وفقا لتعليمات صندوق النقد الدولي اتجهت الدول إبان العهد السابق إلي سرعة التخلص من وحدات القطاع العام, إما بالخصخصة. أو التصفية, حتي وإن كانت تعمل وتربح, المهم أن تنخفض أعداد الشركات التابعة للدولة بأي طريقة, لذلك صدر القانون رقم 203 لسنة 1991 الذي بموجبه تولت وزارة قطاع الأعمال العام ملف هذه الشركات, لتخريبها عن عمد بتنفيذ استراتيجيات الفساد الممنهجة, عبر تسريح العمال, أو تطبيق نظام المعاش المبكر لتفريغ تلك الوحدات الاقتصادية من عمالها لخصخصتها وبيعها بأبخس الأسعار. وقد استخدم برنامج الخصخصة أساليب لبيع القطاع العام, وكان من أهم سمات هذا البرنامج اعتماده في الغالب علي البيع لمستثمر رئيسي بدلا من طرح الأسهم في البورصة, أو تمليكها للعاملين بالشركات بهدف توسيع قاعدة الملكية, كما ادعت الحكومة في البداية, وتميز أيضا بعملية نهب واسعة عبر تقويم معظم الشركات بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية, وهو ما تبين بعد طرح أسهمها في البورصة, حيث زادت قيمة الأسهم عدة أضعاف. وما حدث للاقتصاد الوطني علي هذا النحو, لا يمكن أن يوصف إلا بالمؤامرة لتخريب هذا الاقتصاد وإصابته بالدمار, وذلك بعد أن أسهم برنامج الخصخصة في تفاقم الأزمة الاقتصادية من خلال عدة وسائل أبرزها زيادة نسبة البطالة من المشردين من عمال القطاع العام, وانكماش الاقتصاد المصري عبر جذب الأموال لشراء القطاع العام بدلا من استثمارها في مشروعات جديدة لزيادة الناتج القومي, فضلا عن تدني حصيلة البيع, بالإضافة إلي تدمير جزء كبير من القاعدة الصناعية بعد أن بيع العديد من المصانع والشركات الرابحة, بل إن بعضها كان رائدا في مجاله, وقد تم تخريب معظمها وإقامة أبراج سكنية للصفوة مكانها, أو تحويل الشركات والمصانع التي يتم تخريبها إلي ممارسات احتكارية للأجانب في مصر مما يزيد من ضنك الشعب, ومما يعيد الاقتصاد المصري نحو قرن إلي الوراء. وفي سبيل هذه المؤامرة لتخريب الاقتصاد الوطني في العهد البائد, أصرت وزارة قطاع الأعمال العام علي منع الجهاز المركزي للمحاسبات من مراقبة عمليات الخصخصة حتي عام 1999, وسمح له بعد ذلك بالمتابعة بعد أن تم بيع 69% من شركات القطاع العام, وقد كانت أحكام القضاء الإداري ببطلان عقود بيع العديد من الشركات هي عنوان الحقيقة, بعد أن كشفت عن الفساد والتلاعب الذي شاب عمليات بيع وخصخصة شركات قطاع الأعمال العام, منذ بدء البرنامج, ومحاولة التخلص من الوحدات المملوكة للدولة بأي ثمن. وقد أصبح من الواجب بعد قيام ثورة 25 يناير المجيدة, ضرورة إنقاذ ما تبقي من شركات القطاع العام والإبقاء عليها, وذلك بسرعة إلغاء كل من وزارة قطاع الأعمال العام والشركات القابضة, وضرورة نقل تلك الوحدات الاقتصادية إلي الوزارات المعنية التي كانت تابعة لها, وذلك لارتباط تلك الوزارات بمجالات عمل هذه الشركات, حيث إن ذلك الارتباط والتبعية هو الأسلوب الأفضل لإعادة هذه الشركات إلي حوزة الدولة. يوسف يوسف محمد جمعة المحامي بالنقض بورسعيد