ما الذى يمكن أن تفعله الدول المختلفة مع مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم داعش، خاصة بعد نهاية التنظيم فى سورياوالعراق؟ سؤال حارق لاتزال أوروبا، تحديدا، فى حيرة من أمرها بخصوصه، ولا تزال تصريحات مسئوليها وقوانينها تتعثر بين الرغبة فى التخلص من المقاتلين ونسائهم وأطفالهم، من خلال تركهم أمام عقوبة الإعدام داخل المحاكم العراقية، او كلاجئين داخل المخيمات السورية، وبين ما تبقى لهم من حلول بديلة تضمن تطبيق القانون، والحفاظ على صورة أوروبا الحقوقية. خلال الهجمات الأخيرة التى شنتها قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من واشنطن، على آخر معاقل تنظيم داعش فى قرية باغور بدير الزور، وهى آخر منطقة يسيطر عليها التنظيم فى سوريا، تم نقل المقاتلين المشتبه بهم إلى مراكز التحقيق، حيث يتم تجميع بياناتهم واستجوابهم، بينما تم نقل نسائهم مع أطفالهم إلى مخيم الهول، الذى يقول المسئولون عنه، إنه ليس لديهم ما يكفى من الخيام أو الطعام أو الدواء لتغطية أعداد هؤلاء الوافدين. وقالت الأممالمتحدة إن 62 ألف شخص على الأقل تدفقوا على المخيم حتى الآن، وهو ما يفوق بكثير طاقته الاستيعابية، وأن أكثر من 90% من الوافدين الجدد من النساء والأطفال، فيما حذر موظفو الإغاثة الإنسانية من انتشار الأمراض بسبب سوء التغذية. وضعية إنسانية حرجة يعيشها محتجزو تنظيم داعش، كان آخر ضحاياها طفل الفتاة البريطانية شاميما بيجوم، التى جردتها الحكومة البريطانية من جنسيتها بعد معركة قضائية ولم تسمح للفتاة بالعودة إلى بريطانيا، وهاهى تفقد ابنها بسبب تعرضه لمشكلات فى التنفس، وهى التى كانت قد حذرت، فى وقت سابق، إن المخيم ليس المكان المناسب لتربية أطفال. وهذه الواقعة بكل ما أثارته من ردود فعل داخل الاوساط الحقوقية والسياسية والإعلامية الغربية، تعكس بشكل واضح ليس فقط مأزق العالم امام عودة المقاتلين الاجانب وتناقض مواقفه مع القانون الدولي، الذى يحرم جعل أى شخص عديم الجنسية، ولكن أيضا مسئوليته الاخلاقية أمام أطفالهم الذين بات يتم تجريدهم حتى من حقهم فى الحياة، فى وقت هم فيه فى أشد الحاجة الى الرعاية وإعادة الإدماج، نتيجة ان أوروبا لم تحسم أمرها بشأنهم بعد. وغير بعيد عن بريطانيا، فقد تناول الاعلام الغربى عزم الحكومة الفرنسية إعادة ما بين 130 و150 فرنسيا من عناصر التنظيم، ثم تراجعت الأخيرة عن قرارها، مشيرة انها ستكتفى بالنظر فى عودة كل حالة على حدة. فيما لا يزال خيار محاكمة المقاتلين الفرنسيين فى العراق، محل خلاف كبير لأنه فى نظر الفرنسيين لا يضمن المحاكمة العادلة وقد يعرضهم لخطر عقوبة الإعدام، بينما الدولة الفرنسية لم تعد تهتم بتطبيقها فى حقهم، من باب الخلاص منهم، متناسية أن هذا الخلاص لا يفى بأى شكل بالمبادئ التى كثيرا مادافعت عنها والتى تدعى انها تميزها عن أولئك الذين تقاتلهم. أمام هذا المأزق التشريعى والاخلاقى والإنساني، تتعالى أصوات أوروبية مطالبة بإنشاء محكمة دولية (على غرار المحكمة الجنائية الدولية ليوجوسلافيا سابقا) لمقاضاة مقاتلى داعش. وكانت البداية من بلجيكا التى قالت إن على المحكمة الدولية أن تقدم للعدالة جميع المقاتلين الأوروبيين الذين احتجزتهم الحكومة العراقية أو القوة الديمقراطية السورية، على أن يتم احتجاز المقاتلين فى معسكرات الاعتقال فى المنطقة. وبعد ظهور وجود سيدة فنلندية فى صفوف التنظيم من المتوقع أيضا أن تطرح فنلندا، وبتأييد من باقى دول الشمال، إنشاء محكمة دولية فى الشرق الأوسط لمحاكمة العناصر التى شاركت فى القتال ضمن صفوف داعش. ذات المقترح أيدته قوات سوريا الديمقراطية التى اعتبرت أن إنشاء مثل هذه المحكمة سيكسر الجمود مع الحكومات الأجنبية التى ترفض إعادة مواطنيها إلى وطنهم، خاصة أن تلك القوات لا تملك الشرعية لإدانتهم وتفتقر الدعم اللوجستى لإبقائهم لفترة طويلة. لكن ورغم ما يمكن ان يرفعه إنشاء هذه المحكمة من حرج على العديد من الاطراف، إلا أن الأمر يطرح العديد من التساؤلات: كم سيستغرق الأمر حتى يتم إنشاء مثل هذه المحكمة؟ وهل سيتم التنسيق مع جميع الدول المعنية بخصوص القوانين المناسبة للتعامل مع أعضاء داعش؟ وهل سيتم حبس المقاتلين فى بلدانهم أو فى سوريا أو العراق؟ ولا يغيب ما يمكن ان يفرزه ذلك كله من مخاطر على منطقتنا العربية، على المدى الطويل، خاصة بعد تجربة المعسكر الامريكى بوكا فى العراق، والذى أسهم بشكل كبير فى إنتاج جيل من المتطرفين، فمن رحمه خرج تنظيم الدولة. لعل ممانعة الدول الأوروبية فى عودة مقاتليها واقتراحهم ان يتم النظر فى وضع تشريعات جديدة او إنشاء محكمة دولية للتعامل مع العائدين هو فى حقيقته محاولة لتصدير الأزمة إلى الدول العربية. المشكلة تكمن فى أن المنطقة ذاتها لم تعد فى حالة تسمح لها باستيعاب والتعامل مع مخاطر وكوارث إضافية. لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى