لقد نالت المرأة فى الإسلام حقوقاً تحسدها عليها نساء العالم ، فحدد لها حقوقها فى الحياة والزواج والإرث ، وحق التصرف فى الملكية وغير ذلك من الحقوق فى كافة مجالات الحياة ، منذ ولادتها وحتى لقاء ربها ، والإسلام ليس فى موقف الاتهام - بالنسبة لقضية المرأة ولا لغيرها من القضايا -إنه شرعُ الله الحكيم ، ولقد أعطاها حقوقها الإنسانية كاملة ، وحافظ على ميزاتها الأنثوية محافظة تامة ، ولم يقصر فى هذا ولا ذاك ... فأعلن إنسانيتها التى تستوى فيها مع الرجل فى جميع الحقوق والواجبات البشرية ، ونصوص القرآن والسنة تشهد بهذا التوازن فى نظرة الإسلام للمرأة ، التى منحها منتهى التكريم والرفعة ، وجعلها مثل الرجل فى الإنسانية ، وأخته فى البشرية ، خلقها الله كما خلقه ، و لا فضل له عليها . قال تعالى : " فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ " (آل عمران : 195) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما النساءُ شقائق الرجال " سنن الترمذى . بل وصل الإسلام بالمرأة إلى جعلها مسئولة عن إصلاح المجتمع وتقويمه ، من خلال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، قال تعالى " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " ( التوبة : 71) . ويبلغ التكريم أسمى معانيه حين يجعل لها ذمة وعهداً تستطيع أن تُجير به ما تشاء فلا يتعرض أحد لمن أجارته بسوء ، فعن عائشة رضى الله عنها : " إن كانت المرأة لتُجير على المؤمنين فيجوز " أخرجه أبو داود والنسائى ، وأقرهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً للصحابية الجليلة أم هانئ : " أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ " وذلك عندما أجارت أحد المشركين . ومن الحقوق التى أعطاها الإسلام للمرأة على سبيل المثال : حق عصيان ما يخالف دينها ؛ (فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق) ، وحق حماية الملكية ، والخصوصية ، وكيانها الإنسانى المادى و المعنوى ، وحق التعليم وحسن التربية إلى غير ذلك من حقوق قد أهلَّت المرأة وأعلت كرامتها ومكانتها فى الحياة ، وكان لابد من أن يقابل هذه الحرية والمكانة (تحمل المسئولية الكاملة تجاه أعمالها فتأخذ الثواب وتتحمل العقاب) ، وكل هذه الحقوق قد كفلها الإسلام للمرأة . وكان هذا عدل الله و نأتى إلى ظلم الموروثات ... وهو الواقع المر للتطبيق الخاطئ الذى يشوه شرع الله ، وينحرف به عن مقاصده ، فنجد أنه برغم العطاء العادل من الله سبحانه وتعالى إلا أن جزءاً كبيراً من المجتمعات العربية والإسلامية قد انحرف عن تعاليم الدين الحنيف وابتعد عن توازنه ومقاصده ، فأصبحنا نعانى من الكثير من المشكلات الاجتماعية التى تعوق حركة المرأة ، وتعزلها عما أراده الله لها فى الحياة ، ومن هذه الموروثات الظالمة ، أولاً : إساءة فهم بعض النصوص لللأحاديث الشريفة ، فمن المعوقات التى حرمت المرأة اكتساب حقوقها التى منحها الإسلام. 1- بعضُ العلماء المسلمين ؛ إذ أساءوا فهم بعض النصوص ، وذلك بوضعها فى غير موضعها ، أو استنباط أحكامٍ منها لا تدل عليها إلا باعتساف شديد ، أو بترها عن سبب نزولها وورودها عن سابقها و سياقها أو عزلها عن باقى أحكام الإسلام ومقاصده الكلية العادلة ، وأوضحُ بعض الأمثلة بإيجاز ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ، ومثل " ما رأيت من ناقصات عقل و دين أذهبُ للب الرجل الحازم من إحداكن " ، ومثل الحديث الذى ذكر عن السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيرٌ للمرأة ألا ترى أحداً ولا يراها أحد " وقد أقر النبى صلى الله عليه وسلم ذلك ، وضم ابنته إلى صدره قائلاً : " ذريةٌ بعضها من بعض " ولقد عقب الشيخ محمد الغزالى على هذا الحديث بأنه حديث منكر ولم يذكره كتاب سنة محترم ، و أنه يخالف تواتر نص القرآن الكريم و الأحاديث الصحاح و سيرة النبى الكريم و خلفائه الراشدين . 2- الجور على الحقوق المادية و الأدبية للمرأة : فلقد انحرف بعض المسلمين عن تعاليم دينهم فى معاملة المرأة ، فلقد شاعت بينهم روايات مضللة انتهت بالمرأة المسلمة إلى العزلة والجهل ، وأصبح الجور على حقوقها المادية والأدبية هو العرف السائد الذى يعتبره البعض من مفاخر الرجولة ، فنجد البنت داخل بعض الأسر فى المرتبة الثانية بعد الولد ، وهناك التمييز والتفريق بينهم فى المعاملة والحقوق مما يترك أثراً نفسياً سيئاً وانكساراً داخل البنت التى هى امرأة الغد وصانعة أجياله ، فانظر كيف ستكون الأوطان؟! . 3- ومن الموروثات الظالمة التى حرمت المرأة عدل شرع الله عزل المرأة عن المشاركة فى الحياة الاجتماعية والسياسية ، ويوجد فى كتب الصحاح مئات الأحاديث التى تفيد وتؤكد وجوب مشاركة المرأة فى مجالات الحياة ، ونجد فى كتب السيرة والتاريخ من نساء عهد النبوة من تمتعن باستقلال الشخصية والنضج ولم يكن مجرد تابعات للرجال ، بل إنهن بايعن كما يبايع الرجال ، ولم يقف دور المرأة على المبايعة بالقول بل شاركت بالفعل فى ميادين الجهاد لتُثبِّت مبادئ الدعوة الإسلامية . ومن هنا نجد أن الإسلام منح المرأة المسلمة سمات القوة والسمو النفسى والنضج الاجتماعى لتصبح واعية بدورها ، وعلى المرأة المسلمة أن تفعل هذا الدور والوعى به وتُظهره فى الأزمات والشدائد وخاصة فى المرحلة الحالية التى تمر بها الأوطان العربية والإسلامية حيث أصبح من الواضح أن التمايز والتفاضل بين الرجل والمرأة فى الإسلام يرجع إلى ما يؤديه كل منهما من أدوار فى صنع الحياة ، وعلى المجتمعات العربية والإسلامية أن تتخلص من الموروثات الخاطئة والظالمة التى أوقعت المرأة فريسة لها ، وعلينا أن نستحضر هَدْى شريعة الخالق حتى تستقيم الحياة و يستقيم المجتمع المسلم كما أراده الله .