وفد نقابة المهندسين يزور البطريركية المرقسية بالإسكندرية للتهنئة بعيد القيامة    وزارة التجارة تتعاون مع "القومى للبحوث" لربط البحث العلمي بالصناعة    تعاون بين وزارة الاتصالات وشركة "إكسيد"    أول تعليق من الأمم المتحدة على غلق مكاتب قناة الجزيرة بإسرائيل    ما لا يزال يُسمى بالربيع    الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية أوشيريتين الأوكرانية بشكل كامل    ليفربول يتقدم على توتنهام بهدف نظيف بعد مرور 30 دقيقة (فيديو)    حالة الطقس غدا الاثنين 6-5-2024 في الإسماعيلية    مجازاة مدير مدرسة عقب تداول امتحانات الصف الرابع بتعليم ببا في بني سويف    يوسف زيدان وفراس في مرمى النقد بسبب عميد الأدب العربي.. مدحت العدل: طه حسين زلزل المفاهيم التقليدية.. ونشطاء: معيار المبيعات ساذج لا يخرج عن مثقف    فسيخ ورنجة    تامر عاشور يضع اللمسات الأخيرة على أحدث أغانيه، ويفضل "السينجل" لهذا السبب    صرح بأنه أفضل من طه حسين.. 10 معلومات عن السوري فراس السواح    بالفيديو.. أمينة الفتوى: الحب الصادق بين الزوجين عطاء بلا مقابل    أمينة الفتوى: لا مانع شرعي فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    في اليوم العالمي لنظافة الأيدي، مخاطر الغسل المبالغ فيه لليدين    «الصناعات الهندسية» تبحث تعميق صناعات الكراكات بمصر    الخارجية الفلسطينية تدين قيود الاحتلال على كنيسة القيامة والاعتداء على مسيحيي القدس    تكثيف أمني لكشف ملابسات العثور على جثة شاب في ظروف غامضة بقنا    «معلومات الوزراء»: مصر تحرز تقدما كبيرا في السياحة العلاجية    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    «حافظا على صحتك».. تحذيرات من شرب الشاي والقهوة بعد تناول الفسيخ والرنجة    انتشال أشلاء شهداء من تحت أنقاض منزل دمّره الاحتلال في دير الغصون بطولكرم    الأهلي يبحث عن فوز غائب ضد الهلال في الدوري السعودي    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    الآن.. طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    نفوق 12 رأس ماشية في حريق حظيرة مواشي بأسيوط    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    وزارة العمل تنظم ندوة لنشر تقافة الصحة المهنية بين العاملين ب"إسكان المنيا الجديدة"    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    وزير الرياضة يشكل لجنة للتفتيش المالي والإداري على نادي الطيران    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    جناح مصر بمعرض أبو ظبي يناقش مصير الصحافة في ظل تحديات العالم الرقمي    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    بين القبيلة والدولة الوطنية    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    تكريم المتميزين من فريق التمريض بصحة قنا    اليوم.. أحمد سعد يُحيي آخر جولاته الغنائية في أمريكا.. تفاصيل    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدة المقهى..قصة محمد على القليوبي
نشر في البوابة يوم 27 - 03 - 2013

أنوار الليل تهمس على أرصفة الشوارع الصامتة التي كانت بالصباح مصمتة بحركة أقدام المارة والحكايات. أنظر غلى السماء بالأعلى التي تسير بين حشاياها السحب الغائمة. المطر !. ابتسمت لمجرد هطول الفكرة على مسامع أفكاري. أسير محتضناً كوفيتي الصوفية. أتلمس بأرنبة أنفي أنفاسي الهادئة التي تحولت إلى هواء أبيض اللون من امامي. أتنهد ربما أنفث بعض من هموم يوم شاق لهذه الليلة.
انتقلت إلى المقهى على ناصية الشارع الذي أسير فيه. اعتدت تناول فنجاناً من القهوة على حداي في البار الخشبي الصغير، فقط أدخل لأنظر لحركتي المتأنية وأنا أستمتع بالرشفة تلو الأخرى وأمامي الشارع الفارغ من البشر خلف الزجاج الشفاف الذي يغلف المكان.. أترقبها بعيني. شعرها المطعم باللون الفضي. تجاعيد وجهها قسمت خريطة ملامحها إلى الحزين و الحزين بعض الشيء و الحزين جدا ً!.
تجلس سارحة إلى فنجان قهوتها النصف ممتلئ. و تتقطع بنظرتها على بعض المحيين من الأصدقاء الغير معروفين ببسمة أنكرتها بين ثنايا وجهها الهزيل المكرمش. ضمت جلستها على الطاولة الدائرية الصغيرة مع فنجانها الذي تمر عليه من وقت لأخر، مطفأة معدنية زرقاء اللون مليئة مسجا بها عدد لا بأس به من الأعقاب البيضاء. علبة سجائر من نوع لاكي استرايك أو المارلبورو، لم يكن واضحاً !، و قداحة ذهبية لم تهدأ نيرانها مع كل نفس منها. تلفت بعين مختلسة إلى فستانها الحريري الاسود، وجسدها الممتلئ إلا قليلا. عينيها البارزتان اللتان التقتا عيناي فجأة وكأنها أوقفت أحد اللصوص في حديقة منزلها المغترب !.
اعتدلت بصورة متوترة وابتسمت لها ابتسامة ممزوجة ببعض القلق على شفاهي. ثم اشارت لي بالإقتراب ولم يتعلق أي تعبير على ملامح وجهها الشائب. تلفت حولي فتأكدت أن الإشارة تخصني أنا. فلم يكن هناك بالمقهى سواي وهي وسيجارتها التي لم تفارق يدها. لكن لم أجد مني إلا استجابة لإشارتها التي كانت سيجارة تطير علتها في الهواء بين أنامل امرأة عجوز.
هذه المرة الأولى التي أجلس فيها مع واحدة من أقدم الزبائن هنا. تأتي كل ليلة لتجلس على هذه الطاولة برفقة علبة سجائرها الحميمة. شاردة من الزجاج الأبيض إلى ظلام الخارج، وبعد نفس عميق ملأ الأجواء بالدخان قالت :
_ أعلم أنك تريد معرفتي، من هه العجوز التي تأتي كل ليلة هنا.
هممت بالكلام لكنها استطرد قبل حرفي الأول.
_ أسكن بالقرب من هنا على ناصية الشارع المجاور، منذ عشرين عاماً وجلستي اليومية المعتادة هنا، على هذا الكرسي وهذه الطاولة، في وقت يشبه تلك الليلة تركني حبيبي الوحيد، فقط قال لي “,” سأذهب ! “,”.مثله مثل باقي الرجال يستطيع أن ينهي حياة امرأة بكلمة واحدة هاربة من فمه. رأيته لأخر مرة يخرج من باب المقهى متأبطاً سترته الصوفية، لكن المختلف هذه المرة غياب المطر في الخارج. لماذا لا يوجد مطر الأن؟!
لم تنظر إلي وهي تتحدث. فقط عينان متعلقتان بباب المقهى الزجاجي وسيجارة لم تحولت إلى رماد في يديها. مجت الرماد في المطفأة بعد أن نظرت إلى السيجارة المنسية نظرة اعتذار طفلة صغيرة عن ذنب اقترفته. عن لقاء منتظر بين شفتيها الصغيرتان. تركتها وحيدة تحترق. تنفث نفسها بنفسها !.
قالت وهي تنظر إلي بعينيها البارزتين الخضراوتين، بعد أن أشعلت سيجارة أخرى ونفخت دخانها في الهواء ناحية الباب.
_ أحبني أيضاً على هذا المقهى. طويل ووسيم. جلسنا كثيراً على كل طاولات وبارات هذا المقهى، إلا هذا المكان الذي نجلس فيها سوياً. أنا وأنت.
ارتفع صوتها قليلاً ليظهر عمر مضى في نبرتها، وأكملت..
اصطحبني أياماً إلى قاعة السينما التي أغلقت بالقرب من هنا. و أياماً أخرى إلى شوارع خالية من الأقدام. ليقبلني بالطبع.
قالتها وهي تبتسم ابتسامة خفيفة وهي تأخذ نفساً أخر من سيجارتها. وبنبرة بطيئة قالت..
تركني بعد كل هذا. وحيدة. هو ظن أني سأصبح وحيدة لكني وجدت هذه السيجارة وحيد أيضاً. مثلي تماماً. فقط تشتعل لتنتهي وتبدأ من جديد. هل لك حبيبة؟. لا تجيب. لم أجد معك سيجارة وتنظر إلى نفسك كثيرًا في مرأة البار. كان مثلك هو أيضاً لا ينفث السجائر. فقد كنت أنا من تحترق. أنظر إلى هذه الورقة الرقيقة البيضاء. تستطيع أن ترقص و تغني أيضاً. جمرتها التي تلتف كراقصات الباليه مع كل نفس من أنفاسي الصغيرة.
_ أتعلم ؟. لم يشبهه أحد. أحببته لدرجة أنني لم أمسس يد رجل أخر بعده. آآه. يداه !. كانت تنسي الدنيا من حولي _بالمناسبة بعد أن ننتهي من حديثنا هذا لا تشغل تفكيرك بمصافحتي. أنت رجل أخر أيضاً. سأكتفي بأن أتحدث معك فقط _ ماذا أقول عنه ؟!. كان يمسك بيداي في أوقات المطر لنجري سوياً. كان ينظر لنا المارة نظرة استغراب. لسان حالهم يقول من هؤلاء الحمقى ؟!. هاهاهاها.
_ أنا أيضاً لم أشبه أحد ممن عرفهم. فقد كنت أنا الوحيدة التي سارت خلف تابوته. مع صديقتي البيضاء طبعا. سيجارتي العزيزة. هاهاها. كنت على أمل أن أراه بعد غيابه الذي جعلني وحيدة على هذه الطاولة. أنتظره كما كنت دائماً. وها قد أتى أخيراً. تركني في تابوت خشبي مع سيجارتي. كنت أحبه في الحقيقة. كنت.
شردت بعينيها المبتسمتان بعد أن أخذت نفساً أخر من صديقتها البيضاء بين يديها. أرى الأن طفلة تجلس بجواري. لا تترك لي حرية الكلام أو حتى التعبير. كلماتها تعقبها كلماتها!. من هذه العجوز؟!. لماذا أستمع لها من الأساس!!. سأنصت إلى الصوت الخفيض المجهول في المكان. أغنية تبدو لفيروز أو فيروز إما فيروز. طلبت من النادل أن يرتفع بصوته المجهول قليلاً. بالفعل هي فيروز تغني بصوت ملائكي “,” إيه في أمل “,”. بعرف شو يعني إذا إنت بعيد. فيه أمل إيه في أمل.
لم أجد أمامي إلا سيجارة تتراقص في الهواء وهي تلتف مع يد السيدة بجواري. أغمضت عينيها وهي تبتسم و تهتز مع كل كلمة ولحن من الأغنية. لتهطل من عينها دمعة وحيدة حزينة. تجاهد في سيرها على خطوط وجهها على رسمة شفتيها المبتسمة. تحمل معها دفئ المكان والحوانيت بجوارنا. ربما فيلم سينمائي قيم بألوانه الباهتة أمام عيناي. دمعة عادت بهذه السيدة إلى سنين مضت.
شابة صغيرة تجلس على المقهى تنتظره. صوت الراديو القديم يذيع بعض الموسيقى الكلاسيكية. الحركة هادئة بطبعها في المكان. يأتي من الخارج مبتسماً وهو متأبط لسترته السوداء الصوفية. يحضنها بعد اشتياق. يعود لها الهدوء بعد أن رأته أمامها. ربما تمازحا قليلاً في البداية. غازلها بكلمات وقعت على سمعها. أعطتها الأمل !. هدية صغيرة سعدت بها !. أو أمسك بيديها ليقبلها كما إعتاد في كل لقاء. سارا معاً في الشارع الهادئ وحدهما. عاتبها على فعل لم يعجبه صدر منها. تصالحا. تعانقا من جديد. ارتشفا معا بعض القهوة. خرجا من المقهى. نظر إلى عينيها. قبلها. ابتسمت بكسوف. تنظر إليه. أمسك بيديها ليكملا السير. تركها على باب المقهى. بكت. جلست وحيدة تنظر إلى الخارج. تنتظره !!.فجأة. أفاقت السيدة من رقصتها بعد ان انتهت فيروز من كلماتها. عاد كل شيء كما كان. أنا أجلس بجوارها و السيجارة الحزينة بين يديها. عادت إلى شعرها الفضي و مسحت بيدها دمعتها الأولى أو الأخيرة. لا أعرف !. مجت السيجارة في المطفأة مع صديقاتها. وسلمت علي بيدها !. وقفت لها بعد أن همت بالوقوف. وقالت..
_ سأسمح لك الليلة أن تدفع ثمن أخر فنجان قهوة أرتشفه.
ابتسمت.
سأذهب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.