أسعار العملات مقابل الجنيه اليوم بالبنوك.. بعد العودة من الإجازة    أقل سعر أضحية في مصر من «حياة كريمة» وأعلى جودة.. اعرف التفاصيل    7 معلومات عن أول تاكسي ذكي في العاصمة الإدارية الجديدة.. مزود بكاميرات وGPS    خيرات مستقبل مصر.. مشروعات عملاقة للاستصلاح الزراعي والتصنيع والإنتاج الحيواني    الخارجية تستعرض أسباب تدخل مصر لدعم دعوى جنوب إفريقيا: جرائم إبادة جماعية ارتكبتها إسرائيل    بوتين يعين شويجو سكرتيرا لمجلس الأمن الروسي    رئيس «البحوث الفلكية»: مصر بعيدة عن أي ضرر من العاصفة الشمسية    توقعات: الانفصاليون الكتالونيون فى طريقهم للاحتفاظ بالأغلبية    30 دقيقة | ضغط شرس من نهضة بركان بحثًا عن الهدف الثاني في شباك الزمالك    محافظ الأقصر يتسلم علم عاصمة الثقافة الرياضية العربية    محافظ الغربية يستعرض نتائج الحملة المكبرة على الأسواق والمخابز والمطاعم    غادة عبد الرازق تطرح البرومو الرسمي لفيلم «تاني تاني» (فيديو)    عرض "الطاحونة الحمراء" ضمن الموسم المسرحي لقصور الثقافة (صور)    ثقافة جنوب سيناء تناقش نشأة لغة الإشارة وأهميتها    أول تعليق من "شعبة المصورين" على منع تصوير الجنازات في المساجد    الصحة: إغلاق عيادة للتجميل مخالفة يعمل بها منتحل صفة طبيب بمدينة نصر    محافظ الأقصر يفتتح محطة رفع صرف صحي القباحي الشرقي    فتح باب التقديم لهيئة تدريس جامعة طنطا لشغل مهام مديري وحدات ضمان الجودة ب 3 كليات    رئيس مدينة دمنهور: حياة كريمة مشروعات تتحقق على أرض الواقع    حسام حسن يستقر على 7 محترفين لمعسكر يونيو    أتلتيكو مدريد يحسم فوزًا ثمينًا على سيلتا فيجو بالدوري الإسباني    رئيس جامعة عين شمس يستقبل السفير البريطاني لبحث تعزيز التعاون المشترك    بشأن تمكين.. عبدالله رشدي يعلن استعداده لمناظرة إسلام بحيري    ملمس الضوء    الأعلى للصوفية: اهتمام الرئيس بمساجد آل البيت رسالة بأن مصر دولة وسطية    نتنياهو: سنكمل المعركة التي بدأناها ضد حماس حتى النهاية    رئيس لجنة الانضباط: "لا صحة لتقديم اللجنة لاستقالتها.. وعقدنا اليوم جلسة في مقر اتحاد الكرة لمناقشة عدد من الملفات والقضايا    جامعة حلوان تعلن استعدادها لامتحانات نهاية العام الدراسي    أمين الفتوى: سيطرة الأم على بنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    رئيس جامعة طنطا يتفقد أعمال مشروع مستشفى الطوارئ الجديد    المشدد 6 سنوات لعاملين لاتهامهما بحيازة مواد مخدرة واسلحة نارية بالقناطر    محافظ أسوان: العامل المصرى يشهد رعاية مباشرة من الرئيس السيسى    موعد عيد الاضحى 2024 وكم يوم إجازة العيد؟    مصرع طالب بالصف الخامس الابتدائي غرقا في مياه ترعة اسنا جنوب الأقصر    المشدد 5 سنوات ل 10 متهمين باستعراض القوة بالمعصرة    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    «سايبين الباب مفتوح».. إحالة جميع العاملين بمركز شباب طوسون بالإسكندرية للتحقيق (صور)    من فعل ثقافي إلى جولة ملاكمة!    كوثر محمود لأطقم التمريض في اليوم العالمي: مهما شكرناكم لا نوفى أبدا حقكم    موعد مباراة منتخب السويس وكهرباء الإسماعيلية والقناة الناقلة    برلماني: قانون تحويل المراكز الشبابية إلى تنمية شبابية يحتاج لإعادة النظر    إصابة طالبين فى مشاجرة بمدرسة داخل مدرسة الزراعة بمركز منيا القمح    نقيب الأشراف: مساجد آل البيت تشهد طفرة غير مسبوقة    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    توقيع الكشف على 1492 حالة خلال قافلة طبية بالمنيا    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان تسلم دليل تنفيذ الهوية البصرية للمحافظة    «الصحة» تنظم مؤتمرا علميا للتوعية بجهود الوزارة في تشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    رئيس تحرير الجمهورية: بناء الأئمة والواعظات علميًا وخلقيًا ومظهرًا وأداءً من بناء الدول    شكري يشيد بمواقف سلوفينيا تجاه القضية الفلسطينية: تتفق مع مبادئ الإنسانية    صفقات الأهلي الجديدة.. حقيقة المفاوضات لضم أحمد حجازي (تفاصيل)    «الشيوخ» يعلن خلو مقعد النائب الراحل عبدالخالق عياد    جوتيريش يُعبر عن حزنه إزاء الخسائر فى الأرواح بسبب فيضانات أفغانستان    «بشنس يكنس الغيط كنس».. قصة شهر التقلبات الجوية وارتفاع الحرارة في مصر    الاحتلال يحاصر النازحين بمراكز الإيواء التابعة للأونروا فى مخيم جباليا    اليوم.. «ثقافة الشوخ» تناقش إنشاء متحف تخليد «نابغات وعظيمات مصر»    الرئيس السيسى يوجه بتعويض أصحاب المنازل المحيطة بمساجد آل البيت والصحابة    بعد.سحبه من الأسواق.. الصحة: لم نستورد أي لقاحات من استرازينيكا منذ عام    أطول عطلة رسمية.. عدد أيام إجازة عيد الاضحى 2024 ووقفة عرفات للموظفين في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم الثورة الثقافية
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 10 - 2014

حسبما ذكرت بالتفصيل فى كتابات سابقة، منشورة. فإن لفظ «الثورة» فى أصل اللغة وفى دلالته القديمة، لا يحمل أى معنى إيجابى .
بل على العكس من ذلك تماما، ترتبط مهمة «ثورة» ومشتقاتها بدلالات سلبية، وتستعمل للتعبير عن الردىء والمرضي: ثورة الزَّنْج (= الفوضى التى أحدثها العبيدُ فى العصر العباسي).. ثوران الدم (= الاسم القديم لما نعرفه اليوم باسم ضغط الدم).. ثائر، وهو الشخص الذى قُتل قُريب له ويريد قتل القاتل أخذا بالثأر.. لكن الاستعمال المعاصر للكلمة، بعد ثورة الضباط الأحرار (جدا) سنة 1952، شهد انقلابا دلاليا للضد، صارت معه كلمة الثورة ومشتقاتها تعنى المعانى الإيجابية، فصرنا نقول: النقاء الثوري، الروح الثورية، الثورة المباركة، ثورة التصحيح، التحرر الثوري.. وغير ذلك كثير من التعبيرات.
ولما سبق، فإن استعمالنا هنا لكلمة «ثورة» إنما يجرى على المسار المعاصر للكلمة، وفقا لدلالتها الحالية المستقرة فى الأذهان، باعتبار الثورة حركة شعبية تعبر عن رغبة الجماعة فى التغيير السياسي، وتنطلق من أمنيات عامة ترنو إلى التحرر وكف الظلم والارتقاء بحياة هذا الشعب أو ذاك.. ومن ثم، فالثورة عمل مشروع كلما دعت الحاجة إليها، أو اضطر الناس لها.
أمل كلمة «الثقافة» واسعة المعني، كثيرة الدلالات، فإننى أميل دوما إلى تعريف عالم الاجتماع الشهير «تايلور» لأنه الأكثر قبولا، والأقل إثارة للخلاف حول مفهوم الكلمة، والثقافة بحسب هذا التعريف تعني: الكل المركب من حياة جماعة، بكل ما يشتمل عليه من عادات وتقاليد ولغة ومعتقدات ومعارف عامة شائعة بين أفراد هذا المجتمع أو ذاك.
وعلى ما سبق، فإن كلمة «ثقافية» إذا أضيفت لكلمة «ثورة» فالمراد من مصطلح «الثورة الثقافية» هو الحركة المجتمعية الرافضة،، والهادفة إلى تغيير، ما استقر فى المجتمع من أفكار عامة وأمور اعتقادية ورؤى عامة للكون،، وبطبيعة الحال، تختلف الثورة الثقافية عن الثورات السياسية، فهذه الأخيرة تهدف عادة إلى إعلان الرفض للسلطة القائمة، والإفصاح العام عن رغبة الناس فى التغيير أو بالأحرى التبديل: تبديل حاكم بحاكم آخر، تبديل نظام الحكم بنظام آخر، تبديل النسق السلطوى العام بنسق سلطوى آخر.. فينادى الثوار بقائد ثورتهم بديلا عن الحاكم الحالي، أو بتغيير النظام الملكى إلى نظام جمهوري، أو بالخروج من قبضة استعمار ما إلى إقرار حكومة وطنية مثلا.
وعادة ما تقترن الثورات السياسية بالعنف والعنف المضاد، لأن السلطة السابقة لا تتنازل بسهولة عما هى فيه من سيطرة، فتقمع الثائرين ضدها بالإجراءات العنيفة الرادعة، فينكسر الناس أو يواجهون العنف السلطوى بما هو أعنف. ومعروف أن أى شعب، إذا اتحد، فهو لا محالة أقوى من حاكميه، وأقدر منهم على إملاء ما يريد.. أقول: إذا اتحد!
أما الثورة الثقافية، فهى لا تنطوى بالضرورة على صخب علني، أو مواجهات عنيفة كتلك التى نعرفها
فى الثورات السياسية وحركات التحرر. لأن الثورات الثقافية تستهدف الأفكار غير المحسوسة، وتأثيرها لا يجرى على نحو مباشر أو صدامى بالضرورة، ولا يقع التغيير المنشود منها على المدى القريب، لأنه يتم على مستوى البنية العميقة للعقل الجمعي، وليس على مستوى استبدال حاكم بآخر، كما هو الحال فى الثورات السياسية.
ومع ذلك، فإن أى ثورة سياسية ضد حاكم مستبد أو مستعمر لن تخلو من سمات ثقافية ذات طبيعة ثورية، إذ لا يمكن أن يثور شعب إلا إذا قام أفراده، أو بعضهم، بإعادة النظر فى المفاهيم التى كانت سائدة من قبل. وبإعادة النظر فى المعانى المعروفة لإعادة بنائها فى الوعى العام، فمن ذلك معاني: الحرية، الفهم، الخنوع، المقاومة، الرضا، الرغبة فى التغيير.. وهذه كلها «افكار» تحرك الجموع وتقودها إلى طريق الثورة السياسية.
وهناك مفاهيم أخرى ترتبط بمفهومى الثورة الثقافية والثورة السياسية، لكنها لا تتطابق بالضرورة مع واحدة منهما، وقد لا تنعكس عليهما. فمن ذلك الثورات المعرفية التى يتطور بها العلم الإنسانى من مرحلة إلى أخري، كتلك الثورة المعرفية التى قام بها الطبيب اليونانى العظيم «أبقراط» عندما دون العلم وكتبه، فجعله متاحا بغير شرط التلقين وصحبة الأستاذ، وكان العلم من قبل «سرا» ينتقل من سابق إلى لاحق، بالتلقى المباشر. ومن الثورات المعرفية ما أحدثه اكتشاف العرب لصناعة الورق، السر الصينى القديم، وتقديمهم هذا الاكتشاف للعالم أجمع، مما أدى إلى طفرة معرفية كبرى بسبب سهولة الانتقال والتفاعل المعرفى عبر وسيط متاح وقليل التكلفة نسبيا، بالمقارنة بوسائط أقدم كورق البردى (النادر فى غير مصر) والرقوق الجلدية (صعبة الانتاج نسبيا) والنقش على الحجر أو ألواح الطين الهشة.. ومن الثورات المعرفية، ما جرى على يد «كوبر نيكوس» الذى عكس الفكرة الأولية الأقدم، وهى مركزية الأرض ومحورية الإنسان، الى نقيضها: الأرض تدور حول مركز هو الشمس، والمجموعة الشمسية تدور فى مجرة، والمجرات تدور فى كون لا نهائى الأبعاد.
وبعد.. ففى هذه المقالة الافتتاحية، حسبما الإشارة إلى مفهوم «الثورة الثقافية» وما يرتبط بها من مفاهيم ثورية أخري، بينها اختلاف وائتلاف. وفى بقية مقالات هذه السباعية، وفى لقاءاتنا الأسبوعية المقبلة، سوف نتوقف عند نقاط تالية، منها تبيان التشويه الذى جرى لمفهوم الثورة الثقافية فى الصين، على يد ماوتسى تونج، وفى إيران على يد الإمام الخوميني.. ومنها تحديد الطبعة الراديكالية للثورة الثقافية، واقترانها بإرادة التغيير السياسي، حسبما جرى فى بلادنا عقب اندلاع الأحوال فى الإطار الذى سمى احتفاء «الربيع العربي» ثم انصدم الناس فى المسمى فلم يعد معظمهم يطيق سماعه.
فإلى لقاءات مقبلة.
لمزيد من مقالات د.يوسف زيدان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.