جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى مؤتمر ميونخ للأمن , لتذيب جبل الجليد حول الكثير من القضايا المتعلقة بالإرهاب, التى يأتى على رأسها قضية المقاتلين الأجانب "المرتزقة" الذين أصبح لهم دورا فعالا فى العمليات التى يتم ارتكابها خصوصا داخل البلدان العربية. تحذير الرئيس جاء من منطلق أن هناك العديد من الذين تم القبض عليهم داخل سيناء يمتلكون جنسيات أجنبية وهو الأمر الذى ينطبق على آلاف المقاتلين فى سورياوالعراق وغيرهما. "المقاتلون الأجانب" فى سوريا هم أصحاب النصيب الأكبر حيث ترك العديد منهم بلدانهم الأصلية وسافروا إلى دمشق في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، وانضم الكثير منهم إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، كما كان لوجودهم أثرا في تعقيد مسار النزاع هناك وساعد على جعله صراعًا طائفيًا بوضوح بين الأغلبية السنية والطائفة الشيعية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد. وتشهد سوريا من حينها نزاعًا مدمرًا تسبب في مقتل أكثر من 360 ألف شخص، ودمار هائل في البنى التحتية للبلاد ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بل وكانت الكارثة الأكبر بعد سيطرة تنظيم "داعش" في عام 2014، على مساحات شاسعة في سورياوالعراق، ودعوته المسلمين للهجرة إلى ما سماه بدولة "الخلافة" الجديدة. وتقول الأممالمتحدة إن ما يزيد على 40 ألف مقاتل أجنبي قدموا من 110 دولة دخلوا سورياوالعراق للانضمام إلى جماعات إرهابية. وأكدت دراسة موثقة بالبيانات الرسمية والأكاديمية نشرها المركز الدولي لدراسات التطرف التابع ل"كينجز كولدج" في لندن في يوليو 2018، أن عدد الأجانب في صفوف تنظيم "داعش" تحديدًا يبلغ 41.490 شخصًا (بواقع 32.809 من الرجال و 4.761 امرأة و4.640 طفلًا) من 80 دولة. وخلص الباحثون إلى أن 18.852 من هؤلاء الأجانب قد وفدوا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و7.252 من شرق أوروبا، و 5.965 من آسيا الوسطى، و5.904 من أوروبا الغربية، و1.010 من غرب آسيا، و1.063 من جنوب شرق آسيا، و753 من الأمريكيتين وأستراليا ونيوزلاندا، بالإضافة إلى 447 من جنوب آسيا، و244 من جنوب الصحراء الكبرى. ويبلغ عدد الأجانب الملتحقين بتنظيم الدولة من المملكة المتحدة قرابة 850 شخصًا، بينهم 145 إمرأة وخمسين طفلًا. ويعتقد التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد "داعش"، الذي يوفر دعمًا جويًا ومستشارين عسكريين للقوات المحلية المنتشرة في سورياوالعراق منذ عام 2014، أن الأغلبية العظمى من مسلحي التنظيم قد ماتوا أو اعتقلوا، لكنه يرفض تقديم عدد محدد للقتلى من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم، حسبما نشرت شبكة "بي بي سي" البريطانية. وقال رئيس جهاز الأمن الداخلي، "أم آي 5" في أكتوبر 2017، إن أكثر من 130 بريطانيًا ممن سافروا إلى سورياوالعراق للقتال مع تنظيم الدولة قد قتلوا. وصرح أيضًا عبد الكريم عمر، المسئول في قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم ميليشيات كردية وعربية تحظى بدعم أمريكي، بأن نحو 800 مقاتلا أجنبيا في صفوف تنظيم الدولة من نحو 50 دولة هم الآن قيد الاعتقال لدى هذه القوات, وأن هناك ما لا يقل عن 700 امرأة و1500 طفل محتجزون في معسكرات إيواء. وأعلنت الأممالمتحدة، أن حوالي ألف مقاتل أجنبي آخر، بعضهم لم تحدد جنسيته، كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم داعش في العراق هم قيد الاعتقال الآن. وتم إجبار "داعش" على الانسحاب من معظم المناطق التي كان يسيطر عليها في أعقاب خمسة سنوات من المعارك الدموية الضارية مع القوات السورية والعراقية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة. وقال أمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرس، إن داعش ما زال يضم في صفوفه ما بين 14 إلى 18 ألف مقاتل في سورياوالعراق، من بينهم نحو ثلاثة آلاف أجنبي. وأكد الباحثون في المركز الدولي لدراسات التطرف، أن ما لا يقل عن 7.366 من المقاتلين الأجانب في صفوف داعش قد عادوا أدراجهم إلى بلادهم، بينهم 256 إمرأة وقرابة 1.180 طفلاً. وعاد حوالي 3.906 مقاتل أجنبي من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى بلادهم، و 1.765 إلى أوروبا الغربية، و784 إلى أوروبا الشرقية، و338 إلى آسيا الوسطى، و308 إلى جنوب شرقي آسيا، و156 إلى جنوبي آسيا، و97 إلى الأمريكيتين وأستراليا ونيوزلاندا، و12 مقاتلًا إلى جنوب الصحراء الكبرى. وحسب تقرير المركز، فقد تأكدت عودة امرأتين وأربعة أطفال فقط من بين 425 شخصًا من هؤلاء إلى المملكة المتحدة. وقد عبرت الأممالمتحدة عن خشيتها من أن ينشط هؤلاء العائدين مجددًا بعد إطلاق سراحهم، وقالت إن النساء المتطرفات والأطفال الذين تعرضوا للصدمة قد يشكلون خطرًا أيضًا. بجانب ذلك يعيش أكثر من ألفي طفل من أبناء المقاتلين الأجانب داخل سجون في العراق، وفي ثلاثة معسكرات تابعة لقوات سوريا الديمقراطية داخل سوريا. ويعيش هؤلاء الأطفال في ظل ظروف صعبة، محرومين فيها من التعليم أو الخدمات الأساسية، وقد احتجز معظمهم مع أمهاتهم، بينما كثير من أبائهم إما معتقلون أو مفقودون أو قُتلوا. وتقول منظمة "هيومان رايتس ووتش"، إن غالبية هؤلاء الأطفال لم توجه إليهم أي تهم، بينما ترفض معظم الدول التي ينتمون إليها الدعوات لاستردادهم، ويبرر مسئولون ذلك بأن الأطفال الذين عانوا ظروفًا كهذه قد يشكلون تهديدًا أمنيًا، أو لا يمكن التأكد من جنسياتهم. وتحذر الأممالمتحدة من خطر أن يصبح هؤلاء الأطفال من "البدون" أي من لا يحملون جنسية دولة محددة، وذلك على الرغم من أن بعضهم يمتلك جنسيات دول أو يمكنهم المطالبة بذلك. ودعت "هيومان رايتس ووتش"، إلى ترحيل جميع الأطفال ممن هم دون سن ال 18 فورًا، وتطوير برنامج مختص بحماية الأطفال لضمان دمجهم بشكل كامل في بلدانهم الأصلية. مؤخرا انتشر الذعر والخوف أيضًا في العديد من البلاد الأوروبية، بعد أن دعت الولاياتالمتحدة إلى ترحيل مئات المقاتلين من الرجال والنساء والأطفال الأجانب الذين اعتقلوا في جبهات المعارك مع تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا إلى بلادهم الأصلية. وطالب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، في تغريدة على موقع "تويتر"، الحلفاء الأوروبيين باستعادة أكثر من 800 من مقاتلي تنظيم "داعش" الذين تم أسرهم في سوريا وإحالتهم للمحاكمة، قائلًا: "الخلافة على وشك السقوط، البديل ليس بديلًا جيدًا حيث إننا سنضطر إلى إطلاق سراحهم". وتخشى السلطات الأمنية في الدول الغربية عودة الإرهابيين وعائلاتهم من سوريا، حيث ترى أنهم تلقوا تدريبات وحصلوا على مهارات وقدرات تجعلهم يشكلون خطرًا أمنيًا كبيرًا، كما يعتبرونهم وباء ينفر منه الجميع، خوفًا من تأثيرهم على أفكار الآخرين ومعتقداتهم. وأكدت السلطات الكردية شمال سوريا، أنها لن تفرج عن مقاتلي تنظيم "داعش" المحتجزين لديها، داعية الدول الأوروبية إلى تحمل مسؤوليتهم، وذلك في الوقت الذي تبدي فيه الدول الأوروبية مواقف متبانية تتأرجح بين الرغبة في استعادة مواطنيها ومحاكمتهم داخليًا، وبين ضرورة محاسبتهم في المكان الذي ارتكبوا فيه جرائمهم. وبحسب مسئولين أكراد، فيقدر عدد الإرهابيين الدواعش المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية بنحو 800 إرهابيا، يضاف إليهم 1500 طفل و700 زوجة ويمثلون جميعهم قنابل موقوتة، وسط تخوف من هروبهم خلال أي هجوم على المنطقة الكردية. وردت دول أوروبية، على مطلب ترامب، باستعداة مقاتلي داعش الأجانب من سوريا، بالرفض الشديد، معربة عن مخاوفها من انتشار وباء التنظيم الإرهابي على أراضيها. وقالت وزارة الخارجية الألمانية، إن تنفيذ مطلب الرئيس ترامب سيكون صعبًا للغاية، وذكر وزير الخارجية الألمانى هيكو ماس، أن المواطنين الألمان يحق لهم العودة قانونًا، لكن لا توجد طريقة لتحقيق ذلك في سوريا. وأضاف ماس: "هناك حالات إنسانية كالنساء والأطفال عادت بالفعل، ولكن هذا سيكون متاحًا في حالات أخرى إذا أمكن إطلاق إجراءات المحاكمات على الفور، نحتاج إلى معلومات وتحقيقات وكل هذا غير موجود، وطالما الأمر كذلك، أعتقد أن هذا أمر يصعب تنفيذه تمامًا". ونقلت صحيفة "بيلد" الألمانية واسعة الانتشار، عن مصادر لم تسمها، أن عدد عناصر داعش الألمان المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية، شمالي سوريا، يتخطى ال40 مسلحًا، فضلًا عن 80 طفلًا ولدوا معظمهم في الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم. ووضع وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، شروطًا أمام استعادة برلين لمقاتليها المنخرطين في صفوف "داعش"، والمحتجزين في سوريا، حيث قال لصحيفة "زود دويتشه تسايتونج" الألمانية، إنه لتحقيق المصالح الأمنية لبرلين، لا بد للحكومة أن تضع شروطًا لإتمام عملية استعادة المقاتلين الحاملين للجنسية الألمانية والمحتجزين في سوريا، حيث إن كل حالة يجب أن تفحص على حدة، قبل أن يوضع الشخص في الطائرة التي ستقله لألمانيا. وأكد زيهوفر، ضرورة معرفة هوية كل مقاتل بشكل كامل، والتأكد من أنه لا يمثل خطرًا أمنيًا، وأنه لا بد أن تكون الاتهامات الموجهة لكل مقاتل واضحة قبل استعادته، وأيضًا يجب أن تكون الأدلة التي تملكها الدول الأخرى ضده معروفة. وتابع زيهوفر: "لا بد من منع مقاتلي داعش من حاملي الجنسية الألمانية، الذين ارتكبوا جرائم كبيرة إبان قتالهم في صفوف التنظيم من التحرك بحرية في بلادنا، لا نريد أن نستعيد أشخاصًا خطرين قبل أن نتأكد بشكل كامل من إمكانية احتجازهم في ألمانيا فور وصولهم، يجب أن تكون صادرة بحق كل مقاتل ارتكب جرائم خطيرة مذكرة توقيف من القضاء الألماني قبل استعادته". ومن جانبها، أعلنت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه، أن بلادها لن تتخذ أي إجراء فى الوقت الحالي لاستعادة المئات من مقاتلي داعش، موضحة أن فرنسا ستعيد المقاتلين على أساس مبدأ "كل حالة على حدة". وقالت بيلوبيه: "هناك وضع جيوسياسي جديد في ظل الانسحاب الأمريكى، ولن نغير سياستنا في الوقت الحالى، لن تستجيب فرنسا في هذه المرحلة لمطالب ترامب". وأفاد وزير الداخلية الفرنسى كريستوف كاستانير، بأن انسحاب الولاياتالمتحدة من سوريا أجبر فرنسا على الاستعداد لعودة عشرات المتطرفين الفرنسيين الذين تحتجزهم سلطات كردية مدعومة من واشنطن. وتعد فرنسا من بين أكثر الدول قلقاً من عودة الأجانب المنضمين لصفوف داعش إلى بلدانهم، إذ شهدت سلسلة من الهجمات التي كان وراءها تنظيم "داعش"، ومن بينها الهجوم الدامي في باريس في نوفمبر 2015 الذي أدى إلى مقتل 130 شخصًا. وتقضي سياسة الحكومة الفرنسية برفض استعادة الإرهابيين وزوجاتهم رفضاً قاطعاً، وأشار إليهم وزير الخارجية جان إيف لو دريان، باعتبارهم "أعداء" الأمة الذين يجب أن يمثلوا أمام العدالة سواء في سوريا أو العراق. وأعلن أيضًا المتحدث باسم رئيس الوزراء الدنماركي، مايكل ينسن، رفض بلاده استقبال الدواعش قائلًا: "إن الحديث يدور عن أخطر أشخاص في العالم، ولذا لا ينبغي لنا أن نستقبلهم". وأشار ينسن إلى أن قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا الذى أعلن عنه فى ديسمبر الماضى، سابق لأوانه، لأن الوضع فى البلاد لا يزال غير مستقر. وأعلنت بريطانيا أنها لن تقبل عودة عناصر "داعش" إلى أراضيها، وشددت على ضرورة محاكمة المسلحين الأجانب في المكان الذي ارتكبوا فيه جريمتهم. وقال وزير الأمن البريطاني، بين ووليس، إن حكومة بلاده لن تخاطر بأرواح مواطنيها لاستعادة الدواعش المحتجزين في سورياوالعراق. كما أكد وزير الداخلية البريطاني ساجيد جاويد، أنه لن يتردد في منع عودة البريطانيين المنتمين ل"داعش"، قائلًا: "بصفتي وزيرًا للداخلية، فإن أولويتي هي ضمان سلامة وأمن هذا البلد ولن أسمح بتعريضه للخطر". وبعد حديث ترامب، بدأت أسر هؤلاء المسلحين والمرتبطين بهم في بريطانيا في التحرك لعودة ذويهم. وكانت الواقعة الأشهر ل"شاميما بيجوم" الفتاة البريطانية الشهيرة ب"عروس داعش" التي انضمت إلى تنظيم داعش الإرهابي منذ 4 سنوات قبل أن تفر من ويلات الحرب. وقالت أسرتها إنها أنجبت طفلًا في مخيم للاجئين السوريين، مطالبة لندن بإعادتها مع طفلها، غير أن الداخلية البريطانية أسقطت عنها الجنسية رافضة عودتها. أما الولاياتالمتحدة نفسها التي طالبت الدول الأوربية بتسلّم مواطنيها، رفضت عودة الإرهابية هدى مثنى إلى بلادها مرة أخرى. وقال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، في تغريدة نشرها على حسابه الشخصي بموقع "تويتر":"لقد أصدرت تعليمات لوزير الخارجية مايك بومبيو، وهو يوافقنى تماماً، بعدم السماح لهدى مثنى بالعودة إلى البلد". ووفقًا لوسائل إعلامية فإن هدى مثنى، من ولاية "ألاباما" الأمريكية، وقد سافرت إلى سوريا قبل 5 سنوات للالتحاق بتنظيم "داعش" الإرهابي، وتزوجت من 3 رجال، وتقول إنها نادمة على ما فعلته وتتوسل أن يسمح لها بدخول أمريكا مجددًا.