بكل المقاييس العسكرية والسياسية انتصرت فصائل المقاومة فى غزة وأرست قواعد جديدة للصراع ستأتى ثمارها فى أى مفاوضات إسرائيلية حمساوية قادمة وخصوصا فى قضية تبادل الأسري، وهى أول الملفات المطروحة لأنها تمثل ورقة ضغط من الجمهور الإسرائيلى وعائلات الجنود الأسرى على رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو وحكومته. استقالة ليبرمان ربما تكون أول الخيط، وستتبعها انتخابات إسرائيلية مبكرة قد تطيح بزعامة نيتانياهو، ولكن الأهم فى التطورات الأخيرة بعد نشوة النصر هو تراجع المصالحة الفلسطينية. وجاءت تصريحات القيادة العليا فى حماس تصب غضبها على الرئيس عباس وسلطة رام الله، وأصبح الذهاب إلى انتخابات فلسطينية أمرا مستبعدا على الأقل فى المرحلة الراهنة. كسب عسكرى وسياسى الكسب العسكرى الذى حققته الفصائل على إسرائيل هو إحباط محاولة اختراق غزة غير المبررة التى قام بها جنود الجيش الإسرائيلى بما بعث برسالة حادة إلى الجمهور الإسرائيلى مفادها فشل نيتانياهو فى تحقيق الأمن أو إحداث انتصار ملموس على قطاع غزة، والأهم هو استخدام صاروخ الكورنيت فى استهداف حافلة تقل الجنود، فصواريخ الكورنيت محرقة للدبابات والدروع، وهو أمر أزعج المستوى العسكرى لإسرائيل، وحتما سيحدث تغيرا استراتيجيا فى أى مواجهة عسكرية قادمة. والأمر المزعج أيضا عسكريا لإسرائيل هو إطلاق صاروخ نوعى ذى رأس شديد الانفجار تجاه عسقلان بدقة فى التصويب جعلت تل أبيب تقبل بالوساطة المصرية ولا تلتفت إلى استقالة وزير الدفاع الإسرائيلى وتدخل فى الهدنة، لأن إسرائيل بحسابات المكاسب والخسائر لا تستطيع أن تدخل فى مغامرة غير محسوبة العواقب، أما الانتصار السياسى فهو حالة التخبط والاتهامات المتبادلة بين الحكومة والمعارضة داخل إسرائيل وخروج ليبرمان بهذه الطريقة التى قضت فى الأغلب على مستقبله السياسى وأنهت مرحلة من العنف واليمينية المتطرفة التى يقودها ليبرمان. من حق المنتصر أن يزهو بانتصاره وخصوصا فى حالة غزة المحاصرة منذ 2005 وذاقت ثلاث جولات حرب أدخلت المواطن الغزاوى فى ظروف إنسانية ومعيشية بالغة السوء، ولكن أن يتطرق الزهو بالنصر على إسرائيل إلى عباس وسلطة رام الله، فهذا معناه أن المصالحة الفلسطينية تتراجع. وفى حديث تليفزيونى قال محمود الزهار القيادى فى حركة حماس إن المقاومة الفلسطينية تستطيع ردع إسرائيل، وقادرة على استهداف تل أبيب والأماكن التى لا تتوقعها، وان وقف إطلاق النار لمصلحتنا، ولكن لا نعطيه مجانًا والاحتلال يدرك أنه خاسر. أما رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية فأشاد بالمقاومة، وقال إنها حققت انتصاراً عسكرياً وأمنيا فى أقل من أسبوع، من خلال إفشال عملية أمنية فى خان يونس، وقال فى حديث تليفزيونى : «لقد تحقق انتصار سياسى باستقالة وزير الدفاع الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان»، ورأى أن إعلان ليبرمان عن الاستقالة هو إعلان هزيمة له ولهذا الكيان الغاصب. جمهور يمينى لم يكن الجمهور الإسرائيلى أكثر جنوحا للسلام من قادته أو حكومته، ويظهر استطلاع للرأى إلى أى حد يفضل شعب إسرائيل الحرب والانتقام على التعايش السلمي، فحسب الاستطلاع الذى أجرته هيئة البث الإسرائيلي، أيد 64% من الإسرائيليين استمرار العملية العسكرية ضد قطاع غزة، بينما عارضها 21% منهم، ويعتقد 49% من الإسرائيليين أن حركة حماس انتصرت، فيما يرى 21% منهم أن إسرائيل انتصرت، بينما يعتقد 15% أن الطرفين متساويان، كما أن 74% من الإسرائيليين غير راضين عن الأداء الأمنى لرئيس الوزراء نيتانياهو خلال العملية العسكرية، وأعرب 57% عن عدم رضاهم عن أداء وزير الدفاع الإسرائيلى المستقيل، كما أيّد 73% من الإسرائيليين شن عملية عسكرية جديدة ضد حماس فى غزة. تثبيت الهدنة وحسب آخر تفاهمات جرت بين حماس وإسرائيل كان اتفاق 2014 الذى بموجبه تم وقف إطلاق النار على غزة بوساطة مصرية أممية، وتسعى الأممالمتحدة إلى تثبيت وقف إطلاق النار كما جاء فى مؤتمر صحفى عقده نائب المتحدث الرسمى باسم الأمين العام فرحان حق بالمقر الدائم للمنظمة الدولية فى نيويورك، حيث قال : «إن الأولوية فى هذه المرحلة هى وقف القتال، وهو ما تم، ونحن مستمرون فى حث الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ومنع نشوب حرب جديدة ونسعى لوقف جميع أشكال العنف لأن ذلك فى مصلحة الطرفين ويعمل المبعوث الخاص نيكولاى ميلادينوف، على المدى القصير، على العودة إلى وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه عام 2014 وتحسين الوضع الإنسانى فى غزة وعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع».
سقوط ليبرمان وكانت الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة قد أعلنت وقف إطلاق النار مع إسرائيل بجهود مصرية، بعد تصعيد المواجهات فى اليومين الأخيرين. وأصدرت بيانا باسم الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة قالت فيه إن جهودًا مصرية أسفرت عن تثبيت وقف إطلاق النار بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، وإن المقاومة ستلتزم بهذا الإعلان مادامت التزمت به إسرائيل، وعقب بيان الفصائل قدم ليبرمان استقالته من منصبه احتجاجا على قرار المجلس الوزارى المصغر «الكابينيت» بقبول الهدنة، بعد تصعيد دام يومين، وكانت العمليات العسكرية مرشحة للتطور وتوسيع الهجمة، قوبل القبول الإسرائيلى للتهدئة بردود فعل غاضبة من قبل المعارضة والإعلام، اتهموا الحكومة بالخضوع لمطالب حماس. ولطالما كان ليبرمان، مثيرا للجدل بتصريحاته، وقالت عنه مجلة «فورين بوليسي» إنه كان قد بدأ حياته حارسا فى ملهى ليلى بإسرائيل، وانخرط فى السياسة حتى وصل إلى منصب وزير الدفاع، واعتقد أنها فرصته للممارسة العدوانية المتطرفة، ولكن قرار الحرب الذى يملكه مجلس الوزراء المصغر فى إسرائيل منع ليبرمان من التنفيس عن عنفه. بعد أن كان ليبرمان يصر خلال الأشهر الماضية على توجيه ضربة عسكرية لغزة، كطريق للتهدئة رغم معارضة الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية.