أثار الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة مؤخرا بالبراءة علي رموز نظام مبارك موجة من الجدل بين القوي السياسية،واعرب عدد من السياسين عن رفضهم محاكمة نظام مبارك علي جرائم جنائية فقط بقوانين وأدلة يتحمل نظامه مسئوليتها، كما طالبوا بتفعيل سياسات العدالة الانتقالية وقانون الغدر والمسئولية السياسية ومحاكمة مبارك ونظامه سياسيا وشعبيا علي جرائم 30 عاما من حكمه. ومن جانبهم أوضح خبراء في القضاء أنه لا يجوز إجراء محاكمات ثورية أو سياسية للرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه بعد حكم محكمة الجنايات ببراءته؛ لأن الإطار الدستوري المنظم لأوضاع التقاضي بمصر لا يعترف بالمحاكمات الثورية أو السياسية، كما أن الجميع ارتضي بعد ثورة يناير بإجراء محاكمتهم بالقانون العادي؛ لكن يجوز للنيابة العامة أن تطعن علي الحكم بالنقض إذا رأت خللا في إجراءات المحاكمة، وهو ما حدث بالفعل مع قرار النائب العام . وقال المستشار أحمد المراغي رئيس مجلس القضاء الأعلي الأسبق إنه عندما تندلع الثورات وتسقط الأنظمة الحاكمة ، يتقرر بعد نجاح الثورة مباشرة طريقة محاكمة النظام الذي سقط ، فهناك دول تحاكمهم ثوريا وسياسيا ، وهناك من يحاكمهم طبقا للقانون العادي كما حدث في مصر ولذلك فإن ثورة يناير ارتضي الجميع خلالها علي محاكمة مبارك ونظامه طبقا للقانون العادي ، فلا يجوز أن يطالب أحد الآن بمحاكمته ثوريا أو سياسيا ، فقد وقت فات القول بهذا الكلام. وأضاف للأهرام أن الحكم نهائي وليس باتا، ويجوز للنيابة الطعن عليه بالنقض إذا رأت خللا في إجراءات المحاكمة، فهناك فرق بين الحكم النهائي والبات ، فحكم الجنايات نهائي ، لأن الحكم لا ينظر إلا أمام محكمة الجنايات نفسها ، أما محكمة النقض فحكمها بات لأنها محكمة قانون ، وليست محكمة وقائع . وذكر المستشار أحمد الخطيب رئيس بمحكمة استئناف القاهرة أن الإطار الدستوري المنظم لأوضاع التقاضي في مصر لا يعترف بالمحاكمات الثورية أو السياسية وأن الطريق الوحيد لتحقيق المساءلة هو القضاء الطبيعي دون غيره ، إعمالا للدستور الذي نص صراحة علي أنه لكل مواطن حق اللجوء إلي قاضيه الطبيعي ، خاصة وأن الأحكام التي صدرت بحق مبارك تتعلق بوقائع محددة لا تمتد إلي كل ما يتعلق بأخطائه في فترة حكمه. وأوضح أنه يجوز للنيابة العامة التحقيق مع مبارك في أية وقائع فساد مالي أو ارتكاب جرائم ظهرت بعد الحكم ، وإحالتها للقضاء للفصل فيها. وأضاف الخطيب أنه لا يوجد في مصر تشريع يوضح ماهية الجريمة السياسية أو طبيعة محاكمها أو تشكيلها ، ولذا لا يجوز المطالبة بالمحاكمة السياسية في ظل هذا الإطار ، كما أن الجميع ارتضي منذ ثورة يناير اللجوء للقضاء العادي حتي صدرت أحكامه ، فلا يجوز الآن المزج بين الشرعيتين ، الثورية والقانونية ، لأن مصر حاليا في مرحلة شرعية القوانين وتجاوزت الحالة الثورية التي كان يمكن أثناءها تشكيل تلك المحكم ، لكن الوقت انقضي وأصبح لدينا دستور واستقرت المحاكمات علي هذه الطريقة. في غضون ذلك ، أكد المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق أنه لا يمكن حاليا إجراء محاكمات ثورية لمبارك ونظامه ، فليس هناك نص في الدستور الحالي يتعلق بمثل هذه المحاكمات ، موضحا أن ثورة يناير سلكت طريق المحاكمات العادية وليست السياسية . وأضاف الجمل لالأهرام أن القانون الجنائي الذي حوكم مبارك ونظامه من خلاله لا يطبق بأثر رجعي ، ولا يجوز أن نغير مسار المحاكمات ، وكان من المفترض ان نسلك مسار المحاكمات السياسية في بداية الثورة وليس الآن. وأوضح أن مصر موقعة علي اتفاقية دولية تتعلق بقضايا الفساد ، ويمكن من خلالها محاسبته إذا ثبتت إدانته . ومن جانبه ، نفي المستشار القانوني يحيي قدري النائب الأول لرئيس حزب الحركة الوطنية وجود أي نص قانوني في الدستور يشير إلي محكمات ثورية أو سياسية ، موضحا أن الدولة المصرية خرجت من الحالة الثورية إلي الحالة القانونية والدستورية ، ولا يجوز حاليا أن يطالب أحد بإجراء محاكمات سياسية أو ثورية لمبارك. وأضاف لالأهرام أن مبارك عوقب سياسيا بخروجه من الحكم ، وبالنسبة لقضية قتل المتظاهرين فقد برأه القضاء منها .. فعلي ماذا سنحاسبه ثانية؟! ، مشيرا إلي أن الثورة في العموم حالة وقتية حتي تصل الدولة إلي ما تبتغيه ، وهذا حدث بالفعل ، فقد خرجت مصر من الحالة الثورية إلي الحالة الطبيعية . وقال إن الدعوة لإجراء محاكمات ثورية الآن تعد نوعا من أنواع الفوضي ، ولا يدري أصحابها معناها ، فهم يريدون تعطيل القانون واستمرار البلاد في حالة ثورة ، لا تعمل فيها المؤسسات ويسقط فيها كل شيء. وشدد قدري علي أن الدستور الحالي لا يسمح بإجراء محاكمات سياسية أو ثورية ولم يشر لها من قريب أو بعيد.