سعر الريال السعودي في البنوك اليوم الثلاثاء 7 مايو    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 7 مايو    اليمن.. وقوع انفجارين قرب سفينة تجارية جنوب عدن    هيئة المعابر: توقف حركة المسافرين ودخول المساعدات بشكل كامل لقطاع غزة    «القاهرة الإخبارية» تعرض لقطات لفض شرطة الاحتلال بالقوة المظاهرات في تل أبيب    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة.. والأرصاد تحذر من ظاهرة جوية اليوم    ياسمين عبدالعزيز: كنت شقية في المدرسة.. وقررت تكون شخصيتي عكس أمي    ياسمين عبدالعزيز: ولادي مش بيحبوا «الدادة دودي» بسبب مشاهد المقالب    7 تصريحات نارية ل ياسمين عبدالعزيز في «صاحبة السعادة».. اعرفها    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    مصطفى شوبير يتلقى عرضا من الدوري السعودي.. الحقيقة كاملة    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    سعر الحديد والأسمنت اليوم في مصر الثلاثاء 7-5-2024 بعد الانخفاض الأخير    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    البيضاء تواصل انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الثلاثاء 7 مايو في البورصة والأسواق    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    النيابة تصرح بدفن 3 جثامين طلاب توفوا غرقا في ترعة بالغربية    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال اليوم بعد إصابته أمام فيوتشر    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    استبعادات بالجملة وحكم اللقاء.. كل ما تريد معرفته عن مباراة الأهلي والاتحاد السكندري    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحى ترويها لأول مرة بعد سنوات طويلة من الرفض

مازالت ذكريات الطفولة حاضرة بكل تفاصيلها الدقيقة ومعانيها الكبيرة وكأنها كانت بالأمس .. فمازالت الفنانة الكبيرة ماجدة تحكى وتقص كواليس وأسرارا مضى عليها خمسون عاما
وهى داخل خزينة أسرارها التى كانت تكتب عليها دائما ممنوع الاقتراب أو التصوير .. فالطفولة هى العامل الأول لتكوين الشخصية وهى الراسخة دائما فى الوجدان بكل ما فيها من مواقف كثيرة وتصرفات تبدو لنا جميعا فى الكبر غريبة ، وهنا تقول الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحى ....
كنت أدرس فى مدرسة «جابيس» كما ذكرت من قبل وكانت مدرسة يهودية وكان اليهود المصريون متواجدين بأماكن كثيرة ومختلفة داخل مصر ولهم مدارس وتجارة كبيرة واليهود المصريون كانوا يتمتعون بسمعة طيبة وكانت تلك السمعة ناتجة عن معاملتهم الملتزمة وكان التجار منهم يتمتعون بقدر عال من الذكاء والنجاح وكان لنا أصدقاء كثيرون من بينهم ولقد تلقيت التعليم الأول فى احدى مدارسهم الداخلية وانتهت دراستى بها بعد ثلاثة أعوام كاملة وكان كل من أمى وأبى يداومان على زيارتى ويسمح لى بزيارتهما يوم العطلة الأسبوعية فجابيث كانت مدرسة أرستقراطية لا يرتادها إلا أبناء الطبقات العليا فى المجتمع وفيها كان يطبق نظام صارم جدا فى الدراسة والمعيشة «فوجبة الإفطار تكون عبارة عن ساندوتش وشاى بلبن والغداء ساندوتش والعشاء فواكه» والنوم والاستيقاظ يكون مبكرا وتعلمت فى هذه المدرسة كيف أستطيع تنظيم وقتى واستغلاله حتى أخر دقيقة وكنا نتلقى الدراسة باللغة الفرنسية ورغم أننى فى البداية كنت أرفض بشدة مدرسة «جابيس» لأنها ستتسبب فى أن أبتعد عن أسرتى طوال مدة الأسبوع إلا أننى عشقتها بعد ذلك واعتدت عليها وأصبح من أهم الأشياء التى تميزنى داخل المدرسة قدرتى على استيعاب كل ما يدور حولى ولقد كان اختيار الأسرة لتلك المدرسة أن ذاك بسبب كثرة الخلافات بين أبى وأمى فكانا لا يحبذون أن أتواجد فى هذا الجو المتوتر ولكن ظل أشقائى بينهم لكونهم فى سن تتيح لهم تحمل واستيعاب ما يجرى ..

وهنا قرأت الفنانة ماجدة ما يموج فى عينى من أسئلة أريد طرحها لأتعرف على إجاباتها حول والدها ووالدتها اللذين كان لهما التأثير الأول عليها فقالت .. لقد كان أبى يتمتع بخفة ظل منقطعة النظير ويحافظ دائما على ممارسة الرياضة ومازلت أتذكره وهو يمسك بقطعتين صغيرتين من الحديد يوميا فور استيقاظه من النوم فى الصباح ويؤدى بهم بعض الحركات والتمرينات الرياضية وكنت استمتع بمشاهدته أيضا وهو يقوم بالغناء باللغة الإنجليزية ودائما كنت أجده يتمتع بقدر عال من الأناقة والجسد المتوازن والبشرة البيضاء والوسامة نتيجة لجذوره التركية التى تعود لوالدته ، وأمى كانت هادئة الطباع وتتمتع بقدر كبير من الشفافية التى أهلتها لرؤية وقراءة الفنجان للأقارب والأصدقاء من الجيران ولقد قرأته لى وأنا طفلة وأكدت أنى سأكون من المشاهير والمرموقين ومن أصحاب المكانة الرفيعة فى مصر والعالم ، وبالطبع فى حينها لم اصدق ذلك ، وكنت أشاهد فى جلساتها مع صديقاتها لقراءة الفنجان شغف الجميع الملتفين حولها يترجونها لكى تقرأ لهم الفنجان فالجميع يريدون الاطمئنان على مستقبلهن مع أزواجهن كما أنها كانت تتمتع بصفات الطيبة والكرم والعطاء والتى كانت تظهر فى معاملتها مع الجميع «الجيران والأصدقاء والبائعين» وكنت وأنا طفلة وعند عودتى للمنزل فى الأجازة الأسبوعية أنزل من الأتوبيس فأجد بسطاء ومتسولين يجلسون على الرصيف فأصطحب أحدهم معى للمنزل بعد أن أعلم أنه لم يتناول الطعام منذ يوم أو يومين وتجدنى أمى أدخل عليها أناديها بأعلى صوتى فرحة وسعيدة بما أصنع وكان يتهلل وجهها بالسعادة وتبتسم لى ولضيفتى وتضع لها كل ما يكفيها من الطعام فكانت أمى دائما عطوفة وحنونة وتساعد الغير قادرين قدر استطاعتها ، وكانت هذه طبيعتى فى الطفولة فلابد أن أطعم احدا حتى اشعر بلذة وطعم ما أتناول فهذه هى الطباع التى نشأت عليها وتوارثتها عن أمى التى كانت أول من تعلمت منها وتأثرت بها فعاشت فى وجدانى حتى ألان .. ورغم أن أمى كانت تنتمى لأسرة الأرستقراطية والعائلة الثرية ودائما كان يوجد من يعمل على خدمتها داخل قصر الصباحية إلا أنها عندما تزوجت استطاعت أن تتعايش مع واقعها الجديد وتتحول من البنت المرفهة إلى الزوجة المثالية وتعلمت كل احتياجات الحياة الزوجية وذلك كان نتيجة لظروف أبى المادية لا تسمح بوجود من يعاونونها «شغالين» فى السنوات الأولى من الزواج وأصبحت فى النهاية سيدة منزل ممتازة..
---------------------------------------------------------------------
بداية الحكاية مع التمثيل
زعيمة المراهقات (4 - 2)

أتذكر جيدا أن صديقات والدتى كنَّ جميعا من الأجنبيات «اليهوديات واليونانيات والإنجليزيات» ولكن كانت اليهوديات المصريات من جيراننا الأقرب إليها دائما وأتذكر منهن «روز وفورتينى وراشيل» وكنَّن دائما يأتين لزيارتنا ونذهب لزيارتهن ويتبادلن ويتهادين الأطعمة مع أمى تضحك الفنانة الكبيرة ماجدة وتقول فأمى لم تتخلص من الطباع الريفية التى ورثتها فكانت فلاحة أصيلة وكان التهادى بالطعام جزءا أصيلا من طباع الفلاحين فى دلتا مصر .. فلقد تعلمت منها الكثير وتأثرت بها حتى وأنا أقف بعد ذلك أمام عدسات كاميرات التصوير ...

وكان والدى دائما لا يصادق إلا الشباب من أبناء العائلة ومن هم أصغر منه عمرا فيجلس معهم ويتعرف على مشاكلهم مرددا بأنه لا يطيق مجالسة كبار السن لأنهم يشعرونه بالعجز والشيخوخة وكان مطلعا وقارئا جيدا وعلى قدر عال من الثقافة ويعشق الضحك والنكتة ويستمع إلى موسيقى أم كلثوم وعبد الوهاب وبعض الموسيقى القديمة «الشيخ زكريا أحمد وعبده الحمولى وسيد درويش» ولا يشغل باله أى هموم غير أن يتمتع بمعيشة محترمة ولا يجعل نفسه عرضة للغضب أبدا ويعشق السفر والرحلات ويردد دائما بأن فى الأسفار خمس فوائد «معرفة ناس والاختلاط بناس ومعاشرة ناس ومكسب ناس وخسارة ناس» وأتذكر حادثة طريفة كنت فى حينها طفلة صغيرة لا أعى نتيجة أفعالى وتصرفاتى فغضب منى أبى عندما حضر لمقابلته بعض الأقارب من قريتنا «مصطاي» ولكنه كان مرهقا ويريد الراحة فأخبرهم الخادم أنه غير موجود وعندما هموا بالرحيل سمعوا صوتى وأنا أناديه أن يخرج من حجرته فضحك الضيوف الراحلون لما سمعوا منى ، وخرج أبى بعد رحيلهم غاضب بشدة لتصرفى الذى وضعه فى موقف حرج ولكنه سرعان ما نظر لبراءتى وغمرنى بقبلاته ...
ولكن رغم هذا الجو العائلى الدافئ إلا أنه كان يصاب فى بعض الأحيان ببعض العطب والمشكلات وذلك منذ أن بدأ أبى اعتياد زيارة صالات القمار وممارسته وهنا بدأت الخلافات بينه وبين أمى التى كانت رافضة بشدة لهذه العادة «التى تمكنت منه فيما بعد» ولكنه دائما كان يسوق لها الأسباب والأعذار التى ترجع لوضعه الاجتماعى الذى أصبح ماديا أفضل بكثير بعد أن حصل على ميراث أربعين فدانا من العائلة وبعد أن تدرج فى وظيفته حتى وصل إلى منصب وكيل وزارة ولكونه أصبح من كبار المضاربين فى بورصة القطن فكل هذه يتطلب فى أحيان كثيرة مسايرة الجو العام فى الحفلات التى يتم دعوته إليها ولكن أمى كانت لا تتقبل منه أى أعذار ..

انتهت دراستى فى مدرسة «جابيس» ثم التحقت بمدرسة الراهبات فى شبرا وأتذكر أن القاهرة فى هذا التوقيت كانت جميلة وهادئة وسكانها يتمتعون بصفات الطيبة على عكس ما أصبحت عليه الآن ، ورغم أن «جابيس» كانت مدرسة راهبات لكنها كانت تقبل التحاق المسلمات فلم يكن هناك فرق بين مسلم ومسيحى وكنا جميعا نتمتع بمعاملة متساوية داخل هذه المدرسة ولم يكن يشغلنا على الإطلاق ديانتنا فكنت كل ما اعرفه هو أن «تريزا» صديقتى وهى تعتبرنى أفضل صديقاتها فدين كل منا لا يتحكم فى علاقتنا لان الدين لله وهذا الوطن لنا جميعا لنعيش بداخله نحمل مشاعر الحب والسلام ، وكان أعز صديقاتى داخل المدرسة فى ذلك التوقيت «جريج يونانيون» وكانت أسماؤهن «فورتينى وكاليوبي» وفى نهاية الدراسة داخل مدرسة الراهبات أتذكر أحد المواقف التى تتعلق بحبى للتمثيل فكانت لى صديقة أخرى داخل المدرسة من هواة الفن وتوطدت الصداقة بيننا بعد أن جمعتنا هواية واحدة ونظمنا برنامجنا اليومى على أن نتخلف بعض الأيام عن المدرسة ونطوف بشركات السينما ولكن هذه الشركات كانت ترحب بنا لا كوجوه جديدة تصلح لأدوار البطولة بل كوجوه صالحة لأدوار ثانوية الأمر الذى لم يرض هوايتنا ورغباتنا الفنية وذات يوم كنا نسير بالقرب من دار الإذاعة وتوقفت صديقتى فجأة ونظرت إلى ونظرت إليها وقالت على الفور ! ما هو رأيك ! ، ودون أن اعرف عما تسألنى قلت لها موافقة ودخلنا دار الإذاعة وطلبنا مقابلة المدير وقادنا موظف الاستعلامات إلى مكتب المرحوم «عبد الوهاب يوسف» الذى رحب بنا وسألنا ولماذا تريدان المدير .. وتولت صديقتى الإجابة لأننا نرغب فى العمل فى السينما وضحك المرحوم عبد الوهاب يوسف قائلا وما علاقة مدير الإذاعة بالسينما وأجابت صديقتى وعلامات الدهشة بادية على وجهها نرغب منه الموافقة على طلبنا وضحك عبد الوهاب يوسف قائلا اذهبا إلى أستوديو مصر وقابلا المدير فهو المختص بهذه الشئون ولكن هذه الإجابة لم ترضنا وقلت لصديقتى أن الرجل الذى قابلناه لا يفهم شيئا وبينما نحن نتحدث سويا إذا بشخص يتقدم نحونا ويسألنا عما نريده وأجبت أنا فى هذه المرة نريد أن نعمل فى الإذاعة وأجاب هذا الرجل هل تجيدان الغناء وأجبت أنا قبل أن تفتح صديقتى فمها بنعم وأنا صوتى مثل أم كلثوم فوافق وطلب منا اصطحابه لنجرى اختبارا وسألته عن هويته فأجاب بأنه «حافظ عبد الوهاب» وكنت اعرف من متابعتى لبرامج الإذاعة مكانة الأستاذ حافظ عبد الوهاب فى الإذاعة ووجدت أن الأمر سيتطور وتصبح المسألة جد وفى حيز التنفيذ فهمست فى أذن صديقتى أن تسرع بالخروج وخرجنا مهرولين من دار الإذاعة هربا من امتحان الغناء ...
وبعد هذا الموقف اكتشفت أن محاولتى لدخول الوسط الفنى غير نابعة من داخلى وأن صديقتى هى التى شجعتنى على البحث وقررت أن ما فعلته خطأ لا يجوز أن يتكرر وبالفعل أخفيت كل ما جرى وانتبهت إلى دراستى ولكن حدث أن نظمت المدرسة رحلة إلى أستوديو شبرا للتصوير السينمائى وكانت مثل هذه الرحلات من المزايا التى تمنحها المدرسة للطالبات كنوع من اكتشاف ما يجرى فى المجتمع وترفيه عن الطالبات وذهبنا جميعا لزيارة أستوديو شبرا وكان يمتلكه شخص يدعى «مسيو سابو» وكانت شقيقته احدى جيراننا وبالفعل استمتعنا كثيرا بالزيارة وما شاهدناه داخل الأستوديو وتعرفنا بعض الشيء على عملية تصوير الأفلام وأثناء تجولى ومعى صديقاتى «كاليوبى وفورتيني» فوجئت بالمخرج سيف الدين شوكت وهو كان حضر للتو من المجر ليعمل على إخراج أفلام مشتركة بين مصر والمجر يشير إلى صارخا ويقول أنا أريد هذه الفتاه ففزعت من الصدمة وقلت فى نفسى هذا الشخص أكيد مجنون وأصابنى الرعب عندما وجدته ومعه مسيو سابو يتقدمان تجاهى فقلت لهم ماذا تريدان أنا لم أفعل أى شيء خطأ فضحكوا وقالوا لى اهدئى ولا تخافى فنحن نقوم بتصوير فيلم أسمه «الناصح» بطولة إسماعيل ياسين ولم نقم ببدء التصوير لأننا نبحث عن فتاه تجسد دور البطولة أمامه ونقوم بعمل الاختبارات لمن نجد فيها مواصفات الدور ووجدنا لديك تلك المواصفات المطلوبة وهى الوجه «الشرق آسيوي» ونريد أن نجرى لك اختبار «تيست» أمام الكاميرا لنتأكد من أنك النجمة المطلوبة .. فكان هذا العرض بالنسبة لى بمثابة الصدمة وأفقدنى تقييمى للأمر فوجدت رفضى لعرضهم رد فعل سريعا ولكن كلا من «كاليوبى وفورتيني» صديقاتى كن يهمسن لى محاولين تنبيهى لقيمة العرض ويحرضانى على الموافقة وتأثرت برأيهن وأمام إلحاح سابو وسيف الدين شوكت وافقت على العرض وبالفعل لقننى سيف الدين شوكت جملة أقولها أمام الكاميرا التى كانت جاهزة للتصوير ، وأشرق وجها سابو وسيف الدين شوكت بعد انتهاء الاختبار معلنين عثورهم على البطلة التى كانوا يبحثون عنها منذ أشهر مهنئيننى بنجاحى فى الاختبار بعد أن أخبرنى سابو أن أزوره فى مكتبه ومعى والدى ليوقع العقد وغادرنا الأستوديو والجملة الأخيرة عالقة فى أذنى ووجهت تساؤلاتى إلى صديقاتى التى اعتبرتهن السبب فيما تورطت وأخبرتهن أنه من المستحيل أن أطلب من والدى الحضور أو أن أخبره بما جرى فطمانونى قائلين بأننا سنعتذر عن حضوره بحجة أنه مريض وأكدوا أنهم سيكونون معى دائما لتوجيهى ومساندتى واقتنعت بما قلن ثم تركتهن ذاهبة إلى المنزل وأنا فى حالة من المشاعر المختلفة والمتقلبة فخليط بين السعادة الغامرة والذهول والخوف ولاحظ أبى وأمى أننى فى حالة غير طبيعية وسألونى ليطمئنوا على وطمأنتهم ودخلت حجرتى أتخيل ما سيحدث فقد كانت كل معرفتى بالسينما وأفلامها من خلال تلك الحفلات التى كنت أذهب إليها أحيانا وأنا طفلة بصحبة أختى فى سينما «استرند» والتى هدمت وأقيمت مكانها بعد ذلك «سينما ديانا» وكانت لا تعرض سوى الأفلام الأجنبى ولكنى كنت أعرف أسماء وأشكال الممثلين المصريين من خلال أفيشات الشوارع والسينمات وكان اشهرهم فى ذلك التوقيت «يوسف وهبى وإسماعيل ياسين وحسن فايق وأمينة رزق وزكى رستم» ، ثم جاء اليوم التالى وبعد انتهاء اليوم الدراسى ذهبت لمكتب سابوا بعمارة الايموبيليا ومعى صديقاتى وبمجرد أن شاهدنى سألنى عن السبب وراء عدم حضور والدى وتعذرت بحجتى وقبلها ووافق على أن أوقع على العقد ولكن أكد أننى مازلت صغيرة ومن الممكن أن أتسبب فى مساءلة قانونية له فوالدى يجب أن يحضر ليقر أنه موافق على عملى بالسينما وكان عمرى فى حينها لا يتعدى الثلاثة عشر عاما وطمأنته وأكدت له ما أراد ووقعت العقد وحصلت على مبلغ مائه جنيه كان أول أجر لى بالسينما وفى تلك اللحظة كان بداية مشوارى فى الفن واحتراف التمثيل .. وخرجت من المكتب تغمرنى السعادة والخوف فقالت كاليوبى سنقوم بتأجير البواب ليمثل دور والدك أمام سابو إذا ألح فى طلب حضوره فرفضت ذلك بحجة أن والدى لن يكون عليه القيمة «فضحكوا» ولكنى أصررت على رفضى لهذا الحل ، ولكنى سألتهن عن كيفية حضورى مواعيد التصوير التى تتعارض مع مواعيد الدراسة فقالت فورتينى بالطبع ستتخلفين عن المدرسة ولكى لا يكتشف أحد ذلك ستغيرين عنوانك بالمدرسة وتعطيهم عنوانى وهكذا ستأتينى خطابات الغياب التى سأخفيها عن أعين الجميع أما نحن فستحضر كل منا معك يوما وتتخلف عن المدرسة اليوم التالى حتى ينتهى تصوير الفيلم فكان لصديقاتى الفضل الأول والأخير فى تشجيعى ومساعدتى لدخول الوسط الفنى وبالفعل بدأت أذهب إلى التصوير وسلمونى السيناريو الخاص بدورى وملابس الشخصية التى سأجسدها داخل الفيلم وكانت عبارة عن فستان وطلبوا منى أن أحتفظ به لدى وكنت أقوم بارتدائه تحت المريلة وأخفيه فور وصولى إلى البيت وظللت عدة أيام أغادر البيت صباحا حاملة كتب وكراسات الدراسة ومعى احدى صديقاتى ونذهب إلى الأستوديو وظللت على هذه الحال عاما كاملا ....
وأستطيع أن أقول أن جميع الظروف والعوامل خدمتنى ودفعتنى وثبتت أقدامى فى طريق الفن فلا أعرف حتى الآن كيف تم كل هذا رغم أننى لم أتعمد أن أفعل شيئا واحدا مما ذكرت ولكن كانت الظروف الأسرية فى هذه الفترة مساهما رئيسيا وكبيرا فى أن أداوم على حضور التصوير لهذا الفيلم على مدار عام كامل دون أن ينتبهوا لأى شيء فقد كانت أمى مريضة وترقد طريحة الفراش داخل احد المستشفيات بعد أن اجرى لها عملية جراحية ، وأبى فى عمله طوال الوقت ، وأخى توفيق دائما فى الخارج بسبب أعمالة التجارية ، وأخى مصطفى كان طالبا بكلية الشرطا«مدرسة البوليس» ولا يأتى للبيت إلا فى أجازات شهرية ، وأختى الكبيرة مشغولة مع خطيبها «احمد عثمان» وكان من الأبطال السياسيين البارزين فى تلك الفترة .. فالجو كان مهيئا تماما أن أقوم بتمثيل هذا الفيلم بدون أن يعلم احد من الأسرة ولكن هذا ما أراده لى الله ومن ضمن الأشياء التى خدمتنى وساهمت فى التزامى بالتصوير أن الفنان الكبير إسماعيل ياسين بطل الفيلم كان يعمل فى فيلمين ومسرحية بالإسكندرية ولظروف عرضها ليلا وتصوير الفيلم بالقاهرة صباحا كان يعطى لتصوير الفيلم الذى أشاركه فيه ساعتين فقط وكان هذا كافيا لأن أؤدى دورى وأعود إلى بيتى كل يوم دون أن يشعر أحد بما يجرى ... وكان أول مشاهد لى فى الفيلم بسيطة ومشجعه ألا أرتبك أو ينتابنى الخوف مثل «أنى بنت مسكينة وأقوم بتفصيل ملابس وأخر أقوم بفتح باب أو شباك وإغلاقه» وكان سابو والمخرج ومساعدا المخرج دائما يوجهوننى وكنت أقف أمام المرآة داخل حجرتى بالأستوديو وأقوم بتدريب نفسى بترديد دورى الموجود بالورق وحقا كانت بدايتى فرصة كبيرة لم تتح لفنانة من قبل فأول فيلم لى أقف أمام العملاقين إسماعيل ياسين وفريد شوقى ولكنى استطعت أن أتحمل تلك المسئولية فكنت ملتزمة دائما بحجرتى ولا أخرج منها إلا أمام الكاميرا وكان فريد شوقى لطيفا معى للغاية ، ولكن حدثت كارثة كبرى عندما أعطيت الفستان الذى تسلمته منهم لخادمه كانت تعمل لدينا ظنا منى بأنى لن احتاجه مرة أخرى «فلم يكن لدى الخبرة فى العمل الفني» وعندما ذهبت بدون الفستان فسألنى مساعد المخرج عنه فقلت له ما حدث فصرخ وكأن الدنيا تنهار من حوله وطلب منى أن أستعيده لأن العمل به لم ينته ولن يصلح أن يأتوا بغيره لأنهم لا يتذكرون ألوانه وذهبت مهرولة إلى المنزل أبحث عن الخادمة ووجدت أنها رحلت وجاءت غيرها نتيجة مشكلة حدثت بينها وبين أمى فعدت إليهم بعد أن بحثت عنها فى كل مكان ولم أعثر عليها فقاموا جميعا بتعنيفى وبكيت مما يحدث لى وتوقف الفيلم وأخرجوا النيجاتيف ليتعرفوا على ألوان الفستان وصنعوا فستانا جديدا أكملت به تصوير مشاهد الفيلم وبعد ذلك تعلمت أنى لا أفرط فى أى شيء استخدمه داخل العمل الفنى ....

وحدثت مواقف طريفة أخرى فدائما كنت أهرب إلى حجرتى أو الحمام عندما أشم رائحة صحفى داخل الأستوديو وكانوا يحضرون كثيرا لتصوير إسماعيل ياسين وعمل الحوارات الصحفية كنوع من الدعاية للفيلم حتى أنهم كانوا يسألون عنى كثيرا وبدأ سابو يغضبه هذا الاختفاء عن الصحافة ويؤكد لى أننى البطلة ويجب أن أجرى حوارات مع الصحف لكونها تعتبر دعاية مناسبة للفيلم ولى كوجه جديد ولكنى كنت أتعلل له دائما وكان يتقبل عللى بحنق شديد وفى احدى المرات لم يتقبل منى أى علل أسوقها إليه وأكد أنه سيعطيهم تصريحات عنى ولم أجد أى مفر من إصراره فوافقت ولكن باسم مختلف رغبة منى فى تغيير اسمى فتعجب من الطلب ولكن أمام إصرارى رضخ وأقترح على عدة أسماء اخترت من بينها «ماجدة» وكان رفضى لظهور أسمى الحقيقى «عفاف» خشية أن ينشر بالصحف وتتعرف عليه الأسرة وينكشف أمرى ، ومنذ ذلك التوقيت أصبحت «ماجدة» ....
وبالفعل لقد تلقت صديقتى خطابات مدرسية تنذر بتكرار غيابى عن حضور المدرسة أكثر من المدة المسموح بها وحمدت الله أن هدانى لهذه الطريقة و إلا كان فضح أمرى من الخطاب الأول حتى أننى كان تنتابنى بعض الأفكار التى تلح على بأن أترك العمل بفيلمى الأول «الناصح» ولكنى كنت أتراجع عنها وكانت تلك الهواجس ناتجة عن الخوف الشديد والرعب الذى أعيش فيه فكنت أشعر بأنى أرتكب جريمة كبرى وانتهى التصوير بعد ذلك وفوجئت بكارثة كبرى عندما تصفحت جريدة روز اليوسف ذات صباح فوجدت إحسان عبد القدوس يكتب «رحيق الشفق .. انتظروا بنت احد كبار موظفى الدولة تقوم ببطولة فيلم سينمائى بجوار إسماعيل ياسين» وبدأ القراء يسألون من تكون هذه الفتاه ويرسلون لإحسان بعض الأسئلة والاستنتاجات وفى نفس هذا التوقيت بدأ صناع الفيلم يقومون بالتحضير للحملة الإعلانية وتجهيز الأفيشات التى ستنشر فى الشوارع وعلى دور العرض «السينمات» وجاءوا لى بالمصورين والصحفيين لكى يلتقطوا بعض الصور التى سيستخدمونها فى هذه الدعاية ولكنى رفضت وصرخت وبكيت ولكن هذا لم يرض منتج الفيلم «سابو» وأعلن ثورته التى كان يحاول إخمادها طوال فترة التصوير مؤكدا أن رفضى من عدمه لن يغير مما يقدم علية لأنه فى النهاية أنتج سلعة يجب الإعلان عنها حتى يتعرف عليها الجمهور المستهدف خاصة بعد أن تحمل رفضى كثيرا ، وهنا لم أجد أى سبيل للهروب مما فعلت ورضخت لرغباتهم وقام المصورون الصحفيون بالتقاط مجموعة من الصور لى ، وانتابتنى مشاعر متقلبة ومختلفة وأفكار وهواجس جميعها تصب فى مصب الخوف ولكنى فى النهاية استقرت على شيء واحد وهو أن أعترف بكل شيء لأسرتى بدلا من اكتشافهم ما قمت به عند نشره بالصحف وكنت فى حالة من التفكير والحيرة والتمزق وأنا أقدم على تلك الخطوة الخطرة فكيف أخبرهم ؟ وماذا سيكون رد فعلهم ؟ وهنا أيقنت حجم الجريمة الكبرى التى اقترفتها دون تقدير لعواقبها واستقر تفكيرى فى النهاية على أن أمى ستكون أكثر أفراد الأسرة رأفة ورحمة بى وبالفعل ذهبت إليها حيث كانت طريحة الفراش داخل احد المستشفيات على أثر عملية جراحية أجريت لها ودخلت إليها وأنا فى حالة خجل شديد وأتلعثم فى الكلام وكأنى مقبلة على الموت وأتراجع فى كل لحظة أنوى لها الاعتراف بما فعلت ولكنى أخيرا استجمعت كل قوتى وأخبرتها بسرى الذى أخفيته عنها لشهور طويلة وأنا لا أملك سوى البكاء ففقدت الوعى من هول الصدمة وجاءها الطبيب والممرضات يحاولون إفاقتها وشعرت بالذنب الكبير الذى اقترفته فى حقها وبعد محاولات الأطباء استردت وعيها وهى تصرخ وتبكى وتردد عبارة من قبيل «ماذا سأقول لوالدك وأشقائك» ثم خرجت من المستشفى بعد ذلك وفى المنزل كان لقاؤها مع جميع أفراد الأسرة الذين ثاروا فور علمهم وضربنى شقيقى مصطفى الذى كاد يجن وصمم أبى على قتلى ولكن أمى أنقذتنى من يده وأقنعته أن موتى ليس هو الحل وأنه يجب أن نعقل التفكير والتدبير لحل تلك المشكلة وهنا دب الخلاف بينه وبين أمى ووجه لها اللوم والاتهامات وحملها نتيجة ما حدث بغفلتها عن رعايتى ، وكان خلافى هو الحد الفاصل فى سلسلة الخلافات التى كانت تشب بينهم منذ فترة سابقة كما ذكرت وهنا قرروا الانفصال وترك أبى المنزل ذاهبا إلى حياة مستقلة عنا ، وكان مسيو سابو بدأ بنشر التصريحات الصحفية معلنا عن شخصيتى وصورى للصحف وأيضا بنشر صورى للدعاية فى الشوارع وعلى أفيشات دور العرض السينمائى ، وفى تلك اللحظات رفع والدى دعوى قضائية على الفيلم ومنتجة موجها لهما تهمة استغلال فتاه قاصر دون الرجوع لولى أمرها لإدخالها الوسط الفنى واستغلالها فى ممارسة التمثيل داخل عمل سينمائى وتحريضها للتوقيع على عقد يلزمها بالتمثيل دون أن يكون لها الحق فى ذلك لأنها لم تتجاوز عمر البلوغ القانونى ، وتداولت الصحف أخبار القضية بشغف لم يكن متوقعا وتوقف عرض الفيلم بقرار من النيابة وجاء سابو المسكين إلى منزلنا ومعه سيف الدين شوكت «مخرج الفيلم» وحاولوا أن يقنعوا أبى بأننى كنت السبب فى كل ما حدث وأنى خدعتهم ولم أصارحهم بحقيقة وضعى الاجتماعى المرموق وتعمدت تضليلهم بإخبارهم أن والدى يوافق ولكنى كنت أتعذر دائما لعدم حضوره لكونه مريضا وكان ذلك محاولة منهم لأن يثنوه عن موقفه العصيب ضدهم ولكن أبى لم يكن يقتنع بما يرددونه فى كل زيارة وأكد أنه لن يثنيه أحد عن مواجهته للفيلم ومنعه من العرض وهنا راح يبكى ويرجو والدى العدول عن رأيه لأنه وضع أموالا كثيرة فى هذا الفيلم وسيعلن إفلاسه فى حالة عدم عرضه وكانت تنتهى زياراته المتعددة بأن يوجه سابو يديه للسماء ويطلب من الله أن ينتقم منى لأنى ضللته ولم أخبره بالحقيقة وتسببت فى كل ما هو فيه من بلاء ، ولكن أبى كان طيب القلب وكان يتأثر باستجداء الرجل له فرأف بحالة فى النهاية «الذى كان يرق له قلوب الكافرين» وتنازل عن القضية وعرض الفيلم وحقق نجاحا طاغيا خاصة بعد ما أثير حوله ووجدت شخصيتى التى قدمتها من خلاله قبولا هائلا وإعجابا منقطع النظير لدى الجمهور وبدأت شركات الإنتاج تأتى إلينا وتعرض على أبى أن يوافق على مشاركتى بأفلامهم ولكنه فى كل مرة كان يرفض بشدة وتكون ثورته شديدة تجاهى بعد كل عرض يأتيه وظللت حبيسة المنزل لعام كامل وبدأت أمى بعد ذلك يرق قلبها لبكائى وحزنى المتواصل وتقف بجانبى خاصة بعد نجاحى فى إقناعها طوال تلك المدة أن الفن والفنان لهما رسالة هامة وأن نظرة المجتمع لهما عبثيه وخاطئة وهى بدورها استطاعت إقناع أبى الذى رغم انفصالهما إلا أنهما كانا يتناقشان فى أى أمور تتعلق بنا نحن أبناؤهما ، ووافق أبى فى النهاية ولكن بشروط صارمة وذلك للحفاظ على شرف وسمعة الأسرة والعائلة ..

وظللت أذهب بعد ذلك إلى الاستوديوهات لتصوير المشاهد ولكن كان يجب أن يرافقنى أحد أفراد أسرتى وأستمر ذلك لمدة خمس سنوات حتى أطمأنوا لى ووثقوا فى .. وبالفعل بدأت أوافق على الاشتراك فى بعض الأفلام مثل «فلفل وبلال ومرت الأيام « وكنت فى العام الأخير بمدرسة الراهبات حين ذاك وأصبح زميلات المدرسة والمدرسات يشاهدن صورى على صدر الصحف وفى أفيشات الدعاية للأفلام ويذهبون للسينمات لمشاهدتى وأنا أقدم أدوارى وكانوا سعداء بما أقدمه ويشجعونى ومازلت أحافظ على صديقات الدراسة حتى ألان ومنهن فاطمة ناعورة التى عملت بالوسط الصحفى والإعلامى بعد ذلك وكانت تدير كبرى المجلات فى لبنان وتزوجت بعد ذلك من الكولنيل منير ساردوب مستشار رئيس الجمهورية اللبنانى فى نهاية الخمسينيات من القرن الماضى وكانت من المفارقات العجيبة بيننا أنها تزوجت فى نفس العام الذى تزوجت فيه وأنجبت فى نفس العام الذى أنجبت فيه وكنا ومازلنا يجمع الحب بيننا رغم أن معيشتها دائما فى بيروت وأنا فى مصر ودائما تداوم على زيارتى كلما جاءت إلى القاهرة فى زيارة لأقاربها

وانتهت دراستى داخل مدرسة الراهبات وحصلت على شهادة التخرج التى تعادل الثانوية العامة حاليا ....

ثم بدأت بعد ذلك أتفرغ بشكل كامل للعمل السينمائى الذى كان قد بدأ يشغلنى كثيرا ولكن رغم أن أفراد الأسرة أصبحوا مرحبين بعملى السينمائى إلا أن ما كان يحزننى عدم رضا شقيقى مصطفى عنه وتسبب ذلك فى أنه ظل لسنوات طويلة لا يتكلم معى إلا فى أضيق الحدود ولا يحاول مشاهدة أفلامى ...

وقدمت فى تلك الفترة فيلم مرت الأيام وكان من تأليف مصطفى كامل حسن المحامى وإخراج أحمد ضياء الدين وكان معى فيه كل من يحيى شاهين وسناء جميل ووداد حمدى وكان تدور قصته حول «أنه داخل الجامعة تعجب طالبة بأستاذها المثالى دون أن يشعر بها الأستاذ ويتقدم الأستاذ إلى الأسرة ويخطب الأخت مما يصدم الطالبة وتقرر أن تكتم مشاعرها وأن تستمر فى الدراسة ويتزوج الأستاذ من الأخت وتمر الأيام دون أن تنطفئ جذوة الحب يكتشف زوج الأخت حقيقة مشاعر الطالبة نحوه ويبدأ فى مبادلتها نفس المشاعر تبعا للاهتمام الشديد به ويكاد الاثنان ينجرفان إلى تيار ملىء بالخطأ وأمام هذه المشاعر المتدفقة توافق على الزواج من شاب لا تحبه تقدم لها يحاول زوج أختها إقصاءها عن فكرة الزواج لكنها تخبره أن ما يجمعهما من حب هو المستحيل بعينه» وكان ذلك الدور جديدا ومتطورا وأحببته كثيرا واستطعت من خلاله أن أضيف خبرات جديدة إلى وعيى ....
ثم بعد ذلك أصبحت أختار أدوارى بعناية خاصة بعد أن أصبح لى أسلوبى وطريقتى الخاصة فى أداء الأدوار واكتسبت خبرة لم تكن موجودة لدى فى البداية فى كيفية التعامل مع الموضوع الذى أشعر به والذى يضيف لخبراتى ورصيدى الفنى ولهذه الأسباب كنت دائما مقلة فى قبول الأفلام ورصيدى منها لم يتجاوز على مدار أربعين عاما هو عمرى الفنى ال 65 فيلما وكان من الممكن أن يكون رصيدى فى مكتبة السينما أضعاف هذا الرقم إذا كنت أعمل مع شهيق وزفير وأتعامل مع الفن على أنه مجرد مهنة وليس رسالة صعبة يجب تقدير مسئوليتها ....
وهنا أتذكر أننى كنت أتمنى أن أجسد دور حميدة فى فيلم «ميرامار» الذى أخذ عن رواية الأديب العالمى نجيب محفوظ ولكن الدور لم يأتنى وكان ضمن عيوبى القاتلة فى تلك المرحلة أننى لم أكن ممن يذهبون إلى مخرج أو منتج ويطلبون منه تجسيد دور أو شخصية معينه كما كانت تفعل زميلات أخريات فكانت كرامتى وكبريائى فوق كل اعتبار ، ولكن أذهلنى تجسيد شادية لهذا الدور عندما ذهبت لأشاهده فى العرض الخاص فوجدتها أبدعت فى خروجه بهذا الأداء الرائع الذى أشاد به الجمهور والنقاد وهنأت شادية عليه وكان الفيلم ناجحا ومازال يعيش فى أذهان الجمهور حتى الآن وأتذكر أننى ذهبت بعد أن قررت خوض غمار تجربة الإنتاج إلى نجيب محفوظ للتعاقد معه على رواية من مؤلفاته كانت قد أعجبتنى ورحب بى بمجرد أن شاهدنى فكان رجلا شهما وطيبا دمث الخلق كريم الطباع إلى أبعد مدى وعندما علم ما أريد رفض إعطاءها لى وقال لى «يا ماجدة رواياتى لا تناسبك» فسألته عن السبب فأكد لى لأنها تناقض شخصيتى وأدائى فى التمثيل قائلا «أنتى أدوارك تستطيع أن تدخل كل بيت وكل أسرة ويتقبلها الجميع بينما أدوار بطلات روايتى لا يتقبلها الجميع» ورجانى ألا أغضب من رأيه فأكدت له أننى لا يمكن أن أغضب من رجل تتوافق طباعه مع طباعى فهو مثلى يعلم عبء الرسالة التى يحملها وحريص على أن يوصلها للجمهور بالشكل الصحيح ، فلم يكن رفض نجيب محفوظ لشكه فى قدراتى التمثيلية ولكن بالعكس فقد كان دائما يتغزل فى أدائى وطريقتى فى التمثيل ولكنه كان يقصد أن الغالبية العظمى من رواياته الإثارة والإغراء جزء رئيسى فيها وهذه الأدوار لا تتناسب معى فأنا كان لى دائما قالبى الخاص الذى يتمتع بالهدوء وتجنب الإثارة وكانت هذه شروطى عند قبول أدوارى وأعتاد الجمهور أن يشاهدنى فى هذا الإطار وكان الجميع يرى أننى أمثل جزءا من أسرتهم «أختهم أو ابنتهم أو قريبتهم» ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.