحتاج إلى رمز خالد وأيقونة مثل هنري كي تستعيدها كلها .. وتستعيد معها أيام مراهقتك الكروية الجميلة. facebook.com/Ahmad.Sa3eed twitter.com/asaied