تعرف على أسعار الذهب اليوم الخميس 2 مايو.. عيار 21 ب3080    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    تأهب في صفوف الشرطة الأمريكية استعدادا لفض اعتصام جامعة كاليفورنيا (فيديو)    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم قلنديا شمال شرق القدس المحتلة    هاني حتحوت: مصطفى شوبير اتظلم مع المنتخب.. وهذه حقيقة رحيل الشناوي    هل يستمر؟.. تحرك مفاجئ لحسم مستقبل سامسون مع الزمالك    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    التحضيرات الأخيرة لحفل آمال ماهر في جدة (فيديو)    ما الفرق بين البيض الأبيض والأحمر؟    «الأرصاد» تكشف موعد انتهاء رياح الخماسين.. احذر مخاطرها    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    أول ظهور ل أحمد السقا وزوجته مها الصغير بعد شائعة انفصالهما    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    طريقة عمل الآيس كريم بالبسكويت والموز.. «خلي أولادك يفرحوا»    مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني يواصل تصدره التريند بعد عرض الحلقة ال 3 و4    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    واشنطن: العقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا تهدف إلى تقويض إنتاج الطاقة لديها    بشروط ميسرة.. دون اعتماد جهة عملك ودون تحويل راتبك استلم تمويلك فورى    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 2 مايو 2024    مُهلة جديدة لسيارات المصريين بالخارج.. ما هي الفئات المستحقة؟    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    صندوق مكافحة الإدمان: 14 % من دراما 2024 عرضت أضرار التعاطي وأثره على الفرد والمجتمع    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    أول تعليق من الصحة على كارثة "أسترازينيكا"    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    مسؤول أمريكي: قد يبدأ الرصيف البحري الجمعة المقبلة العمل لنقل المساعدات لغزة    القوات الأوكرانية تصد 89 هجومًا روسيًا خلال ال24 ساعة الماضية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    حمالات تموينية للرقابة على الأسواق وضبط المخالفين بالإسكندرية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون وإشكالية الدمج والاعتدال
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 05 - 2013

منذ قيام ثورة 25 يناير جرت مياه كثيرة فى بحر «الإسلاميين» وتقلبت أحوال الظاهرة الإسلامية، كما كان يسميها الراحل حسام تمام، بشكل جذرى وهو ما يتطلب إعادة التفكير بشأن هذه الظاهرة وفهم تعقيداتها واستبصار ما تطرحه على الأمة المصرية من أسئلة وتحديات سيكون لها أثر كبير فى تحديد مستقبل البلاد خلال السنوات المقبلة. ولعل أبرز التحولات التى طالت البنية الحركية والتنظيمية للإسلاميين طيلة العامين الأخيرين يتمثل فى عملية التسييس المتزايدة التى أدت إلى دمج كثير من أبناء التيار الإسلامى ضمن أطر العملية السياسية فى مرحلة ما بعد الثورة سواء كان ذلك من خلال المشاركة الحزبية والانتخابية أو بالانخراط فى المجال العام والاشتباك مع قضاياه ونقاشاته التى طالت معظم المسائل التى طرحتها الثورة على مائدة الحوار المجتمعى. بيد أن ما يلفت النظر فى هذه التحولات هو مدى ارتباط مسألة دمج الإسلاميين باعتدال خطابهم الأيديولوجى والفكرى وسلوكهم السياسى. وهى إحدى القضايا المسكوت عنها فى نقاشات النخبة المصرية والمتخصصين رغم أهميتها ومركزيتها نظريا وعمليا. بكلمات أخرى، من أجل فهم وتقييم الأداء السياسى والخطاب الأيديولوجى للإسلاميين وذلك بعيدا عن التناول الإعلامى السطحى أو السياسى المؤدلج، لا بد من فهم ديناميات ونتائج عملية الدمج التى جرت لهم طيلة العامين الأخيرين ومدى تأثيرها على بنية العقل والخطاب والسلوك لدى كثير منهم وذلك ضمن إطار أوسع للمقارنة مع حالات أخرى قد تكون مماثلة.

●●●

راجت طيلة العقد الماضى أطروحة الدمج والاعتدال (أو ما يعرف بinclusion-moderation thesis) فى كثير من الأدبيات التى درست الحركات الإسلامية العربية، وقد قدم باحثون ومفكرون عرب وغربيون إسهامات مهمة فى هذا المجال منهم الصديق عمرو الشوبكى والراحل حسام تمام والباحث الأردنى محمد أبورمان وغيرهم، وفى الجانب الغربى لا يمكن تجاهل أطروحات وكتابات منى الغباشى وجيلان شويدلر وناثان براون ومارك لينش وإيفا وينجر وستيفن بروك وغيرهم الكثير ممن لا يسع المقام لذكر إسهاماتهم. وتقوم أطروحة الدمج والاعتدال على فكرة بسيطة مفادها أنه كلما زاد دمج الحركات والأحزاب الأيديولوجية المتشددة والمعارضة للدولة anti-establishment movements فى العملية السياسية كلما جرى تهذيب وترشيد وعقلنة خطابها الأيديولوجى وسلوكها السياسى بحيث يصبحان أكثر واقعية وبراجماتية واحتراما لقواعد اللعبة السياسية الديمقراطية. وقد أثبت هذه الأطروحة نجاعتها فى حالات أخرى مشابهة كان أهمها ما حدث لكثير من الأحزاب الاشتراكية واليسارية والدينية بعد الحرب العالمية الثانية فى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والتى أدى دمجها فى العملية السياسية إلى ترشيد وعقلنة خطابها وسلوكها السياسى. كذلك نجحت هذه الأطروحة فى بلاد إسلامية أخرى مثل تركيا التى شهدت أحزابها وتياراتها الإسلامية دمجا تدريجيا منذ سبعينيات القرن الماضى إلى أن وصلوا للحكم عام 2002 تحت قيادة حزب «العدالة والتنمية» التركى بعد أن قام الإسلاميون الأتراك بتطوير خطابهم وأطروحاتهم الفكرية والأيديولوجية وأصبحوا حزبا محافظا ثقافيا واجتماعيا أكثر منه حزبا دينيا أصوليا. وبناء على هذه التجارب والخبرات كان من المنطقى أن يقوم بعض الباحثين بعمل مقاربات مشابهة للأحزاب والحركات الإسلامية العربية واختبار مدى إمكانية تطبيق أطروحة الدمج والاعتدال عليها.

●●●

من هنا فإن السؤال فى حالتنا المصرية هو: إلى أى مدى أدى دمج الإسلاميين طيلة العامين الماضيين إلى اعتدال خطابهم الأيديولوجى وسلوكهم السياسى؟ وهو سؤال قد تبدو إجابته الآن صعبة لعدة أسباب أولها قصر الفترة الزمنية التى يمكن خلالها اختبار ديناميات التفاعل بين كلا المتغيرين (الدمج والاعتدال) بقدر من الجدية والموضوعية. ثانيها حالة التشظى والتفتت التى تغمر الساحة الإسلامية والتنوع الشديد فى اللاعبين الإسلاميين ما يتطلب ضرورة تحديد هوية هؤلاء الذى يجرى اختبار وتطبيق الأطروحة عليهم. وثالثها، وهو الأهم، فيتعلق بمعايير قياس درجة الاعتدال. فناهيك عن الجدل والخلاف الكبير بين الباحثين حول مفهوم الاعتدال وكنهه، فإن ثمة خلافا أيضا حول الأطر المرجعية القيمية والمعيارية الحاكمة لمضمون لهذا الاعتدال والتى لا تخلو بحال من تحيز معرفى وأنطولوجى للباحث سواء كان تحيزا كامنا أم صريحا. وهى مسألة يقر بها كثير من الباحثين الغربين المشتغلين فى هذا المجال.

تقول «كارى ويكام»، وهى باحثة أمريكية أمضت أكثر من عقدين فى دراسة الحركات الاجتماعية الإسلامية فى مصر وعايشت بعضها فى المناطق الشعبية المصرية مثل إمبابة وناهيا أواخر الثمانينيات، «إن التغير فى خطاب وسلوك الحركات الإسلامية يعتمد بالأساس على توقعات ومرجعية الباحثين المعيارية والتى لا تخلو من تحيزات معرفية وقيمية».

وعلى الرغم من هذه الصعوبات المفاهيمية والإجرائية التى يمكن من خلالها قياس مدى ودرجة الاعتدال المطلوب، يمكن القول بقدر من الثقة بأن الخرائط الحركية والإدراكية للإسلاميين بعد الثورة قد شهدت قدرا من التغير فيما يخص العلاقة الجدلية بين كلا المتغيرين (الدمج والاعتدال)، فثمة متشددون قد نحوا باتجاه الرشدنة والعقلنة، وثمة معتدلون أصابهم التشدد والجمود. فعلى سبيل المثال نحا كثير من السلفيين والجهاديين باتجاه تبنى المزيد من الواقعية السياسية والتى يصفها البعض أحيانا بالانتهازية، فى حين مالت جماعة «الإخوان» وهى المعروفة باعتدالها وبراجميتها الشديدة إلى التشدد والتمسك بمواقفها بشكل أثار حيرة المراقبين والمختصين قبل السياسيين.

بكلمات أخرى، فى الوقت الذى كان من المفترض فيه أن يؤدى الدمج الكلى لجماعة «الإخوان» فى العملية السياسية ما يعنى تبنى خطابا توافقيا وسياسات لينة تجاه القوى الأخرى، فإن ثمة ميلا لدى الجماعة لتبنى مواقف شديدة المحافظية والانغلاق لا تناسب الحالة الثورية التى مرت بها مصر طيلة العامين الماضيين. وبدلا من أن تتبنى الجماعة وممثلها فى السلطة الرئيس محمد مرسى أجندة سياسية ثورية وخطاب أيديولوجى ودينى تقدمى، فوجئ كثيرون بأن الجماعة إما مترددة فى هدم بنية الاستبداد والفساد التى كانت سببا رئيسيا لقيام الثورة وإما تحاول إعادة استنساخ النظام القديم وإن بشكل ديمقراطى من أجل الاحتفاظ بالسلطة. وفى حين أصاب السلوك السياسى للإخوان الكثيرين بالإحباط وفقدان الأمل فى إمكانية أن تسير مصر باتجاه تحول ديمقراطى ناجز، فقد اعتبره آخرون مؤشرا على سلطوية البنية الأيديولوجية والعقائدية والتنظيمية للجماعة التى كانت تحاول مداراتها طيلة مرحلة ما قبل الثورة. ولم يعد التشكيك الآن فى مدى امتلاك الإخوان للكفاءات والمهارات السياسية اللازمة لإدارة شئون الدولة وإنما أيضا فى المصداقية الايديولوجية والفكرية للجماعة ومدى التزامها بالديمقراطية قيما وسلوكا وخطابا.

●●●

على الجانب الآخر فإن التحول السلبى فى خطاب وسلوك الإخوان يمثل تحديا جديا لأطروحة الدمج والاعتدال بصيغتها الراهنة، ويكشف مدى ضعف نموذجها التفسيرى وهشاشة افتراضها الرئيسى واهتزاز علاقاتها السببية. فمن جهة أولى فإن مقارنة سريعة بين خطاب الإخوان وسلوكهم قبل وبعد الثورة تكشف أن القمع، وليس الدمج، كان دافعا لتطور الخطاب الفكرى للجماعة ونضوج وعقلنة سلوكها السياسى وهو أمر محيّر وربما فى حاجة إلى دراسة سلوكية ونفسية للجماعة. ومن جهة ثانية فإن الانتقال المفاجئ للإخوان وتبديل مركزها السياسى من حركة معارضة ظلت مقموعة لعقود إلى جماعة وحيدة حاكمة لم يصاحبه أى تحول أو انتقال فى الرؤية أو بنية التفكير أو السياسات. ومن جهة ثالثة فعلى عكس حالات تركيا والمغرب والأردن واليمن والكويت، لم يحدث دمج تدريجى للإخوان وإنما انخراط سريع ومفاجئ فى إدارة شئون الدولة والحكم دون أية خبرة دولية أو استعداد نفسى أو أيديولوجى أو تنظيمى. ورابعا فإن الدمج المفاجئ للإخوان لم يحدث ضمن ظروف طبيعية أو مستويات دنيا بشكل قد يساعد الجماعة على إعادة موضعة نفسها وترتيب أفكارها وأولوياتها وإنما جاء عقب ثورة شعبية تبعها سوء إدارة وتخبط شديد ممن تولوا رسم خارطة الانتقال الديمقراطى بعد سقوط مبارك. وأخيرا فإن دمج الإخوان تم ضمن حالة شديدة التوتر والاستقطاب الهوياتى والدينى والاجتماعى غلب عليها الطابع التنافسى/ الصراعى أكثر من المنحى التوافقى/التعاونى ليس فقط مع القوى المغايرة فكريا وأيديولوجيا وإنما داخل المعسكر الإسلامى ذاته وهو ما وضع الجماعة، ولا يزال، تحت ضغط المزايدات السياسية والدينية التى يدفعها باتجاه الانغلاق وليس الانفتاح.



باحث ومحاضر بجامعة دورهام إنجلترا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.