تُشبهها إلي حد التطابق.. في مرحلة ما كنت أراها في كل الوجوه، والأجساد، والأصوات. كُلهن كُنَّ يشبهنها. حتي أنا كنت أشبهها. كنت كلما أنظر في المرآة أراها. أحادثها، ونضحك معا. لكن الأيام أخمدت بركان المشاعر، أو لعله البُعد، وزواجها، ثم سفرها مع زوجها إلي آخر الدنيا، ودخولي، وخروجي في تجارب تعزف علي وتر الرغبة، والوعود الكاذبة، والبحث عن بدائل. فار البركان مرة أخري فور أن رأيت الشبيهة. تأكدت أنني لم أكن في الحقيقة نسيتها، ولكنها كانت رغبات العقل للهروب من الألم. يا إلهي! إنها صورة أخري مجسدة منها, مع فروق قليلة في الطول، وطريقة ارتداء الملابس. انتبهت إليها وأنا أرميها بنظرات مختلسات عدة مرات، وحمدت للظروف أن التطابق لم يكن تامًا، فلم أكن لأعرف كيف نتواجه بعد كل هذه السنوات، خصوصًا وأنا أذكر جملتها الأثيرة: «الدنيا صغيرة جدًا.» لم أكن وقتها أملك شيئًا سوي قلب مُوله، وأحلام. والأحلام لا تبني حتي عشًا من قش في هذا البلد، ولا أريد أن أدخل في حسابات، وخيوط عنكبوتية ستضيع معها حياتان بدلًا من حياة واحدة. أجل! الحياة صغيرة جدًا كحبة بندقة، لكنها عصية علي الكسر. انفلتُّ من الحنين والذكري، وهربت من المكان لأسقط في جوف مقهي غير بعيد، ألم شتات قلبي المبعثر. لم يكن من الحصافة أن أتقدم، وأسأل إلي أي درجة قرابة تنتمي إليها، رغم أن المكان يسمح بهذه الكلمات العابرة، والتعارف في جو مُعبأ بالترقب، والمرح، فلم يكن في فمي كلمة، ولا في قلبي قدرة علي الصمود. ذبت في دخان الشِيَش، والأراجيل، ورائحة القهوة, علي كرسي المقهي أمام طاولة بيضاء. وضعت أوراق قصصي علي الكرسي المواجه، ثم أشرقتْ مرة أخري علي سلالم المبني، وأحدهم يشير لها إلي المقهي الذي أقعد في زاوية منه. لا شك إنها مكلفة بالبحث عن أحد، أو عني؛ لتكتمل الجلسة التي جئنا لأجلها إلي هنا، أو إنها ....... كانت تعبر الطريق إلي المقهي، وقلبي يخفق كطائر يستعد للطيران خارج جسمي إلي... هناك علي الناحية الأخري حيث كانت تعبر شارعًا آخر منذ سبع سنوات، وأنا جالس في مقهي علي ناصية الجامعة أنتظرها. تبتسم وهي تُمرر إليَّ تلك النظرة التي أتذكر بها كلمتها الضاحكة: الو ذهبت إلي أي مكان سأرسل عفاريتي وراءك.ب انطويت مكاني مذهولًا. أخذت أرنو إلي الأزمنة التي تذوب أمامي متحاشيًا النظر إلي مرايا المقهي من حولي.