نائب رئيس جامعة جنوب الوادي يتفقد لجان امتحانات نهاية العام    مصدر أمني: لا صحة لما تم تداوله بشأن استشهاد جندى آخر فى حادث الحدود    رئيس "الأعلى للإعلام" يلتقي وزير الاعلام السعودي    فوز أمينة حلمي وسامية قدري وحامد عيد بجائزة التفوق في العلوم الاجتماعية    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في منتصف تعاملات الأسبوع    روسيا تطور قمرا جديدا للاتصالات    رسميا.. هيكتور فورت يوقع عقدا جديدا مع برشلونة حتى 2026    عاجل.. براءة متهم من تهمة تزوير أوراق لتسفير عناصر الإرهاب إلى الخارج    تحذير من طقس الإسكندرية غدا.. بداية موجة حارة جديدة    وزير التعليم العالي الفلسطيني يشيد بالدعم المصري لبلاده    خالد عبدالغفار: يجب تسريع وتيرة العمل للنهوض بصحة سكان إقليم شرق المتوسط    «عياد»: «دليل التوعية الأسرية» نتاج للتعاون بين الأزهر والكنيسة و«الصحة»    «الضوابط والمحددات الخاصة بإعداد الحساب الختامي» ورشة عمل بجامعة بني سويف    روسيا: لم نتلق وثائق رسمية من بولندا بشأن قيود مفروضة على تحركات دبلوماسيينا    بيت الزكاة والصدقات ينتهي من المسح الشامل لقريتين في بورسعيد    رئيس جامعة بني سويف يشهد الاحتفال بيوم الطبيب    التشيك تؤيد حق أوكرانيا في ضرب أهداف في الأراضي الروسية    القبض على المتهم بقتل صديقه في مشاجرة بقليوب    إلغاء قطاري 1191 و1190 المارين بالمنوفية أيام الجمع والعطلات    جريمة جديدة داخل سيارة تابعة لتطبيقات النقل الذكي.. والضحية «راجل»    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    «بيت الحاجة» عرض لفرقة مصطفى كامل بمهرجان نوادي المسرح    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شبانة: لجنة التخطيط تطالب كولر بحسم موقف المعارين لهذا السبب    برلماني: الرئيس يثق في قدرة الحوار الوطني على وضع رؤية اقتصادية جديدة للدولة    تشكيل الدوري الإنجليزي المثالي بتصويت الجماهير.. موقف محمد صلاح    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    وزير الإعلام البحريني يزور جناح مدينة الإنتاج الإعلامي في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية البراجيل في ملوي غدًا    محافظ المنوفية يتابع مستجدات الموقف التنفيذى لمستشفى الشهداء الجديدة    بشرى للمواطنين.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى نهاية الأسبوع    الجنايات تعاقب عامل بالسجن 3 سنوات لإدانته بالاتجار في الحشيش    بالأسماء.. حركة تغييرات تطال مديري 9 مستشفيات في جامعة الإسكندرية    سياح من كل أوروبا.. شاهد رحلات جولات البلد على كورنيش الغردقة    خلال زيارته للمحافظة.. محافظ جنوب سيناء يقدم طلبا لوفد لجنة الصحة بمجلس النواب    رئيس إسكان النواب: سنتابع أسباب عدم توفير الاعتماد المالي لشبكات الشرب في المنوفية    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    فيلم السرب الأول في شباك تذاكر أفلام السينما.. تعرف على إجمالي إيراداته    حل وحيد أمام رمضان صبحي للهروب من أزمة المنشطات (تفاصيل)    نسألك أن تنصر أهل رفح على أعدائهم.. أفضل الأدعية لنصرة أهل غزة ورفح (ردده الآن)    مع اقترابهم.. فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    مراسل القاهرة الإخبارية: الآليات الإسرائيلية تسيطر ناريا تقريبا على معظم مدينة رفح الفلسطينية    إسرائيل تعتقل 22 فلسطينيا من الضفة.. وارتفاع الحصيلة إلى 8910 منذ 7 أكتوبر    سعر كيلو السكر في السوق اليوم الثلاثاء 28-5-2024    وزيرة الهجرة تستقبل أحد رموز الجالية المصرية في جينف بسويسرا    مواعيد مباريات الثلاثاء 28 مايو - كأس مصر.. ودوري السلة    رئيس وزراء إسبانيا: نعترف رسميا بدولة فلسطين لتحقيق السلام    مشيرة خطاب: النيابة العامة من أهم السلطات الضامنة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان    الأهلى يواجه سبورتنج فى نهائى دورى سيدات السلة    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    عاجل| وفاة الشاعر اللبناني محمد ماضي    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-5-2024    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    جولة ل«المصري اليوم» بسوق الأضاحى فى شبين القناطر.. الخروف يبدأ من 12 ألف جنيه    «دير البرشا» تستقبل بطلات «كان» بمظاهرة حب    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحى ترويها لأول مرة
رحيق الطفولة زعيمة المراهقات

وحدثت المعجزة أخيرا .. !! أخيرا وبعد أكثر من عشرين عاما من الرفض والعصيان والصمت المفاجئ وغير المبرر .. تتكلم جميلة المصرية .. خمرية الشاشة العربية .. رائدة إنتاج الأفلام الوطنية والدينية .. التى سأل عنها الناس كثيرا .. وتكلموا عن رقتها طويلا .. ثم صمتوا ... بعد أن اندهشوا .. فتعددت حولها الشائعات فى الفترة الأخيرة نتيجة اختفائها وصمتها ، وكان منها أنها تم إبعادها واختفاؤها لأسباب سياسية فى فترة الرئيس السابق ، أو أنها فضلت الابتعاد عن الساحة السينمائية لما تقدم فى الفترة الأخيرة من سفه وعدم احترام القيم ، أو أنها مرضت مرضا لعينا أصابها وأجلسها فى منزلها ومنعها من الحركة ..
أخيرا وبعد أكثر من عشرين عاما من الرفض الكامل لكل المحاولات التى أقدم عليها الكثير من الكتاب الصحفيين الكبار والإعلاميين والأدباء البارزين المصريين والعرب وبعض الأوروبيين لإقناعها بتسجيل وكتابة مذكراتها ومشوار حياتها وسيرتها الذاتية معهم.. وبعد أعوام طويلة جدا من الرفض للعروض بالآلاف بل بملايين الجنيهات والدولارات لتبيع مذكراتها.. تتحدث .. وتطلع جمهورها العريض الموجود بشكل خاص داخل مصر وبشكل عام خارج مصر بالمنطقة العربية والمناطق السوفيتية سابقا والآسيوية والأوروبية بما سيذهلهم من أسرار وتفاصيل لأول مرة تظهر وتنشر عن عذراء الشاشة أم غادة..
أخيرا وبعد أكثر من عشرين عاما من الرفض.. تروى.. أكثر من أثارت الجدل فى الوسط الفنى المصرى خلال القرن العشرين بما قدمته من ملاحم وطنية فى شكل أفلام سينمائية.. وأكثر الشخصيات التى ناضلت ودافعت عن صناعة السينما وكانت دائما تعتز بمصريتها وعروبتها.. أكثر من حاربت احتكار السينما المصرية والعربية وحوربت من هؤلاء المحتكرين ورفضت ما تتعرض له المراهقات من الفتيات المصريات من قهر وظلم وعنصرية ذكورية داخل المنازل المصرية وخارجها ورفضت الظلم والسجن للمناضلين والاحتلال الفرنسى للجزائر والأراضى العربية.. التى تمتعت بثقة غير محدودة من نجلة الزعيم الروسى «خروشوف».. والتى تزوجت من ضابط المخابرات الطيار الخاص للرئيس عبدالناصر الذى تزوج بعد ذلك من أرملة البطل المصرى «رفعت الجمال» أو كما يعرفه المصريون باسم رأفت الهجان.. أخيرا تتكلم صاحبة أكثر اكبر الأرصدة من الأفلام الدينية تمثيلا وإنتاجا وأكثر الأفلام الوطنية إثارة للجدل فى القرن العشرين (جميلة بوحريد) فيلمها الذى تسبب فى تهديد حياتها وكان السبب فى صدور قرار بمنع عرض أفلامها فى فرنسا ومطالبة بعض السياسيين الفرنسيين بإعدامها ومحاولة اغتيالها فى لبنان والذى ظل حتى اليوم وثيقة ودليلا على وحشية العدوان والاحتلال على الأراضى العربية، الفيلم الذى أسهم فى تحرير الجزائر وصحت جملتها الشهيرة «لقد ذهب الاحتلال الفرنسى وبقى للأبد فيلمى جميلة» ...
ماجدة الصباحى...... الممثلة .. المنتجة.. الموزعة.. المخرجة لمرة واحده فقط.. المناضلة.. الفدائية.. صاحبة الرسالة.. تلك البصمة الواضحة والبارزة فى جدار الزمن.. تتكلم بعد سنوات طويلة من الصمت لتخبرنا عن أيام زمن الفن الجميل.. تتكلم لتعلم الجيل الحالى من الفنانين والمنتجين.. جيل افتقدوا القدوة وبحثوا عنها كثيرا وحتى الآن لم يعثروا عليها.. جيل يجب أن يفتح عينيه ليرى ويستمع جيدا إلى أحد رواد الرعيل الأول الذى وضع أساس هذه الصناعة «صناعة السينما» التى تنحدر وتتقهقر الآن....
أنشر هنا حقائق لأول مرة ترى النور وتلامس رحيق الأحبار والأقلام والصفحات.. من خلال مذكراتها التى روتها وسجلتها معى أنا وحدى على مدار أكثر من تسعة أشهر من الجلسات المنتظمة والمطولة استمتعت بصدق رواياتها وقصصها الممتعة، المتنوعة والكثيرة والمختلفة وأنا فى حضرتها، حضرت حبيبة القلوب والمراهقة الكبيرة جميلة المصرية.. وهنا تجيب عن تساؤلات كثيرة ظلت بدون إجابات حول طفولتها ونِشأتها فى عائلة له تاريخ طويل فى النضال الوطنى وأيضا ذات أصول أرستقراطية تركية وكيف استطاعت أن تخرج على تقاليد العائلة وتحترف التمثيل وكيف أقدمت على الإنتاج السينمائى وهى مازالت مراهقة فى سن السابعة عشرة وهل بالفعل هى راضية عما قدمته طوال مشوارها وما الرسالة التى حملتها على أكتافها طوال هذه السنوات وكيف كان لوالدتها التأثير القوى عليها وكيف أصبحت غادة ابنتها هى كل حياتها.. وهل كان الموساد الإسرائيلى سببا فى الفشل وعدم حصول فيلمها أين عمرى على جائزة «مهرجان كان» وهل كان له يد فى تحريض السلطات الفرنسية ضدها وهل حاول اغتيالها لعزمها بعد انتهائها من فيلم جميلة إنتاج فيلم عن مناضلة فلسطينية؟

نكشف علاقتها بكل من ( إيهاب نافع .. عبد الحليم حافظ .. أم كلثوم .. فريد الأطرش .. فاتن حمامة .. عبد الوهاب .. سعاد حسنى .. رشدى أباظة .. زكى رستم .. أحمد مظهر .. يحيى شاهين .. أحمد زكى .. نور الشريف .. محمود ياسين .. ميرفت أمين .. نجلاء فتحى .. ليلى طاهر .. حسن الإمام .. احمد ضياء الدين .. عز الدين ذو الفقار .. عمر الشريف .. تحية كاريوكا .. فريد شوقى .. شادية .. نادية لطفى .. كمال الشناوى .. شكرى سرحان .. إسماعيل ياسين .. على الزرقانى .. موسى صبرى .. صبرى العسكرى .. إحسان عبد القدوس .. يوسف شاهين .. يوسف إدريس .. حبيب مجاعص .. نجيب محفوظ .. توفيق الحكيم .. مصطفى محمود .. جمال عبد الناصر .. أنور السادات .. حسنى مبارك .. وآخرين )
عن أزمة فيلم العمر لحظة تتحدث .. قصة فيلم أين عمرى الذى رشحه مجلس قيادة الثورة ليكون أول فيلم يمثل الدولة الجديدة جمهورية مصر العربية فى مهرجان عالمى ، وهل بالفعل تم إعلان إفلاسها فى أزمة مع الدولة فى الستينيات ، وكيف تستطيع أن تشاهد خيال الجن والعفاريت فى وحدتها؟ ولماذا تحولت حياتها ألان إلى السعادة الناقصة ، وكيف عاش شقيقها اللواء مصطفى الصباحى عمره كله لم يتزوج بسببها ، ولماذا تشجع نادى الزمالك رغم كل الخسائر التى يحرزها ، وكيف استطاعت تصوير مشاهد الحقيقة العارية فى درجة حرارة لا يتحملها رجال مفتولو العضلات وهى الفتاه الرقيقة «القطة فوفه» .. وما هى قصة الإنتاج المشترك مع الهند فى أحد الأفلام ، وما هى قصة مجنون ماجدة الذى داومت على زيارته حتى شفى ، وما هى الحقيقة فى الحرب الباردة والمنافسة الطاحنه التى وقعت بينها وبين فاتن حمامة وهل حسمت أم مازالت موجودة حتى الآن ؟
كيف استطاعت أن تتحمل خيانة مدير أعمالها التى استمرت لأكثر من عشرين عاما وهل حقا جردها فيها من ثروتها ، وما حقيقة عزوفها عن الحب والزواج سنوات طويلة حتى أطلق عليها البعض شائعات أنها سحاقيه ، وما هى قصة حبها وزواجها بإيهاب نافع ولماذا أدخلته الوسط الفنى ولم حدث الانفصال بينهما ولماذا ظلت أكثر من أربعين عاما بعد ذلك دون أن تتزوج وما هى حقيقة مواظبتها على صلاة اليهود باللغة العبرية وهى طفلة ؟
كيف تعيش ماجدة الصباحى الآن ؟
لم يكن اقترابى منها سهلا أبدا .. فهى تعيش وفق نظام وبرنامج يومى وضعته لنفسها لا تسمح لأحد بتغييره أو عرقلته .. وأيضا غير مسموح لأحد بالتطفل أو الاختراق .. لذلك كان السماح لى بالاقتراب منها أمرا غير عادى ومن المستحيل أن يحدث .. ظللت أكثر من عام ونصف عام أحاول إقناعها بتسجيل مذكراتها «لكونى أهتم بهذا الجانب الصحفى الذى لا يوجد أحد من زملائى أو أساتذتى تفرغ له وتخصص فيه غيري» وكانت هى كما هى لا تغير من إجابتها بالرفض ، لديها يقين بأن الوقت لم يحن بعد لتفتح قلبها وتخرج أسرارها .. ولكن لم أصدق نفسى عندما رن جرس التليفون ذات صباح ووجدت محدثتى هى «رشا آدم» مديرة مكتبها تقول لى المدام ترغب فى مقابلتك غدا ، وأغلق الخط ولكن كانت الجملة تطاردنى فى كل مكان أتجول فيه داخل شقتى ورأسى تملؤها الأسئلة التى لا توجد لها أجوبة وكنت أتمنى أن نكون غدا حتى أذهب إليها ومرت الثوانى والدقائق والساعات وكأنها سنوات ثقيلة لا تريد أن تتحرك وبمجرد رؤيتى لنور الصباح الذى كنت أنتظره، لم يجافنى النوم فى تلك الليلة فارتديت ملابسى وذهبت إليها مسرعا .. سبقنى خيالى إلى هناك يحاول الاستكشاف ولكنه عاد إلى مطأطئ الرأس خائب الرجاء يجر وراءه أذيال الخيبة والعار لعدم قدرته على التوصل لأى شيء يمكن أن يفيدنى عن فحوى اللقاء .. وجدت نفسى فجأة أدخل إلى مكتبها لم أشعر بالمسافة بين مسكنى ومكتبها ، فوجدتها تستقبلنى وهى تبتسم فى رقتها التى عودتنى وعودت جمهورها عليها وملامحها الخمرية التى ربما ظهرت عليها بعض التجاعيد ولكنها لم تختلف كثيرا عن الصورة التى تعودنا أن نشاهدها فيها .. وصوتها مازال يحمل نغم الرقة والنعومة التى لم أسمعها بشكل خاص ولم يسمعها الجمهور المصرى والعربى بشكل عام إلا منها هى وحدها «ماجدة» .. ثم قالت «سيد .. أنا موافقة على تسجيل مذكراتى معك» بالطبع طلبت أن أسمع الجملة مرات ومرات حتى أستطيع التصديق وأقنع نفسى بأنى لست أعيش فى لحظات من السراب داخل حجرات الخيال والأحلام المظلمة التى تنتمى لليلة الماضية وربما يكون هذا يحدث لى لرغبتى الشديدة فى التعرف على سبب طلب اللقاء المفاجيء .. ولكنها تابعت حديثها بجملة أخرى أكدت لى بأنى مستيقظ وما أسمعه حقيقة وليس سرابا فقالت «ربما نتيجة مقابلتنا وتحدثى معك طويلا استطعت أن تفعل معى ما لم يفعله الآخرون وهو أنى اطمأننت لك وشعرت بأننى أستطيع أن أثق بك» وهنا شكرتها كثيرا من صميم قلبى ..
وكل ما أستطيع أن أعبر عنه أنها هى مازالت ماجدة بوزنها المثالى ورشاقتها المعهودة ورقتها التى «تبطل الوضوء» كما قال الشيخ عبد الحميد كشك فى أحد خطبه .. وجهها مازال ينبض بالحيوية ومازالت تتحرك بحيوية الشباب فبداخلها طاقة وشعلة من النشاط تدفعها وتتفوق على نفسها دائما .. مازالت تتمتع بذاكرة قوية على المدى البعيد ضعيفة بعض الشيء على المدى القريب .. لا يشغلها شيء عن قضاياها التى تفرغت لها منذ سنوات طويلة وحاولت تقديمها فى السينما تمثيلا وإنتاجا بأشكال متعددة .. كل ما استطاعت أن تفعله منذ عدة سنوات هو أن ابتعدت عن المشكلات التى تشغل المصريين والساحة السينمائية فى الفترة الأخيرة .. فالفنانون دائما يحبذون المعيشة فى أجواء تملؤها الهدوء والسكينة , وكانت تعلل دائما طوال قربى منها أن مصر والأمة العربية والإسلامية تتلخص معاناتها الآن من وجهة نظرها فى جملة واحدة ( الجهل .. الذى خلفه الفقر والحرمان والذى أوقعنا فيه النظام السياسى الذى كان) وكل شيء يعانى المصريون منه الآن يندرج تحت تلك الجملة ..
اقتربت منها فى يوم علامة فى تاريخها , ذكرتنى وأذكركم بتجربتى السابقة فى «مذكرات المفكر الكبير مصطفى محمود» لقد وجدت أن وجه التشابه بين لقائى به ولقائى بها فى نواح كثيرة متقاربان ربما يرجع لان كلا منهما أخلص كثيرا فيما خلق له .. فاليوم الذى شهد مولدها والعائلة تحتفل بعيد ميلادها فى اليوم السادس من شهر مايو 2010 من عمرها .. شاهدتها .. راقبتها .. حاورتها .. جادلتها واستمتعت بالخصوصية التى خصتنى بها هى وعائلتها الكريمة التى تتكون من ابنتها الوحيدة الممثلة «غادة نافع» وحفيدها الوحيد «أحمد» واستغلت انشغال الأسرة معها لأطوف فى شقتها الخاصة التى توجد فى عماره تملكها هى واسرتها والموجودة بحى الدقي, سحرتنى تلك اللوحات الزيتية التى ربما ترجع لأكثر من أربعين عاما ، والتى رسمها فنانون كبار لوجه الفنانة ماجدة تستطيع تلك اللوحات أن تشعرك وأنت تقف تتأملها بأنك داخل أحد أفلامها الرائعة وأيضا أيقنت مدى حسها الفنى العالى مما تقتنيه من تحف وزخارف ربما لن تراها إلا عندها وأيضا وجدت لديها مكتبة ضخمة جدا من الأفلام الأجنبية والعربية الخاصة بها التى تعتبر أنها رفيقتها الوحيدة فى وحدتها هذه الأيام ..
لم يتغير برنامجها طوال فترة اقترابى منها فهى بعد الاستيقاظ فى العاشرة صباحا تتناول وجبة إفطار خفيفة فى السرير «شاى بحليب وبسكوت» ثم تحصل على حمام دافئ وبعد ذلك تبدأ بقراءة الجرائد وخاصة الجرائد الخاصة وهى تتابع بعض الأخبار عبر شاشة التلفاز ثم تذهب إلى مكتبها فى عمارة الإيموبيليا وتصل فى حوالى الساعة الثانية عشرة وتظل به تتابع عملها لا تتوقف إلا فى تمام الساعة الخامسة لتعود إلى منزلها مرة أخرى وتصل فى الساعة الساسة وهناك تتناول الغداء فى السادسة والنصف يتكون من «سلطة خضراوات وأرز وقطعة صغيرة جدا من اللحم أو الدجاج أو السمك» ثم تذهب فى رحلة لقضاء بعض احتياجاتها وتؤدى بعض الزيارات الخاصة «وهذا لا يكون فى أغلب الأحوال وتعود لتتناول وجبة العشاء فى العاشرة مساء وتكون عبارة عن «قطعة جبن خفيفة وثمرة واحدة من الفواكه» ثم تصعد إلى ابنتها الوحيدة غادة وهى تسكن فى الطابق العلوى لها لتقضى معها ومع حفيدها بعض الوقت .. وهذا البرنامج يتم تطبيقه دون أى تغيير أو خلل طوال أيام الأسبوع باستثناء ليلة الخميس والجمعة والسبت فلها برنامج آخر فهى تقضيها فى فلتها الخاصة بمحافظة 6 أكتوبر حيث تفضل الابتعاد عن الضجيج والزحام الذى تضج به القاهرة خاصة بعد الثورة وتخصص يوم السبت للمقابلات العائلية والأسرية وأيضا تستقبل فيها مدير أعمالها «أحمد شوقي» ليعرض عليها بعض أعمالها الخاصة بمجمع ماجدة الموجود فى أكتوبر .. إنها تفضل فى نهاية كل أسبوع أن تنعزل عن العمل والتفكير فى مشكلاته التى لا تنتهى وتجلس داخل فيلتها فى هدوء وسكينة تستمتع وتتأمل وتستعيد الذكريات الجميلة وتتصفح ألبوم الصور الذى يسجل بداخله كل لحظات العمر الذى رحل وتتذكر منها مواقف كثيرة ومختلفة تضحكها أحيانا وتبكيها فى أحيان أخرى ....
وكان هذا الجو داعيا ومشجعا بأن تخرج ماجدة الصباحى ما فى حقيبة ذكرياتها وتتكلم فى كل ما صمتت عنه طوال الأعوام الكثيرة التى مضت وتفتح دفاتر أسرارها التى وجدت أخيرا أنه آن الأوان أن تعلنها ..........
فحياتها سلسلة من التحديات .. حلم يتحول إلى حقيقة .. مشاريع تتحول إلى نجاح .. عاشت الفن.. وأعطته أجمل سنوات عمرها .. وأعطاها أجمل ذكريات امرأة .. إنها حالة خاصة من النجوم الذين عاشوا الفن بكيانهم ووجدانهم .. أشهر فاتنات الشاشة فى مصر والعالم ....
فى هذه النقطة تقول عفاف على كامل الصباحى الشهيرة ب«ماجدة الصباحى» فى البداية كانت عائلة الصباحى من العائلات الكبيرة التى تقطن وتعيش داخل قرية موصطاى مركز قويسنا التابعة لمدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية وكانت تمتلك الضياع والقصور الفخمة فجدى لأبى هو المرحوم «عبد الرحمن باشا الصباحي» عضو مجلس شورى القوانين فى عهد الخديوى إسماعيل ونفى معه وكان هو المؤسس الرئيسى لعائلة الصباحى فى ذلك التوقيت وكان يروى لى أبى كثيرا حول أن أساس العائلة بدأ باثنين من الأشقاء احدهما ذهب ليعيش فى جبل الدروز بلبنان والآخر وهو جدى أتى ليعيش فى مصر واختار المنوفية مكانا لإقامته وكان فى الماضى للعائلات أوضاع مختلفة عما نحن فيه الآن وكانت ممتلكات عائلتى من الأطيان والأراضى حوالى اثنى عشر ألف فدان وكان أفراد العائلة جميعا يعيشون داخل البيت الكبير وهو «قصر الصباحية» والذى مازال موجودا حتى الآن فى قريتنا وكان يوجد داخل هذا القصر وحسب التقاليد المتعارف عليها فى ذلك الوقت الأغوات وهم «الرجال الذين تم خصيهم ونزعت منهم ذكورتهم» وكان لابد ألا يدخل إلى القصر من الرجال الغرباء أو من يقومون بحراسته غير الاغوات وذلك لكثرة نساء القصر وللحفاظ على شرفهن وعدم مساسهن بأى سوء وكان ضمن نساء القصر أمى وجدتى ونساء أخريات من العائلة ومساحة هذا القصر شاسعة وكان يفرش بأفخم أنواع الأساس الذى أتى به الجدود الأوائل من باريس واسطنبول وكان يعيش بداخله الكثير من الخدم وكان أكثر أبناء العائلة يشغلون أكبر المناصب فى الدولة فأخبرنى أبى أن جدى الصباحى باشا كان يعتز بمصريته إلى حد الهوس وعندما قامت الثورة العرابية كان جدى وكل أفراد عائلة الصباحى من بين ثوار عرابى وجنوده .. ثم ازداد تنكيل الإنجليز بأفراد العائلة وبالتحديد بعبد الرحيم الصباحى ويوسف الصباحى اللذين كانا من كبار المناضلين ضد الاستعمار الإنجليزى وفى أعقاب ثورة 1919 استطاع الإنجليز آن يجردوا «آل الصباحي» من بعض أملاكهم وضياعهم الواسعة إلا أن هذا لم يؤثر على الإطلاق فى حماسهم الوطنى وعدائهم الشديد للاستعمار الإنجليزى أن ذاك (وهنا أخرجت لى الفنانة ماجدة بعض تلغرافات التعزية فى جدها والتى تعود لعام 1943 والتى كانت مرسلة من مصطفى باشا النحاس وأحمد تيمور وفؤاد سراج الدين وعلى ماهر وآخرين وذلك لتكون توثيقا لمكانة العائلة) ....
كانت أمى تروى لى دائما عن المدرسات اللاتى كن يأتين إليهن فى القصر فكان هناك أوليات لتعليم أبناء الأثرياء من الإناث للغات الأجنبية وكانت تأتيهن مدرسات لتعليم اللغة الفرنسية ورغم ذلك فالجميع داخل العائلة يراعى التقاليد والأعراف المتوارثة والتى لا يقبل فى تطبيقها تهاونا أو جدالا ونقاشا فكانت أشبه بديكتاتورية .. واللغة السائدة فى تلك الفترة هى تقديس واحترام منقطع النظير لرب الأسرة الذى ينتفض الجميع لحضوره أو ذهابه فكان أشبه «بسى السيد» وأكثر جدا ، وكل هذه الصفات لم يكن يتمتع بها أبناء الطبقات الشعبية فقط كما صور نجيب محفوظ وكتاب آخرون فى رواياتهم وكتاباتهم المختلفة ولكنها كانت أيضا سمات وصفات عائلة الصباحى وعائلات أخرى كثيرة ومختلفة من الأثرياء الذين تعرضوا لأبشع أنواع الهجوم والافتراءات والأكاذيب من بعض الروائيين والسينمائيين فى الخمسينيات فى أعقاب ثورة 23 يوليو التى ربما تكون وجهتهم إلى هذا لنبذ الطبقات الأرستقراطية ...
وكانت تتمتع نساء العائلة بجو من الحب والتفاهم نتيجة تعايشهم فى وحدة المكان الذى افتقدته العائلات فى وقتنا الحالى فدائما كانت تقام جلسات التسلية والسمر وصالونات التعارف وتبادل الثقافات التى كانت لا تنقطع أبدا باستضافة وضيافة نساء العائلات الصديقة والمجاورة لعائلة الصباحى مثل عائلات «الخادم والعلايلى والهرميل وأبو مصطفي» .. وهناك قصص كنت أسمعها من جدتى وظلت راسخة بداخلى طوال سنوات عمرى فمنها أن القصر فى قريتنا كان له عظيم الاحترام والإجلال الذى يعبر عنه أهل القرية لكونه ينتسب لعائلة الصباحى فكان الجميع يظهرون هذا الأدب والاحترام فى كيفية المرور أمامه فلا يمكن لأحد أن يمر من أمامه وهو على ظهر دابته ولكن لابد أن ينزل عنها ويسير بجوارها على قدميه كنوع من إظهار الاحترام والتقدير فهذه كانت مكانة العائلة وأخلاق أهل قريتنا ..
ولم يكن يوما أبى وأمى مجرد زوجين فقط بل تربطهما صلة الدم الواحدة والعائلة الواحدة فكل منهما ينتهى لقبه للصباحى فهما أبناء عمومة جمعتهما قصة حب عنيفة ولكن كان موعدها فى توقيت غير مناسب حيث كانت هناك بعض المشاكل والخلافات التى نشبت بين الأسرتين «أسرة جدى لوالدى وجدى لأمي» وفى ذلك الحين كان والدى غير عابئ بالثروة والمال وأصبح موظفا رغم انتقاد الأسرة لقبوله الوظيفة ولكنه قبلها وأقدم عليها إيمانا منه بأن العمل هو قيمة الإنسان وهو القادر على تحقيق ذاته وعندما أعلن أبى وأمى عن قصة حبهما ورغبتهما فى وضع نهاية لهذا الحب بالارتباط والزواج وجدا الرفض القاطع من الأسرتين لما كان بينهم من خلاف وأيضا معترضين على نشوب مثل هذا الحب فى الخفاء معتبرين هذا خروجا على التقاليد المتوارثة وقالوا «تقاليد العائلة لا تسمح بان تحب الفتاة من وراء أهلها» ولكن أبى وأمى والتى كان اسمها «ناهد يوسف الصباحي» قررا أن يتزوجا رغم إرادة عائلتهما وتوسعت فجوة الخلاف بين الأسرتين بسبب هذا الزواج وبالفعل أتفق أبى وأمى على الهرب وقررا الذهاب إلى مدينة طنطا بمديرية الغربية «محافظة الغربية الآن» وأتم هناك مراسم الزواج وعقد القران وكان اختيار اللجوء إلى طنطا لسببن الأول أنها المحطة الأقرب لهما والسبب الآخر أن أبى كان قد حصل على شهادة البكالوريا وتم تعيينه فى الديوان العام بطنطا وعاشا داخل هذه المدينة العطرة فى رحاب مقامات الأولياء والصالحين وعندما اكتشفت الأسرة هروبهما وزواجهما حدثت حالة من الثورة والصراع والخلافات وترتب على ذلك مقاطعة الأسرتين لهما وحرمانهما من الميراث وحرمانهما من مساعدتهما وإعطائهما أى مبالغ مالية تعاونهما على المعيشة ومواجهة الحياة الصعبة ولكن الأمر لم يكن يعنى أبى فى شيء ، وقرر أن يتحمل تبعات قراره ويعمل بجد واجتهاد لقد كان حبهما أشبه بقصة «قيس وليلى» التى قدمتها فى فيلم سينمائى بعد ذلك وانقسمت العائلة وكان يسيطر عليهم شعور بان ما حدث هو بمثابة تعد على وضعهم العريق ولكن فى النهاية استمر الزواج الذى كان يتمنون ويتوقعون له جميعا الفشل ولكنهم أكدوا نجاحه الذى أثبته ثماره الطيبة بمولد أخوتى قبلى وتأكد أكثر بمولدى وقدومى...
كنت أنا أصغر أبناء الأسرة وجاء مولدى فى «6 مايو 1939» وعند ولادتى صادف أنه كان يوم احتفالات شم النسيم مما جعل أخوتى يتفاءلون بى وبابتسامتى الدائمة فقد تم نقل أبى بعد ولادتى بشهور إلى وظيفة أكبر فى وزارة المواصلات وانتقلنا إلى القاهرة فى منزل صغير به حديقة فجميعنا من أبناء المنوفية وولدنا فى طنطا وعشنا حياتنا كاملة فى القاهرة بحى السكاكينى وبعد ذلك انتقلنا إلى سكن فى الهرم .. كان ترتيبى الرابعة والأخيرة بين إخوتى فكانوا حسب ترتيبهم «عايدة وتوفيق ومصطفي» ثم أنا ، ولقد حدثت لى مجموعة من النوادر والقصص فى طفولتى ترويها لى أمى أولها أن أمى حاولت كثيرا وبشتى الطرق أن تسقطنى وتتخلص منى وأنا مازلت جنينا فى رحمها فى أثناء فترة الحمل وكان أسباب ذلك أنها كانت لا ترغب فى إنجاب أكثر من ثلاثة أبناء وكانت تعتبر حملها الرابع غلطة يجب أن تصححها بالتخلص من الجنين ....
«ضحكت الفنانة الكبيرة ماجدة قائلة» ولكنى صممت على البقاء حتى جئت لهذه الدنيا وأيضا كنت أكثر تصميما عندما تعرضت لحادث غرق كدت أن أفارق الحياة بسببه وأنا مازلت فى العام الأول من عمرى وهذا تسبب فى أننى أخشى مياه البحر وتسبب بعد ذلك وحتى الآن فى أن الصيف كان ومازال يقبل ويولى ولا استمتع إلا بأيام قلائل أمضيها على شاطئ البحر فى رأس البر أو الإسكندرية دون أن اسبح فى الماء مثلما تفعل المصيفات السعيدات لان العداء بينى وبين ماء البحر قديم عمره اقل من عمرى بعام واحد لقد صاحبنى هذا العداء طوال حياتى فلم نفترق ولم نتوار عن بعضنا البعض أبدا فكانت مجرد رؤيتى للبحر وهو يمتد أمام ناظرى كافيا لان يجعل نفسى تنقبض ويولى المرح مسرعا بالهروب ، فقد روت لى أمى هذه القصة عن تاريخ عدائى للماء التى لا أستطيع أن أعيها أو أتذكرها فقالت موجهة الحديث لى كنت فى عامك الأول صغيرة خمرية يطل من عينيك الذكاء «هذه شهادة أمى ولا يؤخذ بها!» وكنا كأسرة نذهب إلى رأس البر كل صيف ونختار مكانا بعيدا عن أعين الناس لنسبح فيه وكنا نحن السيدات نختار الصباح المبكر قبل أن يصحو الرجال ويحاول فضولى منهم أن يتسلل إلى حيث نسبح وقد تركتك على الشاطئ بينك وبين الماء أكثر من عشرة أمتار وهى مسافة كافية تماما لأطمئن عليك وأتوغل فى الماء وكان معنا جارات لنا فى رأس البر فتسابقت معهن وعدنا إلى الشاطئ متعبات ويصيبنا الإرهاق ووقفنا وأقدامنا تغوص فى الماء نتسامر وفجأة أحسست أن شيئا ما يصطدم فى قدمى وأصابنى ذعر ونظرت إلى الماء وكان صافيا بحيث أرى منه قاع البحر فوجدتك .. نعم وجدتك تحت قدمى فانحنيت واختطفتك من الماء الذى كان يجرفك أمامه إلى داخل البحر وهرولت بك مسرعة نحو الشاطئ وأنت فى أحضانى وأنا ابكى وأربكنى الموقف فلم استطع أن افعل شيئا وأنا أراك قد فارقت الحياة أما الصديقات اللواتى كنا معى فقد اختطفنك من أحضانى وقامت إحداهن بعملية إفراغ الماء من معدتك كل هذا وأنا أراقبك من خلال دموعى وفجأة بدأ صدرك يعلو ويهبط وبدأت عيناك تنفرجان لأرى فيهما وميض الحياة وبدأ صوتك يخرج صرخات وبكاء فسارعت اختطفك مرة أخرى وأغمرك بقبلاتى .. فكانت معجزة والذى حدث طبعا أننى جعلت أحبو إلى أمى التى كانت فى الماء ولما وصلت إلى الماء جرفنى والمعجزة أننى اصطدمت بقدمى أمى وبمرور الوقت صارت عندى عقدة من الماء ، وأصبحت أخاف من البحر وأمواجه وأصبحت اقنع من المتعة التى قد يجدها كل إنسان بالمرح على الرمال وبين الأمواج بقراءة ذكريات الصيف وقصائد الشعراء من البحر وجمال الشمس وهى تغرب فوقه ...
وأتذكر أيضا أن طفولتى كانت طفولة الأمر وليس النهى أو الاستنكار أو المشاركة بالرأى وهذا كان يعود لأنى أصغر أفراد الأسرة كما ذكرت فكنت دائما المأمورة من الجميع وكنت دائما أتلقى الأوامر والتعليمات فى صيغة الأمر «أفعلى نفذي» ففى أسرتى كان الكبير يأمر والصغير يطيع ولا يوجد شيء يدعى التعبير عن رأى لصغار السن بها والعائلات الكبيرة كانت دائما تتبع تلك السياسات الصارمة فى تربية أبنائها .. فكنت دائما أنا وحدى الضحية لتلك التقاليد فالجميع يأمرون وأنا أطيع .. ورغم ذلك كانت طفولة أشتاق دائما إليها ، لأنها كانت طفولة غنية بالتفاصيل مترامية الأبعاد ...
فعندما لم يكن سنى قد تجاوزت الخامسة دخلت مدرسة «جابيس» وكانت مدرسة يهودية فى جاردن سيتى والتى كانت تديرها سيدة يهودية وأتذكر حادثا مثيرا وقع لى فى بداية التحاقى بالمدرسة حيث كانت السيدة المديرة تصر على أن يتعلم كل الأطفال الموجودين بالمدرسة أيا كانت ديانتهم صلاة اليهود وذات يوم كنت اجلس فى منزلنا مع جدتى لامى وتذكرت فجأة أننى لم أؤد صلاة الصباح التى تعودت أن أؤديها فى المدرسة وصليتها أمام جدتى ولم تفهم شيئا مما أقوله بالعبرية طبعا فسألتنى عن معنى الكلمات التى أردد فأخبرتها أن هذا الذى اردده صلاة اليهود الصباحية وثارت جدتى من هول الصدمة التى كنت لا أعيها فى هذه السن الصغيرة وامتدت الثورة إلى كل أفراد الأسرة ووجد كل من أبى وأمى نفسيهما فى موقف حرج جدا لأنهما أدخلانى مدرسة يهودية مصرية ولم تنته الثورة إلا عندما احضر أبى لى احد الشيوخ الأجلاء ليحفظنى القرآن ويعلمنى الصلاة وقد أفادنى هذا جدا فعن هذا الشيخ تلقيت الكثير من أصول الثقافة العربية وآداب لغتنا العربية حتى أجدتها إلى جانب اللغات التى أتقنها منذ الطفولة «الفرنسية والعبرية» والإنجليزية التى تعلمتها بعد ذلك وحفظت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة وأصول الدين ومضت الأيام بى وبعد سنوات التحقت بمدرسة الراهبات «البون باستير» وكانت فى شبرا ومعناها الراعى الصالح وكان اسمى الحقيقى كما ذكرت هو عفاف وكانت العادة فى المدرسة أن تحمل كل تلميذة اسم دلع وسألتنى احدى الراهبات عن اسمى فقلت لها «قطة» وهكذا كانوا يسموننى فى البيت أيامها ولكنها هزت رأسها قائلة لا سيكون اسمك من الآن «فوفه» وأصبح هذا الاسم علما فى المدرسة والبيت على السواء وكانت الراهبة التى اختارت لى هذا الاسم معجبة بشخصيتى جدا ولم أكن قد وصلت بعد إلى سن العاشرة كانت تقول لى دائما أنت فتاة طموحة وسيضعك طموحك هذا على القمة ذات يوم وكنت لا أرضى بالقمة بديلا حتى وأنا فى هذه السن وذات مرة انتزعت منى تلميذة زميلة الأولوية على الفصل فظللت ابكى حتى تورمت عيناى وأمرنى الطبيب بالراحة خوفا من المضاعفات ولكنى لم استرح أبدا إلا بعد أن استعدت أولويتى لفصلى الدراسى وبعد ذلك تخرجت فى «البون باستير» وعملت بالسينما وحققت النجاح المنشود والتقطت لى صور عديدة وأنا احيى الجماهير التى تولينى حبها وإعجابها وحملت هذه الصور وذهبت بها إلى البون باستير وسألت عن الأخت الراهبة التى تنبأت لى ذات يوم بالمجد والشهرة ولكننى حزنت جدا عندما علمت أنها قد غادرت الدنيا واختارت جوار ربها ....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.