إلي متي تظل المرأة العربية أسيرة فتاوي متشددة لدعاة الجمود والتطرف الذين وظفوا النصوص وحملوها أكثر مما تحتمل وكرسوا الإقصاء لها والحجر عليها تحت قاعدة سد الذرائع، وموروثات وتقاليد ظالمة عطلت إعمال النصوص الشرعية ونالت من مكانتها وحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت أسيرة لخطاب ديني متشدد ينطلق عبر بعض الفضائيات والمواقع الإلكترونية المختلفة ودعاة يرددون أحاديث ضعيفة وآراء فقهية لا تلائم عصرنا الحديث بمتطلباته ؟! ولماذا لم يتم تفعيل وثيقة الأزهر لحقوق المرأة والتي أقرتها هيئة كبار العلماء بعد أكثر من عام من المناقشات مع مختلف تيارات الفكر والسياسة في المجتمع المصري.ونصت علي حقوقها السياسية والاقتصادية المساوية للرجل كالحق في تولي الوظائف العامة متي اكتسبت المؤهلات التي تقتضيها تلك الوظائف، وطالبت أهل العلم وحكماء الأمة وقيادات الرأي العام ببذل الجهد لوضع حد للأعراف والتقاليد الظالمة التي تعطل إعمال النصوص الشرعية لميراث المرأة الذي وصفه الله تعالي بكونه “نصيبا مفروضا”؟ وهل تنجح الخطة الدعوية والدروس الدينية التي بدأتها وزارة الأوقاف في المساجد للتوعية بحقوق المرأة ومكانتها في الإسلام؟ علماء الدين يؤكدون أن خطة وزارة الأوقاف وحدها لا تكفي، ويطالبون بتبني خطة دعوية وإعلامية بمشاركة جميع مؤسسات المجتمع وتبني خطاب دعوي وإعلامي موحد لإنصاف المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمعات الإسلامية ودفع الظلم عنها. كما طالبوا ببلورة ميثاق إسلامي يحدد كيفية التصدي للعادات والتقاليد التي هضمت حقوق المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية ومنحها حقوقها السياسية والثقافية والاجتماعية، وتعزيز مكانتها في المجتمعات الإسلامية ودفع الظلم عنها. توعية دينية حول ملامح الخطة الدعوية للأوقاف يقول الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن الوزارة تعمل علي مواجهة ظاهرة «العنف ضد المرأة» والتي تتمثل في حرمانها من بعض حقوقها الشرعية والاجتماعية كالميراث أو زواجها رغمًا عنها ممن لا ترغب فيه، أو تعرضها لظاهرة التحرش الجنسي في هذه الآونة الأخيرة، مما ينتج عنه أمراض وعلل ينعكس أثرها السلبي علي المجتمع بأسره .والوزارة تعمل جاهدة علي التعامل مع هذه المشكلات في شكل خطط عاجلة ومتوسطة ومستقبلية تسهم بشكل ملحوظ وفعال في حل تلك المشكلات، في مقدمتها التوعية بمشكلة العنف ضد المرأة في القوافل الدعوية بالمساجد علي مستوي الجمهورية وفي الملتقيات والندوات التي يحاضر فيها علماء الأزهر والأوقاف. كما طبعت الوزارة مجموعة من الكتب حول»مكانة المرأة في الإسلام وحقها في التعليم «، وكتاب «المرأة بين الجاهلية والإسلام» ، وكتاب «حديث القرآن عن الرجل والمرأة»، وخصصت في خطبها الموحدة علي مستوي الجمهورية خطبة تعالج قضايا المرأة والاهتمام بها وإعطائها حقوقها غير منقوصة منها عناية الإسلام بالمرأة وإكرامه لها، وأعدت دروسا حول ظاهرة التحرش أسبابها وعلاجها، وادرجت قضايا المرأة وبخاصة ما يتصل بحقوق الزوجين وشئون الأسرة ضمن المنهج التدريبي للدورات التدريبية للأئمة علي مستوي الجمهورية لما له من أهمية وطنية ودينية بالغة. وشكلت الوزارة لجنة المرأة والأسرة والطفل بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية وتم وضع خطة لعمل اللجنة, منها ندوات ودورات تثقيفية وإعداد المواد العلمية الخاصة بالمرأة والطفل، وذلك انطلاقا من إيماننا بدور المرأة في المجتمع وفي الإسلام، ولما له من أهمية وطنية ودينية بالغة. مكانة المرأة في الإسلام وحول حقوق المرأة ومكانتها في الإسلام يقول الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن الإسلام كفل للمرأة العديد من الحقوق المجتمعية علي اعتبار أنها إنسانة ملقي علي عاتقها مسئولية مجتمعية بالمعني الموسع الذي يشتمل علي حقوق سياسية واجتماعية وأسرية، وبالطبع فإن هذا يستلزم من المرأة أن تضطلع بهذه المسئوليات وأن تمارس هذه الحقوق السياسية والاجتماعية، وأن تمكنها الدولة والمجتمع من أداء هذه المسئوليات لأن المجتمع بحاجة ملحة إلي وجود كل فرد فيه الرجل والمرأة علي سواء، وركيزة هذه الاستحقاقات التي أولاها الإسلام للمرأة، قول الرسول صلي الله عليه وسلم: ( النساء شقائق الرجال )، فهذا الحديث يضع المرأة مع الرجل علي قدم المساواة في الاستحقاقات المجتمعية بصفة عامة، ولا يستثني من ذلك إلا ما تحوله ظروف المرأة الخاصة من أدائها. وأضاف: إن الاستحقاقات السياسية التي كفلها الإسلام للمرأة، مردها قول الله تعالي:» يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَي أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ «، فهذه المبايعة التي وردت بنص واضح وصريح يجعل من دور المرأة في الممارسات السياسية حقيقة واقعة في الحياة السياسية والاجتماعية، وهو ما طبق علي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم، وبرهان ذلك مبايعة المرأة للرسول صلي الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية، التي كانت بمثابة عقد اجتماعي مهد السبيل لنشأة الدولة الإسلامية في المدينةالمنورة، ومعلوم أنه كان من بين الأنصار الذين بايعوا الرسول صلي الله عليه وسلم علي الولاء والنصرة، كان من بينهم، امرأتان كانتا تمثلان بنات جنسهما في وضع حجر الأساس في الدولة الإسلامية الأولي، ويستبين من ذلك، أن الإسلام لم يميز ضد المرأة في ممارسة الحقوق السياسية والاجتماعية، كما لم يكن مجرد الأنوثة والنوع حائلا بين المرأة وبين ممارسة حقوقها السياسية، ومصداق ذلك ما ينشره التاريخ الإسلامي من موقف السيدة أم سلمة « أم المؤمنين» ، من صلح الحديبية عندما رفض المسلمون تنفيذ أمر الرسول صلي الله عليه وسلم، عندما كانوا ساخطين علي ما انتهت اليه معاهدة الصلح بين المسلمين والمشركين ، فقد كان بمشورة وتدخل السيدة أم سلمة باقتراحها علي أن ينفذ الرسول صلي الله عليه وسلم ما أمرهم به وأنهم سيفعلون مثله ويطيعونه، فكانت تلك المشورة هي التي أدت إلي إنهاء المشكلة بسبب هذا الموقف الحكيم من السيدة أم سلمة في أمر عام يتعلق بمسيرة الدولة الإسلامية في علاقتها مع المشركين. المشاركة السياسية من جانبه يؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة، أن المرأة لها حق تولي القضاء وتمثيل أفراد المجتمع ذكورا أو إناثا في المجالس النيابية: سواء في ذلك في اختيار الحاكم، أو مُبايعته، أو المَجالس النيابيَّة أو مجالس الشوري، أو المشاركة في رسم السياسة العامَّة للدولة، إذْ ذكَر الفقهاء شُروط أهل الحلِّ والعَقد، الذين يَتوَلَّونَ اختيار الحاكم، فلم يَعتبروا مِن بينها الذُّكورة، ولها عقد الذمة: حيث جعل لها الإسلامُ حقَّ عقد الذِّمَّة أو الأمان لغير المسلمين، الذين يَطلبون الدخول إلي دار الإسلام، ولها كذلك حق المشاركة في رسم السياسات العامة في الدولة، فقد قامت امرأةٌ من بين صفوف النساء في المسجد تُراجع عمر فيما عزَم عليه مِن وَضْعِ حدٍّ أعلَي للمُهور، لا يُزاد عليه، فلم يَنتهرْها ولم يأمرْ بتَعزيرِها، وإنما رضَخ لقولها، وقال: “كلُّ الناسِ أفقهُ مِن عمرَ حتي النساء في البيوتِ”. “. وفي عُدول عمر عمَّا عزَم عليه، بعد أن راجعتْه هذه المرأة علي الملأ دليلٌ علي أن للمرأة الحقَّ في مُراجعة الحاكم فيما يَنوي اتِّخاذَه من سياسات، ويدلُّ كذلك علي أن لها إعلان رأيها في ذلك عن طريق المَحافل التي تُناقَش فيها هذه السياسات، كالمجالس النيابيَّة ومجالس الشوري ونحوها. وفي سياق متصل يقول الدكتور طه أبو كريشه، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، أن الإسلام لا يفرق بين الرجل والمرأة وإنما ينظر إليهما نظرة متساوية فيما يتعلق بالحقوق والواجبات الخاصة بكل منهما، تبعا للاستعدادات الفطرية الموجودة لديهما، ومنها هذه الأمور السياسية والقيادية في الوظائف العامة، وأن الإسلام يقر للمرأة بمثل ما يقر به للرجل في هذه المواقف الحياتية سواء في السياسة أو في تولي قيادة الأمور التي تخص جمهور الناس.وإذا رجعنا إلي السيرة النبوية فإننا نجد فيها أمثلة كثيرة تؤكد هذه المشاركة ونري فيها كيف قامت المرأة بأمور اشتركت فيها مع الرجل دون تفرقة، ومن هذه الأمثلة ما كان في حدث الهجرة وما سبقها من أسباب وما توزع فيها من أدوار بين الذكور والإناث كذلك الأمر فيما يخص الاستشارات التي أدلت بها المرأة عندما طلب منها ذلك.