خالد أبوبكر: الصناعة أهم طرق الحد من فاتورة الاستيراد    انتهاء توصيل خطوط المياه لمدرسة منشية النوبة بالأقصر    «التعليم» تعقد ورشة عمل إقليمية عن الذكاء الاصطناعي    إسبانيا ترفض دخول سفينة محملة بالأسلحة إلى موانئها في طريقها لإسرائيل    ظل عالقا 26 عاما.. فيديو يوثق لحظة خروج «شاب الحفرة» من تحت الأرض    توقيف رئيس حرم جامعي في كاليفورنيا بسبب تضامنه مع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين    ضربة قوية ل الهلال قبل مواجهة النصر في الدوري السعودي    تطور مفاجئ في مصير محمد صلاح مع نهاية الموسم.. ماذا سيحدث؟    3 ظواهر جوية تضرب البلاد غدا.. رياح محملة بالأتربة وموجة حارة شديدة    «نجوم إف إم» تكرم أحمد السقا في حلقة خاصة    تفاصيل افتتاح مهرجان إيزيس لمسرح المرأة في دورته الثانية بالأوبرا (صور)    الكشف على 1161 مواطنا في قافلة طبية مجانية بالبحيرة    نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    الفيوم تستضيف الجلسة ال26 للجنة قطاع العلوم الأساسية على مستوى الجامعات    تقرير: كايزر تشيفز يخطط للتعاقد مع بيرسي تاو    المؤلف نادر صلاح الدين: عادل إمام لا يتدخل في كتابة السيناريو إلا بطريقة احترافية شديدة    أستاذ قانون دولي: يجب على محكمة العدل إصدار قرار بوقف إطلاق النار في غزة    قصر ثقافة مطروح.. لقاءات عن العمل وإنجازات الدولة وورش حرفية عن النول والمسمار    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    لراحة القلب والبال.. أفضل دعاء في يوم الجمعة «اللّهم ارزقني الرضا وراحة البال»    الشباب والرياضة: مشروع قومي لتطوير مدربي منتخبات كرة القدم    طريقة عمل العزيزية لتحلية سريعة التحضير وشهية    أعراض ضربة الشمس، وطرق العلاج في البيت والوقاية    نتنياهو: معركة رفح "حاسمة" واكتمالها سيقطع بإسرائيل مسافة كبيرة نحو هزيمة "حماس"    الاتحاد يتأهل إلى نهائي المربع الذهبي لكرة السلة    فعاليات فنية ل ذوي الاحتياجات الخاصة وسبل تخطي الأزمات ب ثقافة الغربية    حقيقة إيقاف شهادة 23.5 من بنك مصر بعد قرار التعويم الأخير    بعد وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية- كيف يسبب السكري الموت؟    جامعة بني سويف من أفضل 400 جامعة عالميا.. والرابعة محليا    بالفيديو.. نصيحة هامة من الشيخ خالد الجندي إلى الأباء والأمهات    إنطلاق المشروع القومي لتطوير مدربي المنتخبات المصرية لكرة القدم NCE    مدفيديف يصف زيارة زيلينسكي إلى خاركوف ب«الوداعية»    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    فانتازي يلا كورة.. الثلاثي الذهبي قبل الجولة الأخيرة في بريميرليج    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    سكاي: فونيسكا الخيار الأول لخلافة بيولي في ميلان    أحلام الشباب في اقتناص ثروات الذكاء الاصطناعي تتحطم على صخرة الجامعات الحكومية    «كارثة متوقعة خلال أيام».. العالم الهولندي يحذر من زلازل بقوة 8 درجات قبل نهاية مايو    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    "هُتك عرضه".. آخر تطورات واقعة تهديد طفل بمقطع فيديو في الشرقية    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    الخارجية الكورية الجنوبية تعرب عن تمنياتها بالشفاء العاجل لرئيس الوزراء السلوفاكي    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    رئيس جامعة المنيا يبحث مع الجانب الإيطالي تطوير معامل ترميم الآثار بالجامعة لخدمة الباحثين    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    محافظ المنوفية يتفقد أعمال التطوير بكورنيش شبين الكوم الجديد وشنوان    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومة القبضة المرتعشة‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 11 - 2011

من قلب الميدان‏,‏ جاء الدكتور عصام شرف إلي رئاسة الوزارة محمولا علي الأعناق‏,‏ لتحقيق مطالب الثورة‏,‏ وطموحاتها‏,‏ في تحقيق الحرية‏,‏ والديمقراطية‏,‏ والعدالة الاجتماعية‏,‏ وما أن جاء الرجل إلي المنصب حتي أصبح في وش المدفع‏!‏ ومضت شهور علي حكومة شرف, ولم يجمع عليها أحد, صحيح أن البعض يلتمس لها الأعذار, باعتبار أنها تولت في ظروف بالغة الصعوبة, وأن الآثار السلبية للثورة وما صاحبها من انفلات في الأمن, وجنون في الأسعار, وقوي سياسية لم تجتمع علي قلب رجل واحد وشاعت بينها الفرقة والخلافات, ومطالب فئوية لا تريد الانتظار, وكلها تجمعت حول الحكومة وتحاصرها من كل جانب.. إلا أن كثيرين يرون أن حكومة الثورة لم تنجز شيئا سوي أنها ألغت التوقيت الصيفي, وأنها لم تكن في مستوي طموحات الثورة, ومطالبها المشروعة, والعادلة.. وأنها لم تضرب بيد من حديد علي من أشاعوا الفوضي, والجريمة, واستغلوا حالة الانفلات الأمني, ولم تتمكن من ضبط الأسعار, ولم تواجه المحتكرين, ولم تتدخل بشكل فاعل لحل المشاكل العاجلة للمواطنين, ومن ثم فهي حكومة ذات قبضة مرتعشة.. هكذا يرونها!
لكن, الكلام شئ, والتنفيذ شيء آخر! فحين تكون خارج المنصب تستطيع أن تتحدث في الفضائيات أو علي صفحات الصحف, وأن تطرح رؤي خيالية للتطوير, والإصلاح, وتحسين أوضاع الناس.. لكن حين تجلس علي الكرسي فالأمر مختلف!.. فقد رأينا خبراء, قد ملأوا الدنيا ضجيجا عن مصر جديدة يستطيع أن ينعم فيها المواطن بحرية, وحياة كريمة, لكن حين جلسوا علي الكراسي وجدوا أن التنفيذ صعب!!
ولكي نناقش القضية بموضوعية علينا أولا أن نذكر بتكليفات المجلس العسكري للحكومة, والتي تتضمن سرعة استعادة الأمن والهدوء والاستقرار, ومواجهة أية محاولة للعبث بأمن البلاد ومصالحها العليا أو الإضرار باقتصادها, وتهيئة البلاد لإجراء انتخابات ديمقراطية وإعداد دستور جديد للبلاد وانتخاب رئيس الجمهورية, والتخطيط العلمي المدروس لتحقيق مطالب الثورة وأهدافها وطبقا لما تقتضيه مصالح الوطن العليا, واتخاذ ما يلزم من إجراءات للتصدي بكل حزم لكل صور وأشكال الفساد والمفسدين مع دعم كافة الأجهزة الرقابية المختصة لتنفيذ ذلك, فضلا عن مساندة الأجهزة القضائية المختصة لتمكينها من أداء مهامها وبما يضمن حصول الدولة علي حقوقها وفقا لما تتطلبه التشريعات الوطنية والدولية, وتفعيل دور صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لضحايا ثورة25 يناير2011 وأسرهم مع سرعة صرف التعويضات لأسر الشهداء خلال مدة أقصاها شهر وتقديم جميع أوجه الرعاية الصحية والاجتماعية للمصابين وأسرهم, وتنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بشأن حل المجالس المحلية واتخاذ ما يلزم من إجراءات في هذا الشأن, واستمرار سياسة الحوار مع جميع أطياف الشعب والقوي السياسية للوصول إلي الصيغ التي تخدم المصلحة العليا للبلاد, والدعم الكامل للشباب أمل الوطن ومستقبله لتحقيق آماله وطموحاته وبناء مصر المستقبل, ووضع السياسات المالية والاقتصادية المتوازنة التي تحقق العدالة الاجتماعية للشعب مع عدم تحميل ميزانية الدولة لأي أعباء ترتب حقوقا علي الأجيال القادمة علي أن تتضمن هذه السياسات بناء نظام ونموذج اقتصادي قادر علي الاستجابة لأحلام وتطلعات الشعب في العيش الكريم من خلال المحددات الرئيسية الآتية: استنهاض النمو الاقتصادي عبر رفع معدل الاستثمار, تفعيل دور المجلس الأعلي للأجور, مواجهة أزمة البطالة, تحقيق عدالة توزيع الثروة, اتخاذ إجراءات فعالة للسيطرة علي أسعار السلع والخدمات, تبسيط الإجراءات لكافة الخدمات التي تقدمها أجهزة الدولة للمواطنين, تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين والتحقق من كفاية المخزون من السلع الإستراتيجية, تنمية المناطق العشوائية لتحقيق الاستقرار والأمن الاجتماعي ودعم إسكان محدودي الدخل, وبذل الجهد وتعبئة الطاقات لإزالة ما لحق بمرافقنا من أضرار وخسائر واستعادة الثقة في الاقتصاد المصري, وتطوير الاستثمار في التعليم كأساس لتقدم المجتمع, والارتقاء بالخدمة الصحية خاصة لمحدودي الدخل, وتطوير وتحديث منظومة الإعلام, وتحقيق علاقات اقتصادية دولية عادلة ومتكافئة لدعم الاندماج والتقدم الاقتصادي, والحفاظ علي موارد مصر من مياه النيل وأمنها المائي مع مواصلة الحوار, والتنسيق مع دول حوض النيل والدول الأفريقية لتحقيق المنافع المتبادلة للجميع, إلي جانب استمرار دعم مصر للقضية الفلسطينية ومواصلة السعي لتعزيز التعاون العربي والإقليمي والدولي في جميع المجالات.
تلك كانت تكليفات المجلس العسكري للحكومة, فماذا تحقق من هذه التكليفات, وكيف يراها الخبراء؟
هي حكومة مرتبكة, وغير حاسمة.. و لاتزال تعمل وفق نظرية عبد المأمور.. هكذا وصفها النائب السابق ووكيل مؤسسي التحالف الشعبي الاشتراكي.. فهي أي الحكومة- لم تقترب من ملف دعم الصناعة, وقد تتعجب حين تعرف أن طن الاسمنت يباع في السوق المحلية بسعر600 جنيه, في حين لا تتجاوز تكلفته200 جنيه للطن, ويتم تصديره للأسواق الخارجية بسعر150 جنيها للطن, بينما يباع السماد الذي يحصل علي25 دولارا في صورة دعم للطاقة بأسعار خيالية حتي أن سعر الطن تضاعف3 مرات خلال4 سنوات, ومع ذلك تركت الحكومة المستهلك المحلي تحت رحمة التاجر, كما أن قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار ما زال مجمدا برغم الممارسات الاحتكارية التي تشهدها السوق المصرية, والتي جعلت حفنة من المنتجين يتحكمون في الأسواق, والأسعار دون أن يتصدي لهم أحد, أضف علي ذلك حالة الانفلات الأمني التي تشهدها مصر منذ الثورة, ولم تتمكن الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية- بحسب اختصاصها- من مواجهتها حتي الآن, مع أننا مقبلون علي انتخابات برلمانية مصيرية في مستقبل البلاد, لأنها ستشهد إعداد الدستور الجديد للبلاد.
وإذا كنا لا ننكر أن الدخول قد تضاعفت بشكل عام, لكن المعاشات لاتزال متدنية, كما أن الحد الأدني والأقصي للأجور مازالا محل جدل داخل الحكومة, أما عجز الموازنة فلا يزال مستمرا, كما أن ملفات فساد, ووقائع استيلاء علي المال العام, وأراضي وضع اليد, لاتزال قائمة, فضلا عن التباطؤ في إجراءات التقاضي.
والمهام المطلوبة من حكومة شرف ليست شيئا مختلفا عما يجب أن تقوم به الحكومات في مراحل ما بعد الثورات, فمن المعلوم أن مثل هذه الفترات في عمر الدول تكون غير مستقرة, ومن ثم تحتاج إلي حكومة حاسمة, تتصدي للمشاكل, وتقوم بالإعداد لدستور جديد, والانتخابات البرلمانية, وتوظيف الآلة الإعلامية لتهيئة المجتمع, للانتقال لنظام جديد بدلا من النظام السابق, وتعديل بنود الموازنة, ومواجهة العجز فيها, ومعالجة الآثار السلبية الناجمة عن الثورة, وهذا ما ينبغي علي حكومة شرف أن تمضي فيه لتهيئة المناخ لانتخابات برلمانية حرة ونزيهة, فضلا عن حل المشاكل اليومية العاجلة التي تواجه المواطنين كأزمات السلع, والتدخل لضبط الأسعار, وتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع, لكن شيئا من ذلك لم يحدث, فمازالت أعمال البلطجة تنتشر هنا وهناك, ولا يزال الدعم للأجانب مستمرا, ولا يزال المواطن يعاني لتوفير لقمة العيش في ظل عدم تناسب الدخل مع الأسعار الجنونية للسلع والمنتجات,غير أننا نجد المشاكل تتراكم, ولا يتم التحرك إلا بعد انفجار الناس, وإذا لم يكن بمقدور الحكومة حل المشاكل فعليها أن تمهد الطريق لحلها علي الأقل.. وكان جديرا بالحكومة تشكيل لجنة من الكفاءات والمتخصصين لبحث المطالب الفئوية, وجدولة تنفيذ هذه المطالب, وطمأنة الناس علي ذلك, بدلا من حالة الارتباك التي تصيب الحكومة- بين الحين والآخر- عند خروج أصحاب المطالب الفئوية في مظاهرات للمطالبة بجزء من حقوقهم التي ضاعت علي مدي عشرات السنين, ولم تكلف الدولة نفسها عبء تحسين أوضاع هؤلاء الناس الذين طحنهم الغلاء, واستبد بهم التجار, وبمقدور رئيس الحكومة تفعيل المادة رقم10 من قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار, والتي تجيز له سلطة التدخل في تحديد الأسعار وفق التكلفة الحقيقة إنتاجا واستيرادا بهامش ربح معقول, وبهذه الطريقة من الممكن أن تنخفض أسعار السلع إلي النصف تقريبا.
ولاشك- والكلام مازال ل أبو العز الحريري- أن الحكومة الحالية تولت المسئولية في ظروف بالغة الصعوبة, ونحن نعلمها جميعا, فقد سقط النظام, لكن رجالاته لايزالون يشغلون المواقع المختلفة, وكان يجب القيام بعمليات تطهير شاملة في مختلف المواقع, وإبعاد الموالين للنظام عن مناصبهم, حتي تكتمل مسيرة الثورة وتتحقق أهدافها, وهو ما لم يحدث حتي الآن, لكن كلمة حق يجب أن تقال في هذه الحكومة بالرغم من أدائها الضعيف, والمرتبك, وهي أنه في ظل هذه الحكومة جرت انتخابات اختيار القيادات الجامعية, وتمت تلبية بعض المطالب الفئوية المشروعة والعادلة, والتي اغتصبها النظام السابق لسنوات طويلة, كما يحسب لهذه الحكومة حل الاتحاد العام لعمال مصر, وإقرار قانون النقابات العمالية, وحل جهاز أمن الدولة الذي طالما مارس القهر علي الناس بالباطل.
رايحين علي فين؟
الصورة لا تختلف كثيرا في رأي الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع, فهو يري أن الحكومة الحالية تجاهلت قضايا أساسية مثل عودة الأمن من خلال مواجهة حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد في أعقاب ثورة25 يناير, ولا تزال, كما أنها نسيت الاستقرار السياسي, وتفتقر إلي وضوح الرؤية, ولا يزال المواطن المصري يسأل: إحنا رايحين علي فين؟ ثم كيف ستجري الانتخابات البرلمانية في مثل هذه الظروف؟.. وكنا نعتقد أنها قادرة علي منع الإنفاق الجنوني في الدعاية الانتخابية, و لايزال التمويل يتدفق, كما كنا نعتقد أنها قادرة علي منع استخدام الدين في الدعاية الانتخابية, وذلك لم يتحقق أيضا.. باختصار نحن أمام حكومة لايزال العدل الاجتماعي وهو- أحد أهداف الثورة- يراوح مكانه, ومن ثم فشلت هذه الحكومة في حل المشاكل.
قلت: وما أبرز القرارات التي اتخذتها هذه الحكومة, والقرارات التي كان يجب أن تتخذها ولم تفعل؟
د.رفعت السعيد: في تقديري أن أفضل قرار اتخذته الحكومة الحالية هو أنها لم تأخذ قرارا قط!!
أداء باهت!
والأمر كذلك في رأي الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة, حيث يصف أداء الحكومة الحالية بأنه باهت.. كما أن هذه الحكومة لا شخصية واضحة لها, ولا لون.. ومع أنه كان واضحا أن هذه الحكومة تقترب من فكر القوي السياسية, وطرحت قوانين تقترب إلي حد كبير مع ماتطلبه هذه القوي, لكن الأداء كان مختلفا, إذ كان يتعين علي الحكومة أن تدافع عن مواقفها, والإسراع في إقرار قانون العزل السياسي, وإعطاء صلاحيات واسعة للجنة العامة للانتخابات, وكان ينبغي أن تكون هذه الحكومة حكومة ثورة, بحيث تعمل علي استعادة الأمن إلي الشارع المصري, وإعادة هيكلة جهاز الأمن, وحسم قضية الحد الأدني والأقصي للأجور, والتي لا تزال محل جدل يعكس عدم اكتراث الحكومة بتحقيق العدالة الاجتماعية.
ويبدو واضحا, أن القوي صاحبة المصالح في عدم التغيير أقوي من الحكومة الحالية, التي يقع علي عاتقها مسئولية نقل المجتمع, والنظام السياسي من حالة إلي حالة, والتأسيس لنظام سياسي جديد, وكان يجب أن تكون هذه الحكومة هي أقوي حكومة في تاريخ مصر علي الإطلاق, لكن الممارسة الفعلية علي أرض الواقع أثبتت أنها تفتقر إلي الرؤية الواضحة في معالجة المشكلات, والتردد في اتخاذ القرارات, ومازالت الأسعار تشهد ارتفاعا جنونيا, ومازالت الفوضي والانفلات الأمني مستمرين, كما أن قانون مباشرة الحقوق السياسية يفتقر إلي الرؤية الصحيحة للدخول في انتخابات في مرحلة مرتبكة!
ارتباك اقتصادي
ولم يسلم الجانب الاقتصادي من الارتباك.. هكذا قال لي الدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة, لكنه في الوقت نفسه يري أن يد وزارة المالية مغلولة بشأن الاستدانة من الخارج, وحين كانت الفرصة متاحة لاستدانة3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي و2,2 مليار دولار من البنك الدولي بفائدة5,1%, لم تستطع الوزارة اتخاذ القرار, وكان البديل هو الاستدانة من البنوك المحلية بفائدة تصل إلي14%, في وقت يتفاقم فيه عجز الميزانية ليصل إلي134 مليار جنيه, بينما وصل الدين الداخلي إلي1,1 تريليون جنيه.
ارتباك حكومي
ومن مظاهر الارتباك الحكومي ما نسب من تصريحات علي وزير القوي العاملة الدكتور أحمد البرعي الذي أعلن أن أموال التأمينات قد ضاعت, في الوقت الذي خرج علينا وزير المالية الدكتور حازم الببلاوي ليؤكد أن أموال التأمينات لم يمسها سوء, ومن ثم سادت حالة من الشكوك, لاسيما أن التصريحين جاءا علي لسان وزيرين في الحكومة, وهو أمر يدعو للعجب!!
ولا يتوقع الدكتور فخري الفقي أن تسير الأمور علي خير ما يرام علي المستوي الاقتصادي, خاصة في ظل الفجوة التمويلية, مشيرا إلي أن التوقعات كانت تشير إلي أن معدل النمو الاقتصادي سيصل إلي3% من الناتج المحلي الإجمالي, لكن ما يحدث حاليا يسير إلي أن معدل النمو قد يصل إلي5,1% بنهاية العام الحالي, وذلك يعطي مؤشرا خطيرا مقارنة بمعدل نمو السكان, كما أن هناك مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم لتتراوح بين12% و15%, بينما نتوقع أن ترتفع نسبة البطالة إلي12%, مشيرا إلي أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اتخذت إجراءات عاجلة حين حدث الانفلات السعري, وارتفعت معدلات التضخم بمعدلات تراوحت بين18% و20% في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات, فأجرت معايرة بحيث تكون الزيادة في الدخول في مستوي الزيادة في الأسعار, وهو ما يمكن أن نطلق عليه الرقابة علي السعر والدخل, الأمر الذي يدعونا لمطالبة وزراء المجموعة الاقتصادية بصياغة علاقة واضحة بين الزيادة في الدخل والأسعار, بعد الانتهاء من إقرار الحد الأدني والأقصي للأجور, والذي لم يتم حسمه حتي الآن.
الاقتصاد المصري بخير
وبشكل عام, فإن ما يشهده الاقتصاد المصري حاليا من تداعيات كما يقول الدكتور فخري الفقي- بسبب الثورة هو حالة مؤقتة, كما أن الاقتصاد المصري بخير من تنوع مصادر دخله, وقوته الاقتصادية, وإن كان الأداء الاقتصادي خلال الفترة الانتقالية سيكون أسوأ مما ذهبت إليه توقعات الخبراء والاقتصاديين, ومن ثم فإنه إذا لم نحسم الأمور, ونواجه الارتباك القائم في صنع القرار فإن القادم هو الأسوأ, ومن الضروري مواجهة الانفلات السعري, وحسم قضية الحد الأدني والأقصي للأجور, وتبني سياسات نقدية من شأنها تلجيم الأسعار, وإعطاء الفرصة للبنك المركزي للتحرك بحرية في وضع سياسات نقدية ملائمة للظروف الراهنة
التصريحات الوزارية
والحال كذلك, يري عبد الرحمن خير عضو المجلس القومي للأجور أن الحكومة لم تضع تكليفات المجلس العسكري موضع التنفيذ, فحالة الانفلات الأمني في تزايد, وما نتابعه علي صفحات الحوادث في الصحف المختلفة يزيد من المخاوف وكأننا في ساحة حرب, أما مسألة تهيئة البلاد لانتخابات ديمقراطية, فهو أمر يتعلق بمدي جاهزية الهيئات القضائية لتسلم مسئولية نحو52 ألف دائرة انتخابية, فضلا عن تقسيم الدوائر بطريقة عجيبة, وتحتاج إلي طائرة من كل مرشح لمتابعة وزيارة الدائرة التي سيترشح عنها, فضلا عن الأحكام القضائية المتعلقة بالانتخابات, وانفلات الأسعار, والعجز المتزايد في الميزان التجاري والذي بلغ هذا الشهر نحو14 مليار جنيه, في مقابل خسائر جسيمة بالبورصة, وتراجع رهيب في عوائد السياحة, وبطالة طاحنة في ذلك القطاع الحيوي, بينما تزداد حالة الصناعة سوءا, وهناك مصانع تغلق أبوابها لعدم قدرتها علي الاستمرار في هذه الظروف الراهنة.
يضاف إلي ذلك, عدم قدرة الحكومة علي حسم قضية الحد الأدني والأقصي للأجور, حيث يجب أن يرتبط الحد الأدني بمراعاة تكاليف المعيشة, مشيرا إلي أن الحكومة لا تستطيع مواجهة الاحتكار في السلع, ولا تستطيع أن تستورد سلعا وتوفرها للمواطنين بأسعار مناسبة, ولعلك تتعجب من مظاهرات تجتاح العالم كله ضد الرأسمالية, بينما يعلن وزير المالية تمسكه بالاقتصاد الحر, ثم يحدثنا عن حد أقصي للأجور.. ناهيك عن تصريحات بعض الوزراء التي تصيبني باكتئاب كل يوم.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.