رصدنا جوانب الخلل وتوقعنا النتيجة منذ البداية فى دراسة كتبناها فى اعقاب إحالة مبارك وصحبه للمحاكمة وصدرت من مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية فى يناير 2012 بعنوان «مصر يناير بين محدودية المحاكمة الجنائية وآفاق العدالة الانتقالية»وانتقدنا المحاكمة بهذه الطريقة وإعتبرنا»00ان كل ما فعلناه اننا اخترنا-أو اختارت لنا الاقدار- مجموعة من قيادات النظام السابق لمحاكمتهم عن طريق الدعوى الجنائية العادية وبواسطة القضاء الطبيعى ووفقا لحكام قانون العقوبات. ..واكتفينا باتهامات محددة ومحدودة تتصل بقتل أعداد كبيرة من المتظاهرين وبعض وقائع فساد مالى 0000ولم يسأل أحد من المتباهين بهذه المحكمة «الطبيعية» التى لم يسبقنا إليها أحد نفسه :هل يمكن أن تبرر مثل هذه الأفعال إذا ادين بها المتهمون قيام ثورة شعبية بهذا الحجم خصوصاً أن أهمها وهو قتل المتظاهرين لم يقع إلا بمناسبة الثورة نفسها ولو لم تقم الثورة لما وقع.وهذا فى حال ادانة المتهمين،ولكن ما الحال إذا عجزت الأدلة أو نصوص القانون عن إقناع «القاضى الطبيعى» بإدانة أى من المتهمين أو نجحت فى تبرئة بعضهم؟!!أم ترانا إخترنا طريق المحاكمة الطبيعية منتظرين أن تقضى بالإدانة طبقاً لمعايير المحاكمات الثورية؟!!أم ترانا فى آمان من مخاطر أحكام البراءة لأننا سوف نتداعى بالملايين فى الميادين لمواجهة الخطر الذى سيمثله حكم البراءة على مسيرة الثورة؟! فإذا كان الأمر كذلك فما هو وجه مباهاتنا بهذه المحاكمة الطبيعية بالضبط؟!!» ومع ذلك لانملك إلا التعاطف مع ردود الأفعال الغاضبة،وإن كنا لانتبناها،وإنما نضيف الصخب الذى صاحبها والقلق الذى حركها إلى كل ما سبق من إشارات مماثلة مثل احتجاجات قانون التظاهر وغيرها، والتى تؤكد أننا لا نتعامل بجدية مع ما اخترناه لانفسنا من اسس لتأسيس الشرعية الجديدة (شرعية 25يناير 2011 فى طبعتها التى صدرت فى 30 يونيو 2013). أصبحنا اليوم فى أزمة شرعية ترجع للتناقض بين كوننا لم نعد نرغب فى استعادة شرعية ثورة يوليو 1952 فى عهدها الناصرى ،بينما عبرت شعارات يناير عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية،عن ان الجماهير الثائرة تنتقم لنفسها من انقلاب نظام السادات مبارك على شرعية وسياسات وانجازات وسياسات تلك الثورة الخالدة، التى لولا الانقلاب عليها لما إحتدمت الازمة الاجتماعية والسياسية فى البلاد لهذه الدرجة التى سببت زلزال يناير.ولو كان نظام السادات مبارك قد تمكن من انقلابه بأدواته الذاتية ربما لم تكن لتحدث مشكلة ،لكنه استخدم اعداء ثورة يوليو وفى مقدمتهم الاخوان ومن والاهم لهدم هذه الثورة والحلول محل نظمها وافكارها فى الفضاء الاجتماعى والسياسى والفكرى فى عموم البلاد، مما مكن الاخوان ومن فى ركابهم من ركوب موجة يناير وامتلاك السلطتين التشريعية والسياسية ،على النحو الذى لاتزال البلاد تدفع ثمنه غاليا منذ 30 يونيو وإلى مدى غير منظور بعد.. أما ماتلى يناير من إطروحات وتوجهات استهدفت الإصلاح السياسى والدستورى بالاساس فقد كان حصاد السنوات السابقة عليه والتى تسترت على سر أزمتنا الحقيقى المتمثل فى الانقلاب على ثورة يوليو وانهاء شرعيتها، وأرجعته فقط- إلى جوانب الخلل فى السلطة السياسية الخاضعة تماماً لهيمنة واستبداد رئيس الجمهورية ،وهى الأفكار والأطروحات التى حددت نوع المطالب التى جرى تحقيقها بعد الإنفجار الكبير، بدءاً من إقالة جمال مبارك ورجاله ثم تعديلات دستور 1971،والإعلان الدستورى من قبل المجلس العسكرى ثم دستور الإخوان والدستور الحالى.وفى هذا الإطار جرى اختيار القضاء الطيبعى بكل جهاته المدنية والجنائية والإدارية لمواجهة اعباء تصفية مرحلة نظام مبارك بشكل يعتمد على النصوص الدستورية والقانونية،كما تم التوافق بين الجميع على حتمية الاسراع بالإنتخابات الرئاسية والبرلمانية،ورغم ما أدى إليه هذا الاسراع من بروز الخطر الإخوانى مجسماً لاول مرة طوال الاربعين عاماً السابقة فإننا تمسكنا بذات المنهج بعد 30 يونيو وحتى الآن. وهكذا أنتهت شرعية ثورة يوليو تماماً، خصوصا بعد أن نجح الاخوان فى تشويه الصورة الرائعة لعلاقة الشعب بجيشه الوطنى ودسوا على شعارات ثوار يناير ذلك الشعار اللئيم «يسقط حكم العسكر». الآن بات علينا فتح حوار وطنى حقيقى لتأسيس شرعيتنا الجديدة على الأرضية الدستورية والقانونية التى تترك للقضاء مجالاً واسعاً فى التطبيق والتأويل يوجب احترام احكامه وتنفيذها، والحيلولة دون تدخل اى سلطة فيها ،وليس المطالبة بعكس ذلك على نحو ما رددته الإعتراضات الصاخبة على حكم البراءة ،ومع تأكيد حق الرأى العام فى رقابة القضاء وإنتفاد أحكامه وتأويلاته، فالقضاء ليس سلطة مقدسة فى اى دولة مدنية ديمقراطية حقا وليس إدعاءً. وقوانين التظاهر فى البلاد الديمقراطية هى وسيلة تعبير سلمى عن الرأى الاحتجاجى، وليست وسيلة لاشعال الثورات ضد نظام الحكم كما يظن شباب يناير المحتج على هذا القانون، والامن يجب ان يحصل على كل الإمكانات التى تمكنه من آداء واجبه ولكن فى إطار الدستور والقانون والرقابة الشعبية والبرلمانية، وما دمنا مصرين على اهمية استكمال الاشكال الدستورية والسياسية فعلينا المضى قدماً فى الانتخابات البرلمانية والمحلية دون ابطاء ،،مع الدعم الكامل للاحزاب السياسية على الأخص احزاب يناير/ يونيو، اما نظاما مبارك والاخوان فان شئنا خلفناهم وراء ظهورنا ومضينا إلى المستقبل، والا فإن اجراءات ووسائل العدالة الانتقالية تقدم الحل الصحيح بعيدا عن الضوابط الصارمة للقضاء الطبيعى، والتى تفقد معناها اذا خضعت للاعتبارات السياسية. لمزيد من مقالات أحمد عبد الحفيظ