هاني عسل قبل عشر سنوات من الآن, لم يكن أي مار في حي تشيلسي اللندني الشهير يدرك أن هذا المكان سيصبح معقلا لأشهر وأقوي أندية الكرة في إنجلترا والعالم خلال سنوات! فنادي تشيلسي_ الذي كان يطلق عليه نادي أصحاب المعاشات سابقاPensioners والذي تأسس عام1905- كانت أبرز إنجازاته الوصول إلي نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي, وخسره أمام شيفيلد يونايتد عام1915, وكانت أول مرة يفوز فيها تشيلسي بالدوري الممتاز في عام1955, وبعدها لم يحقق أي بطولة حتي عام1970 عندما فاز بدوري رابطة الأندية المحترفة, ثم عام1997, وكأس الكئوس الأوروبية عام1998, ومع بداية الألفية الجديدة توالت البطولات, التي كان أبرزها الفوز بثلاث بطولات دوري أعوام2005 و2006, وأخيرا2010. وفي صيف عام2009, أي قبل بداية الموسم المنتهي حديثا(2009_2010), لم يكن أي من المتفائلين يتوقع أن يكون تشيلسي أحد الفرق المتنافسة علي نيل لقب الدوري الإنجليزي الممتاز' البريميير ليج' بحكم الظروف السيئة التي كان عليها الفريق. فالملياردير الروسي رومان أبراموفيتش مالك النادي كان يعاني تداعيات الأزمة المالية علي إمبراطوريته مما أثر كثيرا علي قدرة النادي التنافسية في موسم الانتقالات الماضية, لدرجة أنه اضطر لتنفيذ سياسة' بيع بلا شراء', أي بيع لاعبين لتوفير سيولة مادية مقابل تجديد التعاقد مع أشهر نجوم الفريق, وبدون التعاقد مع لاعبين جدد ممن يطلق عليهم' الصفقات الكبيرة'. والنجم ديدييه دروجبا أشهر هدافي الفريق مر بموسم سيء العام الماضي إبان فترة تولي لويس سكولاري تدريب الفريق قبل إقالته ومجيء الهولندي جوس هيدينك لفترة مؤقتة, بل إنه لعب معظم فترات الموسم الحالي مصابا, وينتظر أن يشارك في كأس العالم مصابا أيضا, ولكنه مع ذلك كان أحد أبرز نجوم وهدافي الدوري الإنجليزي هذا العام بلا منازع! وحتي الجهاز الفني الجديد للفريق والذي تم التعاقد معه في بداية الموسم وهو الإيطالي كارلو أنشيلوتي لم يكن يبعث علي الاطمئنان في نفوس مشجعي' الزرق' أو' البلوز', باعتبار أن تجربته التدريبية السابقة مع ميلانو لم تكن علي ما يرام. ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل إن المشكلة الاجتماعية التي اندلعت بين قائد الفريق جون تيري واللاعب واين بريدج أثرت بشدة علي معنويات الفريق في منتصف الموسم, إلي الدرجة التي اعتقد فيها كثيرون أن هذه الأزمة هي التي ستقضي علي ما تبقي من الفريق. والأهم من ذلك أن مانشستر يونايتد كان ما زال يمر بأحلي فتراته الكروية بعد نجاحه في الفوز بدوري العام الماضي وبطولة العالم للأندية, وأيضا بفضل الاستقرار الإداري والتدريبي الذي ينعم به تحت قيادة مديره الفني الأسكتلندي أليكس فيرجسون, والذي نجح في التعاقد مع النجم الكبير مايكل أوين قبل انطلاق الموسم, وظل متصدرا لجدول الدوري لفترات طويلة, قبل أن ينتزع منه تشيلسي اللقب بصعوبة بالغة في اللحظات الأخيرة من عمر المسابقة. وإلي جانب مانشستر يونايتد كانت هناك القوة الصاعدة في الدوري الإنجليزي مثل مانشستر سيتي وتوتنام هوتسبر وأستون فيلا, والتي بدأت الموسم بقوة مالية وفنية كبيرة أدت في النهاية إلي إزاحة فريق مثل ليفربول عن المراكز الخمسة الأولي في نهاية المسابقة. كل هذه الظروف كانت كفيلة ببقاء تشيلسي بعيدا عن المنافسة, ولكن مع تعاقب المباريات, أيقن الجميع أن تشيلسي لن يكون_ علي الأقل_ خصما سهلا لمانشستر يونايتد علي لقب هذا العام. ولكن الذي حدث أن أبراموفيتش تماسك, ونجح في الاحتفاظ بموقعه كثاني أغني رجل في بريطانيا بفضل عدم اندفاع الرجل في إبرام صفقات كبيرة علي غرار فلورنتينو بيريز رئيس نادي ريال مدريد الإسباني, بل كان تركيزه علي التجديد لنجوم الفريق الكبار وعلي رأسهم دروجبا وجون تيري, وكذلك علي التعاقد مع أنشيلوتي الذي كان أبراموفيتش واثقا في إمكانياته وفي قدرته علي مواصلة خطوات النجاح' الطلياني' في صفوف النادي اللندني بعد الإيطالي جان لوكا فياللي ومواطنه جان فرانكو زولا, إضافة إلي الهولندي رود خوليت الذي جاء من ميلان الإيطالي ليلعب ويدرب في الوقت نفسه في فترة نهضة تشيلسي الأولي في التسعينيات, ونجح أنشيلوتي في التأقلم سريعا علي الحياة في إنجلترا وحقق سلسلة من الأرقام القياسية في أول مشاركة له كمدرب في البريميير ليج. فقد أصبح أنشيلوتي أول مدرب إيطالي يفوز بالدوري الإنجليزي, وثالث مدرب إيطالي يتولي تدريب الفريق بعد فياللي وكلاوديو رانييري, وثالث مدرب أيضا يفوز باللقب لتشيلسي بعد تيد دريك والبرتغالي' العبقري' جوزيه مورينيو. وكان تشيلسي أول فريق يسجل أكثر من مائة هدف في الدوري الممتاز منذ إنجاز توتنام عام1961 عندما سجل مائة هدف واثنين, بينما سجل تشيلسي في الدوري المنتهي101 فقط, كما كان الفوز علي ويجان في المباراة الأخيرة8_ صفر هو أعلي فوز تشهده مباريات دوري هذا الموسم. أما الظروف المعاكسة الأخري فكلها لم تكن بهذا القدر من السوء, فمانشستر كان قويا بالفعل, ولكنه فقد الكثير من النقاط بسبب عدم تجديد دماء فريقه, وخسارته للكثير من القوة بعد رحيل البرتغالي كريستيانو رونالدو إلي ريال مدريد, فضلا عن أن صفقة مايكل أوين' المصاب' لم تحقق أي فائدة للفريق الأحمر, ولعب الحظ دوره في الأسابيع الأخيرة من عمر المسابقة بإصابة نجم الفريق واين روني المتكررة. والمنافسون الآخرون مثل مانشستر سيتي وتوتنهام وأستون فيلا اقتنعوا مع بداية الموسم بصعوبة تحقيق حلم المنافسة علي اللقب, واكتفوا بالصراع علي المراكز الخمسة الأولي, وكان لهم ما أرادوا, وليفربول ابتعد عن المنافسة بغرابة شديدة, وكان الفريق الأفضل نسبيا بعد تشيلسي ومانشستر هو الأرسنال, ولكنه لم يكن في نفس قوة وتجانس تشيلسي, فضلا عن مشكلته الرئيسية في افتقاده للخبرة. ومشكلة جون تيري وبريدج تم حلها سريعا وبصورة تدعو للاحترام, صحيح أن الصحافة الإنجليزية قتلت الموضوع بحثا وحديثا, ولكن النادي الأزرق احتوي الأزمة منذ البداية وقرر تجديد ثقته في الإثنين معا مع التشديد علي ضرورة ألا تمتد خلافات اللاعبين الأسرية إلي أرض الملعب مهما كانت الأسباب. أما دروجبا_32 عاما- فشاءت الظروف أن يقدم واحدا من أحلي مواسمه رغم اقترابه من سن الاعتزال وتكرار إصاباته, ونجح في تسجيل36 هدفا هذا الموسم, ليصبح أفضل موسم له, يليه موسم2006_2007 الذي سجل فيه33 هدفا, وليفوز بلقب الحذاء الذهبي متفوقا علي روني, والأمر نفسه يقال علي فرانك لامبارد الذي سجل أكبر عدد من الأهداف هذا الموسم وهو27 هدفا وإذا كان تشيلسي قد خرج من دوري أبطال أوروبا الحالي, فإن هذا الخروج ربما قد أفاد الفريق في الأسابيع الأخيرة من عمر الدوري الإنجليزي, حيث جعل لاعبيه يتفرغون نفسيا وبدنيا للعب علي اللقب, بعكس مانشستر الذي تضرر كثيرا من بلوغ الدور قبل النهائي للشامبيونز ليج, دون جدوي. وغدا_ السبت_ سيكون تشيلسي علي الأرجح مع اللقب الثاني في هذا الموسم في حالة فوزه علي بورتسموث في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي علي استاد ويمبلي, وهي مباراة لن تكون سهلة علي الإطلاق علي البلوز لأن بورتسموث الهابط إلي دوري القسم الأول سيقاتل من أجل الخروج فائزا ببطولة ترضي جماهيره الحزينة وملاكه الجدد.