قبل فتح ملف أزمة النائب العام والرئيس، هناك سؤال جوهري يجب الإجابة عنه والسؤال هو ألم تكن إقالة النائب العام مطلبًا جماهيريًا للثوار بكافة طوائفهم؟ فلماذا غضب بعض الثوار من قرار الرئيس مرسي الذي حقق أحد أهم مطالب ثورة 25 يناير؟ والسؤال مهم ومنطقي ويجب الإجابة عنه بوضوح بدون لبس أو مواربة، خاصة أن المنتمين للإخوان يفسرون دفاع قطاع كبير من الثوار عن قرار إقالة النائب العام بأنه نوع من العند في الإخوان. وتعالوا نجيب عن السؤال بشكل أكثر دقة، عقب قيام ثورة يناير كان أمام الثوار ومن يمثلونهم من المتفاوضين مع المجلس العسكري خيار من اثنين، إما أن يتم اللجوء إلى الشرعية الثورية وتجاهل الدستور والقانون بشكل كامل على غرار ماحدث مع ثورة يوليو، وأن تعقد محاكم ثورية لكافة أفراد النظام السابق والمتعاونين معه، أو أن يتم اللجوء إلى خيار الشرعية الدستورية والقانونية، وقد تم الاتفاق (ولنقل تم الاتجاه) إلي الخيار الثاني بدعم من المجلس العسكري الحاكم في ذلك الوقت. ميزة الخيار الثوري أنك يمكن أن تحاكم مبارك ورموز حكمه وتوقع عليهم العقوبات وتطيح بهم من مناصبهم دون أن تكون هناك معارضة أو مناقشة، فالثورة التي أرغمت مبارك على التنحي هي التي تحاكمه، وبالتالي عادي جدًا أن يصدر حكم بإعدام مبارك وكافة رجاله، فعريضة الاتهامات السياسية لا تحتاج إلي دليل فالرجل أفسد فعلاً الحياة السياسية وقزم الوطن في نهاية عهده وباع كل شيء مقابل أن يضمن لابنه كرسي الحكم من بعده. أما خيار الشرعية الدستورية فالحكم فيه للقانون الذي يحاكم وقائع ثابتة من خلال أوراق وأدلة محددة، والمفروض فيها أن القاضي لا يحركه إلا ضميره والأوراق والأدلة التي أمامه وبالتالي كان طبيعيًا ومنطقيًا أن يكون الحكم في معظم القضايا بالبراءة، لأن الأدلة التي وضعت أمام القاضي غير كافية لإدانة المتهمين، وأزيدكم من الشعر بيت أن مبارك تحديدًا سوف يحصل على البراءة في النقض في القضية المحبوس بسببها حاليًا لأن أوراقها مهترئة. وبالتالي لو تم تنحية النائب العام وتولي(وجدى غنيم) المنصب بدلاً منه فالنتيجة واحدة طالما أننا نحتكم إلي الشرعية الدستورية وليست الشرعية الثورية، وبالمناسبة الشرعية الدستورية هي التي أوصلت الرئيس مرسى إلى الحكم وليست الشرعية الثورية، فالرجل منتخب وفقًا لإعلان دستوري وأقسم أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا وفقًا للقانون، وحتى مجلس الشعب والشورى تم انتخابهما وفقًا للدستور ومجلس الشعب تم حله وفقًا لخيار دستوري وحاول الرئيس إعادته وفشل بسبب عدم دستورية قراره. إذن الأزمة أن النظام الثوري هو الذي اختار أو(لنقل) فرض عليه اللجوء إلي القانون والدستور، وبالتالي على الرئيس أن يحترم هذا القانون وهذا الدستور، حتى لا يخرج شعبه بعد ذلك يطبق القانون وفقًا لرؤية كل شخص واتجاهه الفكري فالذي يقبض على سارق أمامه خيار دستورى بتقديمه إلى الشرطة، وخيار ثورى بقطع يده، ورجل الأعمال إما أن يلتزم بالقانون ويدفع الضرائب أو يلجأ للخيار الثوري ويرفض الدفع حاملاً شعار (مش لما توفر الأمن تبقوا تطلبوا ضرايب) وهكذا القضية ليست "نائب عام" لكنها قضية التكويش التي يلعبها الإخوان والإطاحة بالنائب العام مقدمة لنائب عام إخوانجي (معلن أو خفي) ويتبعه إقالة أو تعيين شيخ الأزهر سفيرًا في إسرائيل لاستبداله بشيخ أزهر إخوانجي هو الآخر وهكذا تسير المنظومة. و من تظاهروا فى الميدان لم يكن بغرض تأييد النائب العام بل بغرض محاسبة مرسي على المائة يوم ورفض تشكيل لجنة كتابة الدستور بشكلها الحالي، وقد رفضوا قرار إقالة النائب العام لوقف سياسة التغول على السلطات الشرعية في الدولة، فالرئيس مرسي يمتلك السلطة التنفيذية بصفته الرئيس ويمتلك السلطة التشريعية بعد إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وغياب مجلس الشعب، ولو أطاح بالنائب العام لامتلك السلطة القضائية هي الأخرى في حالة نادرة لم تتوفر إلا للفراعنة الذين امتلكوا كل الصلاحيات في يدهم لدرجة جعلتهم يدعون الألوهية، وأحسب أن مرسي ليس منهم. والأهم من هذا كله أن قرار الإطاحة بالنائب العام سهل وبسيط فعدد كبير من السياسيين من أمثال عصام سلطان وعصام العريان ويمكن عصام الحضري يؤكدون أن النائب العام يتستر على فضائح النظام السابق وأن الرجل مدان وأن محاكمته ستؤدى إلى سجنه، جميل جدًا على من لديه هذه الأدلة على فساد النائب العام أن يقدمها للرئاسة فورًا وساعتها سيطلب عبد المجيد محمود الذهاب إلى الفاتيكان حبوًا.