فحين نخطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي.. تتوالي العقبات التي تحد من زراعته! وعندما يحين موسم زراعته,.. تحدث أزمة في التقاوي! وحين نعجز عن تلبية احتياجات السوق المحلية.. نقرر استيراده من الخارج, ثم نواجه أزمة في الاستيراد, لنقص المخزون العالمي, بسبب الظروف المناخية التي أصابت عددا كبيرا من مناطق زراعة القمح في العالم, فتلجأ بعض الدول, ومنها روسيا إلي حظر التصدير! وحين تنخفض أسعاره عالميا.. يكون استيراد القمح هو خيارنا الأساسي! لم يكن مناسبا- علي الإطلاق-, أن تحدث أزمة التقاوي في هذا التوقيت الحرج بالنسبة للمزارعين, الذين اقتربوا من بدء موسم زراعة القمح, والذي حان موعده, ثم بعد ذلك نتحدث عن زيادة الإنتاجية, وعن تشجيع المزارعين علي زراعة القمح, ومن ثم نتحدث أيضا- عن الاكتفاء الذاتي.. وفي ظروف كهذه, فإن أمور القمح تثير العجب!! ونسأل: كيف سيكون الحال بعد5 سنوات من الآن؟.. هل سنكون قد اقتربنا من الاكتفاء الذاتي؟ هل سنكون قد انتهينا من حل أزمة التقاوي, وتوسعنا في إكثار التقاوي المنتقاة عالية الإنتاجية؟ هل سنضطر إلي الاستيراد من الخارج, وهل سيكون ذلك متاحا, أم سنواجه أزمة في الاستيراد, كما حدث حين قررنا استيراد القمح الروسي؟! وقد شهدت أزمة نقص التقاوي, مناقشات ساخنة في جلسات المجالس الشعبية المحلية ببعض المحافظات, من بينها اجتماع لجنة الزراعة بالمجلس المحلي في كل من محافظتي الغربية, والمنيا, وغيرهما, حيث كشف الأعضاء عن وجود عجز في تقاوي القمح, مما يهدد بتقليص المساحات المزروعة به في الموسم الحالي, وقد أكد وكيل وزارة الزراعة في إحدي المحافظات ل تحقيقات الأهرام أن الدولة توفر ما بين20% و30% من التقاوي فقط سنويا, لان المزارع يستطيع أن يزرع القمح من التقاوي المتوافرة لديه من حصاد العام الماضي, مشيرا إلي أنه بعث بخطاب رسمي إلي الإدارة المركزية للتقاوي بالوزارة, لاستعجال المخصصات من التقاوي, لتزويد مزارعي القمح في محافظته, لا سيما أن موعد زراعته قد حان. مشكلة القمح كما يرها المهندس أحمد الليثي وزير الزراعة السابق- تكمن في عدم وجود سياسة, واضحة بشأنه, وكان يجب وضع خطة لزيادة المساحة المزروعة بالقمح, والعمل علي إكثار تقاوي القمح المنتقاة, لكن ما يبدو الآن أن هناك حالة من عدم الوضوح في الرؤية.. فمرة يقولون ان القمح رخيص في الخارج, وبالتالي من الأفضل, والأوفر أن نستورده, ثم واجهنا أزمة في تدبير احتياجات السوق المحلية من القمح المستورد.. ومرة أخري يقولون سوف نعمل علي زيادة المساحة المزروعة بالقمح, ثم فجأة تحدث أزمة في التقاوي.. وهكذا! وحين كنت وزيرا للزراعة والكلام مازال للمهندس أحمد الليثي ومع أنني لم أستمر في المنصب سوي عام ونصف العام, نجحت في زيادة المساحة المزروعة بالقمح إلي3 ملايين و100 ألف فدان, ولو تم استكمال ما بدأناه منذ عام2004, لكنا حققنا علي الأقل70% من تقاوي الإكثار, لكن الذي يحدث الآن أن هناك أزمة في التقاوي, ليجد المزارع نفسه مضطرا للزراعة من القمح البايت الذي يحتفظ به في منزله, مما يؤثر سلبا علي الإنتاجية, وأتوقع ألا يتم حل هذه الأزمة علي المدي القريب. الأزمة: أسبابها.. وحلولها وأزمة تقاوي القمح كما يبررها الدكتور عبد السلام جمعة رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق, والذي يلقبه العلماء, والباحثون ب أبو القمح, حدثت خلال الموسم الماضي, بسبب ارتفاع أسعارها, مما أدي إلي عزوف الزارعين عن الشراء, وهذا الموسم تجددت الأزمة, لكن هنا نقص في التقاوي, برغم جهود الحكومة, وشركات القطاع الخاص, في مجال توفير التقاوي, وبرغم صدور القوانين التي تنظم استيرادها, لكن أسعار توريد القمح لم تكن مجزية, فلم يقبل المزارعون علي زراعته, وبالتالي انخفضت مساحة زراعة القمح, كما انخفضت الإنتاجية, فالفدان الذي ظل يعطي18 إردبا, انخفضت إنتاجيته في الموسم الزراعي الماضي إلي16 إردبا فقط. قلت: مادامت هناك أزمة, ومادمنا نلجأ إلي استيراد القمح من الخارج.. فلماذا نتوقف عند زراعة7.2 مليون فدان فقط؟ - أبو القمح: لقد بدأت الدولة وشركات القطاع الخاص التوسع في زيادة المساحات, لكن المشكلة من جانب آخر, تتركز في أن التقاوي غير متوافرة, ولا تتجاوز كمية التقاوي الموجودة سواء لدي الحكومة والقطاع الخاص نحو400 ألف إردب, تكفي فقط لزراعة1 و2 مليون فدان فقط, وبذلك توفر الحكومة25% فقط من التقاوي, بمعني أن التقاوي المتوافرة تزرع ثلث المساحة فقط, والباقي يدبره الفلاحون من حصاد العام الماضي, وقد أصبح من الضروري أن ترفع الدولة نسبة تغطية التقاوي عالية الجودة إلي50%. ** بادرته بسؤال: كيف نطمح إلي تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح, ونحن نواجه أزمة في التقاوي؟ - أبو القمح: لكي نحقق الاكتفاء الذاتي من القمح, نحتاج إلي زراعة5 ملايين فدان, لكن لو زرعنا هذه المساحة, سوف نستورد كل الحبوب تقريبا, لأنه لا توجد أرض زراعية كافية, وقد يسأل البعض: لماذا لا نتجه إلي زراعة الصحراء؟.. ولهؤلاء أقول أن محدودية موارد المياه, هي التي تحد من التوسع في الزراعة الصحراوية, والأفضل- من وجهة نظري- هو الاستصلاح التدريجي الذي يتناسب مع كميات المياه المتوافرة, وهناك إستراتيجية جديدة تبدأ علي مرحلتين الأولي من عام2010-2017, والثانية تبدأ من عام2017-2030, بحيث نزرع نصف المساحة المحصولية للحبوب(8 ملايين فدان) وبهذه الاستراتيجية سوف نقترب من الاكتفاء الذاتي من كل الحبوب(81% من القمح, و100% من الأرز والذرة), بما فيها الذرة الصفراء اللازمة لتغذية الدواجن. وإذا كنا نريد حل أزمة القمح كما يقول الدكتور علي خليفة مدير مركز الدراسات الاقتصادي والزراعية بكلية الزراعة جامعة القاهرة فعلينا أن نصل بالمساحة المزروعة بالقمح إلي3 ملايين فدان, وقتها سوف نزيد نسبة الاكتفاء الذاتي علي75%, والمشكلة أن التقاوي الجيدة المنتقاة لا تغطي إلا20% من المساحة فقط, وهذا يؤثر بالسلب علي الإنتاج القمحي, وأذكر أنه كان هناك برنامج لمركز البحوث الزراعية منذ أن كان رئيسه الدكتور عبد السلام جمعة, وكان من المفترض أن تغطي90% من المساحة بأصناف من القمح عالية الإنتاجية, لكن قصور الإمكانات في مراكز البحوث الزراعية حال دون ذلك, وتزامن مع ذلك انكماش وتقلص كمية التقاوي المنتقاة ذات الإنتاجية العالية. والحال كذلك, يجب أن تعمل الدولة علي دعم المزارعين, كما يحدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية, وأوروبا الغربية, بحيث توفر التقاوي للمزارعين, بأسعار مناسبة, أو تعطيها لهم مجانا, وكذلك من الضروري العمل علي استنباط أصناف جديدة عالية الإنتاجية, ومقاومة للأمراض, والتغيرات المناخية, التي أثرت علي العديد من مناطق زراعات القمح في العالم. وإذا كنا نواجه أزمة في التقاوي الآن, فماذا سنفعل بعد5 سنوات, فنحن نواجه فجوة قمحية, تدفعنا لاستيراد ما بين7 ملايين وحتي8 ملايين طن, وهذه الفجوة سوف تزداد, كما أننا لا نعلم ظروف السوق العالمية, لاسيما أن الظروف الجوية أثرت علي مزارع القمح في العديد من مختلف دول العالم, كما حدث للقمح الروسي الذي تقرر حظر تصديره للخارج, وبالتالي يجب ألا نعول علي الاستيراد كثيرا, وإنما يجب أن يكون التوسع في زراعة المحاصيل الزراعية الرئيسية كالقمح, والذرة, هو خيارنا الاستراتيجي, وأن نحفز المزارعين بأسعار توريد مناسبة تشجعهم علي التوسع في الزراعة. ارتفاع الأسعار.. وعزوف المزارعين! الأزمة في رأي الدكتور فوزي فتحي سعد أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة القاهرة والحاصل علي الدكتوراه في القمح ترجع إلي ارتفاع أسعار التقاوي, فضلا عن ضعف إقبال المزارعين علي زراعة القمح, بسبب تجاربهم السابقة مع أسعار توريد المحصول, ولو أن سعر التوريد كان مغريا بالنسبة لهم, لأقبلوا علي شراء التقاوي, وتحمسوا لزراعة القمح, وبالتالي تستمر دورة التقاوي, ولا تحدث هذه الأزمة, التي أصبحت بحاجة علي حلول عاجلة, خاصة أن موسم زراعة القمح قد أزف. تقاوي القمح كما يقترح أستاذ المحاصيل يجب أن تعطي بالمجان للمزارعين, علي أن تكون من أصناف منتقاة عالية الإنتاجية, وإذا كانت وزارة الزراعة تخشي علي التقاوي من الفلاحين حتي لا يستخدموها كغذاء في المنازل, فعليها أن تضيف إليها ما يمنع استخدامها في غير الزراعة, وليكن مبيدا مقاوما للحشرات!