تتواصل الأزمة القطرية دون تبلور ملامح للحل حتي الآن فإلي أين وصلت هذه الأزمة حتي الآن وما هو المناخ الإقليمي والدولي المصاحب لها وما هي المسارات المتوقعة لها ارتباطاً بما يجري في المنطقة وحولها؟ منذ اتخذت الدول الأربع السعودية والإمارات ومصر والبحرين قرار مقاطعة قطر، انتظرت نوعاً من التجاوب من قطر، إلا أن موقف الدوحة شهد نوعاً من المراوغة، وتصوير المقاطعة علي أنها حصار، ولم يشهد أي تغيير واضح حتي الآن، ويعمد إلي المناورة، حيث إن دوائر صنع القرار هناك السياسية والعسكرية والأمنية لا تزال تخضع لنفوذ الأمير الأب ورئيس وزرائه حمد بن جاسم، الذي تم استدعاؤه ليتولي حملة إعلامية في الولاياتالمتحدة ودول أوروبية. الدول المقاطعة حددت ما تريده لضبط السلوك القطري المعادي لها وممارساتها التي هددت أمنها القومي في 13 مطلباً سلمتها للكويت التي تتولي الوساطة، وسربتها قطر لضرب هذه الوساطة، وبتحليل تلك المطالب نلاحظ ما يلي: أنها استفادت كثيراً من تجربة عام 2014 والتي قُدمت خلالها مطالب لقطر دون آلية أو تحديد مهلة فانتهت دون تحقيق أي إنجاز ولذلك جاءت المطالب الأخيرة محددة المدة وتمثل سقفاً مرتفعاً للوساطة أو أي تفاوض وهو ما يشير إلي تشدد وتصعيد للأزمة خلال الفترة المقبلة. أنه من الواضح حتي الآن أن موقف الدول الأربع ذهب وسوف يذهب إلي مدي أبعد من مواجهة السياسة القطرية، وأنه لن يكون هناك تراجع دون مقابل واضح ومحدد ومحكوم من قطر والتزام بما هو مطروح عليها، وأن السعي القطري لتدويل الأزمة لن يؤثر كثيراً علي هذا الموقف. وأن الوساطات التي طُرحت لحل الأزمة سوف تظل محكومة بالسقف الذي حددته المطالب الثلاثة عشر ومدي الالتزام القطري. وأن التسريب القطري للمطالب وكذلك تصريحات وزير خارجيتها المتشددة، يؤكد عدم تجاوب قطر مع تلك المطالب ورفضها، وهو ما سوف يزيد من تعقيدات الأزمة. ولا شك أن موقف الولاياتالمتحدة قد أسهم في تشدد الموقف القطري، واستهدف تقويض الضغط الخليجي المصري علي قطر، وما يدعو للغرابة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي حول دعم قطر للإرهاب، تصريحات وزير خارجيته وتساؤلاته حول أسباب موقف الدول الأربع من قطر ومطالبته لها بأن تكون مطالبها معقولة وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام، وهو ما يؤكد كذلك أن هناك نوعا من توزيع الأدوار بين ترامب ووزير خارجيته، وأن حقيقة الموقف الأمريكي لا تعبر عنه تصريحات ترامب، خاصة بعد توقيع صفقة الطائرات اف 15 مع قطر وزيارة قطع حربية أمريكية لمواني قطر في هذا التوقيت وما يحمله ذلك من معان، الأمر الذي يؤكد غلبة المصالح الاقتصادية علي أي حسابات سياسية، ويشكك في ممارسة واشنطن أي ضغوط جادة لتعديل مسار السياسة الخارجية القطرية. وقد تطورت الأزمة خلال الفترة الماضية من مستوي الضغط علي قطر لوقف سياساتها العدائية، وممارساتها غير المقبولة بأساليب هادئة وهو ما جري خلال الفترة الماضية، إلي مواجهة مباشرة تتجاوز ضوابط واعتبارات كثيرة، وتم تحديد إطار لحل هذه الأزمة يرتكز علي ضبط سلوك وتحركات وسياسة قطر ليس فقط تجاهها ولكن علي مستوي الإقليم، وهو موقف غير مسبوق فُتحت خلاله ملفات كثيرة كان مسكوتا عنها. أن هناك دولاً، أزعجها كثيراً، ليس فقط الضغوط التي تعرضت لها قطر، ولكن الأهم تبلور المحور الخليجي المصري، ولا شك أن موقف تركيا وأردوغان تحديداً يؤكد ذلك، وبمراجعة تصريحات أردوغان وكبار المسئولين الأتراك، يتضح في البداية حالة من الارتباك التي شهدها الموقف التركي، ما بين ضرورة تأكيد الالتزام بمساندة قطر والتصديق السريع علي إيفاد قوات عسكرية إلي القاعدة التركية في قطر، وتبني خطاب إعلامي يلوي الحقائق ويري الضغوط علي قطر حصاراً، وهو ما بدا معارضاً للموقف الخليجي، وحقيقة الأمر فإن الموقف التركي علي هذا النحو والذي كشف عن الانتهازية السياسية لأردوغان قد يواجه صعوبات كثيرة، حيث يضيق الفضاء الجغرافي الحيوي للسياسة التركية وهو ما سيؤثر سلبيا علي رهانات وطموحات أردوغان للزعامة الإقليمية. وعلي المستوي الدولي، فإن مواقف الدول الأوروبية لم ترق إلي المستوي الذي كان مأمولاً، فمعظمها لا يزال يركز علي التصالح بين الطرفين، ولم يجعل من قضية دعم الإرهاب وتمويله قضية مركزية، ولا شك أن تغيير هذا الموقف يحتاج إلي وثائق وأدلة يتم طرحها علي هذه الدول وعلي المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية من خلال ما يمكن تسميته بالكتاب الأبيض الذي يشير إلي حقائق توضح عمليات تمويل قطر للإرهاب عبر مؤسسات رسمية وخيرية تابعة لها وبعض الشخصيات الرسمية وغيرها مع منظمات إرهابية وجمعيات تمول الإرهاب، وألا يتم إهمال الدول الآسيوية الكبري ذات الاهتمام بالمنطقة والتي لها مصالح داخلها خاصة الصين والهند واليابان. وبصفة عامة، فإنه من المتوقع أن تستمر الأزمة، وقد تزداد تعقيداً وسوف تزداد الضغوط الأمريكية لتنفيذ حد أدني من المطالب والمحافظة علي ماء وجه النظام القطري، وهو أمر يجب أن تستعد له وتتحسب له الدول الأربع، والحرص علي تماسك التحالف الرباعي وفتح الباب لمن يرغب في الانضمام إليه كصيغة عمل إقليمية لا ترفض الصيغ القائمة، ولكن بالتوازي معها، ولا تتوقف حركتها علي مواجهة السياسة القطرية، ولكن للتعامل مع قضايا الإقليم وهو ما يمكن أن يزيد الثقل المؤثر لها إقليمياً ويمكن أن يعتبر من معادلات التوازن الإقليمية الحالية. خلاصة الموقف أن الأزمة سوف تستمر لفترة قادمة وأن قطر لن تتجاوب مع بعض المطالب وسوف تركز علي أنها تمس سيادتها كدولة، وسوف تزداد مساندة تركيا لها وكذلك إيران، وبالتالي فإن الوساطة الكويتية لن تسفر عن نتائج إيجابية كبيرة، وربما يتطور الأمر إلي مقاربة مختلفة للبحث عن مسارات مختلفة للأزمة تحقق للدول الأربع مطالبها الرئيسية، ومن الضروري لتفعيل الموقف الرباعي في هذا التوقيت تكثيف اللقاءات بينها علي أعلي المستويات بل إن عقد قمة رباعية ربما يعطي رسالة واضحة علي تماسك مواقفها واستمرار رغبتها في مواجهة جميع الأطراف وتحدي أي ضغوط أو وساطات خادعة لا تتضمن التزامات وآليات محددة. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات