إحدي مشكلاتنا بعد يناير2011, و30 يونيو, أننا لم نعتمد علي الشرعية الثورية, وبالتالي لم نلجأ إلي إجراءات استثنائية أو نصدر قرارات تتعارض والقانون إلا في حالات نادرة, لا تكفي لمواجهة نظام عتيد في الفساد والفوضي مثل نظام مبارك لذلك بقي النظام وتغير بعض الأشخاص, وحصل كل المتهمين بقتل الثوار أو الفساد المالي والسياسي علي أحكام بالبراءة ربما باستثناء مبارك وولديه وعز وحبيب العادلي. عدم استعمال القوانين والإجراءات الاستثنائية أمر يجافي منطق الثورات في العالم, حيث يعلمنا التاريخ أن كل الثورات عطلت النظم والقوانين السائدة في الدولة, وأصدرت قوانين جديدة, وغيرت في مؤسسات الدولة ووظفتها لمصلحة تحقيق أهداف الثورة, وطبعا وقعت أخطاء وتجاوزات لكنها تبدو من قبيل الضرورات التي لا غني عنها لتحقيق أهداف الثورة, ثم ما تلبث الشرعية الثورية في التراجع لتفسح المجال للشرعية الدستورية وللقوانين والمؤسسات الجديدة في دولة الثورة. المفارقة أننا عشنا في تناقضات بين شارع ثائر وأهداف وشعارات ثورية, وقوانين وأنظمة ومؤسسات قديمة- حافظ عليها المجلس العسكري والإخوان- لا يمكنها أن تستوعب الحالة الثورية الجديدة وطموحات الشعب وتطلعاته المشروعه في الحرية والعدالة الاجتماعية, وبالتالي لم تتحقق أهداف الثورة, وحصل أقطاب نظام مبارك علي محاكمات اعتمدت علي قوانين وضعها نظام مبارك, وإجراءات ومستندات وضعتها بيروقراطية دولة مبارك التي لم تتغير, وهنا لابد من تأكيد حيدة واستقلال القضاء المصري الذي حكم ببراءة رموز نظام مبارك لأن منظومة القوانين والإجراءات والأوراق المقدمة له إما مقصورة أو عاجزة عن ملاحقة أشكال الفساد, والخوف أن يتكرر السيناريو ذاته عند محاكمة رموز حكم الإخوان!! إن تغير الأشخاص وبقاء فكر ونظام مبارك يعني أننا لم ننجز ثورة بل قمنا بانتفاضتين شعبيتين, طبعا لا أشكك في عظمة عطاء الشعب المصري, لكن من المؤكد أننا لسنا في حالة ثورة بمعني تغيير علاقات القوي والسلطة في المجتمع, ونقله من حالة إلي حالة نوعية أفضل, ولم ننجح في تحقيق أهداف الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية, بل إن هناك مخاوف حقيقية من إعادة إنتاج نظام مبارك حيث تصدر المشهد السياسي رجال ورموز نظامه, وأنتجوا خطابا يدعي أن ثورة30 يونيو هي الأصل, بينما ثورة يناير ورموزها من الشباب ما هي إلا مؤامرة دولية إخوانية!! تهدف إلي تفكيك كيان الدولة, ومن ثم جاءت ثورة30 يونيو لتصحيح مسار العمل الوطني, أي أنها ثورة تصحيحية. وقد يكون ذلك صحيحا لكن30 يونيو ليست من عمل الفلول, لأن ثوار25 يناير والجيل الأصغر منهم هم من شكلوا تمرد وقادوا الموجة الثورية في30 يونيو علي أساس أنها استكمال وليست نسخا لثورة يناير. الفلول يغالطون ويحاولون إعادة كتابة تاريخ ثورة يناير وفترة حكم مبارك وأخشي من عودتهم إلي صدارة المشهد نتيجة ضعف تنظيم القوي الثورية والأحزاب الجديدة, وربما عدم قدرتها علي مواجهة الإخوان في الانتخابات المقبلة, وبالتالي فإن البديل سيكون هو عودة الفلول, باختصار سيتباري الإخوان والفلول في شراء الأصوات, وهو أسلوب سيئ يجيده الطرفان, لذلك اقترح أن يتضمن الدستور الجديد النص علي عزل قيادات الإخوان والحزب الوطني من العمل السياسي لمدة عشر سنوات, علي أن ينظم القانون مفهوم القيادات في كل هذه الأحزاب, مع تطبيقه بشكل مجرد ومن دون استثناءات. وقناعتي أن قيادات الفلول والإخوان ينتميان إلي نظام مبارك وشاركا قبل ثورة يناير وبعدها في إفساد العمل السياسي والانتخابات سواء بتحويلها إلي تجارة تباع فيها الأصوات وتشتري, مع خلط الدين بالسياسة. هذا الإجراء الاستثنائي كفيل بالقضاء علي ممارسات سياسية وانتخابية لا تؤسس لوعي سياسي, كما سيضمن تجديد النخبة السياسية الفاشلة والطاعنة في السن شرط إجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية, مع تحديد نسبة النصف للمرأة في كل قائمة حزبية, كل ذلك سيدعم من فرص شباب الثورة والأحزاب الجديدة والمسيحيين في الوصول الي البرلمان. رسالتي باختصار أنه لا مجال للخطأ في المرحلة الانتقالية الحالية, أو تكرار أخطاء الماضي, ومن ثم لا بديل عن إصدار قوانين وإجراءات استثنائية لمواجهة العنف والإرهاب وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان عملية التحول الديمقراطي, وأرجو ألا تفهم رسالتي علي أنها تأسيس لدولة استبدادية أو تبرير لتوسع غير ضروري في استعمال الشرعية الثورية التي أكدتها الموجة الثورية الثانية في30 يونيو, لذلك لابد من النص في الدستور الجديد علي حق مجلس الشعب المقبل في مراجعة كل القوانين القديمة والإجراءات الاستثنائية, ولابد أيضا من الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات البرلمانية التي اقترح أن تتزامن مع الانتخابات الرئاسية ضغطا للوقت والجهد والإنفاق. لمزيد من مقالات محمد شومان