البورصة المصرية تخسر 90 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    بنك مصر يرعى الاتحاد المصري للتنس للعام الخامس على التوالي    أستاذ جامعي: إصلاح التعليم يتطلب تخفيض أعداد المقبولين بكليات الآداب والحقوق والإعلام والتجارة    خلال زيارتها لمصر.. مايا مرسي تستقبل قرينة رئيس دولة البوسنة والهرسك    هل تنخفض أسعار المقررات التموينية خلال مايو ؟.. «التموين» تُجيب    توريد 77283 طن قمح في كفر الشيخ    رئيس وزراء مصر وبيلاروسيا يشهدان مراسم توقيع اتفاق بين البلدين لتعزيز نظام التجارة المشتركة    الرئيس السيسي يستقبل أمير الكويت اليوم    استشهاد «حسن».. سائح تركي يطعن جندي إسرائيلي في القدس (التفاصيل)    مقتل خمسة أشخاص وإصابة العديد الآخرين جراء الفيضانات بولاية «جامو وكشمير»    وزير التعليم ومحافظ القاهرة يفتتحان المعرض السنوي وورش عمل طلاب مدارس التعليم    «بكاء ومشادة».. مفارقة مورينيو تهدد صلاح بالرحيل عن ليفربول    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة.. «سيدات الأهلي» يواجه سان دوني    الإسماعيلي يزف بشرى سارة للاعبيه قبل مواجهة الأهلي    مصرع شخص دهسه قطار الصعيد في أبوقرقاص بالمنيا    الأرصاد تكشف حالة الطقس المتوقعة اليوم وموعد ارتفاع درجات الحرارة    توقعات برج الثور في شهر مايو 2024: تحديات ومشكلات على كافة الأصعدة    إحالة حرامي الهواتف بالموسكي للمحاكمة    مدبولي: العلاقات الوثيقة بين مصر وبيلاروسيا تمتد في جميع المجالات    رئيس "كوب 28" يدعو إلى تفعيل الصندوق العالمي المختص بالمناخ    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    أسعار السمك والمأكولات البحرية بسوق العبور اليوم الثلاثاء    فالفيردي: جاهز لمواجهة بايرن ميونيخ    القيعي: يجب تعديل نظام المسابقات.. وعبارة "مصلحة المنتخب" حق يراد به أمور أخرى    عضو إدارة الأهلي: دوري الأبطال ليس هدفنا الوحيد.. ونفقد الكثير من قوتنا بدون جمهورنا    جهاز مشروعات التنمية الشاملة ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة    بلينكن يتوجه للأردن لبحث سبل زيادة المساعدات إلى غزة    رئيس الوزراء الفلسطيني: لا دولة بدون قطاع غزة    تتزعمها سيدات.. مباحث الأموال العامة والجوازات تُسقط أخطر عصابات التزوير    أول بيان من «الداخلية» عن أكاذيب الإخوان بشأن «انتهاكات سجن القناطر»    وفد شركات السياحة المصرية بالسعودية يكشف تفاصيل الاستعداد لموسم الحج    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    مساعد وزير الخارجية الأسبق: الجهد المصري لا يتوقف لتهدئة الأوضاع في غزة    طرح فيلم "أسود ملون" في السينمات السعودية .. الخميس المقبل    رئيس جامعة المنيا يفتتح معرض سوق الفن بكلية الفنون    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    ساويرس يوجه رسالة مؤثرة ل أحمد السقا وكريم عبد العزيز عن الصديق الوفي    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    كيف علقت "الصحة" على اعتراف "أسترازينيكا" بوجود أضرار مميتة للقاحها؟    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    "البيئة" تطلق المرحلة الثالثة من البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة    رئيس جامعة بنها يفتتح معرض الزهور الأول احتفالا بأعياد الربيع    المهندسين تبحث في الإسكندرية عن توافق جماعي على لائحة جديدة لمزاولة المهنة    ميدو يعلق على الجيل الجديد في كرة القدم    رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورنا يحسم الجدل بشأن حدوث جلطات بعد تلقي اللقاح    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    «الثقافة» تطلق النسخة السابعة من مسابقة «أنا المصري» للأغنية الوطنية    طلاب النقل الثانوى الأزهرى يؤدون امتحانات التفسير والفلسفة والأحياء اليوم    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دورالدولة التثقيفى بين الدعم والتغييب

ماهو دور الثقافة الذى تضطلع به وزارة الثقافة بالكليّة وهيئه قصور الثقافة على وجه التحديد..؟
ان الدولة أيّة دولة تستخدم ادارتها للعملية الثقافية من خلال انشاء وزارة لها تقوم من خلالها بخلق التوعية الثقافية ودعمها بكافه روافدها لأجل غاية تحدد اطارها ومضمونها ويتم تطويع هذه الاداره التثقيفيه من خلال التوجه العام للدولة سواء كان محافظا او منفتحاً وحسب أيدولوجيتها التى تعتنقها.. ومن ثم فالثقافة متى قامت الدولة بادارتها فانما يتم تطويعها حسب نظامها السياسي ملكياً كان أم جمهورياً وهل هو رئاسياً أم شبه رئاسياً أم برلمانياً وتوجه الدولة العام هل هو علمانى أم ليبرالى أم دينى أم راديكالى أصولى وكذا النظام الاقتصادى التى تنتهجه الدولة سواء كان رأسمالى أم اشتراكي أم مختلط .. ومن ثم تُطوّع الثقافة حسب توجه الدولة العام سياسياً أواقتصادياً أواجتماعياً ومدى ارتباط الثلاثة مناحى بالدين فيتم تحديد الأُطُر الثقافية العامة للدولة التى تضعها كسياسة ثقافية تضطلع بها الوزارة تنشئها خصيصا لأجل هذا الهدف وبالتبعية المنطقية يكون تحديد التوجه الثقافى للدولة حسب الأُطُر الحاكمة بالكلية بين حكم شمولى أو ديمقراطى .
ويندرج الاعلام كأحد أدوات الدولة الثقافية تستخدمه فى توجيه الرأى العام أو فرض رؤى تثقيفية محددة تراها ومن ثم فالاعلام يُعد أخطر هذه الأدوات ويلزم تبعيته لوزارة الثقافة ليخضع للأُطُر الثقافية وضوابطها دون أن يكون له مسار ًمنفرد تحدده الدولة تحت مسميات عدة اذ لا فرق فى نظرى بين دور وزارة الثقافة ودور الاعلام فكلاهما يضطلعان بذات الدور الذى ترسمه الدولة بما يحقق مصالحها أمام المواطنين وأمام الأخر الأجنبى ..
الأنظمة السياسية ياسادة تتعمد انتهاج سياسة التغييب الثقافى الداعم لتوجهاتها حسب رؤاها.. ففى أنظمة الحكم الشمولي تتقلص أدوات الدولة التثقيفية ما خلى المحافظ منها على هذه التوجهات سواء بنشر أفكار محددة داعمة لها أو بتغييب أفكار مستقرة بذاكرة الشعوب بغية تكريث دعائمها ..
ومن خلال هذا التوضيح السابق ندلف الى سؤال هام ألا وهو مدى ارتباط الثقافة بالعموم والاعلام كأحد أدواته على وجه الخصوص بتوجهات الأنظمة سواء كانت ملكية أم جمهورية ؟
وللاجابة على هذا السؤال لا بد بداية ان نعلم مفهوم الثقافة وهل هو يتصف بالمرونة بما يمكن للأنظمة تطويعه لصالحها أم جامداً فيمتنع عليها ذلك ؟
الثقافة فى اللغه كلمة عريقة وتعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس المحيط : ثقف ثقفًا وثقافة، صار حاذقًا خفيفًا فطنًا، وثقَّفه تثقيفًا أى سوَّاه، وهي تعني تثقيف الرمح، أي تسويته وتقويمه. واستعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقيّ الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات
والثقافة لدى علماء الأنثروبولوجيا انما تعنى مارأه تايلور: (بكونها ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع) .
وهناك من اعتبرها كل المعارف المشروعة منها دون غير المشروعة.. تلك المصطدمة بالدين والقيم والأخلاق..
وفى نظرى فان الثقافة انما تعنى المعرفة بكافه مناحيها واتجاهاتها وقنوات توصيلها ومن ثم كل منحى من مناحى المعرفة هو رافد من روافد الثقافة حتى ولو كان هذا الرافد غير أخلاقى أو تأباه الأديان والاخلاق فتسمى معرفته كذلك ثقافة.. اذ ليس العلم بالكفر ودوافعه كفراً كما وأن ناقل الكفر ليس بكافر .. ويترتب على هذا أنه لا يمكن اعتبار النازيّة والفاشيّة وعلاقة المثليين الشواذ جنسيا أنفسهم أمراً خارجا عن ضرورة المعرفة ومن ثم الثقافة رغم كونها تتنافى مع الأخلاق والدين
ويترتب على هذا أن الاتجاه القائل بأن الثقافة هى معرفة المباح الشرعى دون غير الشرعى لم يصب كبد الحقيقة لأن الأخذ به يجعلنا ونحن فى سبيلنا لتثقيف أبناءنا نمحو حقائق ووقائع تاريخية وفترات حكم ثابتة وكذا حقائق علمية مجموع عليها ومشاكل اجتماعية ذات تأصيل اخلاقى من حزمة المعارف الضرورية لتثقيفهم ومن ثم وبهذا المفهوم فليس ضرورياً ان نلقن أبناءنا الكثير من المعارف عن حقب النازية أو الفاشية او الاستنساخ أو علم دراسة علم الاجرام وسيكولوجية المجرم أو علاقة المثليين أسبابها وطرق علاجها كمرض نفسى واجتماعى .. فهل هذا مقبول ؟
لا ياسادة فاننا نبسط نطاق المعرفة ومن ثم الثقافة لكل مناحى المعرفة شرعية أو غير شرعية.. الأولى للاستفادة والارتقاء بمصالح المجتمعات والثانية لتفهم المخاطر وأخذ الدروس والعبر من وراءها ومن ثم تكون معرفتها لأجل تفادى أخطارها فيكون بالتالى تجاهلها وعدم معرفتها انما يُمثلان خسارة ثقافية حتمية ..
الثقافة ياسادة كما قد تكون دينية يمكن أن تكون جنسية كذلك فيما يسمى بالثقافة الجنسية أى المعرفة الجنسية شرعية كانت أم غير شرعية للافادة بالأولى وتلاشى الأخطار المحدقة بالثانية..
الثقافة ياسادة تعنى المعرفة اذن بكافة أنماط المعرفة وأشكالها وروافدها ومناحيها علمية او دينية او فلسفية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية او كل ما يتعلق بمعرفة الكون منذ خُلق وحتى انتهاءه وبكافة مشتملاته وما يحتويه.. وهذه المعرفة بهذا المفهوم ليست مرنة بالمجمل ولا جامدة لا تقبل التغيير بالاطلاق.. اذ لسيت كلها حقائق مطلقة وليست كلها نسبية كذلك ..
فمثلاً المعرفة بنظريتى النسبية لأينشتاين والجاذبية لاسحاق نيوتن انما تتصفان بالثبات المعرفى بالنظر لصاحبى النظريتين لكنهما تقبلان التغيير المعرفى فى كنه النظريتين ذاتهما اذ تقبلان الاستحداث والتعديل بالتقدم العلمى والمعرفى كذلك فمثلا قد يثبت العلم ان الكتلة تظل ثابتة فلا تتغير ولا تتبدل الى طاقة رغم انطلاقها بسرعة تجاوز 300 ميل /ث .. نعم هذا وارد وقيل أنه يتم دراسته منذ خمسين عام تقريبا فى بحث نظرية جرافيك فيلد انيرجى.. وكذا قد يثبت التقدم العلمى ان حقيقة الجاذبية الأرضية الثابتة هى قابلة للتعامل معها هى الأخرى فترتفع ثمرة التفاح لأعلى ولا تسقط على رأس احد العلماء من بعد نيوتن ..كل هذا وارد حتى ولو كان ذكره على سبيل الافتراض الجدلى فحسب .. اذ لامستحيل عن التوقع بالحدوث أمام العلم والعلماء وكل ماكان خيالا بالأمس صار اليوم هو حقيقة ملموسة.. المهم هو أن المعرفة مرنة قابلة للتغيير والتعديل كما أنها جامدة فى مناحى كثيرة منها كالوقائع التاريخية الثابتة من لدن أدم حتى الساعة ولكنها قد اتصفت بالمرونة بتعديل رواياتها لا بسبب عدم ثباتها ولكن بتدخل الأنظمة السياسية فى تطويعها لأجل استمرارها ودوام حكمها وعروشها ومن ثم فالمعرفة مطلقة فى لزوم الاحاطة بها لكنها نسبية فى قابليتها للتغيير حسب تعاظم الدراسات وتواصل التثقيف والمعرفة ولكن لابد لهذا التغيير أن يكون ذو مرجعية من حسن القصد متخلياً عن سوئه وهذا لا يمكن الوثوق به متى تولت الدولة ونظامها التدخل فى الشأن المعرفى بهذا المفهوم السالف لكون هذا التدخل يجعل المعرفة طيّعة تقبل التشكيل والتغيير والتعديل حسب طموح الأنظمة ودواعى استقرار دعائمها حتى ولو كان هذا على حساب الأُطُر والحقائق المعرفية ذاتها فمثلا يتم تلاعب الأنظمة فى الأحداث والوقائع التاريخية وبالتبعية فى قلب الحقيقة المعرفية لأجل غاية تبتغيها كالحادث فى المحو العمدى من قبل رجال حركة يوليو 1952 لتاريخ محمد نجيب حتى قام عبد الناصر وخلافائه باغتياله بالكلية من أذهان الأجيال التالية رغم دوره الداعم والرائد لحركة الضباط الأحرار وبدلا من أن يرتكز فى ذاكرة الأجيال المصرية لكونه شخصية تاريخية صار نسياً منسيّا بينما عبد الناصر فكان هو أول رئيس لمصر من بعد النظام الملكى ليأتى مبارك من بعد السادات ليكون هو صاحب الضربة الجوية ليمحو سعد دين الشاذلى من تاريخ الأجيال لعقود طويلة ليحل محله فخر العسكرية المصرية ورأس النظام المُثار عليه بيناير العظيم ليتم اغتياله كذلك من ذاكرة أجيال ما بعد ثورة يناير رغم كونه حقيقة معرفية اقتطعت جزء من التاريخ المصرى لصالحها ولايمكن نُكرانها بغض النظر عن مدى صلاحها وفسادها .. المهم أنه حقيقة تاريخية لاينبغى طمسها من عقول الأجيال اللاحقة .. فلا تتقدم أمة وهى تقتطع أجزاء من تاريخها حسب أمزجة أنظمة لاحقة حتى ولو كانت ثورية .. فالنازية لازالت حركة سياسية بألمانيا حتى القرن الواحد والعشرين ولم تُقتطع من أذهان الالمان رغم كونها وصمة عار فى حق الألمان والعالم .. بينما نحن فمُمحاة التاريخ لدينا دائما جاهزة وبغاية الاستعداد حسب رؤى الأنظمة اللاحقة ..أفلا يُعد هذا افتئاتاً على حق الأجيال فى المعرفة ومن ثم فى الثقافة ..وألا يُسمّى هذا سرقة للتاريخ واختزال كفاح الشعوب كذبا وبهتانا؟؟
لكن هذا هو الحادث بالفعل جرّاء تدخل الأنظمة ورجال الثورات فى حق الشعوب فى المعرفة ومن ثم فى الثقافة
ان المعرفة الثابتة والجامدة غير المرنة بالمطلق ذاتها عبثت بها الدولة فصارت تتصف بالمرونة وقابلية التغيير مادام كان هذا لصالح الأنظمة وخدمة للعروش الحاكمة .. فالدين كمنحى معرفى ثقافى يتصف بالثبات المطلق الا ان الأنظمة قد طوّعت أُطُرهُ الحاكمة ذاتها لأجل مُبتغياتها.. فنجد الأنظمة الدينية كالدولة العبرية عبر تاريخها قد نالت من التوراة مانالت خدمة لأطماعها التوسعيّة واعلاءاً لصفاتهم المُتعالية والمتسامية على غيرهم من الشعوب .. حتى أنه فى الدين الواحد نجد الأنظمة بتغير أمزجتها تنال من الدين وثوابته فنرى الأنظمة الشيعيّة الاسلامية كنظام الملالى بايران تختلف عن السنية منها كالمملكة العربية السعودية اذ أخذت الأخيرة من الوهّابية مرجعيتها السياسية الحاكمة بينما الأولى فقد اتخذت من مرجعية أقوال أل البيت نهجاً حاكماً ومرجعية لأنظمة الملالى ومن ثم فأنظمة الحكم فى الدولتين مختلفتين رغم اشتراكهما فى دين واحد نظراً لاختلافهما فى المرجعيّة المذهبية .. ومن هذا المنطلق اختلفت كثير من روايات الحديث فى المذهبين بل وتأويل العديد من الأيات القرأنية بينهما انطلاقا من المرجعيّات السياسية عبر التاريخ رغم كون المعرفة والثقافة الدينية تتصف بالثبات المعرفى ولايجب تناولها بالتحريف والتعديل فلاينال منها أحد بمرجعية سياسية الّا أن هذا قد حدث بالفعل ..
معنى هذا أن الحق المعرفى للشعوب بالمفهوم الواسع يجب حمايته وصونه من عبث الأنظمة وأدواتها مهما كانت المسميات التى يندرج تحتها هذا العبث سواء بمسمى حماية الثقافة وحماية توجه الرأى العام واستقرار أنظمة الحكم أو محاربة الغزو الثقافى الأجنبى .. اذ الشعوب لم تعد قاصرة فتحتاج لقوامة الأنظمة عليها اذ هذا المفهوم الأعور قد سلب الشعوب حقها المعرفى المطلق بدواعى مصالح الأنظمة ذاتها .. فتأتى ثورة يناير بمصر ليمحو الثوار ثلاثة عقود من تاريخ الأمة بجرّة قلم واحدة تحت مسمى العصر البائد وتطهير تاريخ البلاد وقد افتأتوا على حق الأجيال القادمة فى معرفة تاريخ وطنهم حتى ولو كان تحت الاحتلال ذاته بل حتى ولو بلغ من الفساد مبلغه فلا رأينا أوروبا قد محت عصور الظلام من بعد قدوم الثورة الصناعية فلاهى قد نست تاريخا ولاهى قد استبعدته لكنها حافظت عليه محفورا بذاكرة الأجيال المتعاقبة بلا تغيير عظة وعبرة ودرساً من الماضى الى المستقبل .. وكذا الدكتاتورية الملكية الفرنسية لم يلغها الفرنسيون بجرة قلم كذلك من بعد الثورة الفرنسية بمبرر كونها رمزا للاستبداد والقهر فباتت تحفل بها مناهج طلّاب المدارس الفرنسية ليأخذوا منها الدروس والعبر ليصير الطلّاب أنفسهم بعد ذلك رافضين لكل قيد على الحريّات فأقاموا ثورة الطلّاب على شارل ديجول نفسه عام 1968 رغم كونه الأب الروحى لفرنسا الحديثة والذى وقف مدافعا عن بلاده أمام النازية فى الحرب العالمية الثانية ..والسبب أنهم قد استقوا انتفاضتهم للحريّة من انتفاضة ثوّار الباستيل سلفاً فالتاريخ لايتم الغاءه بجرّة قلم واحدة.. وكذا ألمانيا لم تمحو النازيّة من عقول الألمان اللاحقين لها بل حافظت عليه تاريخا ثابتا للأجيال للعظة والعبرة كدروس للمستقبل تحول دون تكرارها بل تعاظم دور المحافظة على تاريخهم أن احترموا حق الشعب فى تبنى أفكار النازيّة ان أراد كفالة للحريّة وحق المعرفة فصار هناك حتى الأن للنازية أتباع ومعتنقين مهما بلغوا من الندرة لكنها كفالة الحرية وحقوق المعرفة .. ذات القول عن الفاشية رغم معلومية دموية موسيلينى بايطاليا الا أنها المحافظة على حق الحريّة والمعرفة ..ولاقوامة من الدولة على الشعوب لكونها غير قاصرة .. بينما لدينا ومن أخطر أسباب تراجعنا المعرفى والثقافى هو التغيير العمدى بالعبث فى التاريخ الثابت بدواعى المحافظة على الأنظمة فنرى الاتحاد الاشتراكى يتم محوه بالكليّة من ثقافة الأجيال اللاحقة على يد الوليد الجديد وهو الوطنى الديموقراطى وقد مات الأول بموت عبد الناصر ليحل محله الأخير بقدوم السادات ليتم زبحه بالكُليّة على يد ثوّار يناير لتتغير المناهج التعليمية فى لحظة واحدة ويتغير التاريخ من أذهان أبنائنا لمجرد تغير الأنظمة ليتم المحو بالكليّة للتاريخ وربما حتى تزويره مع قدوم كل نظام جديد لتصير الدولة ذاتها أكبر كاذبة فى توصيل المعارف لأبنائها اذ كيف لابنك يتلقى بمناهجه الدراسية أن عبد الناصر هو أو رئيس مصرى ليأتى فى العام التالى ليتلقى أن نجيب هو أول رئيس لها ليعلم ثانية أن مبارك صاحب الضربة الجوية ليتم محو المعلومة فى الأعوام التالية لتأتى صورة الشاذلى محله فى تغيير عمدى مرتبط بتغيير الأنظمة وهذا هو مكمن ضعفنا وفقرنا المعرفى بسبب ارتباط المعارف بالدولة ذاتها فتصير مرنة بالعموم لاجامدة بالمطلق .. ومن ثم يلزم اعادة صياغة المنظومة المعرفية واعداد ميثاق شرف لها تنأى بموجبه الدولة من خلال عقد اجتماعى جديد عن حق الشعب فى المعرفة الصحيحة غير المزوّرة .. سواء كانت هذه المعرفة مشروعة أم غير ذلك اذ هى معرفة فى الأساس ولايُمكن الحجر عليها تحت أية مسمى ولايمكن للدولة من ثمة دور سوى مراقبة الوسائل الناقلة للمعرفة وليس تضييع المعرفة حسب هواها ومزاجها السياسى .. ومن ثم فالتاريخ لابد من اعادة تصويبه بدقة وشفافية حتى ولو اختلفنا أو مقتنا صُنّاعه ومهما بلغ فسادهم أو خيانتهم لأوطانهم.. اذ الغاية ليست فى رصد وتسجيل وصون أسمائهم بصحائف التاريخ بقدر ماهى فى المحافظة على ثبات المعرفة وصونها للأجيال للدراسة والتدبر والعبر وكفالة حقهم المطلق فى المعرفة الصحيحة غير المزورة عبر التاريخ..
وكذا فان المعرفة الدينية هى الأخرى لابد من اتاحتها بالكلية أمام الشعوب بلا حجر على حقها فى هذا أو الافتئات عليه وأن تتاح الفرصة للباحثين والدارسين للتناول بالبحث كافة مناحى وروافد المعرفة الدينية اثراءاً لها بلا رقابة من الأنظمة بما يكون من شأنها تقييد حق الشعوب فى المعرفة ومن ثم تقييد الفكر ومنع تطوره .. ومن ثم عليها ألّا تضع أطُر للبحث المنهجى أو الموضوعى للدراسة الدينية ومن ثم المعرفة والثقافة الدينية فالقلم حر كما الفكر حر مادام العقل لم يمت بعد .. الأمر الذى لو حدث لما توقف اعمال العقل باستخراج لألىء الشريعة تحت أعتاب الأنظمة السياسية ليقف الفكر الدينى ومن ثم المعرفة الدينية عند أعتاب مذاهب قد ارتبطت بالأنظمة ومن ثم لم يتطور الفكر الدينى من بعد الوهّابية حتى الأن وكذا الفكر الشيعى حتى الأن كذلك لاستمرار الأنظمة المرتبطة به ذاتها حتى الأن كذلك .. ومن ثم فلم تُنقّى كتب الأحاديث ومتونها كالبخارى ومسلم وغيرهما من كتب رجال الفقه والحديث والتفسير وغيرها لا لشىء سوى لرؤية الأنظمة من تدعيم هذا الاتجاه بايقاف عجلة التطور والتدبر والبحث والارتقاء من بعد هؤلاء بالتزامن مع التطور الحادث فى وسائل المعرفة والذى يمكن من خلاله اعادة النظر وبسهولة شديدة فى كل هذا الموروث الذى وقف وجمُد عند مرحلة معينة أرادتها الأنظمة وأصبح من يتناولهم وماكتبوا سواء بالتعليق أوالبحث ان لم يُسلّم بصحتها وقدسيتها ذنديقاً وكافرا كمن ينكر ماهو معلوم من الدين بالضرورة وبات لهؤلاء كما للكتاب ذاته من قداسةً فتوقف الفكر وتوقفت المعرفة عند موضع أقدامهم بلا تجديد أو تطوير بارادات الأنظمة المتعاقبة وكأن العقل الانسانى المستأهل للمعرفة والتدبر لم يمنحه الله الا لهؤلاء فتوقف التقدم العلمى والمعرفى كذلك وكأننا حاكينا اوروبا وتدخل الكنيسة فى عصور الظلام الأوروبية فلم تتقدم أوروبا الا بعدما حرّرت المعرفة من ربقة الأنظمة والكنيسة بانطلاقة المعارف والبحوث ليأتى بالضرورة عصر النور بالثورة الصناعية الكبرى.. بينما نحن وقد صار ماكتب القدامى جامدا لم يتغير ولم يتطور حتى بتنا سخرية الأخر ومن هم على خلاف الدين من وجود أحاديث ومرويّات لايقبلها عقل وقد أزاحت التراب عنها تقنية العصر المفتقر اليها زمانهم الذى ولّى وكل هذا حادث رغم المناشدات المتواترة وحتى الأن حسب مطالب العقل واحترامه وقداسة الدين ومتطلباتها باعادة تهذيبها بالموافق للشرع لكونها تنتمى لرجال لانشكك فى صدق نواياهم ومقاصدهم لكننا لاننكر كونهم رجال ومن أتوا من بعدهم وحتى الأن هم رجال كذلك فلا يمكن اغلاق باب الاعمال العقلى بالبحث والمعرفة من بعدهم لكونهم ليسوا بذات قداسة القرأن الكريم ومن ثم ليس لقولهم ولا لمارأوا وكتبوا ورووا حصانة الكتاب ذاته .. ويصير ماقامت به الأنظمة لأجل ماكتبوا من اغتيال الفكر والمعرفة جريمة نكراء .. وقد اعتبروا كتاب معالم فى الطريق للسيد قطب جريمة فى ذاته وغيره الكثير والكثير من مناحى المعرفة دينية كانت أم غير دينية فتجمدت المعارف وعقول طالبيها وراغبيها وتعاظمت فى المقابل أفكار الغرف المغلقة والمظلمة راعية الارهاب الفكرى والدينى المتطرف بمالهذا من أبلغ الأثر على المجتمعات ..
هذه محض أمثلة لاحصرية على اثبات السلبية من تبعية المعرفة للأنظمة فتتجمد المعارف عند عتبات الأنظمة ثم تتغير بتغيرها لينتحر الفكر والبحث وحق الشعوب فى المعرفة النقية غير المزورة ..
نأتى اذاً الى دور الدولة وتبعية الثقافة اليها مباشرة واحتكارها للمعرفة برسم أُطُرها الخادمة لمصالحها فى مصر تحديداً كى نعرف نتائج هذا الدور سلباً وايجاباً ومدى تأثيره على حق الشعب فى المعرفة والثقافة ليكون السؤال المُلح ألا وهو مدى نجاح الدولة فى التنمية المعرفية والتثقيفية للشعب من خلال تبعية الثقافة اليها بوزارة وقد شكّلتها تحت مسمى وزارة الثقافة وهيئة قصور الثقافة كأحد روافدها وكذا الاعلام الذى أرى ضرورة وجوده داخل حزمة الأدوات الثقافية التابعة لمفهوم الثقافة ذاته..
بداية من بعد تبعيتها لوزارة الارشاد القومى فى أول عهد الثورة أُنشأت وزارة الثقافة سنة 1958 برئاسة ثروت عكاشة ليكون مهمتها الحفاظ على الهوية والثقافة المصريّة استقاءاً من التفرد الجغرافى والتاريخى المصرى وتداولت عليها القيادات انتهاءاً بعماد أبو غازى من بعد ثورة يناير وقد انبثقت منها روافد عديدة من بينها الهيئة العامة لقصور الثقافة تُعنى برفع المستوى الثقافي وتوجيه الوعي القومي للجماهير في مجالات السينما والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية والتشكيلية ونشاط الطفل وخدمات المكتبات في المحافظات وقد أُنشئت تحت مسمى الجامعة الشعبية عام 1945، وتغير اسمها في سنة 1965 إلي الثقافة الجماهيرية ثم في عام 1989 قد تحولت إلي هيئة عامة ذات طبيعة خاصة وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة وتابعة لوزارة الثقافة.
وبعيداً عن أهدافها التى أنشئت لأجلها يأتى الدور لتفقد مسار هذه الأهداف على أرض الواقع لنجد تدخل من الدولة عبر أنظمتها فى استخدامها لتوجيه الرأى العام أحياناً عن طريق السينما المتجولة والمسرح المتجول كذلك والكتاب المُصرّح به رقابياً كذلك لابقصد التثقيف والمعرفة ولكن بقصد توجيه الرأى العام وصياغته بما يتناغم مع توجهات الأنظمة ليُهلل المسرح المتجول والكتاب المسموح به للثورة ورجالها وان كانا لايخلوان من بعض القيم التنويرية لتنسحب الأدوات فى النهاية لتنحصر مضامين الثقافة بارادة الانظمة التغييبية لها باللهو بتشجيع فرق الرقص والفنون الشعبية لتتعاظم بجوار تراجع الكلاسيكيات المسرحية الواجب اثراء المعرفة بها .. وبرؤى غربية تتأجج المعرفة التغييبية ليصل الأمر حد انفاق الملايين من الجنيهات على المراقص وندوات المناقشة للأدب الحديث وقد غاب عن أذهان أولادنا هامات عظيمة كالمازنى وهيكل وذكى نجيب محمود وغيرهم الكثير .. لتنحدر المفردات الثقافية الى لغة شعبية دارجة وينحدر الفن من طرب الكلثوميّات والوهابيّات وموتسارت وبتهوفن الى المعازف والمراقص والأغانى الشعبية المبتذلة برعاية الدولة وقصورها وبقصد تلهية الشباب وتغييبه ولم نر حتى الأن دوراً رائدا توعويًا وجديّاً على السواء لهذه الوزارة وتلك الهيئة والسبب الأوحد من وراء ذلك هو دور الدولة الراعى والموجه للثقافة فى مصر ..
تخيلوا معى ياسادة أن الثقافة الدينية لم تُمنح دعما من الوزارة والهيئة بحثاً وتنقيبا وتنقية وتطويرا وتعديلاً للخطاب الدينى وتنويرا للجمود العقائدى وتبصرة لمفاهيم الدين الصحيح فانهزمت الوزارة والهيئة أمام تنامى الفكر الدينى المتطرف بينما هى فراحت تدعم فرق الرقص والغناء الماجنة ..
تخيلوا معى ياسادة أن الكتابات الدينية والسياسية ممنوعة بأمر الدولة من خلال مشاريع النشر بالهيئة بينما تُفتح الأبواب لقصائد الشعر الحديث غير المقفاة والقصة القصيرة وكأن الثقافة لديها قد انحصرت فى قصيدة وقصة قصيرة ورقصات هنا وهناك وملايين الجنيهات تنفق بينما الثقافة فلم تتحقق ولا الغرض المنشأة الهيئة لأجله قد تحقق كذلك .. بينما الدولة والأنظمة المتعاقبة راحت تنفق ببزخ على سياسة التغييب الثقافى القاصدة تلهية الشعب وشبابه عن الممارسات السياسية وقضايا الدولة المتجددة والتى هى لازالت حادثة حتى الأن على كامل التراب المصرى بيد الهيئة وسياسة الوزارة الفاشلة .. وتبيان هذا الأمر بجلاء يستحق دراسة أخرى ..
ونرى من خلال هذا السرد كيف أن تبعية المعرفة بكافة مناحيها وروافدها للدولة والأنظمة السياسية بتحديد أُطُرها وثوابت مضامينها بل وتغيير الوقائع والحقائق المعرفية كذلك خدمة لأنظمتها المتعاقبة ولاستقرارها بحجة استقرار الدولة ودعائمها قد أدت الى توافر جريمة التغييب المعرفى فى حق الشعب وكذا بتر حقه فى المعرفة ومن ثم فان دور الدولة المهيمن على المعرفة ومضامينها انما قد مثّل انتكاسة لحق الشعب فى المعرفة وسيطرة الجهل المعرفى ومن ثم الغياب الثقافى بصورة عمدية من الدولة والأنظمة المتعاقبة الأمر الذى قد فتح الباب على مصراعيه أمام الغزو المعرفى أو الثقافى بما قد يحمله من أهداف خبيثة غير وطنية بينما فى المقابل لانجد دوراً وطنياً فى حماية الشعب بتثقيفه واتاحة المعرفة اليه بما يجعله قادراً على مواجهة ذلك الغزو الثقافى خبيث القصد..
ومن هذا المنطلق فنحن لاننادى باقصاء دور الدولة من الاطار المعرفى والتثقيفى بالكليّة انما ننادى برفع يديها عن الشعب غير القاصر وهى المتخذة منذ أمد بعيد دور القوامة الثقافية عليه بألّا تقوم بدور الرقيب السياسى أو الدينى وبالمجمل الرقيب المعرفى للمواضيع المعرفية بكافة مناحيها وروافدها انما الرقابة فى نظرى لاتكون الا لأدوات ايصال هذه المواضيع والأنشطة الثقافية ومن ثم فلاتُستغل مواضع المعرفة وحق المعرفة ذاته لأجل أغراض دنيئة لاتُحفّز ولا ترتقى بالذوق العام ولا المعرفة ولكن تجذبه للرداءة كالمسرح يعرض رائعة شكسبير هاملت بينما الفاصل يزخر بمشاهد البورنو ومن ثم يوضع السم فى العسل تحت مسمى حق المعرفة الأمر الذى يتطلّب أن تمتلك الدولة الرقابة على أدوات توصيل المعرفة لكنها لاتتدخل فى كنه ومضامين المعرفة ذاتها ..
ومن ثم نطالب الدولة الى جوار رفع الوصاية المعرفية ومراقبة أدوات توصيل المعرفة بتبنى دور الارشاد والتوجيه ببث القيم لمواجهة الغزو الثقافى المنحدر بقيمنا القادم لامحالة من الخارج لا أن تتبنى السلبية تحت مبرر رفع الوصاية المطالب بها اللهم ان لم تفعل ذلك تكون قد ارتكبت جريمة تسمى فى الفقه الجنائى بالجريمة السلبية كمن يرى أمامه بالطريق العام جريحا ينزف دما ويتركه حتى يموت بلا انقاذ له بل عليها التعامل بايجابية بالتبصرة المعرفية ومواجهة المنحرف من الأفكار باتاحة الفرصة لأدوات الفكر الجيدة وكذا المفكرين من أبناء الوطن بلا رقابة لصالح الأنظمة ولكن لصالح المعرفة ذاتها وصوناً لنقائها وعدم تلويثها ..
ويُعتبر الاعلام هو أحد أدوات التوصيل المعرفى الذى تملكها الدولة بل وأخطرها على الاطلاق وهو يخضع لذات المعايير السابقة فى تدخل الدولة بالرقابة والوصاية ومن ثم فلايجب تدخل الدولة بشأنه الا فى حدود الرقابة لأداة التوصيل المعرفى صونا من افشاء الخلاعة والعرى ومهددات الذوق العام وقيم المجتمع والدين بلا تدخل فى مضامين المعرفة وصحتها التى تقدم عن طريق الاعلام ولكن فقط الرقابة للأدوات الاعلامية كالتلفاذ وغيره من أجهزة توجيه الرأى العام دون التدخل بالتأثير فى حق الشعب فى المعرفة وذلك حفاظاً على أهداف المعرفة بالأساس اذ كيف تعطى أذنيك للخطيب على المنبر بينما عيناك فترى صورة فتاة عارية على الحائط .. فمشاهدة العرى وممارسة الجنس ليس ثقافة بل هدما وتقويضاً لها ولاينال هذا القول من كون الثقافة هى المعرفة المطلقة مشروعة وغير مشروعة اذ التناول المعرفى لغير المشروعة منها هو بالدراسة فقط لأسبابها وسبل علاجها لالبيان كيفية ممارستها والا باتت المعرفة مهددة بمداعبات الغرائز فتخرج الثقافة بموجب الألة الاعلامية عن اطارها وأهدافها ..ومن ثم يكون على الدولة مراقبة أدوات التوصيل المعرفية للمادة الثقافية سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية حفاظاً على الذوق العام والقيم والدين والعلاقات الاجتماعية لا كمدخل ومبرر لاعادة دور الرقابة بل بموجب مواثيق شرف اعلامية تلتزم بها هذه الأدوات دون المساس بمضامين الثقافة كما ذُكر .. ومن ثم فان الاعلام هو أحد الروافد الثقافية الهامة والخطيرة التى يجب عدم خروجه عن الحزمة الثقافية المنوط بالدولة رعايتها وكفالة أهدافها من منظور معرفى وثقافى بالمنهج المبين سلفاً..
ان ماتنفقه الدولة ياسادة على الصعيد الثقافى منذ انشاء وزارة الثقافة بجميع روافدها وخاصة هيئة قصور الثقافة من أموال طائلة لم يؤدى لتقدم معرفى وتثقيفى لدى الشعب بل باتت المعرفة فى أقصى حالات انحدارها ومنذ موت شوقى لم يأتى دورها المعرفى والتثقيفى بشوقى جديد ولابأم كلثوم جديدة ولابالمازنى أو العقاد أو هيكل أو ذكى نجيب محمود أو يوسف ادريس أو أنيس منصور أو هيكل أو مصطفى محمود .. وكأن المعرفة بمصر قد احتضرت فى العقود الأخيرة من القرن العشرين حتى الأن بنشاط مادى غير داعم بل ومُقصى لكل عمل معرفى جاد وباتت جوائز الدولة بأنواعها تتخذ منهاجاً فى تزكية الانحدار الفكرى بتزوير الحقائق المعرفية عمداً وتشجيع الاسفاف والركاكة والابتذال حتى وصل الأمر الى نيل أصحاب الشهادات العلمية المزورة والرسالات العلمية المسروقة لأعظم هذه الجوائز تقديرا وتشجيعاً.. فماتت القدوة المعرفية ومات الرمز الثقافى فاحتضرت الثقافة بالأساس..
لابد ياسادة من تطوير أدوات توصيل المعرفة والثقافة بوسائل التقنية الحديثة فأجيال المعرفة الاليكترونية لايمكنهم التواصل مع أدوات توصيل المعرفة البالية والقديمة والتى لازالت تمسك بتلابيبها وزارة الثقافة وهيئة قصور الثقافة ولكن يجب الاستعانة بالتقنية الحديثة بذات منهاج الشفافية والأمانة التثقيفية التى تضطلع بها الدولة باذكاء الحراك الفكرى والثقافى والذى بات ينهض من بعد الثورة المصرية غير مقتصر على النخب فحسب بل العوام كذلك.. ولابد له أن يطول كل شبر من أرض الوطن فلايقتصر على العاصمة فحسب ..اذ لم لايُحاضر كبار المثقفين والعلماء متلقى الثقافة بكامل بلدان الدولة من خلال الأندية الرياضية و المكتبات الثقافية وقصور الثقافة المختلفة باستخدام تقنية العصر وفى وقت واحد من خلال تقنية الفيديو كونفرانس .. ليكون النقاش حيّاً والحوار متحركاً ذو روح وتواصل والتعاطى يظل قائماً بين المحاضر والمتلقى كما وبين الأخير ورفاقه مهما تباعدت اقاماتهم على أرض الوطن وتباعدت ..
لابد ياسادة من اعادة الدورالتثقيفى الريادى المصرى للمنطقة العربية والذى قد سلبته أصغر الدول الخليجية فى الأونة الاخيرة برعاية الأنشطة الثقافية بكافة روافدها .. فنطمح أن نرى يوماً انتقال برامج ثقافية ضخمة وكثيفة برعاية اعلامية للشعر الكلاسيكى والحديث والأدب عموماً والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية والثقافة بكافة معانيها ومحاورها.
نعم لابد من احترام الفكر ورجاله والارتقاء بالمفكرين واعتبارهم صفوة المجتمع تقديراً لهم وللمعرفة بالأساس واعادة صياغة القدوة أمام الأجيال من جديد لتصير المعرفة والثقافة موطن جذب للارتقاء بالذات اجتماعياً ونفسياً..
لابد ياسادة من تعديل منهاج هيئة قصور الثقافة بالكامل حتى يصير لها دور فاعل وملموس على الصعيد الثقافى مستفيدة من أدوات العصر وتقنياته فى ايصال المعرفة لأفراد المجتمع واتاحة الفرصة لكافة المواطنين بالتواصل معها ..
لابد من تواصل دور الثقافة بالمفهوم السابق مع وزارة التربية والتعليم لكون الثقافة لايمكن انفصامها عن المؤسسات التعليمية بالاساس ومن ثم نغنم تربية ثقافية لجوار التربية التعليمية منذ مراحل التعليم الأولى .. فنحصد أجيالاً مثقفة لامتعلمة فحسب .. وهنا سنرى ألف زويل مصرى ومئات مكربنة من نجيب محفوظ وشتراوس وبت هوفن ومختار وأم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم من عمالقة الأدب والعلم والموسيقى والفن بالعموم..
اللهم ان لم تفعل الدولة ذلك واَثرت الحفاظ على دورها المعهود بالرقابة والوصاية لصالح الأنظمة بالتغيب والتعتيم الثقافى تارة وبالتحريف والتلهية تارة أخرى فتكون هى وقاتل نفسه سواء ليتضح عندئذ دورها التثقيفى بين الدعم والتغييب..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.