عندما أطلق البنك المركزى منذ أسابيع المبادرة الخاصة بتمويل المشاريع الصغيرة والتى رصد لها 002 مليار جنيه علي مدار 4 أعوام كان يسعى بالدرجة الأولى إلي تحقيق مجموعة من الأهداف فى مقدمتها كسر حلقات البطالة التى تضيق يوما بعد يوم لتجهض احلام الأجيال الجديدة فى فرصة عمل شريف ومنتج. كما أن المبادرة تنطوى علي أهداف أخرى منها اعادة توجيه فوائض المدخرات الوطنية فى الجهاز المصرفى الي القطاعات الانتاجية بدلا من تبديدها فى قروض استهلاكية ضررها أكثر من نفعها وكذلك مساعدة البنوك علي الوصول الي التوظيف الأمثل لأموالها. وبناء علي ذلك منح البنك المركزى بقية البنوك مجموعة من التيسيرات لإنجاز هذا الهدف وفى مقدمة هذه التسهيلات خصم قيمة القروض الممنوحة لتمويل مشروعات صغيرة من وعاء نسبة الاحتياطى الالزامى الذى تحتفظ به البنوك من قواعد ايداعاتها لدى البنك المركزى والبالغ نسبته 41٪ من هذه الودائع دون أن تحصل علي عوائد على هذا المبلغ. بمعنى أن البنوك أصبحت بموجب هذه المبادرة تتقاضي عائدا علي أموالها الموجهة لاقراض المشروعات الصغيرة فى حدود 5 بالمئة سنويا بدلا من صفر قبل ذلك أى تكلفة تمويل هذه المشروعات تحمله البنك المركزى نيابة عن الدولة فى واقع الأمر وأن البنوك هى المستفيد الأول. ومع ذلك فإن التجربة العملية تشير الي شكوى الكثيرين من اصحاب المشروعات الصغيرة من تشدد البنوك وفرض شروط غير منطقية ولا تتلاءم مع طبيعة المشروعات الصغيرة عند تقدم اصحاب هذه المشروعات للحصول علي تمويل فى اطار المبادرة الاخيرة. تتمثل حصيلة شكاوى هؤلاء ممن خاضوا التجربة عمليا فى أن البنوك بداية لاتق-رض مشروعات جديدة بل تقصر عملياتها علي المشروعات القائمة بالفعل والمسجلة قانونا بحد أدنى ثلاث سنوات ماضية ومن ثم فإن صاحب أى فكرة لمشروع جديد لن يستطيع مبدئيا الاستفادة من المبادرة. كما أن البنوك تفاجئ اصحاب المشروعات بضرورة الحصول علي ضمانات مثل الزامها بالتنازل عن حصيلة العقود التى توقعها مع عملائها للبنوك المقرضة وبشرط موافقة عميل المشروعات الصغيرة علي هذا التنازل وأن يتم توريد قيمة هذه العقود سواء كانت لتوريد سلع أو خدمات للبنك المقرض مباشرة أى استخراج الشيكات باسم البنك المقرض مباشرة سدادا لقيمة القرض. - المبادرة في خطر هذه الشروط المتشددة تهدد إمكان نجاح المبادرة حيث بيشير مصرفيون وخبراء تحدثوا ل«الاقتصادى» الي أن البنوك لاتبدى الحماس الكافي لتمويل المشروعات الصغيرة نظرا لاسباب بعضها موضوعى مثل ارتفاع تكلفة التعامل مع هذه المشروعات بالنسبة للبنوك مقارنة بالشركات أو الجمعيات أو لاسباب أخرى منها تفضيل البنوك للتعامل مع الشركات الكبرى ذات الجدارة الائتمانية الاعلي أو توجيه الاموال للقروض الاستهلاكية ذات العائد المرتفع. بداية يشير الدكتور عبد المنعم التهامي استاذ التمويل والاستثمار بجامعة حلوان الى أن المبادرة في ذاتها ليست كافية لأحداث النمو وهناك عبء كبير في تنفيذها ، مشيرا الى ان هذا التنفيذ يستوجب وضع شروط واضحة من خلالها يتم التعامل مع الموضوع بشكل جدي ، لأن المستفيدين يجب ان يكونوا من فئة الشباب لتحقيق التنمية المطلوبة ، وقال إن القول بتعسف البنوك قد يكون نابعا من رغبة البعض في الحصول على قروض دون ضمانات كافية ، والتعامل مع الضمانات دائما يواجه بالرفض ، مطالبا الدولة بوضع سلسلة مشروعات صناعية على قائمة المشروعات التي تحصل على قروض وفقا للمبادرة ، وقال ان بعض البنوك بدأت بالفعل في الاقراض مثل بنك مصر الذي اعلن عن تقديم منتجات تمويلية متميزة تتوافق مع احتياجات المشروعات الصغيرة والتي يتراوح حجم ايراداتها السنوية من مليون جنيه وحتى 02 مليون جنيه ، وكذلك بنك التنمية الصناعية والبنك الأهلي المصري . وكان السيد القصير، رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى،قد اعلن أن القطاع المصرفى المصرى جاهز لتنفيذ تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسى، بتوجيه تمويلات بنحو 200 مليار جنيه خلال ال4 سنوات القادمة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مشيرا إلى أن كثيرًا من البنوك المصرية مؤهلة لتمويل هذا القطاع. وأشار «القصير» إلى أن بنك التنمية الصناعية أصبح مؤهلًا وبقوة لتمويل المشروعات الصغيرة حيث تم تهيئة البيئة الداخلية ووجود قطاع متخصص للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتم تدريب العاملين على أساليب تمويل هذا القطاع بأسلوب يختلف تمامًا عن أسلوب التعامل مع المشروعات الكبرى ولديه مجموعة من المنتجات التى تناسب كل المشروعات قائلًا «نسعى للتركيز على هذا القطاع لما لذلك من أثر كبير فى تحسين مستوى هذه المناطق ولما تتميز به المشروعات الصغيرة والمتوسطة من قدرة على تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة لقدرتها على الوصول إلى المناطق الأقل نموًا ودخلًا بما يسهم فى تحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية». - إطار مجتمعى يقول هاني توفيق خبير الاستثمار أن المبادرة تستحق الدعم والمساندة من البنوك ، وأضاف ان البنوك عادة تفضل التعامل مع عميل كبير افضل من 10 عملاء صغار لأن تكلفة الجهد الأدارى للعميل الواحد اقل من تكلفة الجهد الإدارى مع العملاء العشرة ، ولكن هذه المبادرة تأتي في إطار مجتمعى مهم جعل من مساندتها امر ضرورى لإعادة التنمية بشكل لائق بالاقتصاد المصري ، وأضاف أنه يتوقع حدوث بعض المشاكل مع المبادرة منذ طرحها نظرا لعدم وجود استراتجية واضحة لتوجيه القروض في وعاء استثماري محدد وبشروط واضحة ، فضلا عن أن البعض يسيء فهم مثل هذه المبادرات ويعتبرها منحة من الدولة وليست دينا عليه ولابد من عودة الأموال المقترضة للبنك ، وقال توفيق إن وجود إدارة خاصة بدراسة الجدوي للمشروعات المقدمة للبنوك مهم ، ووجود بعض العثرات امر طبيعي ولذا يجب على الدولة والبنوك ان تعلن عن الشروط بشكل واضح كما اعلنت عن المبادرة من قبل . - عقبات يؤكد محسن عادل عضو المجلس الاقتصادي الرئاسي ان المبادرة قائمة وفق شروط أعلن عنها البنك المركزى ، نافيا ان يكون هناك اى عقبات تستهدف المبادرة من قبل البنوك لأن الموضوع يتعلق بشروط الإقراض التى تضمن نجاح المشروع وقدرة المقترض على السداد ، وأضاف أن البنك يقدم ميزة بخفض تكلفة الاقتراض هذه الميزة التى تمثلت في دعم البنك المركزى الكامل للمبادرة تعتبر كافية للنهوض بالقطاع ، وأشار إلى أن التعامل مع المسألة بشكل يسيء لها ليس من المصلحة العامة في شيء، موضحا ان مساهمة البنك المركزى الجديدة من خلال إطلاق حزمة من القرارات تستهدف تهيئة المناخ المناسب لتعزيز فرص تمويل تلك الشركات والمنشآت وتذليل العقبات التى تواجهها، حيث تم توجيه البنوك نحو زيادة نسبة القروض الممنوحة لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة لتصل إلى نسبة لا تقل عن 20٪ من إجمالى محفظة قروض البنوك خلال السنوات الأربع القادمة حيث سيقوم القطاع المصرفى بضخ نحو 200 مليار جنيه مصرى فى صورة قروض جديدة يتم دراستها بعناية من خلال البنوك على أن يتم توفير المعلومات لأصحاب المشروعات وتيسير وصولهم للبنوك وتوفير التدريب اللازم لهم لرفع فرص النجاح والتأكد من جدوى المشروعات بالتنسيق مع العديد من الجهات المعنية خاصة وزراة التجارة والصناعة واتحاد الصناعات المصرية والمعهد المصرفى المصرى، على أن تقوم البنوك بإيلاء الأولوية فى التمويل للقطاعات الاقتصادية المهمة وبالأخص الشركات الصناعية وتلك المنتجة للمكونات الوسيطة وذات القيمة المضافة المرتفعة، بالاضافة إلى الأنشطة ذات الكثافة العمالية، مع إعطاء العناية للمشروعات صاحبة الأفكار المبتكرة والمشروعات التى تستهدف التصدير. ومن أجل تخفيف أعباء التمويل عن تلك المشروعات فقد تم اعتماد سعر عائد متناقص لا يتعدى 5٪ سنويا -مقابل السماح للبنوك بخصم قيمة التمويل المباشر المقدم للمشروعات الصغيرة من قيمة الاحتياطى الالزامى المودع طرف البنك المركزى- على أن يطبق هذا العائد على القروض الممنوحة إلى الشركات الصغيرة والصغيرة جدًا التى يتراوح حجم ايرادتها السنوية من مليون إلى 20 مليون جنيه وفقًا للتعريف الجديد الذى أصدره مجلس إدارة البنك المركزى المصرى بجلسته المنعقدة فى 3 ديسمبر 2015 والذى يتسق مع التعريف الصادر من قبل وزارة التجارة والصناعة بغرض توحيد هذا التعريف على مستوى الدولة. ومن جهة أخرى يعتزم البنك المركزى المضى قدمًا فى برنامج دعم الشركات الصغيرة من خلال طرح آلية لضمان مخاطر الائتمان بغرض تخفيض المخاطر التى تواجهها البنوك لدى تمويل هذه الشركات حيث بدأ البنك المركزى مشاوراته مع شركة ضمان مخاطر الائتمان لوضع برنامج لاعادة هيكلة الشركة بغرض تقديم الضمانات للبنوك بنسب تغطية تتناسب مع توجهات البنك المركزى من دعم المناطق النائية والقطاعات الاستراتيجية المهمة وتشجيع تمويل الشركات حديثة الانشاء. وقال عادل ان البنك المركزى وجه بضرورة إيلاء عناية خاصة للتدريب من خلال تدعيم دور المعهد المصرفى المصرى فى إعداد برامج متخصصة للقائمين على تلك الشركات والمنشآت لتأهيلهم لإدارة مشروعاتهم بكفاءة والتعامل مع البنوك إلى جانب تنظيم المزيد من البرامج المتخصصة للعاملين فى هذا القطاع بالبنوك، فضلاً عن تعظيم سبل التعاون مع اتحاد الصناعات ووزارة التجارة والصناعة والهيئة العربية للتصنيع والوزارات المعنية لتنمية هذا القطاع من الشركات والمنشآت. وأكد البنك المركزى أنه لن يألو جهدًا للعمل على نجاح هذا البرنامج الذى أصبح حتميا لما له من مردود ايجابى على المستوى الاقتصادى والاجتماعى . - مستندات مطلوبة ويؤكد عاطف الشريف رئيس البورصة السابق أن هناك قائمة مستندات مطلوبة من المقترض بصفة عامة وهى : - سجل تجارى عن الشركة (لايتجاوز تاريخ اصداره ثلاثة أشهر). - معلومات حديثة عن الشركة مثل العنوان، وارقام التليفون والفاكس، والاشخاص المسئولين وبطاقات اثبات الشخصية لمالكى الشركة. - السجل الضريبي أو البطاقة الضريبية أو التأمينات الاجتماعية - شهادة من مراقب الحسابات المعتمد بانتظام السداد للضرائب والتأمينات - قوائم مالية عن السنوات السابقة ، تم اعدادها ومراجعتها بواسطة مراقب حسابات معتمد من قبل البنك المركزى ومسجل لديه. - دراسة جدوى للمشروع المقترح، أو خطة التوسع. - خطة عمل (تغطى فترة لاتقل عن عام) للأعمال الجديدة - نموذج طلب قرض ، بتفاصيل صحيحة ودقيقة. - تفويض بالاستعلام للشركة المصرية للاستعلام الائتمانى والبنك المركزى المصرى. وعند تقييم المشروع ستقوم اى مؤسسة تمويل يطرح سؤال رئيسى وهو »هل هذه الشركة قابلة للاستمرار أم لا « وهو مايعنى ببساطة قدرة المشروع علي الاستمرارية ، أى قدرة شركتك علي الاستمرارفى الوجود والعمل والنمو فى مواجهة أي مخاطر تتعلق ببيئة عمل مشروعك ، لذا فإن مختلف مؤسسات التمويل ستضع بعين الاعتبار قدرة المشروع علي الاستمرارية . كما ستدرس عناصر أخرى مثل : إمكان استمرار الشركة فى بيع منتجاتها أو خدمتها مستقبلا مما يعنى أنها ستقوم بدراسة السوق لمعرفة ما اذا كان هناك طلب كاف علي منتجك فى الاسواق التى تعمل بها ، سواء كانت محلية أو دولية، كما أنها ستقوم بدراسة الهيكل الادارى، وتقييم المهارات الإدارية لشركتك . واضاف الشريف أن القروض هى المصدر الاساسى لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى جميع انحاء العالم ومصدر هذه القروض عادة البنوك التجارية ، ولذلك فان لها دورا مهما جدا فى مجال تمويل هذا النوع من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويتمثل هدف هذه البنوك فى تعظيم أرباحها مما يدفعها الي البحث عن أعلي عائد ممكن للقروض التى تمنحها والاحتفاظ باحتياطيات وسيولة مناسبة والجميع بين هذه الأهداف يتم عادة من خلال ايجاد المقترض القادر علي دفع سعر فائدة أعلي ، وغير قابل للتعثر مما يعنى أن البنوك تتطلع الى استثمار ذي جودة عالية وبمعدل عائد مرتفع وهذا بدوره يزيد من صعوبة حصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة علي قروض من البنوك التجارية. ومن أبرز العوامل التى تحد من قدرة المشروعات الصغيرة علي الاقتراض ندرة وقلة المعلومات عن عوائد الاقتراض والاستثمار فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة عدم قدرة هذه المشروعات علي دفع سعر فائدة مرتفع أورهن ضمانات بصورة كافية. وأن المشكلة الرئيسية التى تواجه البنوك وتمنعها من توفير التمويل المطلوب للمشروعات الصغيرة والمتوسطة هى مشكلة اختلاف المعلومات فى سوق الائتمان وتظهر هذه المشكلة كون صاحب المشروع هو افضل من يعرف عن مقومات وعوامل نجاح وفشل مشروعه من أى طرف أخر ولو كان البنك ولابد من الاشارة الي أن تحليل تمويل هذا النوع من المنشآت قائم علي اساس افتراضى نظرا لقلة وندرة المعلومات المتوافرة عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهذا الوضع غير موجود فى المنشآت الكبيرة نظرا لتوفر البيانات المالية المنشورة ، وبالتالى فإن مشكلة البنك هنا هى حول قدرة وامكانية البنك التمييز بين المقترض الجيد والسيئ . أن اختلاف المعلومات فى سوق الائتمان تؤدى الي ما يسمى بالاختيار الخاطئ »النوع الخفى من المقترضين« والي المخاطرة الاخلاقية »جهود المقترضين الخفية« والاختيار الخاطئ يعرف بانه عدم قدرة البنك علي التمييز بين نوعين من المقترضين الجيد والسيء ، مما يخلق للمقترض الضعيف (السييء) حوافز لاظهار نفسه علي أنه مقترض جيد ، أما مشكلة المخاطرة الاخلاقية بأنها عندما يكون نجاح المقترض مرهونا ومرتبطا بمجموعة من الجهود غير الممكن مراقبتها بكفاءة، فقد يكون المقترض غير جدى فى طرح هذ الموضوع ، لكن لابد من توفر عوامل تظهر الوضع الحقيقى للمقترض ومن ابرز هذه الامور فى هذا الجانب هى حجم الضمانات وسعر الفائدة والتى لها دور مميز فى تصميم عقد منح الائتمان ، فالمقرض الجيد لديه القدرة والرغبة علي تقديم ضمانات عالية ودفع سعر فائدة أقل لثقته العالية بمشروعه وامكانات نجاحه بصورة جيدة، فى حين أن المقترض السيئ يرفض رهن ضمانات بقيمة عالية جدا ولكنه يقبل دفع سعر فائدة مرتفع وهذه عبارة عن مؤشرات تستخدم فى تصميم العقد الائتمانى وكذلك فى كشف الحقيقة أمام موظفى الائتمان فى البنوك. ومن هنا تظهر أهمية الضمانات ودورها فى عملية توفير التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ولكن تظهر مشكلة أخرى أنه من أهم مشاكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة عدم قدرتها علي توفير الضمانات اللازمة للحصول علي التمويل المناسب ، وبالتالى كيف تستطيع هذه المشروعات توفير احتياجاتها التمويلية فى ظل غياب البنوك والضمانات معا ، فكان لابد من تدخل الحكومات هنا لتوفير بديل مناسب وهو ضمان مخاطر القروض.