سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    "ارتفع 140جنيه".. سعر الذهب بختام تعاملات الأمس    "فيتش" تغير نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر الائتماني إلى إيجابية    إسكان البرلمان تعلن موعد تقديم طلبات التصالح في مخالفات البناء    شهيد وعدد من الإصابات جراء قصف شقة سكنية بحي الجنينة شرق رفح الفلسطينية    مفاجآت في تشكيل الأهلي المتوقع أمام الجونة    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    حار نهاراً معتدل ليلاً.. حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    آمال ماهر تغني بحضور 5000 مشاهد بأول حفلاتها بالسعودية    «من الأقل إلى الأكثر حظا».. توقعات الأبراج اليوم السبت 4 مايو 2024    فوبيا وأزمة نفسية.. هيثم نبيل يكشف سبب ابتعاده عن الغناء السنوات الماضية    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    محمد سلماوي يوقع كتابه «الأعمال السردية الكاملة» في جناح مصر بمعرض أبو ظبي    المتحدة تنعى الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    التموين تشن حملات لضبط الأسعار في القليوبية    لندن تتوقع بدء عمليات ترحيل اللاجئين إلى رواندا في يوليو المقبل    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    بركات: شخصية زد لم تظهر أمام المقاولون.. ومعجب بهذا اللاعب    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سيول وفيضانات تغمر ولاية أمريكية، ومسؤولون: الوضع "مهدد للحياة" (فيديو)    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    مراقبون: صحوات (اتحاد القبائل العربية) تشكيل مسلح يخرق الدستور    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    سيدات سلة الأهلي| فريدة وائل: حققنا كأس مصر عن جدارة    ملف يلا كورة.. اكتمال مجموعة مصر في باريس.. غيابات القطبين.. وتأزم موقف شيكابالا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    "والديه كلمة السر".. كشف لغز العثور على جثة شاب مدفونًا بجوار منزله بالبحيرة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    تصريح دخول وأبشر .. تحذير من السعودية قبل موسم الحج 2024 | تفاصيل    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية العمر كله
آخر كلماتها ل «الأهرام» قبل أيام من الرحيل:«بلدنا جميلة لازم نحافظ عليها.. والحياة حلوة ما تخليش حد يسرقها منك»
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 01 - 2015

فاتن حمامة هى أيامنا الحلوة، سيدة القصر، حكاية العمر كله، نهر الحب الذي عاش بيننا وسيبقى، سنوات البراءة، فى يوم سعيد، واحلام الشباب الصغير صاحبة القلب الجميل والرومانسية الدافئة.. سرنا معها الى ارض الأحلام .. هى التى قال لها طه حسين عميد الادب العربى عندما شاهد العرض الاول لفيلم دعاء الكروان: «لقد جسدت آمنة أفضل مما كتبت عنها».
فاتن.. رمز البراءة والجمال والعذوبة والإحساس والحب والحنان والقوة والصمود والدلال والكرامة والدقة والقلق.. صاحبة الذوق الرفيع والأدب الحقيقى والأصالة والكبرياء والشموخ والشجن.. صاحبة الصوت القوى الأنيق الراقى العذب.. فنانة القرن وسيدة الشاشة .. هى الباب المفتوح لكل ما له قيمة ولكل ما له عمق.. هى وجه القمر الفاتن المشرق السعيد دائما.. لم تكن أبدا تحكى عن أوجاعها وأحزانها.. كانت تقول دائما: «خلينا نفكر فى بكره وبلاش نفكر فى امبارح.. اللى فات فات».. كان لها كاريزما نادرة وجاذبية خاصة.
فاتن.. ضمير الفن، ولحن الخلود الدائم بيننا.. هى يومنا الحلو الذى رحل وتركنا.. هى الام الحائرة فى امبراطورية ميم، حائرة بين ابنائها الصغار واحتياجها للسند.. وهى التى جسدت تضحية الام بكل شئ بأروع أحساس.. هى التى علمتنا معنى الحب وكيف يكون، وكيف يحافظ الانسان على مبادئه مهما خسر ومهما فقد.. هى المؤمنة بفكرة الإحساس الاول وصدقه.
فاتن.. التى قدمت للسينما المصرية كل الأدوار وجسدت كل المعانى النبيلة والجميلة ..هى الطفلة الشقية والبنت اللطيفة والعاشقة الحزينة الفلاحة الذكية والصعيدية الأصيلة واليتيمة المقهورة والزوجة الحائرة والمطلقة المكسورة والأرملة الممزقة، هى الاستاذة والمعلمة، وهى دفتر أحوال الست المصرية، هى استاذة الدقة والرقة و الإحساس والموهبة.. هى عاشقة هذا الوطن.
أول لقاء بيننا فى عام 1996 منذ أكثر من 18 عاما، كنت فى بداية حياتى الصحفية اتصلت بها وعرفتها بنفسى وقلت لها اننى اجريت حوارا مع الاستاذ مصطفى أمين تم نشره على خمس حلقات فى مجلة نصف الدنيا..واننى أحلم بأجراء حوار مع فاتن حمامة.. قالت لى بصوتها الأثير: «شفت الحوار تعالى بكره الساعة 12».. ذهبت اليها فى منزلها فى عمارة ليبون بالزمالك ..وكان اللقاء الاول بيننا، وكانت هى كالعادة رقيقة وعذبة وأنيقة وجميلة.. وبدأنا الحوار.. كنت متلعثمة وقلقة وكانت هى تمتص قلقى رويدا رويدا.. كان علينا ان نكمل الحوار فى عدد من الجلسات ووافقت هى.. ولكن لظروف ما تعطل الحوار أسابيع بسبب أنشغالها.. وفى احد الايام اتصلت بها وقلت لها اننى فى الحقيقة أتمنى ان أكمل الحوار الجميل سريعال اننى أشعر بالتعب، لأننى على وشك الولادة.. وبمنتهى الاهتمام سألتنى عن صحتى.. وقالت: «أجلى الحوار لما بعد الولادة» ،فقلت لها اننى احلم ان يكمله معى جنينى وأن يبدأ حياته بعد أنه يكون قد التقى بسيدة الشاشة واستمع لها.. ضحكت، وبحنان الام حددت اليوم التالى فورا لاستكمال الحوار.
وبالفعل، تم نشر الحوار الاول بيننا على ثلاث حلقات.. وكانت سعيدة به.. وتوالت الحوارات الصحفية والإنسانية بيننا منذ ذلك اليوم.. وقدمت للصحافة المصرية عددا خاصا عن فاتن حمامة سنة 2003بأشراف أستاذة الصحافة المصرية القديرة سناء البيسى. وكان عددا غير مسبوق فى الصحافة المصرية، يقع فى حوالي مائتى صفحة، يضم حوار طويلا اخر معها.. فتحت فيه قلبها وعقلها أيضا على مصراعيهما.. قالت بتواضع اننى أخذت من السينما اكثر مما قدمت.. أرى أن تبحث أمريكا عن مكان اخر لتمثال الحرية.. لم أحقق كل احلامى.. بعد مرضى لم أعد اهتم بأشياء كثيرة.. اشعر بسوء حظ لعدم تقديمى رواية لنجيب محفوظ.. السينما القديمة وحشانى جدا.. انا مؤمنة بعمل المرأة لكن ليس على حساب اسرتها.. ولكن لابد ان يكون الزوج متعاونا ويتخلى عن فكرة سي السيد.. الزمن لن يعود مرة اخرى، لكن لو أفترضنا ذلك فإننى الان بعد مرور كل هذه السنوات وبعد أن فهمت أشياء كثيرة فهمًا عميقا أقول بداخلى: «خسارة يا ريتنى فهمت حقائق الأشياء قبل كده».. الانسان عليه الا يندم على ما حدث ولكن علينا التعلم من أخطائنا وان نصحح الأخطاء بقدر الإمكان،وان نعوض من أخطأنا فى حقه.
وباقتضاب كانت فاتن حمامة تذكر فترة الستينيات وقالت عنها: قهر الضغوط جعلنى أهرب من مصر فى تلك الفترة ولكن حينما وقعت هزيمة 1967كنت فى باريس ونظمت حملات لجمع المال والملابس لابناء الشهداء من مصر والعرب.
وفى ذلك العدد الخاص، قال أديب مصر الكبير نجيب محفوظ عنها: فاتن كانت رائعة فى «دعاء الكروان»، ونافست به على جائزة الأوسكار ووصلت للتصفية الاخيرة.. كنت أسعى دائما لمشاهدة أفلامها، فهى أفلام ممتازة وأدوارها ممتازة، وهى تستحق لقب سيدة الشاشة بجدارة. وقال عنها الأديب الكبير يوسف ادريس: انها عبقرية سينمائية.
وفى حوار مع الروائى الكبير خيرى شلبى قال: فاتن فوق الألقاب وهى تشبه يوسف ادريس فى القصة القصيرة وصلاح عبد الصبور فى الشعر وعبد الحليم حافظ فى الغناء.. هى علامة ونقلة كلاسيكية مهمة.. صوتها فيه أعجاز.. هى اللؤلؤة التى تبقى مضيئة فى ذاكرة ووجدان القوم الى ما لانهاية ..ان أفلام فاتن حمامة تشبه شجيرات زرعتها بيدها فى ارض الوجدان ..
وقال لى الناقد الكبير رفيق صبان: فاتن موهبة منحوتة على ملامح الوجه الجميل.. وهى من القلائل التى استطاعت ان تحول نفسها الى أسطورة ليس بالمعنى الكبير للكلمة وإنما بالمعنى الرمزى.. فاتن حمامة شديدة الذكاء ولا يماثل ذكاءها الا ذكاء محمد عبد الوهاب وأم كلثوم و عبد الحليم حافظ.. عادت الى السينما مرة اخرى بعد انقطاع كملكة متوجة فى الخيط الرفيع.
وضم العدد شهادة لمصطفى أمين صديق عمرها الذى كانت تعتز جدا به وبصداقته ونبل اخلاقه، كما ضم مذكراتها الوحيدة مع الإذاعى الكبير وجدى الحكيم وقالت فى هذه الحلقات: لم تكن بينى وبين شادية أى غيرة فنية بل بالعكس، وتقول ان فيلم لحن الخلود قدمنا عشر خطوات الى الامام وان فريد الاطرش غضب لان اجرى فى لحن الخلود كان اكبر من مديحة يسرى، كما أن الجمهور غضب جدا عندما ماتت البطلة فى فيلم أيامنا الحلوة..!!
وقالت ايضا: لى الفخر لأن فيلم «اريد حلا» قدم بقعة ضوء للسيدات المصريات و العربيات. وهو فيلم أرضى ضميرى الفنى ولا أنسى انى تركت ابنى طارق مريضا من اجل فيلم دعاء الكروان. وفى قصص حكاية وراء كل باب لم أقتنع بالديكور فقررت ان انقل اثاث منزلى الى الاستديو حتى تكون الصورة معبرة اكثر. وقال المخرج الكبير كمال الشيخ فيلم الليلة الاخيرة الذى عرض فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان عام 1964 كان مجرد عرضه فى المسابقة الرسمية اعترافا من اللجنة بجودة و أهمية الفيلم.
وقالت عنها الأديبة سكينة فؤاد التى كتبت لها ليلة القبض على فاطمة..أهديت لها الروايةوفى اليوم التالى اتصلت بى وقالت لى لم اعرف طعم النوم ولابد ان اقدمها، وفعلا قدمت فاتن مباراة فى الصدق الفنى المدهش ،وكانت فاتن تريد ان تقول ان المرأة يجب ان تعيش وتحب وتحيا فى ايه مرحلة من عمرها،وعلينا ان نترك الموروثات الخاطئة،كانت فى ادائها كالحروب الحادة تجرح وتدمر وتقول كلمات فاصلة على لسان فاطمة..
وفى هذ العدد ايضا قالت منى ذو الفقار المحامية القديرة فيلم اريد حلا ساعد على إقرار قانون حق الخلع سنة 2000،وفيلمها لا عزاء للسيدات انصف المرأة وطالب بأن يكون للمرأة فرصة اخرى للاختيار ولا يقف المجتمع ضدها هكذا بكل قسوة .وان هذا الفيلم طالب بتغيير التقاليد السائدة العقيمة. وفى هذ العدد ايضا قالت زينب صالح سليم صديقة عمرها لمدة تزيد عن الستين عاما.. عشرة فاتن حمامة تطول العمر.
واتذكر ان سيدة الشاشة فاتن حمامة سألتنى عن الكتاب الذى أعده وما اذا كان يضم اى معلومات عن عمر الشريف فقلت لها «نعم» .. وعندئذ طلبت منى حذف هذا الجزء، فلم اجد إمامى الا النزول على ما ترغب.
وعند صدور ذلك العدد من مجلة «نصف الدنيا»، سعدت به سعادة غامرة وقالت لى "لما اموت انشرى هذا العدد مرة اخرى فهذا العدد هو انا"وقالت لى احيى أمانتك الصحفية.. واتمنى بالفعل ان يعاد نشر هذا العدد التذكاري عن سيدة الشاشة الرائعة فاتن حمامة.
وأتذكر أننى وأستاذتى سناء البيسى رئيسة التحرير لأهم مجلة فى مصر صاحبة الانفرادات الصحفية بحق وعادل صبرى مدير التحرير الفنى سهرنا نعمل حتى الصباح.. وجاء خطاب من أدارة التوزيع تبلغ الأستاذة سناء البيسى بأن العدد نفد من السوق فى ساعات محدوة.
وتوالت اللقاءات الانسانية بيننا فى منزلها البعيد فى القطامية وكانت دائما تقول لى مصر بلد جميل لابد ان نحافظ عليه،وكانت متابعة دائمة لكل ما يحدث فى مصر وكانت تقول «خايفة على مصر» ..وكانت حريصة دائما على النزول الى صناديق الاقتراع لتدلي بصوتها لاقرار الدستور ولاختيار الرئيس عبد الفتاح السيسى، كما تعددت اللقاءات الصحفية وقالت فى أخر حوار لها لى ونشر فى الاهرام منذعدة أشهر: سعدت بعودة عيد الفن ..لانه كانت هناك فى الحقيقة محاولة للاعتداء على الفن والتعامل معه باعتباره مهنة سيئة السمعة.. ..ومحاولة لاختطاف هوية مصر..المصريين محتاجين بعض الفرح
وارى ان 30 يونيو انقذ مصر ومن بعده يوم 4 يوليو ، كادت الهوية و العادات المصرية ان تضيع ، واكثر ما يؤكد على ذلك ان المصريين كانوا يباركون لبعضهم البعض بالشوارع ، شعرت ان مصر التى كادت ان تخطف رجعت مرة اخرى لنا.
كما قالت: كنت خائفة فى فترة حكم الاخوان ، ولكن لا أستطيع ترك مصر أبدا. فى الحقيقة كنت قلقة من ان يستمر حكم الاخوان, كنت أرى المشهد أسود قاتما. انا دائما اشعر بالخطر بشكل اكبر من حجمه، لكن الحمد لله .
وأضافت: أخشى على مصر من الاٍرهاب. للأسف الجهلة الذين يسوقون أفكارا مثل انك ستدخل الجنة اذا قتلت فلانا او ان القتل حلال هم السبب الرئيسي فى هذه الحالة ..انا حزينة على هؤلاء الجنود الشباب الذين يموتون كل يوم. اعتقد ان هناك مخططا غربيا تجاه مصر بالطبع لأننا أفسدنا عليهم المشروع الذى كانوا يريدون تحقيقه وأنقذنا هويتنا من الضياع .
وباحساسها الصادق دوما، قالت: خايفة على سيناء جدا جدا. هذه أرضنا التى ارتوت بدماء الجنود المصريين. فى وقت ما أعتقدت انها اصبحت خالية من العنف والارهاب لكن للأسف رجع الارهاب لها مرة اخرى .
سألتها قائلة: فى فيلم امبراطورية ميم ، كان هناك مشهد بديع غير مألوف على المُشاهد للسينما المصرية وهو مشهد الدعاية و الصناديق الانتخابية ، فقالت جاءت هذه الفكرة من إحسان عبد القدوس فهو الذى كتب القصة من الألف للياء ، كان هذا الفيلم عبارة عن رواية قصيرة مكتوبة فى ثلاث صفحات لكن عندما بدأ كتابة السيناريو ..أكتشفنا أن هناك أشياء كثيرة ناقصة فذهبت لإحسان عبد القدوس لأرجوه أن يكتب لنا الحوار ، وخصوصا حوارات الاطفال التى كانت تحتاج لحرفية عالية ، وكان اصل الرواية ان البطل رجل وليس امراة ولكننا قمنا بتوظيفه لتقوم به امرأة.
قلت لها: هل كانت ستختلف نهاية الفيلم اذا تم عمله الان، هل كانت الام تملك القدرة اكثر على الحفاظ على أولادها وحبها معا أم ستضحى الام بحبها خوفا على أبنائها؟
ردت قائلة: مهما اختلف الزمن.. الأم هى الأم والاولاد هم الاولاد وحب امتلاكهم لأمهم سيمثل مشكلة، وخصوصا ان نصف عدد الاولاد كانوا صغيرى السن فكان من الصعب ان يحدث هذا التوازن ولذلك تركنا النهاية مفتوحة الى حد ما .لعل الزمن يتغير.
وتقول ان الفن كان يلعب الدور الثاني فى الاقتصاد المصرى بعد زراعة القطن ، كان زراعة القطن وتصديره فى المركز الاول ومن بعده الفن فالسينما المصرية فى ذلك الوقت كانت تنتج حوالى مائة فيلم فى العام الواحد وكان ذلك يدر على مصر الكثير من قبل البلاد العربية .
سألتها: كيف قامت فاتن حمامة بدور عزيزة، ذلك الدور البديع، السيدة الفلاحة التى تساعد اسرتها و زوجها المريض وتتعرض لمحنة رهيبة وتحاول ان تحل الامر باقل خسائر ؟
فقالت: حبيت شخصية البطله جدا، وبمجرد ان قرات الرواية وافقت عليها ثاني يوم ، فى الحقيقة يوسف ادريس كان فى غاية البراعة فى هذه الرواية
وايضا قمت بدور الصعيدية فى عمل للمبدع عبد الرحمن الابنودى ؟
هذا الفيلم ايضا كان رائعا ولا اعرف لماذا لا يعرض هذا الفيلم ، ولا اعرف طريق نيجاتيف هذا الفيلم ، أحببت هذا الفيلم كثيرا وخصوصا أغنية مشهد الموت، فالمرأة جاءت بمن يقتل ابنها من اجل الا تتعرض للعار ، وبعد موته راحت تلطم بعد ذلك .
سألتها هل ترى ان المرأة المصرية مازال امامها الكثير لكى تأخذ حقوقها ؟
قالت: بدأت المرأة المصرية تأخذ حقوقها بالفعل واثبتت جدارة هايلة فى الفترة الماضية ولابد ان تستمر بنفس الاداء ، فقد استوقفتنى مشاهد الرقص والغناء من قبل النساء اثناء التصويت الاخير على الدستور ، نحن شعب لا يستطيع أحد أن يحجمنا فنحن نحب الفن بطبعنا .
قلت: الافلام المأخوذة دائما من روايات ادبية يكون لها عمق اكثرمثل نهر الحب المستند لرواية تولستوى انا كارنيننا ولا وقت للحب عن رواية يوسف ادريس والباب المفتوح ل لطيفة الزيات ؟
قالت الراحلة فاتن: بالتأكيد ، فعندما يكتب الرواية أديب تختلف كثيرا عن اى شخص اخر ، فالاديب يبنى الشخصيات بناء محكما ويكتب تفاصيل بديعه وتشعرى ان الشخصية شخصية حقيقية من لحم ودم .
قالت: ايضا للأسف الحقد و الكره زاد فى مجتمعنا :"يا ساتر يارب، مفيش اتنين متفقين طول الوقت ، الناس بتتخانق وبتضرب بعض ، شئ مخيف جدا ، الناس مش طايقة بعض".
وقالت: افتقد للأسف وسط البلد الذى كان جميلا. الان اصبح منطقة عشوائية ! افتقد الروقان، والزحمة وهذا العدد الهائل من السيارات اصبح خانقا جدا ولا يطاق، وعندما ارى النيل او الاشجار التى حوله وانا فى وسط الزحام اشعر اننى لا استطيع التنفس، غير ذلك لا ارى سوى عدد مهول من السيارات وخاصة على الطريق الدائرى الملئ باللوريات الضخمة المفزعة .
سألتها: ما الذى يدخل البهجة على فاتن حمامة ؟ فقالت: الأطفال الصغار.
قلت: وكيف تستقبلين تحيات جمهورك الذى يحبك فى الشارع؟ ردت سريعا: باسعد بهم جدا .
وعن حصاد ثورتين فى ثلاث سنوات وما اذا كان المصريون لا يزالون مفتقدين للحرية، قالت: للأسف نحن فهمنا الحرية غلط ، فالحرية لها واجبتها ايضا فإذا اردت ان تعبر عن رأيك لابد ان تسمع الرأى الاخر، وقد فقدنا الصبر ، الناس بقت بتتخانق اكتر ما بتضحك .
وفى الوعكة الصحية الاخيرة التى ألمت بها، قالت ل «الاهرام»: لدينا رئيس يحاول النهوض بالبلاد ،أشعر بالصدق الشديد بكل مجهوداته،وخاصة مشروع قناة السويس.الذى يمثل املا ونورا جديدا للاجيال الجديدة ..بدأنا نرى الأمل..
ومنذ ايام قليلة، قبل الرحيل الأخير، أتصلت بها ليأتينى صوتها المشرق ذو النبرة المحبة العبقرية، وأتفقنا على اللقاء أول الأسبوع المقبل،حتى تنتهى موجة البرد الشديد ،وان نجرى حوارا للعام الجديد، وقالت لى انها قضت رأس السنة فى أسوان..«الله على أسوان.. جميلة ونظيفة .. من أبدع مايمكن.. بلدنا جميلة لازم نحافظ عليها». وسألتنى عن أحوالى وقالت لى «الحياة حلوة، متخليش حد يسرقها منك».
لم أكن أعرف أنها المرة الأخيرة التى سأستمع فيها الى صوتها، وأنه كان وداعا لا وعدا بلقاء لن يتم. فقد رحلت أيقونة الفن والحب والصدق.. لكنها ستبقى رمزا سيدوم ذكره الى مئات السنين، ستبقى دائما فاتن حمامة تتسيد قائمة فنانى العصر الذهبي للسينما المصرية ، فمهما طال الزمن ومهما كثرت الاعمال ستبقى فاتن حمامة صاحبة العزف الاوركسترالى المنفرد الذى لن يستطيع أن يعزف مثله أعتى الملحنين. فوداعا يا من كانت حكاية العمر كله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.