بعض الأمور تسير على عكس المبتغى، لاسيما أننا بدأنا مرحلة شديدة الخصوصية والتميز من العمل الجاد والشاق بغرض بناء مصر الحديثة، التى تمتلك مقومات التقدم، ولكنها تحتاج إلى مهارات الإدارة. تلك مهارات نفتقدها بوضوح فى كثير من الأحوال، حتى بات الناس يتساءلون، لماذا نبذل كل هذه الجهود المضنية الملموسة، وفى مقابلها ترى بعض المشاهد المؤلمة التى تعكر صفو الحياة بلا مبرر؟! أتحدث عن مئات الآلاف من المقاهى، التى تملأ ربوع مصر وتتضاعف أعدادها يوميا بشكل مزعج يثير حنق المواطنين الذين بح صوتهم من الشكوى لكل الجهات المسئولة، ولا حياة لمن تنادى، حتى تندروا على شعار الأذان فى مالطا، وقالوا إنه تغير وأصبح الأذان فى مصر. رغم معرفة كل الجهات الإدارية بمخالفة الغالبية العظمى من هذه المقاهى، فإنها تملك أذنا من طين وأخرى من عجين إلى أن تقع كارثة مثلما حدثت فى مقهى النزهة، وخلفت قتيلا مع بعض الجرحى، وقتها شُحذت الهمم وشُد الرحال بكل قوة نحو تصويب الأخطاء، ووجدنا الحملات الضخمة من الأحياء وشرطة المرافق والدفاع المدنى تصحبهم المعدات الثقيلة تلهث خلف المخالفين، وبصدق لم تستثن أحدا، ثم بعد فترة قصيرة عادت ريما لعادتها القديمة وازداد الوضع سوءاً. أحكى لكم عن مشهدين رواهما لى صديقان فى منطقة المعادى، الأول، يقطن فى ش 9 أحد شوارع المعادى الشهيرة، قام بتأجير مكان يمتلكه لأحد الأشخاص على أساس تشغيله كمحل ملابس، إلا أنه فوجئ بتشغيله كمقهى، وذلك قبل رمضان الماضى، وحينما اعترض قال له المؤجر إنه المسئول أمام الحى، وبعد فترة قصيرة علم بأنه بعد شكوى من الجيران، قامت حملة يتزعمها رئيس الحى بنفسه وقد قام وبيده بتكسير محتويات المحل، ولم يترك شيئا سليما، ثم شمع المكان وقرر غلقه، ولم يستطع فتحه حتى الآن! ورغم المبالغة فى الفعل إلا أنه أمر يراه الكثيرون محموداً. الثانى، يقطن فى بداية شارع الخمسين، حيث يقبع تحت العقار الذى يسكنه وآخرون تجاوره عدة مقاه، تقتطع أكثر من ثلثى الشارع، وتصدر للسكان كل أنواع الإزعاج، بخلاف ما يشاهدونه من أفعال مقززة فى المنطقة الخالية أمام المقاهى، فقلت له أعرف أن رئيس الحى نشط، ورويت له ما فعله فى ش 9، فقال: لقد تقدمنا بعشرات الشكاوى للحى والمحافظة ورئاسة مجلس الوزراء والرقابة الإدارية، ولجهازحماية المستهلك. فتعجبت، فأكد لى أن أصحاب هذه المقاهى «مسنودون» لا يستطيع أحد الاقتراب منهم! ولإزالة حالة التعجب، فى المشهد الأول كان الشاكون من ذوى النفوذ فتم الاهتمام بالشكل الذى ذكرته، أما فى الثانى فالمشكو فى حقهم هم أصحابه! لذا ظهرت لنا حالة اللامبالاة، ولو أخذنا هذا القياس وعممناه على أوضاع المقاهى فى عموم مصر، لفهمنا كيف تدار الأمور، متى تُشحذ الهمم ومتى تخفت؟! ولكن ينبغى إلقاء الضوء على بعض النقاط المهمة، أولها، أن إجراءات الأحياء ضد المقاهى غير المرخصة تقتصر قانوناً على الغلق فقط، وليست من بينها المتابعة أو إزالة الإشغالات! أما النقطة الأهم، والتى تثير كل علامات التعجب، فهى أن غرامة فتح المقاهى بعد غلقها بالشمع الأحمر 50 جنيهاً فقط! ومع تحقيقها أرباحا كبيرة تكون ال 50 جنيهاً ميزة يستغلها هؤلاء المسنودون إذا اقترب منهم أحد المسئولين بقرار الغلق، أما متابعة الغلق وإزالة الإشغالات فتكون من اختصاص شرطة المرافق. وحينما نعرف أن الشرط الأهم فى فتح مقهى هو أن تكون ثلث مساحة المقهى لمدخنى الشيشة، ولابد ألا تقل المسافة بين المقهى المراد فتحه وأقرب منطقة سكنية لا تقل عن 500 متر، مع وجود ستائر هوائية، وشفاطات على الأبواب والنوافذ! بحسب القانون رقم 4 لسنة 1994 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009. بما يعنى أن النسبة الأعظم من المقاهى الموجودة حاليا مخالفة، بل لا يمكن السماح بترخيصها نظرا لوجودها أسفل العقارات! ورغم ذلك تعمل جهاراً وبأريحية شديدة دون ضابط أو رابط، مع علمنا بأن نسبة ليست ضئيلة من العاملين بها لا هوية لهم بما ينذر بوجود كوارث محتملة الحدوث فى أى لحظة، لأنها باتت كالقنابل الموقوتة القابلة للاشتعال فى أى لحظة. فما العمل؟ بداية لابد من تعديل القوانين الخاصة بغلق المقاهى المخالفة، فلا يعقل أن تظل كما هى، مع تغليظ عقوبة الفتح بعد الغلق لتصل ل 100 ألف جنيه على الأقل مع الحبس، وأن يوضح القانون عقوبة المقصر فى التنفيذ والمتابعة، ولا نترك الأمر للفاسدين فى الأحياء الذين يفرضون الإتاوات على المخالفين، باسطين سطوتهم وتجبرهم ببجاحة غريبة باعتباره حقا مكتسبا لهم! ثانيا، إلى أن يتم تعديل القوانين، أتمنى أن تصدر تعليمات المحافظين بما يملكونه من سلطات رئيس الجمهورية داخل محافظاتهم إلى كل الجهات التنفيذية بمتابعة هذا الملف الخطير والعمل على تطهيره، والتعامل مع المتضررين بشفافية، فهم أصحاب حق منهم من تحولت حياته إلى جحيم لا يطاق، وعليهم أن يثبتوا أن أصحاب الحق أقوى من المسنودين وأن زمنهم ولى بلا رجعة! [email protected] لمزيد من مقالات عماد رحيم