تحديات غائبة عن حكومة الببلاوي التي انشغلت بالسياسة عما يمس المواطن البسيط الذي ترتفع تكاليف همومه يوميا, وعن عجز الموازنة الذي بلغ205 مليارات جنيه ومرشح للوصول إلي235 مليارا, بالإضافة إلي الدين الخارجي الذي من المتوقع أن يصل إلي50 مليون دولار ودين داخلي إلي195 مليار دولار ستتحمل تكاليفها الأجيال الحالية والمقبلة, وعلي الرغم من أنه لم يمر علي حكومة د. ببلاوي إلا نحو شهرين فإن بعض الخبراء يرون أنها سلكت الطريق الصحيح بمجموعة اقتصادية محترفة, بينما رأي آخرون أنها عجزت عن تقديم أي تحسينات ملحوظة تنعكس علي المواطن, ويبقي التساؤل عن مدي صلاحية الطرق التي تسلكها للتعامل مع الأزمة الاقتصادية. التحقيق التالي يرصد آراء الخبراء في أداء حكومة الببلاوي الاقتصادي, ورؤاهم للخروج من الأزمة الراهنة.. يقول د. شريف دلاور أستاذ الإدارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا: لا يصح التقييم الاقتصادي للحكومة الحالية بعد مرور نحو شهرين ففيه ظلم كثير لأنها حكومة بدأت عملها في ظروف في غاية الصعوبة أمنيا وسياسيا ودوليا ظروف غير مسبوقة منذ خمسين عاما حتي في عام73 لم نمر بمثل هذه الظروف ولا عند اغتيال السادات, فالتقييم بالمقاييس التقليدية فيه ظلم كبير لها, مستدركا أن هناك مؤشرات يمكن وضعها في الاعتبار ففي الآونة الأخيرة بدأنا نلمس تحركا من الحكومة بداية من اجتماعات المجموعة الاقتصادية مع محافظ البنك المركزي واجتماع رئيس الجمهورية مع المجموعة الاقتصادية وذلك يشي بأن الاقتصاد بدأ يأخذ اتجاها جديدا نحو تنفيذ خريطة طريق اقتصادية فوزير المالية أعلن عن خطوط بدأ التحرك فيها مثل العدالة الاجتماعية فحاليا تدور مناقشات حول الحدين الأدني والأقصي للأجور والدعم العيني بالإضافة إلي النقدي لمحدودي الدخل والفقراء, مع عدم اتخاذ الحكومة سياسات تقشفية كما يقول صندوق النقد الدولي بل نلجأ إلي سياسات توسعية, كما تحدث عن برنامج لتحفيز الاقتصاد. وتحدث وزير الصناعة عن خريطة للصناعة المصرية وعن دعم الصناعة مثل صناعة السيارات بشرط أن تقوم بالتصدير لا الإنتاج الداخلي فقط. مشيرا إلي أن وزارات: التأمينات, التجارة, المالية, التخطيط يبدو فيها درجة كبيرة من الوضوح في التوجه الاقتصادي, ولكن لا أستطيع أن أقول تنفيذا, هذا الإعلان عن التوجه الاقتصادي أراه محمودا يسير في الاتجاه السليم بشرط التنفيذ. ويتابع: وبالنسبة للاحتياطي النقدي فقد أعلن مؤخرا أنه قرابة ال19 مليار دولار وهذا جيد جدا, فقد كنا علي شفا خطر, وقد تم مؤخرا ضخ1.3 مليار دولار في البنوك وحدثت تيسيرات لمن يريدون الحصول علي العملة الأجنبية سواء للشركات والأفراد, حيث تم تيسير كثير من القيود بل إن سعر صرف الدولار نزل وأصبح سعره في السوق الموازية يساوي السوق الرسمية. ويري د. دلاور فيما يخص الميزان التجاري أنه قد أعلن منذ أسبوعين أن الميزان التجاري في ال6 أشهر الأولي من هذا العام لا يوجد به عجز وهذا لأول مرة منذ50 عاما, موضحا أنه لا ينبغي أن تفتخر به حكومة د. الببلاوي لأنه تحقق في عهد حكومة د. قنديل التي لا يحق لها أن تفتخر به هي الأخري معللا ذلك بأن هذه ال6 أشهر الأولي شهدت ركودا كبيرا نتيجة لكثرة الاضطرابات والمصانع التي أغلقت والاستيراد الذي توقف نتيجة عدم توافر العملة, فالدولار ارتفع بشكل كبير, فهذا مؤشر مضلل لأنه لم يأخذ في الاعتبار الوضع الراهن, لاعتماد الصناعة علي المكون الخارجي بشكل كبير وبالتالي إذا عادت عجلة الإنتاج سيزيد العجز في الميزان التجاري, مرجعا ذلك إلي حكومتي عبيد ونظيف اللتين لم تبنيا قاعدة قوية للصناعة في مصر تكون نسبة الخامات المصرية فيها عالية فالقاعدة الصناعية في مصر بنيت علي المكونات الخارجية بشكل أكبر, فالسيارات مثلا65% من مكوناتها من الخارج و35% من الداخل وبالتالي كلما تدور عجلة الإنتاج يزيد الإنتاج وكذلك العجز في الميزان التجاري, مشددا علي ضرورة أن تكون المكونات المحلية من50 إلي60% علي الأقل. وللخروج من الأزمة يوصي د. دلاور بأهمية أن تعلم الحكومة أنها مؤقتة مهمتها معالجة سريعة لإحداث إنعاش تنموي, ويجب أن توجد برامج للتشغيل من خلال الحد الأدني للأجر لامتصاص البطالة في القري والأرياف وتكون في مشروعات البنية الأساسية مثل تطهير الترع والمصارف أي تلك الأعمال التي لا تتطلب مهارة في العمل, فنسبة البطالة العامة نحو13% بينما تصل في الشباب الأقل من29 عاما تصل إلي30% مما يستلزم برنامجا قوميا للتشغيل للبنية الأساسية يحقق استقرارا اقتصاديا وأمنيا ويمتص البطالة ويحقق الاستقرار. ولابد من نظرة سريعة وقوية للعشوائيات التي كنا نصفها بالقنبلة الموقوتة ولكنها انفجرت الآن في وجه الجميع, مضيفا أن من الأولويات التي يجب أن تضعها الحكومة في الحسبان المرور الذي يؤثر في الوقت وصحة الإنسان والإنتاج وأعصاب الإنسان وأحد أسباب العدوانية.. مطلوب برنامج سريع للمرور خصوصا مع انتشار الشرطة والجيش في الشوارع لإعادة الانضباط في الشارع المصري. ويستهل عبد العليم داود وكيل مجلس الشعب السابق حديثه بالاعتراف بأن شهرين غير كافيين للتقييم والإنجاز وأن هذه الحكومة جاءت في ظروف طارئة وصعبة, ولكن لا يوجد ما يبرر أن يوجد بين أعضاء الحكومة الحالية من استغل منصبه في الحصول علي أراضي الدولة أو من اتهموا بانتهاك حقوق الإنسان, مع أن هذا لا يمنع أن بين أفراد الحكومة قامات كبيرة لها تاريخها, معربا عن أسفه الشديد لأن العادة جرت أن الحكومات لا تلتفت إلي ملفات العدالة الاجتماعية مع أنها سبب من أسباب ثورة25 يناير علي30 عاما من الفساد وانهيار الاقتصاد, فلا يخفي علي أحد انهيار الخدمات الصحية وأن هناك انتشارا للفقر والجوع في ظل ضمان اجتماعي يصل بالكاد إلي300 جنيه لا يمكن أن يصرف علي شخص واحد لمدة أسبوع بجانب الارتفاع الرهيب لأسعار السلع, مستطردا أنه لا يجب أن نتغافل عن حقوق الإنسان بزعم أن لا صوت يعلو فوق صوت التغيير. ويستأنف داود: وإذا لم تفتح ملفات الفساد السابقة فهذا أمر في غاية الخطورة فلابد من إعادة مستحقات الشعب, وإذا كانت الحكومة جاءت بعد موجة ثانية من ثورة25 يناير في30 يونيو فلا يجب ترك من نهبوا خيرات البلاد وعاثوا فيها فسادا بل يجب فتح تلك الملفات احتراما لهذا الشعب الذي قام بإنهاء نظامين من الحكم. مؤكدا أن الحدين الأدني والأقصي للأجور قضية يجب أن تكون منتهية لأنه صدر حكم قضائي قبل أي شيء لذا يجب تطبيقه علي الفور. موضحا أن ارتفاع الأسعار يشعر به المواطن المحدود الدخل, ولكن هناك أمرا في منتهي الخطورة وهو أن جزءا من الفقراء لا يستطيعون الحصول علي احتياجاتهم الأساسية وتلك هي المأساة. ويري عبد العليم داود للخروج من الأزمة أولا: الانحياز إلي العدالة الاجتماعية ومعالجة الخلل بطريقة ثورية وتشغيل المصانع المتوقفة. ثانيا: فتح ملفات الفساد واسترداد حق هذا الوطن ممن سلبوا أراضيه, لابد أن تكون هناك قرارات ثورية في هذا الملف أيضا. موضحا أن المطلوب من أي حكومة أن تكون حكومة كفاءات لها حس وطني وأن تتجرد من أي مصالح أو سياسات لا تراعي إلا مصلحة المواطنين فقط. فإذا تجرد كل منا من مصلحته الذاتية الشخصية وسما بالمصلحة الوطنية انصلح حال البلاد. معربا عن أسفه لأن90% من الحكومة الحالية كما يري لهم علاقة بنظام ما قبل25 يناير, منتقدا حكومة الإخوان السابقة لأنها لم تفتح ملفات الفساد بقوة, متمنيا أن تضع الحكومة الحالية ذلك الموضوع ضمن أولوياتها مستبعدا ذلك, قائلا بمرارة وأسي كيف يتسني لها ذلك إذا كان ضمن أعضائها من لهم صلة بالفساد.. وتقول د. بسنت فهمي الخبيرة المصرفية من وجهة نظري الشخصية فإن الحكومة بها أشخاص عندهم خبرة اقتصادية, ولكنهم لا يدركون أننا في حالة حرب علي الحدود وفي الداخل, ورغم ذلك فإن د. الببلاوي يتحدث عن استثمارات خارجية وتحسين مناخ الاستثمار وكأننا في دولة طبيعية مرفهة! لافتة إلي ضرورة إنشاء بنك لتمويل الشباب العاطل فورا بمنحهم قروضا صغيرة ومتناهية الصغر حتي يستطيعوا العمل والإنتاج, وأيضا في اقتصاد الحرب لابد من حل مشكلات: الفلاحين, التاكسي الأبيض, الغارمين, الباعة الجائلين, الذين خرجوا من أعمالهم نتيجة لتدهور السياحة يقدرون بنحو10 ملايين مواطن, فينبغي توفير مصدر عيش كريم لهؤلاء وسداد ديونهم, مشيرة إلي أن الحديث عن مناخ الاستثمار لا يمكن أن ينطبق علينا, كما أننا لم نقم بوضع الحدين الأدني والأقصي للأجور, متسائلة: ماذا فعلت حكومة الببلاوي من أجل العدالة الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي؟ وتري بالنسبة للاحتياطي النقدي والأحاديث التي تزهو بارتفاعه أنه ينبغي حتي لا ننخدع أن نقارن هذا الرقم أولا بالدين الخارجي, وهل أستطيع أن أدفع الدين الخارجي أم لا؟ وما قيمته بالنسبة للمواد الخام التي نحتاجها لتشغيل المصانع؟ وثانيا: نحن في حالة حرب هل عندي مواد تموينية أساسية.. ما هي المدة التي يمكن لهذا الاحتياطي أن يغطيها؟ مضيفة أن الأيام المقبلة قد تشهد ضرب سوريا وبالطبع المنطقة ستشتعل ونحن لسنا بعيدين عن الأحداث, وقناة السويس حدث بها محاولة تفجير والسعودية هددت برفع سعر البترول, فكيف نتحدث عن السياحة والاستثمار, ولو لم نراع الأوضاع الاجتماعية فقد تنفجر القنابل الموقوتة, متسائلة: الباعة الجائلون ماذا فعلوا معهم؟ هل وفروا لهم أماكن ؟ العشوائيات هل حلوا مشاكلها؟ أو حتي بدأوا في ذلك؟ مستشهدة بالشيخ القاسمي حاكم الشارقة الذي تبرع بشيئين هما20 مليون دولار توضع في صندوق لتطوير العشوائيات بالجيزة, كما تبرع ببناء مسجد باسم كل واحد من ال25 جنديا الذين استشهدوا في قرية كل جندي علي حدة حتي يعمل الناس وتتحرك العجلة في تلك القري. كاشفة عن أن اقتصاد الحرب يمكن أن يضبط الميزان التجاري, ففيه لن نستورد إلا الأساسيات لتدوير المصانع والأكل والشرب السلع الأساسية بدلا من السلع الترفيهية. متوقعة أن الأوضاع ربما تزداد سوءا في حالة ضرب سوريا التي أصبحت وشيكة وقناة السويس ربما تتوقف وأيضا الاستيراد والتصدير مما يستلزم سرعة التوجه لاقتصاد الحرب. وعن رؤيتها لتجاوز تلك المرحلة توجزها في سرعة الاهتمام بالطبقات البسيطة بتوفير بنك يمول الشباب بالقروض الصغيرة والمتناهية الصغر مما يمكن أن يوفر لنحو40% من سكان مصر لقمة العيش, بالإضافة إلي تحقيق العدالة الاجتماعية, وحل مشكلات الفلاحين وسائقي التاكسي الأبيض المتعثرين, مشيرة إلي أهمية توزيع الأراضي بمساحات كبيرة لسكان العشوائيات والشباب حتي يتركوا العشش ونعطيهم أملا في الحياة.