فى تطور سريع اتخذت السعودية ودولة الإماراتوالبحرين ومصر وتبعتها دول أخرى قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وإغلاق المجال الجوى والبحرى والبرى معها فى حصار واضح و تصاعدت الإجراءات الخاصة بذلك على خلفية ممارسات قطرية اعتبرتها تلك الدول ذات مساس مباشر بأمنها القومى والأمن القومى الخليجى بصفة عامة. والسؤال هو: لماذا تصاعد الموقف الآن؟ ما الجديد الذى دفع الى ذلك؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب النظر فى بعض الممارسات القطرية التى رأت الدول الخليجية الثلاث ومصر انها تجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء التى لا يمكن السكوت عليها ومن أهما: ما أشارت اليه مصادر اعلامية مختلفة عن لقاءات سرية بين شخصيات سياسية وأمنية قطرية مع الجنرال قاسمى سليمانى قائد الحرس الثورى الإيرانى وهو المتهم بدعم عمليات إرهابية فى البحرين والسعودية وهو ما أثار شكوك وقلق الدول الخليجية الثلاث حول أهداف وأبعاد هذه الاإتصالات. مصادرة الحكومة العراقية حقائب فى إحدى الطائرات القطرية فى مطار بغداد والتى كانت تحت غطاء دبلوماسى وتحوى 700 مليون دولار كانت بغرض تسليمها لقيادات فى احد تنظيمات الحشد الشعبى الشيعية العراقية ذات الصلة الوثيقة بإيران بدعوة أنها فدية للإفراج عن رعايا قطريين مخطفين وأشارت مصادر كردية فى العراق انه سبق ذلك دفع قطر مبلغ 300 مليون دولار لقيادات فى ميلشيا كتائب حزب الله فى العراق وقيادات فى الحرس الثورى الإيرانى الموجودة فى العراق وذلك فى نفس توقيت إعلان عدد من قيادات ميليشيات الحشد الشعبى العراقى أنهم يجهزون للانتقال الى السعودية بعد انتهائهم من تحرير العراق من دساعش. استقبال قطر بعض المعارضين من القيادات الشيعية السعودية والبحرينية ذات الصلة بإيران وإجراء قناتها الفضائية حوارات معهم وجهوا خلالها اتهامات مسيئة لقادة البلدين. الأكثر من ذلك اكتشاف السعودية اتصالات بين قطر وأجنحة فى حزب الإصلاح اليمنى (الإخوان المسلمين) أدت الى رفض قوات تابعة للحزب المذكور فى العمليات العسكرية لمحاصرة الحوثيين فى صنعاء فضلا عن إجراء اتصالات مع قيادات حوثية بدعوى البحث عن جهود وساطة لحل الأزمة اليمنية وهو ما اعتبرته السعودية تجاوزا لا يمكن السكوت عليه. والسؤال إلى أين سوف يذهب الموقف الخليجي؟ وماهى الخيارات المتاحة أمام قطر؟ إن الإجابة على ذلك تتطلب مراجعة المواقف الاقليمية والدولية من تلك الأحداث خاصة ذات الإهتمام بالمنطقة والتى لها مصالح داخلها تفرض عليها اتخاذ مواقف محددة وكذلك الإحاطة بطبيعة الأوضاع الداخلية فى قطر ومدى تأثيرها فى مسارات الأزمة وبهذا الخصوص تلاحظ ما يلي: أن موقف تركيا التى لها قاعدة عسكرية فى قطر والجناح الإقليمى الآخر الداعم لتنظيم الإخوان المسلمين لم يكن على المستوى الذى يتوافق مع طموحات قطر حيث تواجه تركيا صعوبة فالخلاف بين الطرفين خلاف حاد ولتركيا مصالح لدى السعودية و الإمارات قد تتجاوز مصالحها لدى قطر وبالتالى فإن سعيها للقيام بوساطه انما يستهدف إيجاد مخرج لقطر ووقف الاجراءات المضادة لها و محاولة التأكيد على الحضور التركى فى المنطقة كقوة اقليمية مؤثرة ومحاولة التأثير على التلاحم المصرى مع الدول الخليجية الثلاث وفصل الموقف المصرى عنهم وتخفيف الشروط الخليجية الخاصة بالإخوان المسلمين. ومن الواضح أن الموقف الروسى يمارس نوعا من الانتهازية السياسية الواضحة للحفاظ على مستوى مناسب من العلاقة مع كافة الأطراف الخليجية وتثبيت موقع و تأثير داخل دائرة النفوذ الأمريكية وبما لا يؤثر سلبيا على التحالف القائم مع إيران ورغم الإتهامات الروسية السابقة للدور القطرى فى سوريا إلا أن وزيرخارجيتها اعلن انهم سيدرسون الإتهامات الخليجية لقطر لتمويل الإرهاب وكأن الموضوع جديد عليه. تلاحظ أيضا أن الموقف الأمريكي- حتى الآن- ينطلق من متغيرات جديدة تتجاوز التركيز على قوى الإسلام السياسى فى المنطقة الأمر الذى منح قطر دورا فى استراتيجية الإدارة الأمريكية السابقة والتجاوز عن ممارستها وصلاتها بتنظيمات إرهابية وقد جاء تركيز الإدارة الجديدة على محاربة الإرهاب كأولوية سببا لفتح ملف تمويل قطر للإرهاب ولاشك أن ما أسفرات عنه الاتفاقيات المتعددة بين واشنطن والرياض قد اعادت السعودية كركيزة أساسية ومحورية ضمن تحالف مع الولاياتالمتحدة. ويعتبر الموقف الإيرانى طبيعيا ويتسق مع موقفها من السعودية والبحرينوالإمارات لكنه لا يخدم الموقف القطرى بصورة كبيرة فى النهاية ولا يستطيع موازنة الضغوط الخليجية و المصرية و لم يوفر الموقف الإسرائيلى أى مساندة إيجابية لقطر التى راهنت سنوات طويلة على استثمار علاقاتها بتل ابيب ليس فقط لدعمها و لكن للتأثير على الموقف الأمريكى لصالحها حيث جاءت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلى مخيبة لآمال وتوقعات النظام القطري. الموقف الإقليمى والدولى على النحو السابق لن يكون متغيرا حاسما فى الأزمة القطرية فهولن يساند قطر فى الأزمة دون تقديم تنازلات من جانبها كما ستوازن تلك الدول ما بين علاقتها بقطر ودول الخليج ومصر فالأزمة فى حدودها الحالية لا تؤثر على مصالح الدول الكبرى وبالتالى فإن تدخلاتها سوف تكون هادئة بصورة كبيرة. وبصفة عامة فإن هناك سقفا لإجراءات الدول الخليجية و مصر ضد قطرفلا يتصور أن يتم اى تدخل عسكرى لإسقاط النظام القطرى او المساهمة فى حدوث انهيار داخلى له او مواجهات حادة. إذن فالسقف المتوقع للإجراءات المتخذة ضد قطر هو تغيير سلوكها وضبط ممارساتها السياسة والإعلامية ومحاصرة اتجههاتها لصياغة تحالفات وعلاقات لا تنسجم مع الموقف الخليجى واستثمار الموقف الأمريكى الذى أرساه الرئيس ترامب القائم أساسا على إنهاء عصر التفاوض والتعامل بدبلوماسية و بداية ومرحلة المواجهة المكشوفة ووضع قطر امام مسئولياتها وفيما يتعلق بجهود الوساطة التى بداتها الكويت وسلطنة عمان وتحاول تركيا ودول أخرى الدخول فيها ففى تقديرى ستكون وساطة قاسية تستهدف دفع قطر لتنفيذ ما سبق الاتفاق عليه وتطويع حركتها وممارساتها ومن الضرورى ان تحرص مصر على تماسك الجماعى الذى تبلور وأن تكون شريكا فعالا فى أى تطورات قادمة فى مسارات الأزمة القطرية وتطرح رؤيتها بوضوح على بساط أى وساطة قادمة وان تكون هناك متابعات وضمانة تكفل محاصرة الأمتدادات القطرية فى دوائر الأمن القومى المصرى المباشرة. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات